لجريدة عمان:
2025-03-14@23:30:00 GMT

الأزمة التي تحتاج إليها ألمانيا

تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT

تُـعَـد ألمانيا النموذج المثالي لكل ما يشوب الاقتصاد الأوروبي من عيوب؛ فالناتج المحلي الإجمالي في طريقه إلى الانخفاض للعام الثاني على التوالي. والصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الكيماويات والأعمال المعدنية في حالة ركود. كما أعلنت شركات وطنية كبرى، مثل Volkswagen وThyssenKrupp، عن تخفيضات غير مسبوقة في الوظائف وإغلاق مصانعها.

دأبتُ لفترة طويلة على الزعم بأن أفضل طريقة لفهم هذه المشكلات أن ننظر إليها باعتبارها نتيجة سلبية لنجاح ألمانيا الاقتصادي السابق والركائز المؤسسية التي قامت عليها الإنجازات السابقة. وتشكل الوعكة الاقتصادية الألمانية الحالية دليلا آخر على هذا. في أعقاب الحرب العالمية الثانية -فترة من الاضطرابات والأزمات لكنها أيضا كانت فترة من التجديد والفرص- طورت ألمانيا الغربية آنذاك مجموعة من المؤسسات الاقتصادية والسياسية التي تناسبت بشكل مثالي مع الظروف في ذلك الوقت. وللاستفادة من براعتها القائمة في التصنيع عالي الجودة، وضع صنّاع السياسات برامج ناجحة للتدريب المهني والتلمذة الصناعية، والتي نجحت في توسيع المعروض من الميكانيكيين والفنيين المهرة. لاستغلال التجارة العالمية المتنامية بسرعة واختراق أسواق التصدير العالمية، ضاعفت الصناعة الألمانية من إنتاج المركبات الآلية والسيارات والسلع الرأسمالية، وهي المجالات التي طورت فيها ميزة نسبية واضحة.

في الوقت ذاته، أنشأت ألمانيا الغربية نظاما ماليا قائما على البنوك لتوجيه الأموال إلى الشركات المهيمنة في هذه القطاعات. ولضمان الانسجام في شركاتها الكبرى والحد من الارتباكات في أماكن العمل، طورت نظاما للمشاركة في اتخاذ القرارات الإدارية، والذي أعطى ممثلي العمال مدخلات في قرارات كبار المسؤولين التنفيذيين. وأخيرا، للحد من السياسات الـمُـعَـطِّـلة، وعلى وجه التحديد لكبح جماح ذلك النوع من التطرف السياسي والتفتت البرلماني الذي طارد ألمانيا في الماضي، وُضِـع نظام انتخابي نسبي يسمح لكل أحزاب التيار السائد بأن يكون لها صوت، مع مراعاة العتبة 5% كحد أدنى للتمثيل البرلماني (للحد من نفوذ الأحزاب الهامشية).

كانت النتيجة السعيدة لهذا التوافق بين المؤسسات والفرص هي «Wirtschaftswunder»، «معجزة النمو الاقتصادي» في الربع الثالث من القرن العشرين، عندما تفوقت ألمانيا الغربية على منافسيها من الاقتصادات المتقدمة الرئيسية (باستثناء اليابان).

من المؤسف أن هذه المؤسسات والترتيبات ذاتها أثبتت أن تعديلها أمر بالغ الصعوبة عندما تغيرت الظروف. أصبح التركيز على التصنيع عالي الجودة ينطوي على مشكلات معقدة مع صعود منافسين جدد، بما في ذلك الصين، ومع ذلك ظلت الشركات الألمانية مُـوَظَّـفة بشكل كبير في خدمة هذه الاستراتيجية.

كان مبدأ المشاركة في اتخاذ القرار سببا في إحباط محاولات تغيير تنظيم محل العمل، ناهيك عن إغلاق المصانع غير الاقتصادية. لم يكن تمويل الشركات البادئة في قطاعات جديدة الميل الطبيعي للبنوك الـمُـحافِظة التي اعتادت التعامل مع الزبائن الراسخين المنخرطين في خطوط أعمال مألوفة. كما أسفر النظام الانتخابي النسبي مع العتبة 5% عن نتائج غير مرضية وائتلافات غير مستقرة عندما انتقل الناخبون إلى التطرف، فأصبح حزب البديل من أجل ألمانيا على اليمين وتحالف العقل والعدالة (Sahra Wagenknecht Alliance) على اليسار لكسب التمثيل البرلماني، في حين تُـرِكَ المنتمون إلى الحزب الديمقراطي الحر (Free Democrats) الأكثر اعتدالا عُـرضة لخطر الاستبعاد.

والحلول، كما يبدو، واضحة؛ زيادة الاستثمار في التعليم العالي والإقلال منه في التدريب المهني العتيق الطراز حتى تتمكن ألمانيا من أن تصبح رائدة في مجال الأتمتة (التشغيل الآلي) والذكاء الاصطناعي. وتطوير صناعة رأس المال الاستثماري بما يجعلها قادرة على خوض المجازفات التي لا ترغب البنوك في تحمّلها. واستخدام سياسات الاقتصاد الكلي لتحفيز الإنفاق بدلا من الاعتماد على أسواق التصدير الخاضعة للرسوم الجمركية. وإعادة النظر في نظام المشاركة في اتخاذ القرار والنظام الانتخابي النسبي المختلط الذي لم يَـعُـد مجديا.

أخيرا، وليس آخرا، تخفيف «مكابح الديون»، والتي تشكل إرثا آخر من الماضي يحد من الإنفاق العام. هذا من شأنه أن يسمح للحكومة بزيادة الاستثمار في البحث والتطوير والبنية الأساسية، وهما عاملان حاسمان في تحديد النجاح الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين. قد يكون تصوّر مثل هذه التغييرات سهلا، لكن تنفيذها ليس كذلك. فالتغيير صعب دائما، بطبيعة الحال. لكنه صعب بشكل خاص عندما يسعى المرء إلى تعديل مجموعة من المؤسسات والترتيبات التي يعتمد نجاح تشغيلها، في كل حالة، على تشغيل مؤسسات وترتيبات أخرى. تشبه محاولة تنفيذ مثل هذا التغيير استبدال جهاز نقل الحركة في سيارة فولكس فاجن بينما المحرك يعمل. على سبيل المثال، تشعر البنوك الألمانية، التي تعتمد على علاقاتها القائمة مع الزبائن، بأكبر قدر من الارتياح عندما تقرض شركات راسخة تعمل بطرق راسخة.

في المقابل، تعمل هذه الشركات على نحو أفضل عندما تكون لديها علاقات طويلة الأمد مع البنوك التي يمكنها الاعتماد عليها في التمويل. والاستعاضة عن هذه الشركات القائمة بشركات بادئة من شأنها أن تجعل البنوك التي تفتقر إلى الخبرة التي تتمتع بها صناديق رأس المال الاستثماري في مأزق عميق. وإذا أقدمت على الإقراض رغم ذلك فإنها تعرض نفسها لخطر الإفلاس. وإذا استعضنا عن البنوك بصناديق رأس المال الاستثماري، التي لا تهتم كثيرا بشركات ثني المعادن الثقيلة الحركة، فسوف تفقد هذه الشركات القدرة على الوصول إلى التمويل الخارجي الذي تعتمد عليه.

هذه هي طبيعة الجمود المؤسسي في ألمانيا. الخبر السيئ إذن هو أن الأمر ينطوي على تناقض خطير بين الوضع الاقتصادي الحالي في ألمانيا وإرثها المؤسسي، وأن هناك عقبات كبرى تحول دون تغيير هذا الإرث لإعادة تنظيمه بما يتماشى مع الوضع الحالي. أما النبأ السار فهو أن الأزمة التي تدفع إلى إعادة التفكير الشامل في هذا الإرث المؤسسي قد تؤدي إلى كسر الجمود. ولعل هذه هي الأزمة التي تحتاج إليها ألمانيا.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

كل ما تحتاج معرفته عن زكاة الفطر: شروطها وأفضل طرق إخراجها

#سواليف

إخراج #زكاة_الفطر فرض على كل مسلم ومسلمة، شرعه الله تعالى تطهيرًا للنفس من الذنوب والزلات التي قد يقع فيها الصائم خلال شهر رمضان.

تمثل زكاة الفطر وسيلة للتراحم ومساندة #المحتاجين، ليتمكنوا من استقبال عيد الفطر بفرح وطمأنينة، ويتم تحديد مقدار زكاة الفطر سنويًا وفقًا لأحكام الشريعة والسنة النبوية.

كيفية إخراج زكاة الفطر بشكل صحيح؟

مقالات ذات صلة رغد صدام حسين تتوعد شخصا بالملاحقة .. ما القصة؟ 2025/03/11

زكاة الفطر هي فريضة واجبة على كل مسلم قادر، وقد جاء حكم زكاة الفطر في الحديث الصحيح الذي رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:

“فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ، عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ” (متفق عليه).
شروط إخراج زكاة الفطر

إخراجها من الطعام الأساسي: كما جاء في الحديث النبوي، وقد حدد العلماء مقدارها بصاع نبوي، وهو ما يعادل 2.5 – 3 كيلوجرامات من الأرز، القمح، التمر أو غيرها من الأقوات الأساسية.
إخراجها قبل صلاة العيد: كما في حديث ابن عمر، ويُستحب إخراجها بيوم أو يومين قبل العيد كما فعل الصحابة.
إعطاؤها للمستحقين: وهم الفقراء والمساكين الذين لا يجدون كفايتهم يوم العيد.
هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقدًا؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة، حيث ذهب جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى وجوب إخراجها من الطعام، مستدلين بحديث النبي ﷺ:

“طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةٌ لِلْمَسَاكِينِ” (رواه أبو داود).
بينما ذهب الحنفية وبعض المعاصرين إلى جواز إخراجها نقدًا إذا كان ذلك أنفع للفقراء، مستدلين بقول النبي ﷺ:

“أَغْنُوهُمْ عَنْ السُّؤَالِ فِي هَذَا الْيَوْمِ” (رواه البيهقي). واعتبروا أن النقود قد تكون أنفع للمحتاج في قضاء حاجاته الضرورية.

ما حكم تأخير زكاة الفطر بعد صلاة العيد؟

اتفق العلماء على ضرورة الالتزام بوقت إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد، وتأخيرها بلا عذر شرعي مكروه، بل قد يكون إثمًاا، لقول ابن عباس رضي الله عنه:

“فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات” (رواه أبو داود).

أما إذا كان هناك عذر شرعي، كعدم توفر المال أو النسيان غير المتعمد، فلا إثم، ولكن عليه إخراجها في أقرب وقت.

زكاة الفطر

وفقًا لما ثبت عن النبي ﷺ، فإن مقدار زكاة الفطر هو صاع نبوي، وهو ما يعادل تقريبًا 2.5 إلى 3 كيلوجرامات من الأرز، القمح، الشعير أو التمر، وذلك بحسب تقدير أهل العلم المعاصرين بناءً على موازين الصاع.

الفرق بين زكاة الفطر وزكاة المال
زكاة الفطر فريضة على كل مسلم قادر، سواء كان غنيًا أو فقيرًا، بشرط أن يملك ما يكفيه من قوت يومه. وقد حددت الشريعة مقدارها بصاع نبوي، أي ما يعادل 2.5 – 3 كجم من الطعام الأساسي كالقمح أو الأرز أو التمر. ويجب إخراجها قبل صلاة العيد، حيث تُمنح للفقراء والمحتاجين لمساعدتهم على تلبية احتياجاتهم خلال يوم العيد.

أما زكاة المال، فهي واجبة على من بلغ ماله النصاب وحال عليه الحول، وتُقدر بـ 2.5% من المال أو الذهب أو الفضة. ويمكن إخراجها في أي وقت من العام عند تحقق شروطها، وتُصرف إلى الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله في القرآن، ومنهم الفقراء والمساكين والغارمون وابن السبيل، وذلك لتحقيق التكافل الاجتماعي بين المسلمين.

كامل أم ناقص؟ عدد أيام رمضان 2025 وموعد عيد الفطر
لمن تعطى زكاة الفطر شرعًا؟
توزع زكاة الفطر على الفئات المستحقة التي حددها الشرع، وأهمهم الفقراء والمساكين، لقوله ﷺ في الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنه:

“فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ” (رواه أبو داود).
وبذلك تشمل زكاة الفطر الفئات التالية:

الفقراء: الذين لا يجدون كفايتهم اليومية.
المساكين: الذين لديهم دخل لكنه لا يكفي حاجاتهم.
العاملون عليها: من يجمعون الزكاة ويوزعونها.
المؤلفة قلوبهم: من دخلوا الإسلام حديثًا أو يحتاجون للتثبيت.
الغارمون: من تراكمت عليهم الديون وعجزوا عن سدادها.
ابن السبيل: المسافر المحتاج الذي انقطعت به السبل.
ويفضل أن تعطى زكاة الفطر في نفس البلد الذي يقيم فيه المزكي، إلا إذا كانت هناك حاجة أكبر في أماكن أخرى، فيجوز نقلها إلى مستحقيها حيث تدعو الحاجة.

هل يجوز إخراج زكاة الفطر قبل العيد بأيام؟
نعم، يجوز إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين، كما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما في صحيح البخاري، وذهب بعض العلماء إلى جواز إخراجها قبل ذلك إذا دعت الحاجة.

خلاصة الأحكام
وجوب زكاة الفطر على كل مسلم قادر.
الأفضل إخراجها طعامًا، لكن يجوز نقدًا عند بعض العلماء.
يجب إخراجها قبل صلاة العيد، وتأخيرها دون عذر مكروه.
مقدارها صاع نبوي (2.5 – 3 كجم من الطعام).
تعطى للفقراء والمحتاجين.
يجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، وربما قبل ذلك عند الضرورة.

مقالات مشابهة

  • مركزي عدن يقول بأنه تلقى بلاغاً خطياّ من البنوك التي تعمل في مناطق سيطرة الحوثيين .. هذا ماجاء فيه
  • عاجل . البنك المركزي اليمني يكشف عن نقل مراكز البنوك التي كانت بصنعاء الى إلى عدن. ضربة موجعة للمليشيا الحوثية
  • الصدر في خطبة صلاة الجمعة: الانتخابات السياسية تحتاج كثرة الأصوات
  • الصدر في خطبة صلاة الجمعة: الإنتخابات السياسية تحتاج كثرة الأصوات
  • عقوبات مشددة لمثيري الشغب بالأماكن العامة في الإمارات.. تعرف إليها
  • وزارة النفط تناقش التحديات التي تواجه الشركات النفطية في البصرة لرفع كفاءة عملها
  • النفط تناقش التحديات التي تواجه الشركات النفطية العاملة في البصرة
  • 3 شخصيات لبنانية اختارها ترامب ضمن فريقه.. تعرفوا إليها
  • إيران تؤكد أن رسالة ترامب في الطريق إليها عبر دولة عربية
  • كل ما تحتاج معرفته عن زكاة الفطر: شروطها وأفضل طرق إخراجها