لجريدة عمان:
2025-01-17@07:35:54 GMT

في غزة .. أنين الجوعى أقوى من صوت المدافع

تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT

مراسل «عُمان» - بهاء طباسي:

وسط ازدحام خانق أمام إحدى «التكايا» في حي فقير بقطاع غزة، كانت الطفلة رُبى، ذات الثلاثة عشر عامًا، تقف ممسكةً بإناء فارغ. عينان واسعتان امتلأتا بالدموع، تبحثان عن أمل يسد رمقها وأسرتها. بجسدها النحيل تزاحم الكبار، تتوسل لقمة من العدس أو الأرز لتضعها في إنائها الفارغ. مشهد بات متكررًا في قطاع غزة حيث أصبح «الجوع أقوى من صوت المدافع».

رُبى ليست وحيدة في معاناتها، آلاف الأطفال في القطاع المحاصر يصطفون، بمعدة خاوية يوميًا أمام مراكز توزيع المساعدات الإنسانية التي باتت تستهدف بشكل متكرر من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وحلقت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية بكثافة فوق مدينتي خان يونس ورفح، في مشهد ينذر بالخطر. ولم يطل الأمر كثيرًا قبل أن تتحول منطقتا الأكواخ غرب رفح ودوار النص غرب مواصي خان يونس إلى ساحة موت بعد استهداف مباشر لعناصر تأمين المساعدات.

12 شهيدًا ارتقى في هجوم الفجر الغادر على شاحنات المساعدات، بالإضافة إلى عشرات الجرحى.

وقال الناطق باسم الدفاع المدني في غزة: «هؤلاء كانوا يحرسون شاحنات مساعدات إنسانية تحمل الدقيق لصالح مخازن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)».مضيفا لعمان" «الاحتلال يستهدف بشكل ممنهج الخدمات الإنسانية لإضعاف صمود الشعب الفلسطيني».

ودائمًا ما تقع قوافل المساعدات القادمة لغزة فريسة للسرقة من قبل لصوص ومجموعات مسلحة بعد وقت قصير من دخولها القطاع، ما دفع أجهزة الأمن في غزة لتشكيل عناصر ميدانية محلية لتأمين وصولها وتوزيعها.

عبد الله، أحد المتطوعين في تأمين المساعدات، شهد على الأحداث قائلاً: «كانت الشاحنات متجهة إلى مخازن أونروا عندما باغتتنا طائرات الاحتلال. الهجوم كان مباشرًا ومتعمدًا، وكان الهدف واضحًا؛ تجويعنا وكسر صمودنا».

مشاهد الأطفال وهم يركضون محاولين حماية ذويهم من شظايا القصف تعكس قسوة الحياة اليومية في غزة.

ويطالب الغزيون بملاحقة سارقي المساعدات بيد من حديد، حيث يقول على الفرا، أحد المواطنين من خان يونس، تعليقًا على استهداف مجموعات تأمين المساعدات: «روح هؤلاء الشباب الذين استشهدوا في رقبة كل من فكر في السرقة أو حاول الاستفادة من هذه المأساة».

وفي مشهد مليء بالدموع والألم، ودعت الصحفية الفلسطينية دعاء خالد والدها الذي ارتقى شهيدًا أثناء تأمين المساعدات في رفح. «والله قلت لك بالليل ما تروح»، تقول وهي تبكي وتنوح محتضنة جثمانه: «كنت تحاول أن تطعمنا، والآن من سيهتم بنا بعد رحيلك؟».

هذا المشهد يعكس واقع العديد من العائلات التي تفقد أحباءها يوميًا جراء القصف الإسرائيلي. قصة دعاء هي جزء من مأساة أوسع يعيشها كل بيت في غزة.

وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أكدت أن القطاع يعاني من أزمة غذائية حادة، حيث يحتاج أكثر من 80% من سكان غزة إلى مساعدات غذائية عاجلة. وأكدت الأونروا أن الاستهداف الإسرائيلي للبنية التحتية الإغاثية يعوق جهودها في توفير الحد الأدنى من احتياجات السكان.

صحفية تودع والدها «شهيد المساعدات»

التجويع سلاح حرب

بات واضحًا أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم الجوع كسلاح حرب. استهداف المساعدات ومنع دخولها يعمقان من معاناة السكان، الذين باتوا يواجهون أزمة إنسانية غير مسبوقة. الأطفال يموتون من سوء التغذية، والأسر تعاني من نقص حاد في المواد الأساسية.

منظمات حقوقية دولية وصفت ما يحدث في غزة بأنه عقاب جماعي للشعب الفلسطيني، وطالبت بفتح تحقيقات دولية في استهداف قوافل المساعدات. هذه المنظمات تؤكد أن تجويع السكان يمثل جريمة حرب وفق القانون الدولي.

أبو أحمد، رب أسرة مكونة من سبعة أفراد، تحدث بحرقة عن معاناته قائلا خلال حديثه لـ«عُمان»: «أنا أعجز عن توفير الطعام لأطفالي. كنا نعتمد على المساعدات، لكنها الآن تُستهدف أو تُسرق. لا أعرف كيف يمكننا الصمود أكثر من ذلك».

في مخيم جباليا، أكدت أم حمدان الدقر، التي فقدت طفلها بسبب سوء التغذية، أن الوضع أصبح لا يُطاق: «ابني مات بين يدي. لم أستطع توفير الغذاء اللازم له. نشعر أن العالم يتخلى عنا».

تأثيرات الاستهداف على الأطفال

الأطفال هم الأكثر تضررًا من هذا الحصار. وفقًا لتقارير صادرة عن منظمات حقوق الطفل، فإن معدلات سوء التغذية بين الأطفال في قطاع غزة وصلت إلى مستويات غير مسبوقة. رُبى، التي بدأت القصة بمعاناتها، ليست سوى مثال على واقع مأساوي يعيشه أطفال غزة يوميًا.

وبحسب تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، يواجه جميع الأطفال دون سن الخامسة في قطاع غزة (حوالي 335,000 طفل) خطر سوء التغذية الحاد بسبب الأزمة الإنسانية المتفاقمة.

وتشير الإحصائيات إلى أن 10,000 طفل على الأقل من هؤلاء يعانون سوء التغذية الحاد، وهي حالة تهدد الحياة بشكل مباشر وتستدعي تدخلًا غذائيًا علاجيًا عاجلًا. كما يعيش ما نسبته 80% من الأطفال في غزة فقرًا غذائيًا حادًا، مما يزيد من هشاشتهم الصحية والاجتماعية.

وخلال الأشهر الماضية، تدهور الوضع التغذوي للأطفال في قطاع غزة بوتيرة متسارعة، حيث ارتفع معدل سوء التغذية الحاد (الهزال) بين الأطفال دون سن الثانية في شمال غزة إلى 15.6%، مقارنة بـ 0.8% قبل اندلاع الأعمال العدائية في السابع من أكتوبر الماضي. هذا التدهور، الذي نقلته (يونيسيف) يعكس نقصًا حادًا في الغذاء والمياه والخدمات الصحية في كل أنحاء غزة.

وفي ظل هذا الوضع المتأزم، تبقى التساؤلات حول دور المجتمع الدولي في حماية سكان غزة من هذه الكارثة. بالرغم من إدانات متكررة، لم يتحقق أي تقدم حقيقي على الأرض. ويطالب الفلسطينيون بتدخل دولي عاجل لفتح المعابر وضمان وصول المساعدات.

بدورها، دعت منظمة العفو الدولية إلى فرض عقوبات على إسرائيل بسبب انتهاكاتها للقانون الدولي، مؤكدة أن الحصار والاستهداف المباشر للمساعدات يهدفان إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تأمین المساعدات سوء التغذیة فی قطاع غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

ندوب الحرب التي لن تبرأ بصمت المدافع

توشك المفاوضات بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس أن تصل إلى ذروتها بإتمام اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. ورغم أن جانب دولة الاحتلال غير مأمون بناء على التجارب التاريخية وبناء على تجارب مفاوضات الحرب الحالية، لكن المؤشرات والتسريبات التي رشحت خلال الأيام الماضية والمشهد العام في المنطقة والمزاج الأمريكي كلها تشير إلى أن إسرائيل مضطرة هذه المرة إلى التوقيع قبل بدء الفترة الرئاسية للرئيس الأمريكي ترامب.

إن هذه الخطوة كان يمكن أن تحدث منذ أكثر من عام لولا تعطش رئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومته اليمينية المتطرفة للدماء ولولا الأحقاد التي تستعر في نفوسهم ضد الشعب الفلسطيني، ولو حدثت في ذلك الوقت لكان يمكن لآلاف الأطفال الذين استشهدوا في هذه الحرب أن يكونوا من بين الذين سيفرحون بالقرار وهم يعودون إلى قراهم المدمرة ليبحثوا عما تبقى من ذكرياتهم وألعابهم وبعض طفولتهم.

لكن قتلة الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء لا يفهمون معنى الطفولة ولا قدسيتها حتى خلال الحرب ومن باب أولى لا يفهمون معنى أن تعود الأمهات الثكلى بأطفالهن فلا يجدن حتى قميصا فيه رائحة طفلها قد يخفف بعض حزنها أو يوقف دموع عينها المبيضة من الحزن والبكاء.

من حق الفلسطينيين أن يشعروا بالنصر رغم كل الخسائر التي منوا بها: خسائر في الأرواح التي قد تصل الآن بعد أن تتلاشى أدخنة الحرب إلى نحو 50 ألف شهيد وأكثر من 200 ألف جريح وبنية أساسية مهدمة بالكامل وغياب كامل لكل مظاهر الحياة الإنسانية وانعدام كامل للمواد الغذائية والطبية.. وشعور النصر مصدره القدرة على البقاء رغم الإبادة التي عملت عليها قوات الاحتلال، الإبادة المدعومة بأعتى الأسلحة الغربية التي جربها العدو خلال مدة تصل إلى 18 شهرا.

في مقابل هذا لا أحد يستطيع أن ينكر أن الموازين في المنطقة قد تغيرت بالكامل خلال هذه الحرب، والمنطقة في اليوم التالي لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار ليست هي المنطقة التي كانت عليها قبل يوم 7 أكتوبر.

وإذا كانت إسرائيل قد صفَّت الكثير من خصومها في هذه الحرب وفككت محور المقاومة وأثخنت الكثير من جبهاته وآخرها الجبهة السورية إلا أنها كشفت عن ضعفها في المواجهات المباغتة، وفضحت أسطورة أجهزتها الأمنية وقبتها الحديدية.

وفي مقابل ذلك فإن حركة حماس رغم ما تعرضت له من خسائر فادحة في رجالها وقياداتها الميدانية إلا أنها أثبتت في الوقت نفسه أنها منظمة بشكل دقيق ومعقد وأنها قادرة على الصمود وتجديد نفسها وتقديم قيادات جديدة.

والأمر نفسه مع حزب الله ومع إيران التي دفعتها هذه الحرب إلى دخول مواجهة مباشرة لأول مرة في تاريخها مع إسرائيل، ولا شك أن تلك المواجهات كشفت لإيران نفسها عن مواطن الضعف في منظوماتها كما كشف مواطن القوة.

ورغم أن بعض الخبراء يرون أن حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله يمكنهم تجديد قوتهم خلال المرحلة القادمة إلا أن الأمر يبدو مختلفا في سوريا التي يظهر أنها خرجت من المحور تماما سواء كان ذلك على المستوى الأيديولوجي أو حتى مستوى العمل الميداني واللوجستي.

وأمام هذا الأمر وتبعا لهذه التحولات ما ظهر منها وما بطن فإن الموازين في المنطقة تغيرت بالكامل، ولا يبدو أن ذلك ذاهب لصالح القضية الفلسطينية في بعدها التاريخي أو في جوهر ما تبحث عنه وهو دحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المحتلة ولو على حدود 5 يونيو 1967.

لكن هذا لا يعني أن المقاومة ستنتهي أو تنتهي نصرة القضية الفلسطينية من الشعوب الحرة المؤمنة بالقضية، بل ستزهر في كل مكان في فلسطين أشكال جديدة من المقاومة والندوب الذي أحدثتها الحرب في أجساد الفلسطينيين وفي أرواحهم، ستبقى تغلي وستكون بذورا لمواجهات أخرى أكثر ضراوة وأكثر قوة وإصرارا على النصر.

مقالات مشابهة

  • اختتام الاجتماع السنوي لمراجعة بيانات التغذية بعدن
  • ندوب الحرب التي لن تبرأ بصمت المدافع
  • معهد التغذية يكشف فوائد مذهلة للجنزبيل
  • تفاصيل ليلة دامية.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يشن قصفًا عنيفًا على غزة
  • استشهاد وإصابة العشرات.. ليلة دامية عاشها سكان غزة بسبب القصف الإسرائيلي
  • تفاصل ليلة دامية.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يشن قصفا عنيفا على غزة
  • القوات المسلحة تعلن استهداف أهدافا للعدو الإسرائيلي في منطقتي يافا وأم الرشراش
  • شاهد| بيان القوات المسلحة اليمنية بشأن استهداف وزارة الدفاع للعدو الإسرائيلي في منطقة يافا المحتلة بصاروخ بالستي فرط صوتي نوع “فلسطين2”
  • بيان القوات المسلحة اليمنية بشأن استهداف وزارة الدفاع للعدو الإسرائيلي في منطقة يافا المحتلة (إنفوجرافيك)
  • الاحتلال الإسرائيلي يواصل استهداف المستشفى الإندونيسي شمال قطاع غزة