لم أتفاجأ كثيرًا من أن الطبيبة التي تصرف الأدوية لقريبتي، كانت قد اختارت دون استشارتنا أو العودة إلى المريضة، صرف أنواع محددة من الأدوية، تأخذها المريضة لمرض عصبي مزمن قد يؤدي إلى الموت. هذه هي المرة الأولى التي أحضر فـيها الموقف مع الطبيبة، عادةً ما أكون بعيدة عن المريضة وقت حدوث النوبات الحادة التي تسببت لها مؤخرًا بإغماءة نتج عنها نزيف من جروح عميقة، إثر سقوطها على سطح حاد.
كانت الطبيبة باختيارها تلك الأدوية دون غيرها قد اختارت الحفاظ على فرص بقاء الوظيفة الإنجابية وحيويتها، مع أن المريضة غير متزوجة ولا يتجاوز عمرها الحادية والعشرين. أخذت تُصرح لي ببديهية أنها لا تصرف للمريضات تحديدًا سوى دواءين من أصل مجموعة أدوية قليلة أصلا لمعالجة هذا المرض. وذلك لمجرد أنهن نساء. عادت بي الذاكرة للفور إلى تقرير عملتُ على تحريره قبل سنوات عن وضع الخدمات الصحية المقدمة للنساء فـي الخليج العربي. وعن الكتابات القليلة حول فاعلية «التمييز الجنسي» فـي تسويغ الكثير من الممارسات الطبية الشائعة والمقدمة للنساء، لا فـيما يتعلق بصحتهن الإنجابية فحسب، لأن هذا طيف من مساحة هائلة رُسخَ فـيها آليات مجحفة ولا مبالغة أن قلنا قاتلة بحق النساء.
يمكن بالقليل من البحث قراءة عشرات الدراسات الحديثة التي تفحص مسألة أن النساء أكثر عرضة للعلاج غير الكافـي أو الوصول للعلاج المناسب لألمهن. هنالك أسباب تتعلق بطبيعة وبمسلمات تعتبر المرأة سريعة فـي التعبير عما تشعر به حتى وان كان بسيطًا، فهي هستيرية تميل للمبالغة، درامية فـي تعاملها مع ما تشعر به. وأسباب تخص قدرة النساء على الإبلاغ عن آلامهن وما يشعرن به. فهن غير دقيقات عند الحديث عن أوجاعهن، إذ أنه يُتوقعْ منهن على الدوام أن يكن أكثر قدرة على تحمل الألم والتمتع بمهارات أفضل للتعامل معه.
فـيما يشتكي الرجال وقت مرضهم من آلامهم بسهولة أكبر وهم أكثر هدوءًا فـي التحدث عن ألمهم لمقدمي الرعاية الصحية. هذا ما تبدأ به مثلًا دراسة ديان أي هوفمان وأنيتا جيه ترزيان حول «التحيز ضد المرأة فـي علاج الألم». ويعود التفكير فـي هذه المسألة إلى سؤال ما إذا كان الرجال والنساء يعانون من الألم بشكل مختلف؟. وهو أمر نتحدث عنه كثيرًا فـي حياتنا اليومية. إذ درجنا على القول إن الرجال يسقطون صرعى نوبة زكام بسيطة، فـيما تتحمل النساء آلامًا عظامًا لا يتخيلها الرجل. عموما يقول الباحثان إن الدراسات حول الاستجابة للألم بين الرجال والنساء تزايدت فـي السنوات الأخيرة مدفوعة جزئيًا بتشريعات فرضت منتصف التسعينيات لإلزام إدراج النساء فـي البحوث الصحية والدوائية - وهو أمر ينبغي الإشارة إليه إذ إن نسبة تمثيل النساء فـي تجارب صناعة الأدوية ضئيلة بالمقارنة مع الرجال.
تقدم هذه الدراسة تفاصيل كثيرة حول التمييز فـي الاستجابة لألم المريض والمريضة، ومن بين نتائجها التي دعمتها البيانات أن الرجال يتعرضون لمعاملة أفضل فـي خدمات العلاج خلافًا للنساء وذلك بسبب قناعة مقدمي الرعاية الصحية أن النساء اعتدن على تكرار شعورهن بالألم وهن حسّاسات وعاطفـيات تجاه إحساسهن به، مما يجعلهن أكثر ميلا للإبلاغ المباشر عن ذلك، فـيتم التعامل معهن من قبل مقدمي الرعاية الصحية بقدر أقل من الجدية التي يحظى بها الرجال. وعن سبب استمرار هذه الممارسات حتى وإن بغير وعي، فـيمكن العودة للتاريخ الذي قرأ أجساد النساء إما كأجساد رجولية غير مكتملة، واعتبار الرحم سببًا لهستيريا النساء وهوسهن وبذلك تكون أجساد الرجال هي النماذج المعيارية التي يتم بها التعامل مع النساء. من الصعب بما كان النظر إلى هذه الأفكار كمحطات اندثرت خصوصًا إذا عرفنا أن الجسم التناسلي للمرأة مثلًا لم يشرح كما هو الحال بالنسبة للرجل إلا فـي مرحلة متأخرة جدًا بدأت فعليًا فـي التسعينيات أي قبل وقت قريب فحسب.
تدرس نيكولا ستورجن فـي كتابها «نساء غير مرئيات» هيمنة الرجال على الكثير من دوائر العمل ومراكز الأبحاث والمؤسسات عمومًا وأثر ذلك على اعتبار تجربة الرجال هي المعيار الذي تقاس به الأشياء. وإذا ما اعترضت المرأة على ذلك وحاولت مقاومة هذه الممارسات فإنها ستتهم بالسلبية والعدائية الأمر الذي يجعلها غير مقبولة أو محبوبة فـي الوسط الذي تحاول فـيه المقاومة.
يمكن القول إذن إن هنالك طبقات من التفكير حول أمراض النساء حتى القاتل منها، فمن ناحية لا تتوفر بيانات كافـية كما تفند ستورجن فـي كتابها للحكم على تجارب النساء الخاصة دون اعتبار الرجال القاعدة لكل شيء حتى فـيما يتعلق بالأمراض الفسيولوجية، وثانيها الاستعداد الثقافـي والاجتماعي وتصوراتنا الذهنية عن كل من الرجال والنساء، وحاجتهم للتعبير عن ألم المرض والتضامن من الآخرين، واعتبار هذه الحاجة «مجندرة» أي تختص بنوع اجتماعي دون غيره والتي تترتب عليها الطريقة التي يتعامل بها مقدمو الرعاية الصحية مع الحالات التي يتعاملون معها. أظن أن هذا الحديث ينبغي أن يكون نقاشًا عامًا وطنيًا، فربما تموت قريبتي قبل أن تتزوج لكي تنجب، إلا إذا كنتم تريدون نساء ميّتات بأرحام طازجة مستعدة لأن تؤدي الدور الوحيد الذي تقرؤون فـيه حياة المرأة، وهي أن تُنجب فقط.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الرعایة الصحیة
إقرأ أيضاً:
بالصور| المسابيح ”ذهب الرجال“.. حرفي يكشف أسرار المهنة
في عالمٍ يزخر بالهوايات المتنوعة، تبرز هواية اقتناء المسابيح كواحدة من أبرز الهوايات التي تجذب الكثيرين، ليس فقط لجمالها الشكلي، بل لما تحمله من قيمة معنوية وروحانية.
وفي هذا السياق، يبرز اسم الحرفي وصانع المسابيح، أحمد الخيبري، كأحد أبرز الحرفيين الذين يقدمون هذا الفن بلمسة خاصة.
أخبار متعلقة ابتكارات الري.. حاضنة جديدة لتعزيز استدامة الموارد المائيةوزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان: إذا تركت وظيفتي سأعود معلمًا في الجامعةوأكد الخيبري أن اقتناء المسباح لا يرتبط مطلقًا بارتفاع ثمنه، بل بجودة صناعته والخامات المستخدمة في تصنيعه. مشددًا على أهمية اقتناء المسابيح من مصادر موثوقة، وتحديدًا من الحرفيين المهرة الذين يصنعونها بأيديهم، لضمان الحصول على منتج أصيل وذو جودة عالية.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } حرفي يكشف أسرار صناعة المسابيح حرفي يكشف أسرار صناعة المسابيح var owl = $(".owl-articleMedia"); owl.owlCarousel({ nav: true, dots: false, dotClass: 'owl-page', dotsClass: 'owl-pagination', loop: true, rtl: true, autoplay: false, autoplayHoverPause: true, autoplayTimeout: 5000, navText: ["", ""], thumbs: true, thumbsPrerendered: true, responsive: { 990: { items: 1 }, 768: { items: 1 }, 0: { items: 1 } } });15 عامًا في المسابيح
بدأ الخيبري رحلته في عالم المسابيح كهاوٍ قبل 15 عامًا، وسرعان ما تطورت هوايته إلى احتراف، حيث يتنقل بورشته المتنقلة بين الأسواق المختلفة لعرض إبداعاته.
وما يُميز عمل الخيبري هو إتاحته الفرصة لزبائنه لاختيار الخامات والتصاميم التي يرغبون بها، بل ويقوم بتفصيل المسباح حسب رغبة الزبون، تمامًا كما يُفصل الثوب، ليحصل كل شخص على مسباح فريد يعكس ذوقه الخاص.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } حرفي يكشف أسرار صناعة المسابيحأسعار متفاوتة
وأوضح الخيبري أن عالم المسابيح واسع ومتنوع، ويضم أنواعًا مختلفة من الخامات، منها الطبيعي والمصنع والمعالج، بالإضافة إلى خامات نادرة وباهظة الثمن مثل ”الباموث“ وقرن الجاموس وعاج الفيل وظهر السلحفاة والمرجان.
وتتفاوت أسعار المسابيح بشكل كبير، حيث تتراوح بين 50 ريالًا وتصل إلى 5000 ريال، وذلك تبعًا لنوعية المسباح والخامات المستخدمة في صنعه.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } 66ذهب الرجال
ووصف الخيبري هواة جمع المسابيح بأنهم ”شغوفون“ ويعتبرون المسابيح ”ذهب الرجال“، مشيرًا إلى أن بعض الأنواع الطبيعية، مثل ناب الفيل الذي أصبح من المواد الممنوعة، يزداد سعرها بمرور الزمن، مما يجعل اقتناء المسابيح ليس مجرد هواية، بل استثمارًا قد يدر أرباحًا مستقبلية.الجودة أولًا
ونصح الخيبري هواة اقتناء المسابيح بالتركيز على الجودة قبل السعر، مؤكدًا أن ارتفاع السعر ليس بالضرورة دليلًا على جودة المسباح.
ويوضح أن بعض الخامات ذات الأسعار المتدنية قد تتميز بجودة عالية، في حين أن بعض المسابيح المصنوعة من خامات باهظة الثمن قد تكون ذات جودة متدنية.
وأكد على أن اقتناء المسباح ”بركة وتسبيح وشيء جميل“، معبرًا عن استمتاعه الشديد بهذه الحرفة التي يعتبرها فنًا وإرثًا يتمنى أن ينتقل إلى الأجيال القادمة.