نعيش زمنا تاريخيّا، فـيه تتساقط منظومات ونظم وتتغيّر وسائط المعرفة ووسائلها، وتسقط أوهام عشّشت لأزمان فـي أفئدة النّاس ومعتقداتهم. ليس الأمر معقودا على سقوط النظام فـي سوريا، وليس مرتبطا بما يجري من مجازر يوميّة، نخشى أن تتحوّل إلى أخبار مألوفة، عادية فـي ضمائر الشعوب، وليس الأمر موصولا بالوجه الشرس الذي انكشف للضمير العالمي ولدعاة حقوق الحيوان، ولأنصار الخضْرة فـي العالم، وإنّما الأمر على صلة بنا نحن العرب، فـي آليّات فهمنا وتفاعلنا مع الخطاب، مع القول، فهل نحن فعلا -كما يروّج عنّا- أمّة كلام، قول لا فعل؟ يتحوّل العالم من حولنا بسرعة، وتتهاوى خطابات، كانت إلى حدٍّ قريب فاعلة مؤثِّرة فـي نفوس النّاس، على رأسها الخطاب القوميّ، الذي تآكل فـي البيئة العربيّة وعاد للتألّق فـي البيئة الغربيّة، الخطاب القوميّ، لم يسقط مع سقوط بشّار الأسد، ولا مع سقوط صدّام حسين، ولا مع دكتاتوريّة الأنظمة القوميّة التي تولّت الحكم فـي البلاد العربيّة، ولكنّه خطاب ساقط من البداية، فهل العرب وحدة واحدة؟ أنا فـي بلادي -مثالا- يسود فـي الأمثلة الشعبيّة وفـي معتقدات النّاس اعتقاد عنصريّ يفرّق بعمق بين أهل المدينة وأهل البادية، ويفرِّق بعمق بين مناطق بعينها، وقس على ذلك، ما يدور فـي كامل المنطقة العربيّة، هل يشعر ساكن الجبل فـي الأوراس أو ساكن سوق وهران أو الريفـيّ فـي أقصى الشمال الغربيّ فـي تونس، أو الصعيديّ المصريّ أنّه حامل لانتماء عروبيّ مميّز؟ ما دفعني إلى هذا القول، هو إعادة التفكير فـي الخطاب القوميّ العربيّ ليستبدل به خطاب محليّ قُطريّ، هو الأنجح فـي زماننا، «قُطريّ وأفتخر»، «لو لم أكن مصريّا لوددت أن أكون مصريّا».
التحوّل من ترويج الخطاب القومي العربيّ إلى تسييد الخطاب القُطري أمر له أبعاد ودلالات، وله أيضا عبء تاريخيّ من عدم جدوى الخطاب القوميّ، وإيمان عميق بأنّ الدول العربيّة يمكن أن تشترك فـي بعض الموروثات التاريخيّة، ولكنّها تحمل فـي أحشائها خصائص قطريّتها، ثمّ هنالك إيمان مؤكّد بفشل التنسيق العربيّ حتّى على مستوى إنجاز مجمع للّغة العربيّة! سقوط النظام القومي فـي سوريا ليس كارثة، وإنّما هو متوقّع، ولكنّ سقوط الخطاب القومي العربيّ هو الأهمّ، ذلك أنّه محض خطاب -كما يتّهمنا الغرب- هو خطاب للاستهلاك فقط، أمّا العرب وحدة فهو أمر خارج التاريخ، إذن علينا أن نفكِّر فـي وجهتين، تغذية الخطاب القطْري من جهةٍ، ورفض المبادئ الإنسانيّة والديمقراطيّة الغربيّة من جهة ثانية، فلِم لا يقْبل خطاب الملكيّة العربيّة، وقد قبل الغرب بملكيّة بريطانيّة ونيذرلاندية؟ ولِم لا يعدّ الحكم الملكيّ حكما أنجع من النظم الجملكيّة؟ هل ما يحدث من تنازع القوى المالية فـي الغرب هو دليل على ديمقراطية؟ لقد دفعتني خطابات عديدة إلى الاعتراف أنّ الأدب هو المدخل الأساس للأمم، الأدب الذي فكّك الجزر العربيّة فـي رواية «مدن الملح»، الأدب الذي كشف سوء الأنظمة القوميّة وقدرتها على تذويب الإنسان فـي رواية «شرق المتوسّط» قبل أن يسقط النظام فـي سوريا وأن يتكشّف الإعلام على سوء أفعاله. لا تعنيني الأنظمة، ولكن أنا مهتمّ بالخطاب، ونحن أمّة اللّغة، ننصرف إلى الخطاب، إلى القول، نقلِّبه، وننظر فـي تفاصيله، ومآله، ومقاصده، نفتِّته، علّنا أن نظفر منه بفائدة، وكان جماعة العلوم يقولون إنّنا أصحاب كلام، متفرّغون لتناوله، دون فعل، ولو كانوا يعلمون أنّ مؤسّسات تقوم على دراسة أثر الخطاب، وعلى بيان أثره وتأثيره! بثينة شعبان هي وجه من وجوه الخطاب الذي وجب أن يدرس، وهي مستشارة الرئيس السوري الإعلاميّة وكاتبة خطبه وخطاباته، والمدافعة الشرسة عن النظام، والأستاذة الجامعيّة والباحثة التي أضافت إلى البحث وتألّقت فـيه، واختيارها الوقوف إلى جانب نظام الأسد لا ينقص -النسبة إليّ- من علمها ودرايتها وقدرتها المعرفـيّة، غير أنّ خبرا أربكني ودعاني إلى التدبّر والتفكّر، وهو خبر قد يمرّ على الجميع مرور البساطة، إلاّ أنّه مهمّ ومؤثِّر، يقول الخبر إنّ الرئيس السوري بشّار الأسد يوم هروبه، دعا الدكتورة بثينة شعبان إلى قصره لكتابة خطابٍ، فهمّت إليه، غير أنّها عندما وصلت وجدت أنه غادر الأرض، وانتظرت طويلا، ولم تكن تعلم أنّه غادر البلاد. سؤالي أنا الآن بغضّ النظر عمّا كان يدور فـي ذهن الرئيس السوري من بقاءٍ أو مغادرةٍ، وبغضِّ النظر عن فكرة الخيانة، ما الذي دار فـي ذهن بثينة شعبان عندما دعاها رئيس تحاصر عاصمته، ما هي الكلمات التي أعدّتها لإنقاذ الرئيس، هل كتبت له رسالة اعتذارٍ من شعبٍ يكرهه، أو كتبت له رسالة تخوين لعصابات حملت السلاح ضدّه أو كتبت له خطاب استقالة؟ ما الذي أعدّته من جملٍ ومن فِكرٍ لدعمِ الرئيس فـي أزمته؟ ثمّ وهي تنتظره فـي قصره، ما الذي فكّرت فـيه لإنقاذ «موقف قوميّ بعثيٍّ» آمنت به؟ ولمّا علمت أنّ صاحب الخطاب قد غادر البلاد وتركها وخطابها معلّقة ما الذي دار فـي ذهنها؟
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ة العربی ة ما الذی
إقرأ أيضاً:
وزير الأوقاف: سنطلق الخطاب الدعوي المنير وستولد الحضارة من جديد
كتب - محمود مصطفى أبوطالب:
أعلن وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهري، أن مصر ستطلق الخطاب الدعوي المنير، من مسجد مصر الكبير بالعاصمة الإدارية الجديدة، من أجل ميلاد الحضارة من جديد، وستسري معاني الرحمة والترابط بين أبناء مصر وجميع أبناء هذا الوطن.
وأكد وزير الأوقاف - في كلمة عقب صلاة الجمعة بمسجد مصر بالمركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة الإدارية، في أول جمعة تحت إشراف وزارة الأوقاف أن اعتناء الرئيس عبد الفتاح السيسي بمساجد آل البيت ومسار العائلة المقدسة؛ يعبر عن رسالة مصر إلى العالم، مشيرا إلى أن الوزارة اعتمدت برنامجا مكثفا من فعاليات دينية وشبابية ومسابقات.
ونقل التليفزيون والإذاعة المصرية وبعض القنوات الخاصة، اليوم، شعائر صلاة الجمعة من مسجد مصر الكبير بالعاصمة الإدارية الجديدة، للمرة الأولى منذ افتتاحه في مارس 2023.
يأتي ذلك بعد أن أعلنت وزارة الأوقاف، موافقة الرئيس السيسي على ضم مسجد مصر دعويا وعلميا لها.
وألقي خطبة الجمعة الدكتور نظير عياد مفتي الجمهورية حول "خطورة التكفير" وتلا القرآن الكريم الدكتور أحمد نعينع.
اقرأ أيضا:
تعرف على موعد شهر رمضان 2025
شبورة مائية واضطراب الملاحة.. الأرصاد تعلن تفاصيل طقس الـ6 أيام المقبلة
الحكومة: تطبيق البكالوريا مرهون بإجراء حوار مجتمعي شامل وموافقة الجميع
وزير الأوقاف أسامة الأزهري مسجد مصر الكبير العاصمة الإدارية الجديدة صلاة الجمعة
تابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقة افتتاح مسجد مصر بالعاصمة الإدارية ومفتى الجمهورية خطيبًا لأول جمعة - صور أخبار بث مباشر.. شعائر صلاة أول جمعة من مسجد مصر بالعاصمة الإدارية أخبار بعد قليل.. بث شعائر أول صلاة جمعة من مسجد مصر بالعاصمة الإدارية أخبار وزير الأوقاف يطمئن على صحة محمد سعيد محفوظ بعد تعرضه لحادث أخبار أخبار مصر مصدر: وفد "فلسطيني - إسرائيلي" يبحث بالقاهرة آليات فتح معبر رفح من الجهة منذ 25 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر افتتاح مسجد مصر بالعاصمة الإدارية ومفتى الجمهورية خطيبًا لأول جمعة - صور منذ 30 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر الحج 2025.. آخر موعد لتقديم اعتذارات عن عدم السفر منذ 37 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر مصدر: اجتماعات بالقاهرة لبحث آلية إدخال 600 شاحنة مساعدات يوميا لغزة منذ 1 ساعة قراءة المزيد أخبار مصر الزراعة: تصدير أعلاف أسماك ومنتجات دواجن مجمدة لدول عربية وأجنبية منذ 1 ساعة قراءة المزيد أخبار مصر رقم قياسي.. وزير الزراعة: 8.6 مليون طن صادرات زراعية في 2024 منذ ساعتين قراءة المزيدإعلان
إعلان
أخباروزير الأوقاف: سنطلق الخطاب الدعوي المنير وستولد الحضارة من جديد
أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى
إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك 22القاهرة - مصر
22 15 الرطوبة: 38% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك