فاطمة اليمانية
"عندما يقولون لك: بأنّك ستصل لمرحلة من الوَعي؟! لمرحلة ماذا؟ لأيّ مرحلة يجب أنْ نصل لنعيش بسلام؟"
***
ديسمبر... شهر الجَرْد السَنِوي... جَرْدُ الملابس والمقتنيات، والعلب الفارغة، والعلاقات المزيفة! وأشباه القناعات! وحسم الجدل القائم بين ضرورة الاحتفاظ ببعض الأشياء، والأمتعة، أو وجوب التخلّص منها! والسؤال الشائك المستفز للأعصاب، أمام الأكوام:
-هل أبقي عليها؟ أم ستظلّ عبئًا على مساحة المكان؟!
فيتم الاختيار بنفس نمط العام المنصرم، وبنفس آلية الانتخاب! وبنفس العقلية التي تعتقد بأنّ غرضًا ما – ربّما- سيكون مفيدًا في مناسبة ما! فيجب الاحتفاظ به!
***
(ديسمبر.
-جَرد الذاكرة؟ ...أو جرْذها؟!
في ديسمبر اخترعتُ مصطلحًا جديدًا مُوَائمًا لحالةِ العَطِب التي تربط شبكة، أو أسلاكَ دِماغي!
إذ يبدو لي أنّ العامَ المقبل مليءٌ بالفرح، والعَطَب! ولا شكّ بأنّهما متلازمان، فلا شعور بالفرح والسعادة؛ إلّا في وجود ذاكرة خاوية من الماضي!
ذاكرة قادرة على الصِدَام مع عقلية عقيمة تؤمن بقيمة الذكريات القديمة! وهي بالتالي تعطي كلَّ ما تكدّس، ومرّ عليه غبار الزمن، سعرًا وثمنًا يفوق قيمته الحقيقية!
وإلّا ما معنى الاحتفاظ بأوراق لمناسبات عقيمة، ومسوّدات لإثبات مواهب كاذبة، ومقالات ركيكة ساذجة أُوْكِلَت لي مهمّة تغيير بنيتها؛ لتصلح للنشر في المجلّات، والمطبوعات المحرّرة باسم المجموعة، أو من يشرف عليها!
وكتابات استهلَكَت وقتي، ولم أحصل بعد كتابتها على كلمة شُكْرٍ واحدة!
-لم يشكرني أحد على جهودي المبذولة، ووقتي المهدور! وتحرير صفحاتٍ طويلة؛ بأسماء الآخرين، ونسبتها لهم! تحت ذريعة التعاون، والمساعدة، ومكارم الأخلاق!
والكثير من الدفاتر القديمة المكوّمة التي تغيّرت ألوان أغلفتها بعد أنْ أكل َ الدهرُ عليها، وشرب!
ولا حرج في تخيّل شيخٍ طاعنٍ بلحية طويلة شديدة البياض، يتكئُ على كومةِ الدفاتر، ممسكًا قرصَ شعيرٍ بالكاد يمضغه!
إنّما الحرج في أنْ يتمكن جرذ النسيان من العبث بدماغي، ويقرض نصف الذاكرة، وبعض الصور المركونة، والانطباعات المبهمة، لأشخاص كانوا جزءًا من عالمي -كما تحكي الأوراق- ويتركني عاجزة عن استعادة أسمائهم، طباعهم، وملامحهم الحقيقية كما في الواقع!
قد أتذكر لون العيون، وأنسى بقية تفاصيل الوجه! أو تتراءى أمامي صورة ضبابية لأشباه بشر، أو أشباح؟!
-متى التقيتُ بهم؟ كيف عرفتهم؟ متى تحدّثت إليهم؟
-لا شيء غير ذاكرة خالية، خاوية الوفاض!
(مذكّرات الطفولة)
تصفّحت شقيقتي -بعد أنْ استأذنتني – دفتر مذكّرات الطفولة، وأخفَت دهشتَها من موافقتي على تصفّحه؛ بعد أنْ كان من الدفاتر المُحَرّم لمسها!
قرأَت، وتأثّرت! ثم ضحكت على بعض القصص القصيرة التي كتبتها لأحداث قديمة حدثت في الماضي، حتى نزلت دموعها، ولم أشاركها الضحك!
كنتُ منهمكة في تمزيق دفاتر مشابهة!
وسألتني عن اسم إحدى فتيات الحارة التي كتبتُ قصّتها دون ذكر اسمها! ولم أستطع تذكراسمها!
أنا كاتبة القصّة نسيت البطلة تمامًا!
لكنّ شقيقتي تذكّرتها، وسخرَت من ذاكرتي المتشنّجة، وقالت:
-فلانة... ألا تذكرينها؟!
-الطويلة الشقراء؟!
-أنتِ كتبتِ عن فتاة في الحارة، وليس في رواية من روايات "إليف شافاك"!
-فعلا... أنتِ تتحدثين بمنطق؟! من أينَ لنا بفتاة طويلة شقراء في تلك الحارة البائسة؟!
رغم ذلك ما زلتُ أذكر الحارة جيدًا...بيوتها المتواضعة... طرقاتها الضيّقة... قربها من شاطيء البحر... ورائحة الغرق التي رسخت في ذاكرتي؛ رغم أنّني لم أغرق مسبقًا!
-لكنّه الشعور!
الخوف من الغرق في الواقع؛ جعلني أغرق في الحلم عشرات المرّات! وأبتلعُ ماءَ البحر المالح؛ لأصحو وطعم الملح يملأ فمي، ورئتي!
والذعر من تهديد الأمّهات المستمر باختطاف جنيّات البحر لنا، إِنْ سُمِع صوتنا بعد التاسعة مساءً؟!
فكرهنا النومَ، والبحرَ الذي يدفع الجنيّات للشاطئ عند حلول المساء، ليتفرقن على البيوت باحثات عن أطفال يمارسون فطرتهم الطبيعية في البكاء؛ لاختطافهم، والتهامهم؟!
وعندما يحين موعد النوم؛ نتمدد في فراشنا…
وبعد أنْ يُغْلَق الباب علينا؛ وتنام شقيقاتي - ولا أعرف كيف يستطعن النوم، بعد سماع تلك القصص التي تبددُ النعاسَ، والرقاد؟! - كنتُ أنسَلّ بهدوء من فراشي؛ وأتلصصُ على البحر من النافذة!
أترقبُ خروج جنيّات البحر، ومجيء واحدة؛ لاختطافي... إيمانًا منّي بأنّي لا أصلح لهذا البيت، ولا لهذه الحارة!
-لكنّ ذلك لم يحدث مطلقًا!
وفي جانب آخر؛ لأعرف ماذا يدور في عالم الجنيّات الخفي، في البحر؟ ماذا يفعلن بالأطفال؟!
فالقصص تأتي متناقضة، هل يتم استعبادهم؟ أو قتلهم؟ أو يتم الاحتفاء بهم؛ فيتحولون إلى ملوك وأمراء، ويرتدون جواهر نادرة مما يجود به قاع البحر؟!
كنتُ أستمتع وأنا أستمع إلى القصص، وأكتبها في مذكرات الطفولة، وأطالب بسماع المزيد رغم التناقض السَافِر حول عالم الجنيّات، هل هو مخيف أو جميل؟ وهل هو مصدر الشر المطلق؟ أو الخير الذي يغير الواقع المرير، ويحوّله إلى واقع مغايرٍ مليء بالمال والثراء؟!
لكن ذلك الانبهار بقصص الطفولة لم يُقَيّد يدي عن تمزيق دفتر المذكّرات، والقصص الطفولية، وما كنتُ أعتقده واقعيًا، ومنطقيًّا، لأكاذيب صِيغَت لنا بطريقةٍ صادِقَةٍ، ومُدهِشَة!
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزير العمل: شملنا نحو 3.6 ملايين طفل بمنحة الرعاية الاجتماعية
الاقتصاد نيوز _ بغداد
أعلن وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي، اليوم الاحد، شمول نحو 3.6 ملايين طفل بمنحة الرعاية الاجتماعية خلال السنوات الماضية، فيما بين ان وزارة العمل عملت مع مجلس النواب على تشريع قوانين تحمي الطفولة في العراق.
وقال الأسدي خلال المؤتمر العلمي الأول للدفاع عن حقوق الطفل ان "حماية الطفل هو مسؤوليتنا ووزارة العمل عملت مع مجلس النواب على تشريع قوانين تحمي الطفولة في العراق"، مشيرا الى ان "قانون حماية الأسرة والطفولة سيعطي غطاءً آمناً للطفل العراقي".
ولفت الأسدي الى "شمول 3 ملايين و600 ألف طفل ضمن الحماية الاجتماعية وتقديم الدعم الى 137 ألف يتيم، وكذلك شمول أكثر من مليوني طفل ضمن المنحة الطلابية وشمول أكثر من 177 ألف طفل بخدمات الضمان الصحي في بغداد باعتبار الضمان بدأ في العاصمة، كما تم افتتاح 42 وحدة لحماية الطفل لدعم الاطفال نفسيا واجتماعيا"، متابعا، "نحن الآن على استعداد بشروع بتطبيق (كاش بلس) في محافظة المثنى".