ازرع أثرًا لا يزول
تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT
بثينة بنت حمد بن حمود القاسمية
في ذاكرة الأيام، لا يبقى سوى ما غُرس من مواقف نبيلة وآثار طيبة. ومع مرور الوقت، قد تتغير الأماكن وتختفي الوجوه، إلّا أن الأثر الذي نتركه في قلوب الآخرين يظل حاضرًا لا يتلاشى. فكل كلمة صادقة، وكل لمسة حانية، وكل عطاء بلا مقابل، تُسجَّل في دفاتر الذاكرة كقيم خالدة لا تزول.
فمنذ البداية، يجب أن ندرك أن الأثر الذي نتركه لا يُقاس بحجم الإنجازات أو الشهرة، بل بقيمة الأفعال التي نقوم بها يوميًا. قد يكون الأثر في موقف بسيط لا يتطلب جهدًا كبيرًا، لكنه يترك أثرًا عميقًا في نفوس الآخرين. خذ على سبيل المثال المعلم الذي لا يكتفي بتلقين طلابه الدروس، بل يغرس فيهم حب التعلم، ويشجعهم على البحث والابتكار. إن هذا المعلم، وإن مضت السنوات، يبقى أثره في كل طالب نجح بفضل كلماته وتوجيهاته.
وعلى الجانب الأسري، فإن الآباء والأمهات هم أول من يزرع في أبنائهم بذور القيم والأخلاق. عندما يرى الطفل والده يساعد جاره، أو والدته تعطف على المحتاجين، فإن هذه المشاهد تُحفر في ذاكرته وتصبح جزءًا من شخصيته المستقبلية. لذلك، كل لحظة نقضيها مع أبنائنا هي فرصة لغرس معاني الرحمة، والتسامح، وحب الخير. قد لا ندرك ذلك الآن، لكننا نصنع مستقبلًا من القيم التي ستعيش بعدنا في قلوبهم وأفعالهم.
وإذا نظرنا إلى العلاقات الإنسانية بشكل أوسع، نجد أن هناك مواقف تحدث في حياتنا اليومية تتيح لنا ترك أثر إيجابي دون عناء. ففي العمل مثلًا، قد يمر زميل بلحظة إحباط أو تحدٍ صعب، وكلمة دعم واحدة منك قد تكون مفتاحًا لرفع معنوياته. قد تكون في موقع مسؤولية، ويكون قرارك العادل والإنساني هو ما يُشعر موظفيك بالأمان والاحترام. هذه اللحظات، وإن بدت عابرة، تترك أثرًا يبقى لسنوات، وربما للأبد.
علاوة على ذلك، هناك أثر يتركه الإنسان من خلال الأعمال التطوعية والخيرية. في كل مرة نساهم في بناء مسجد، أو نشارك في مبادرة تعليمية، أو نساعد في تنظيف حيّنا، فإننا نترك أثرًا ملموسًا ومجتمعيًا. هذه الأفعال البسيطة تتراكم مع الزمن لتشكل صورة مشرقة لمجتمع متماسك ومترابط. وكما يقول الله تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى" (المائدة: 2). إن هذا التعاون يعكس معدن الإنسان الحقيقي ويُخلد أثره في نفوس الآخرين.
ومن ناحية أخرى، لا يمكن أن نغفل عن الأثر الذي نتركه في الطبيعة والبيئة من حولنا. عندما نحرص على الحفاظ على نظافة الأماكن العامة، ونزرع الأشجار، ونقلل من استهلاك الموارد، فإننا نساهم في حماية الكوكب للأجيال القادمة. هذا النوع من الأثر يتجاوز حدود حياتنا ليصل إلى من سيأتون بعدنا، فيستفيدون من بيئة نظيفة وصحية.
كما إن الأثر لا يتوقف عند الأفعال الكبيرة فقط، بل يظهر أيضًا في التفاصيل الصغيرة التي نمر بها يوميًا. فعندما تقدم مقعدك لشخص مسنّ، أو تحمل عن شخص ما أمتعته، فإنك تترك بصمة من اللطف والاحترام. هذه الأفعال الصغيرة قد تبدو بلا أهمية في نظر البعض، لكنها تعكس نبل الإنسان وتخلق حالة من الودّ الاجتماعي الذي نحتاجه جميعًا.
كذلك الأثر الحقيقي لا يتطلب مجهودًا خارقًا أو تضحية كبيرة؛ بل يتطلب قلبًا صادقًا ونية طيبة. هناك أشخاص يظنون أن قيمتهم تتحدد بما يملكونه من أموال أو بما يحققونه من نجاحات، لكن الحقيقة أن القيمة الحقيقية تكمن في العطاء غير المشروط. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خير الناس أنفعهم للناس" (رواه الطبراني). هذا الحديث الشريف يُذكرنا بأن أعظم ما يمكن أن نقدمه لأنفسنا هو أن نكون سببًا في سعادة الآخرين وراحتهم.
وفي كل مرة نختار فيها الصدق بدلًا من الخداع، والأمانة بدلًا من الغش، والكرم بدلًا من البخل، فإننا نثبت لأنفسنا وللعالم من حولنا أننا قادرون على ترك أثر أخلاقي وإنساني يدوم طويلًا. هذه القيم هي ما تجعل لحياتنا معنى، وهي التي تُخلّد أسماءنا في قلوب الناس.
وعندما ننظر إلى الحياة من هذا المنظور، ندرك أن كل فرصة تمر بنا هي دعوة لترك أثر. حتى بعد رحيلنا، سيظل هذا الأثر هو الحديث الذي يتناقله الناس عنا. لذلك، اجعل كل يوم فرصة لزرع الخير، واجعل أفعالك انعكاسًا لمبادئك وقيمك. لا تبحث عن الأثر السريع أو الشهرة المؤقتة، بل ابحث عن الأثر الذي يبقى، الأثر الذي يُلهم، الأثر الذي يُحيي النفوس.
وفي الختام.. الحياة ليست مجرد سباق لتحقيق الإنجازات؛ بل هي رحلة لزرع الأثر الطيب في كل مكان نذهب إليه.
ازرع أثرًا لا يزول، لأن هذا الأثر هو الذي سيبقى يتحدث عنك بعد أن تُطوى صفحات حياتك، وسيكون شاهدًا على إنسانيتك وحبك للخير.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
فكرة يناقشها مسلسل ظلم المصطبة.. كيف تمنع الآخرين من فرض آرائهم عليك؟
قضايا ومشكلات مجتمعية كثيرة تناقشها دراما رمضان 2025 بشكل فني وحبكة مميزة، من بينها محاولة فرض وجهات النظر والآراء الشخصية على الآخرين، وما قد يترتب على هذا الفرض والإرغام، والتي يسلط الضوء عليها مسلسل «ظلم المصطبة» بطولة الفنانة ريهام عبد الغفور.
مسلسل «ظلم المصطبة»وتشارك الفنانة ريهام عبد الغفور في السباق الرمضاني هذا العام من خلال مسلسل «ظلم المصطبة»، الذي يشاركها في بطولته كل من الفنان فتحي عبد الوهاب، والفنان إياد نصار، تدور أحداثه في إطار درامي، وتناقش فكرة مفادها أنه لا يمكن لأحد ما أو فكرة ما أن يفرض نمط حياة علي الأفراد، أو يتدخل في حياتهم الشخصية واختياراتهم الحياتية الفردية، وأن نتيجة هذه التدخلات كارثية، ليست على الفرد فحسب ولكن على المجتمع ككل.
وبينما يترقب كثيرون من الجمهور بدء عرض الحلقات الأولى من مسلسل «ظلم المصطبة»، نوضح كيف تمنع الآخرين من فرض آرائهم الخاصة عليك، حتى لا يؤثر ذلك على حياتك الخاصة وخطواتك، ولكي تكون أنت فقط المسؤول عن حياتك.
كيف تمنع الآخرين من فرض آرائهم الخاصة عليك؟وكي تتمكن من منع الآخرين من فرض وجهات نظرهم الخاصة عليك وتقييد حريتك، فهناك بعض النصائح التي يمكنك ابتاعها، حسب ما ورد على موقع «سبوتنيك»، وهي:
- كن واثقًا من نفسك:
الثقة بالنفس هي أقوى سلاح لديك؛ فعندما تكون واثقًا من آرائك ومعتقداتك، سيكون من الصعب على الآخرين التأثير عليك.
- حدد حدودك:
لا تخف من تحديد حدودك في التعامل مع الآخرين، وهذا يعني أن تقول «لا» عندما تشعر بأنك غير مرتاح لشيء ما، وأن تعبر عن آرائك بوضوح وصراحة.
- استمع جيدًا:
استمع إلى وجهات نظر الآخرين، ولكن لا تدع ذلك يؤثر على آرائك الخاصة، وحاول أن تفهم وجهة نظرهم، ولكن في النهاية، القرار يعود لك.
- لا تخف من الاختلاف:
من الطبيعي أن تختلف مع الآخرين في وجهات النظر؛ فلا تخف من التعبير عن اختلافك بطريقة محترمة ومهذبة.
- ابحث عن حلول وسط:
في بعض الحالات، قد يكون من المفيد البحث عن حلول وسط ترضي جميع الأطراف؛ فهذا يدل على أنك شخص مرن ومتعاون.
- لا تأخذ الأمر شخصيًا:
عندما يحاول شخص ما فرض وجهة نظره عليك، لا تأخذ الأمر على محمل شخصي، بل تذكر أن لكل شخص الحق في التعبير عن رأيه.
- ابتعد عن الأشخاص السلبيين:
إذا كان هناك أشخاص يحاولون باستمرار فرض وجهات نظرهم عليك، فقد يكون من الأفضل الابتعاد عنهم وتجنب التعامل معهم قدر الإمكان.