د. إبراهيم بن سالم السيابي
قد يظن البعض خطًا أنَّ ما يحصل اليوم من أحداث، يعود تفسيره إلى حرص الدول في ما بينها على المصالح السياسية والإقليمية والعلاقات التاريخية، فهذا كلام قد أكل عليه الزمن وشرب، ما يحصل اليوم من أحداث وعلاقات واتفاقيات وتفاهمات هو صراع على المال وليس النفوذ؛ فالنفوذ بدون مال لم يعد مجديًا؛ بل هو عبء آخر يضاف على الدول مع أعبائها الأخرى فدول العالم وخاصة ذات القوى الاقتصادية كل همها الآن، هو أن تبقى قوتها في اقتصادها وكيفية تدبير الموارد لكي تبقي شعوبها على ما هي عليه من رفاهية.
الديمقرطية التي يتغنى بها الغرب مثلا ماهي إلا ديمقراطية الترفيه، فالشعوب لا يهمها إذا كانت الحكومات تسرق من أفواه الفقراء وتنهب خيراتها ولا يهمها من أين تأتي بالمال بدليل أن قارة أفريقيا والذي يُعتبر الفقر المعقل الأول لمُعظم بلدانها هناك دول غربية تعيش على المواد الخام المستخرجة من هذه الدول والتي هي السبب الرئيس في قوة اقتصادها بينما تموت شعوب هذه البلدان من الأمراض والحروب وتعاني ما تعانيه من فقر وتخلف.
الحقيقة أن الصراع القادم والحروب القادمة ليست من أجل النفوذ السياسي وضم المزيد من الأراضي ولكن من أجل المال ولكن الصراع سيكون صراع بقاء، فالموارد الطبيعية هي من سيحدد شكل وتوجه وطموحات الحكومات في المستقبل وهذا ما أشرنا إليه في العلاقة بين المال والسياسة.
وإذا استثينيا الصراع الصهيوني الفلسطيني فهو في الأساس صراع وجود وعقيدة، فالغالبية العظمى من الفلسطينيين ليسوا مع حل الدولتين وفي قرارة أنفسهم يؤمنون بوحدة أراضي فلسطين وإن قبلوا بهذا الحل فهو حل مؤقت لحين تحرير كافة أرضهم وزوال ما يُسمى دولة إسرائيل، ولكن حتى هذا الصراع فإن دولة إسرائيل إضافة إلى رغبتها في طي صفحة ما يسمى بفلسطين للأبد ولكنها في الوقت نفسه، تبحث كغيرها عن المال وعن موراد جديدة لتعزز اقتصادها سوى كان في شق قناة من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط عبر الاستيلاء على ما تبقى من أراضي غزة وبالتالي يكون لها ممر مائي هام يدر عليها مليارت الدولارات أو ما قدر من اكتشافات من نفط وغاز في أرض غزة.
الموضوع ليس استعمار فحسب ولكن هناك مخطط آخر بجانبه وهو توفير المال في المستقبل، وليس ما يحصل في سوريا ببعيد من تهافت الدول على تشير إليه التقارير المؤكدة من وجود كميات لا تقدر من نفط وغاز والذي وضعت عليها الولايات المتحدة يدها ووجود المارد الروسي وكذك الحال مع الوجود الأجنبي في العراق وليبيا.
العالم يشهد تحولات كثيرة، فها هي الصين التي تركت أمور السياسة والحرب وتفرغت للاقتصاد وجني المال، تحولت ليست إلى مارد اقتصادي فحسب ولكن غول يلتهم كل ما يحصل عليه من فرص؛ حيث أصبحت تسيطر على معظم الصناعات على سبيل المثال صتاعة السيارات التي باتت تستحوذ على ما نسبته 40% من السوق العالمية لهذا السوق وخاصة الكهربئية منها وأجبرت دولا عديدة على التراجع مثل المانيا واليابان، وكذاك الحال في كثير من صناعات السلع والمعدات، ولقد ارتفع العجز التجاري الأوروبي مع الصين إلى 187 مليار يورو عام 2023. في المقابل، تسعى الصين لتعزيز وجودها في القطاعات التي كانت تاريخيا من نقاط قوة اوروبا، مثل الصناعات كثيفة الطاقة والمعادن.
ولقد تراجعت الصناعات الاوربية وفقدانها لحصصها من السوق العالمي وذلك بسبب سياسة الدعم الحكومي الصيني للمنتجات وكذلك ارتفاع تكلفة الإنتاج في الدول الأوربية بسبب شروط الاتحاد الأوروبي الصارمة بخصوص الطاقة النظيفة وارتفاع كلفة العمالة.
هذا التراجع رافقه ارتفاع الدين العام في الدول الأوروبية وانخفاض نسبة النمو الاقتصادي لمعدل قياسي في السنوات الأخيرة.
وإذا أخذنا الاقتصاد الأمريكي، فهو يمر بأسوأ أيام في تاريخه، وهناك معدل تضخم صعب على البنك المركزي الفيدرالي التحكم فيه وكذلك ارتفاع الدين العام لنسبة قياسية من الناتج المحلي ، مما اضطره إلى رفع معدل الفائدة اكثر من مرة ورفع القائدة يؤثر بشكل مباشر على الاستثمار، ولقد بلغ العجز التجاري بين الولايات المتحدة الامريكية والصين في عام 2023 مبلغًا وقدره 295 مليار دولار، وإن كان أقل من الأعوام السابقة؛ وذلك بسبب فرض الولايات المتحدة بعض القيود على السلع الصينية وفرض مزيد من الرسوم والضرائب على هذه الواردات. أما عن المارد الروسي الذي يسيطر على أكبر احتياطي للغاز في العالم وينتج كمية كبيرة من النفط الخام فهو غارق حتى الأذنين في حرب لاعتقاده بحاجته للمياه الدافئة.
بالتالي هذه التحولات وهذا الاتجاه في الأسواق والاقتصاد بشكل خاص قد ينبئ بما هو قادم من أيام، فالدول الغربية ودولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعيش شعوبها في رفاهية والتي تعتقد بأن أنظمتها السياسية تقوم بواجبها، في إسعاده وتوفير المزيد من الأموال لهذه الغرض، إذا ما حدث ما حدث وتراجعت هذه الدول عن تحقيق هذه الغاية وفرض مزيد من سياسات التقشف وتراجع عن العديد من عطاياه وميزاتها التي تقدم لهذه الشعوب وكذلك فرض المزيد من الضرائب التي تؤثر في حياة هذه الشعوب أو عجز عن تقديم الوظائف بالتالي زادت نسبة البطالة في هذه الشعوب.
هل ستقف هذه الشعوب صامتة أم ستثور على أنظمتها السياسية سوى كانت بالتغير حسب الأنظمة والتشريعات أو تلك المتعلقة بالقوة وما يتبعها من فوضى وبالتالي تُغيَّب الدساتير أو القوانين المنظمة لاختيار القيادات أو المجالس التشريعية؟
لا أظن أنها ستقف متفرجة، وحينها سيظهر أن المال هو ما يقود السياسة وقد تظهر في حينها أنظمة دكتاتورية لكي تبقي هذه الدول ككيانات قائمة.
الحل يتمثل في البحث عن مصادر المال أين ما وجد والموارد الطبيعية ربما هي أسهل طريق للحصول على المال، مقرون بالبحوث والاستشارات والابتكارات وهذه أدوات تملكها هذه الدول وتجيد اللعب في ملاعبها.
ويبقى الدور على أنظمة الدول النامية، والتي تعيش معظمها في حالة عدم استقرار سياسي وحالة اقتصادية يرثى لها ولا توجد أي بوادر للاعتماد على النفس أو إنشاء تكتلات اقتصادية في ما بينها وكذلك يحيط بها الطامعون من كل مكان.
فما هو مستقبل هذه الدول السياسي في ظل كل هذه الأطماع وحاجة الدول إلى الموارد؟ وهل بالفعل المال هو من يقود السياسة؟
في ظل فضاء مفتوح أترك الإجابة للقارئ!
** خبير في الشؤون المالية
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الجزيرة دفعت التكلفة ولكن المستقبل لها ولمواطنيها
كانت الجزيرة مليئة بالمهددات الأمنية والقنابل الموقوتة قبل الحرب. جاء الجنجويد وتضاعفت الأخطار عليها وانفجرت تلك القنابل ، صحيح أن الجزيرة دفعت التكلفة ولكن المستقبل لها ولمواطنيها كولاية ستخرج من الحرب منتصرة وبدون مهددات أمنية أو مشاكل في المستقبل، إذا نجح مواطنيها في رسم طوق أمني محلي يشكل خط دفاع لها مستقبلاً ..
تحتاج الجزيرة إلى بناء حزام بشري وقرى جديدة تقوم على أساس الولاء المحلي والعداء الراسخ للجنجويد والقوى السياسية التي دعمتهم ، ستكون هذه القرى بمثابة حصن للجزيرة وخط دفاع أول لمدنها الكبيرة من أي مهددات أمنية أو اجتماعية مستقبلاً ..
توفير الخدمات الأساسية للمناطق المستحدثة أولوية رئيسية، وتجهيزهم بأدوات الدفاع والحماية يجب أن يكون جزءاً من أي استراتيجية للولاية في المستقبل ، فما تحتاجه الجزيرة حقاً هو عهد جديد أساسه العداء للجنجويد وحلفائهم السياسيين مع محاسبة وطرد كل من تورط في تهجير المواطنين
Hasabo Albeely