تشهد الحالة السودانية منذ اندلاع الحرب الأخيرة في 15 نيسان/ أبريل 2023 انقساما سياسيا حادا يعكس طبيعة الأزمة المستمرة في البلاد منذ سنوات. هذا الانقسام، وإن بدا ظاهرة جديدة بالنسبة للجيل الحالي، إلا أنه يعيد إلى الأذهان تجارب تاريخية مشابهة في دول شهدت صراعات داخلية امتزجت فيها المصالح الإقليمية والدولية.



وبينما يبرر كل فريق موقفه استنادا إلى سرديته الخاصة، يبقى السودان في حالة من الفوضى التي تهدد استقراره الداخلي وتؤثر سلبا على المنطقة بأسرها.

النخب السودانية بين دعم الجيش والدعم السريع

على صعيد النخب السودانية، يمكن تقسيمها إلى فريقين رئيسيين لكل منهما رؤيته وأسلوبه في التعبير عن موقفه.

الفريق الأول: دعم القوات المسلحة السودانية
يؤدي استمرار الحرب إلى انهيار مؤسسات الدولة، ما يفاقم الأزمة الإنسانية ويضع البلاد على حافة التفكك. وقد أدى الانقسام السياسي إلى غياب رؤية موحدة لحل الأزمة، بينما يواجه المواطن السوداني مأساة يومية تتمثل في فقدان الأمن، النزوح الجماعي، والانهيار الاقتصادي
يدافع هذا الفريق عن الجيش السوداني باعتباره مؤسسة وطنية تمثل الدولة السودانية بكل ما تحمله من رمزية. وبرغم الأخطاء المرتكبة، يرى هذا الفريق أن الجيش يمكن إصلاحه وضمان استمراره كعمود فقري للأمن القومي.

- اتهام الدعم السريع بإشعال الحرب: يعتبر هذا الفريق أن مليشيا الدعم السريع هي الطرف الذي أشعل فتيل الحرب بهدف السيطرة على السلطة، مستندة إلى دعم إقليمي ودولي لتحقيق مصالحها.

- إدانة انتهاكات الدعم السريع: يدينون ممارسات الدعم السريع، مثل احتلال المنازل، والسرقة، وانتهاك حقوق المدنيين، وتشريدهم قسرا. وكثير من حوادث الاغتصاب الموثقة دوليا كما حدث في ولايات سنار والجزيرة وغرب دارفور والتي استولت عليها دون قتال وبعد انسحاب القوات المسلحة.

- خروقات الاتفاقيات: يركز هذا الفريق على عدم التزام الدعم السريع باتفاق جدة (أيار/ مايو 2023م) مع القوات المسلحة واتفاق أديس أبابا (كانون الثاني/ يناير 2024) مع تنسيقية تقدم، ما يُظهر عدم جديتهم في إنهاء الصراع.

- الإيمان بانتصار الجيش: يؤمنون أن الجيش قادر على تحقيق النصر، ولو استغرق الأمر وقتا طويلا، ويعتبرون أن هذا الخيار هو السبيل المنطقي والواقعي لإنهاء الحرب في ظل عدم التزام الدعم السريع بالاتفاقيات وفي ظل مهاجمته للمواطن الأعزل.

- رفض شعار "لا للحرب": يرون أن هذا الشعار قاصر وغير عملي في ظل غياب آليات للتنفيذ، واعتباره مجرد أداة انحياز لطرف دون الآخر.

الفريق الثاني: تبني سردية الدعم السريع

في المقابل، يناصر الفريق الآخر قوات الدعم السريع، معتبرا أن الحرب جاءت نتيجة صراعات داخل الجيش نفسه، ولا سيما بسبب وجود ما يسمى بـ"كتائب الظل" المرتبطة بالحركة الإسلامية.

- اتهام الجيش بإشعال الحرب: يرى هذا الفريق أن كتائب الحركة الإسلامية داخل الجيش هي التي أشعلت الحرب بهدف منع التحول الديمقراطي وإعادة السودان إلى ما قبل ثورة 2018.

- الدعم السريع والديمقراطية: يعتقدون أن الدعم السريع أكثر التزاما بالديمقراطية وأنه يسعى لحماية مكتسبات الثورة من عودة النظام السابق.

- دور الحلفاء الخارجيين: يتهمون دولا مثل روسيا، ومصر، توركيا، وقطر بدعم القوات المسلحة السودانية لتمكينها من السيطرة الكاملة على البلاد.

- حظر الطيران: يطالبون المجتمع الدولي بحظر الطيران لحماية المدنيين، مؤكدين أن الضحايا يسقطون جراء قصف الطيران الحربي التابع للجيش.

- رفض انتصار أي طرف: يشددون على أن انتصار أي طرف يعني تأسيس نظام ديكتاتوري جديد.. مع التأكيد المستمر عن عجز وتخلي القوات المسلحة عن دورها في حماية المدنيين

- التقليل من انتهاكات الدعم السريع: يعتبرون أن مأساة الشعب السوداني سببها الحرب بحد ذاتها وليس ممارسات الدعم السريع، التي يرونها مبالغا فيها في الإعلام المؤيد للجيش.

- شرعية الدعم السريع: يبرزون أن الدعم السريع هو مؤسسة قانونية، تم إنشاؤها بإجازة من برلمان ما قبل ثورة 2018.

- المطالبة بتدخل دولي: يدعون إلى تدخل دولي تحت البند السادس أو السابع لحماية المدنيين ووضع حد للصراع.

تأثير الانقسام على السودان والمنطقة

هذا الانقسام السياسي الحاد لا يقتصر تأثيره على السودان فقط، بل يمتد ليشمل منطقة القرن الأفريقي بأكملها، حيث يمثل السودان دولة محورية تاريخيا وجغرافيا.

داخليا: أزمة استقرار وهيكلية الدولة

يؤدي استمرار الحرب إلى انهيار مؤسسات الدولة، ما يفاقم الأزمة الإنسانية ويضع البلاد على حافة التفكك. وقد أدى الانقسام السياسي إلى غياب رؤية موحدة لحل الأزمة، بينما يواجه المواطن السوداني مأساة يومية تتمثل في فقدان الأمن، النزوح الجماعي، والانهيار الاقتصادي.

إقليميا: تأثيرات على الجوار
بينما تتصاعد المعاناة الإنسانية، يبقى الأمل في وعي النخب السياسية بضرورة وضع حد لهذه الحرب المدمرة والعمل معا لتحقيق الاستقرار والتنمية في البلاد
يمثل السودان لاعبا رئيسيا في منطقة القرن الأفريقي، وانهياره يهدد استقرار دول الجوار مثل إثيوبيا، وتشاد، وجنوب السودان. كما أن تدفق اللاجئين السودانيين يضيف عبئا إضافيا على الدول المجاورة التي تعاني بالفعل من أزمات داخلية.

دوليا: تدخلات متزايدة وصراع مصالح

مع وجود قوى إقليمية ودولية متورطة في الصراع، يصبح السودان ساحة لتصفية الحسابات. يدعم هذا السيناريو استمرار الحرب، ما يعقد إمكانية الوصول إلى حلول سياسية سلمية.

نحو حل مستدام

لإنهاء هذه الأزمة، يجب أن يكون هناك حوار سياسي شامل يضع مصالح السودان فوق المصالح الفئوية. ويجب أن يتم تعزيز دور المؤسسات المدنية والمجتمع الدولي لتقديم حلول تضمن وقف الحرب وإعادة بناء الدولة السودانية على أسس ديمقراطية ومستدامة.

الخلاصة

الانقسام السياسي في السودان هو انعكاس لأزمة عميقة تتطلب معالجة جذرية تتجاوز الحلول السطحية. وبينما تتصاعد المعاناة الإنسانية، يبقى الأمل في وعي النخب السياسية بضرورة وضع حد لهذه الحرب المدمرة والعمل معا لتحقيق الاستقرار والتنمية في البلاد.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السودانية الانقسام استقراره الدعم السريع السودان انقسام استقرار الدعم السريع سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الانقسام السیاسی القوات المسلحة الدعم السریع هذا الفریق

إقرأ أيضاً:

إسقاط المسيرة الإيرانية.. الدعم السريع يحطم هيمنة الجو ويفرض معادلة جديدة

إسقاط قوات الدعم السريع لمسيرة إيرانية من طراز “مهاجر” بمحور الجيلي شمال الخرطوم بحري يكشف بشكل واضح تدخل إيران السافر في الحرب السودانية هذا التدخل الإيراني الذي يتجلى في تزويد الجيش السوداني بتكنولوجيا عسكرية متطورة يشكل انتهاكاً صارخاً لسيادة السودان ومحاولة لفرض أجندة إقليمية تخدم مصالح طهران على حساب أمن واستقرار الشعب السوداني

إيران معروفة بدعمها المستمر للعديد من الميليشيات والجماعات المسلحة في مناطق متعددة من العالم لتحقيق مصالحها الجيوسياسية وتعزيز نفوذها الإقليمي ومن أبرز هذه الأمثلة القبيحة أن إيران تدعم حزب الله مالياً وعسكرياً منذ تأسيسه في الثمانينات فالحزب يمتلك ترسانة كبيرة من الصواريخ والأسلحة ويعتبر الذراع العسكري الأقوى لإيران في المنطقة
كما تقدم إيران دعماً لوجستياً وتسليحياً لجماعة الحوثي في اليمن بما في ذلك تزويدهم بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية التي تستخدم لاستهداف بعض الدول الجارة
إيران كانت الداعم الرئيسي لتشكيل الحشد الشعبي في العراق وقدمت التدريب والتسليح لهذه الفصائل المسلحة التي أصبحت قوة مؤثرة هناك كما أن كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق في العراق فصائل مسلحة تعد أدوات رئيسية لإيران في تنفيذ عملياتها داخل العراق وتعزيز نفوذها السياسي والعسكري

خلال الحرب الأهلية السورية دعمت إيران الميليشيات الشيعية في سوريا منها لواء فاطميون ولواء زينبيون وساهمت في تمكين نظام بشار الأسد من استعادة السيطرة على مناطق واسعة كما تقدم إيران دعماً مالياً وعسكرياً لحركة الجهاد الإسلامي و فصائل حماس في فلسطين

هذه الأمثلة توضح كيف تستغل إيران الميليشيات لتعزيز سياساتها التوسعية وتأجيج النزاعات الإقليمية على حساب استقرار الدول الأخرى وهذا التدخل الإيراني في هذا الصراع الدموي يعكس رغبة إيران في تحويل السودان إلى ساحة نفوذ جديدة واستغلال الأزمة السياسية والعسكرية لترسيخ موطئ قدم لها في منطقة البحر الأحمر ؛ فهذا السلوك العدائي يعزز من تعقيد الأزمة السودانية ويدفع بالصراع إلى مستويات أكثر خطورة من خلال دعم طرف على حساب المدنيين الأبرياء

إيران التي تشتهر بدعمها للمليشيات المسلحة والحروب غير النظامية تسعى اليوم إلى تصدير أزمتها الإقليمية إلى السودان متجاهلة بذلك المصالح الوطنية للشعب السوداني والمبادئ الإنسانية ويبرهن تدخلها الواضح على استهتارها بالشرعية الدولية ورغبتها في إثارة المزيد من الفوضى في المنطقة

نجاح قوات الدعم السريع في إسقاط المسيرة الإيرانية “مهاجر” يعكس تقدماً ملحوظاً في قدراتهم العسكرية وتكيفهم الاستراتيجي مع التهديدات الجوية المتزايدة وهذه الخطوة تعزز من مكانتهم كقوة ميدانية لا يستهان بها في ظل الصراع الدائر رغم التفوق الجوي والتكنولوجي الذي يتمتع به الجيش السوداني وحلفاؤه. إسقاط هذه الطائرة ليس مجرد نجاح تكتيكي بل يشير إلى تطور نوعي في تقنيات الدفاع الجوي لدى الدعم السريع وقدرتهم على مواجهة أدوات الحرب غير التقليدية

كما أن التكيف السريع مع التقنيات الهجومية المتطورة والقدرة على إسقاط مسيرة إيرانية الصنع يظهر استعداد الدعم السريع لخوض مرحلة جديدة من الصراع بما يعزز قدرتهم على مواجهة التحديات القادمة ومع تصاعد التوتر الإقليمي وتدخل قوى دولية وإقليمية يتوقع أن تصبح المواجهات أكثر تعقيدًا ودموية

هذا الإنجاز كشف أن الصراع في السودان لم يعد مجرد مواجهة داخلية بل أصبح جزءاً من توازنات قوى دولية تسعى لفرض نفوذها في المنطقة ما ينذر بتحول المشهد السوداني إلى ساحة صراع إقليمي بأبعاد خطيرة
و يجب أن يدرك العالم أن التدخل الإيراني لا يمثل دعماً لأي طرف وحسب بقدر ما هو محاولة لتعزيز نفوذ طهران وتأجيج الفوضى فيجب على الأطراف الإقليمية والدولية اتخاذ موقف واضح وصارم من هذه الممارسات التي تهدد أمن السودان والمنطقة برمتها

lanamahdi1st@gmail.com

   

مقالات مشابهة

  • إسقاط المسيرة الإيرانية.. الدعم السريع يحطم هيمنة الجو ويفرض معادلة جديدة
  • العدل والمساواة السودانية: القانون وحده هو المرجعية السامية لمعاقبة أولئك الذين يتعاونون مع متمردي الدعم السريع
  • ماذا يحدث في ود مدني السودانية؟.. الجيش السوداني يعلق
  • «الخارجية السودانية»: ندعو المجتمع الدولي لإدانة جرائم ميليشيا الدعم السريع
  • الخارجية السودانية: انقطاع الكهرباء جراء هجوم ميليشيا الدعم السريع على محطة سد مروي
  • أكثر من 120 قتيلا بقصف على أم درمان السودانية  
  • هل اقترب الجيش السوادني من السيطرة على الخرطوم وهزيمة الدعم السريع؟
  • هل يكون 2025 عاما للتعافي الاقتصادي بالسودان؟
  • احتفالات بسيطرة الجيش السوداني على مدينة ود مدني الاستراتيجية ومعقل قوات الدعم السريع
  • الجيش السوداني يسيطر على «ود ‏مدني».. تطور ميداني بارز في مواجهة ميليشيا الدعم السريع