حكم قول الله أكبر عند الرفع من الركوع
تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT
اجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما حكم قول الله أكبر عند الرفع من الركوع؟ فبينما كنتُ أصلي أمس وعند الرَّفع من الركوعِ نسيتُ فقلت: "الله أكبر"، بدلًا من قول: "سمع الله لمن حمده"، فما حكم صلاتي؟ مع العلم أني تداركت الأمر وقلت هذا الذكر المطلوب بعدها".
لترد دار الإفتاء موضحة: أن صلاة السَّائل الذي استبدل ناسيًا قول: "الله أكبر" بـ"سمع الله لمن حمده" صحيحة، ولا يلزمه إعادتها، كما لا يلزمه سجودُ السهو؛ لأن الذكر هنا سنة لا يتعلَّق بها سجود السَّهو، خاصًّة وأنَّه قد تدارك النقص وأتى بالمطلوب وهو قول: "سمع الله لمن حمده" في محلِّه.
من المقرَّرِ أن تكبيرات الانتقال في الصلاة مشروعةٌ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ، فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ، وَرَفَعَ، فَإِذَا انْصَرَفَ، قَالَ: "إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ" متفقٌ عليه.
ولا يُخَصُّ من عموم هذا الحديثِ إلا الرفعُ من الركوع، فإنَّ الذكر المطلوب فيه إنما هو قولُ: سمع الله لمن حمده، ويُسمِّيه الفقهاءُ بـ"التسميع".
قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (4/ 98، ط. دار إحياء التراث العربي) تعليقًا على حديث الباب: [فيه إثباتُ التكبير في كلِّ خفض ورفع إلَّا في رفعه من الركوع، فإنه يقول: سمع الله لمن حمده، وهذا مجمعٌ عليه اليوم] اهـ.
مذاهب الفقهاءُ في حكم قول المصلي "سمع الله لمن حمده" عند الرفع من الركوع
قد اختلف الفقهاءُ في حكم قول المصلي: سمع الله لمن حمده، حال رفعِهِ من الركوعِ، فذهب الحنفية والمالكية إلى أنَّه سنةٌ في حق الإمام والمنفرد دون المأموم، فإنه لا يسن في حقه قول: "سمع الله لمن حمده"، وإنما المسنون في حقه هو قول: "ربنا لك الحمد".
قال العلامة الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (1/ 115، ط. المطبعة الكبرى الأميرية): [(واكتفى الإمام بالتسميع والمؤتم والمنفرد بالتحميد) وقال أبو يوسف ومحمد: يجمع الإمام بين الذكرين لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام كان يجمع بينهما؛ ولأنه حرَّض غيره فلا ينسى نفسه، وقال الشافعي رحمه الله: يأتي الإمام والمأموم بالذكرين؛ لأن المؤتم يتابع الإمام فيما يفعل، ولنا ما روى أبو هريرة وأنس بن مالك أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد» رواه البخاري ومسلم، قسم بينهما والقسمة تنافي الشركة] اهـ.
وقال الشيخ الدَّردِير المالكي في "الشرح الصغير" (1/ 319، ط. دار المعارف) عطفًا على سنن الصلاة: [(و) سادسها: كل لفظ (سَمِعَ الله لمَنْ حَمِدَه لإمامٍ وفَذٍّ حال رفْعِهِ): من الركوع، لا مأموم فلا تُسَنُّ في حقه] اهـ.
وذهب الشافعية إلى أنَّه سنةٌ في حق المصلي إمامًا كان أو منفردًا أو مأمومًا، فيقول كلُّ مصلٍّ عند الرفع من الركوع سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد.
قال الإمام الرافعي في "فتح العزيز" (3/ 399، ط. دار الفكر): [ويقول عند رفعه: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، ويستوي (ح) فيها الإمام والمأموم والمنفرد)] اهـ.
وذهب الحنابلة إلى القول بالوجوب في المشهور، وذلك في حق الإمام والمنفرد دون المأموم، فيقول الإمام والمنفرد" "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، ويقول المأموم: "ربنا ولك الحمد".
قال الشيخ البُهُوتي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 218، ط. عالم الكتب) عطفًا على واجبات الصلاة: [(و) الثاني (تسميعٌ) أي: قول "سمع الله لمن حمده" (لإمامٍ ومنفردٍ) دون مأموم.. (و) الثالث (تحميد) أي: قول "ربنا ولك الحمد" لإمام ومأموم ومنفرد] اهـ. ويُنظر في شهرة هذه الرواية: "المغني" للإمام ابن قدامة (1/ 362، ط. مكتبة القاهرة).
حكم سجود السهو عند استبدالِ المصلي بقول: "سمع الله لمن حمده" قولَه: "الله أكبر" عند الرفع من الركوع
أمَّا ترتب سجود السهو عند استبدالِ المصلي بقول: "سمع الله لمن حمده" قولَه: "الله أكبر" حال الرفع من الركوع ساهيًا -وهو محلُّ السؤال- فلا يلزم به السجودُ عند جمهور الفقهاء، من الحنفية والمالكية والشافعية.
فالمقرَّر في فقه الحنفية: أن السبب المُوجِب لسجود السهو هو تركُ الواجب لا غير. يُنظر: "مراقي الفلاح" للشيخ حسن الشُّرُنْبُلالي (ص: 178، ط. المكتبة العصرية). فإذا كان التسميعُ عندهم سنة، فلا يجب بتركِهِ شيء.
جاء في "حاشية العلامة الشِّلْبي على تبيين الحقائق" (1/ 194، ط. الأميرية) نقلًا عن "قُنية الفتاوى" للإمام الزَّاهِدي بعبارة كاشفة عن المراد: [قال في "القُنية" نقلًا عن "أجناس الناطِفِي": ولا يَتَعَلَّق السهو بترك الافتتاح والتعوذ والتسمية وتكبيرات الصلاة وقوله: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، وكل ذكر ليس بمقصود، وهو ما يُجعل علامة لغيره، فتركه لا يلزم السهو، وما هو مقصود وهو أن لا يجعل علامة لغيره، يلزمه السهو] اهـ. ويُنظر أيضًا: "الأجناس في فروع الفقه الحنفي" للعلامة أبي العباس النَّاطِفِي الحنفي (1/ 107، ط. دار المأثور).
ومذهبُ المالكية أنه لا يُسْجَد لنقص شيءٍ من الصلاة إلا إذا كان سنة مؤكدة أو خفيفة مُتَعَدِّدة. يُنظر: "الفواكه الدواني" للإمام النفراوي (1/ 221، ط. دار الفكر).
ولمَّا كان إبدالُ التكبير بالتسميعِ حال الرَّفعِ من الركوع يُعَدُّ نقصًا عن المطلوب وزيادةً عليه معًا: فقد وَقَعَ خلافٌ في المذهب على قولَيْن، الأقوى منهما: هو عدمُ السجود؛ لأنَّ المصلي لم ينقص سنة مؤكَّدة، والزيادة التي زادها قوليَّة، وهي لا تُوجِب سجودًا.
إلَّا أن محلَّ هذا الخلاف: حيث فات التداركُ وتَلَبَّس المصلي بالسجودِ، فإن لم يَفُتْ وأتى بالذكر المطلوب وهو التسميع في محلِّه، أي: حال رفعِهِ من الركوع، فلا يلزمُه السجود قطعًا.
قال الشيخ الدردير في "الشرح الكبير" (1/ 280، ط. دار الفكر): [(وَفِي) سجوده في (إبْدالِها) أي: التكبيرة (بسَمِعَ الله لمَنْ حَمِدَه) سهوًا حال هُوِيِّه للركوع (أو عَكْسِه) بأن كَبَّر حال رفعه منه؛ لأنه نَقَصَ وزادَ، وعدمِ سجوده؛ لأنه لم ينقص سنة مؤكدة ولم يزد ما توجب زيادته السجود (تأويلان) محلُّهما إذا أبدل في أحد المحَلَّين كما أفاده بـ"أو"، وأما إن أبدل فيهما معًا، فإنه يسجد قطعًا كما في "المدونة"، ومحلُّهما أيضًا إذا فات التدارك، بأن تَلَبَّسَ بالركن الذي يليه، فإن لم يَفُتْ أتى بالذكر المشروع] اهـ.
قال العلامة الدسوقي مُحَشِّيًا عليه: [الأقوى منهما عدمُ السجود كما قال شيخنا] اهـ. والمرادُ بقول المُحَشِّي: "شيخُنا" هو الشيخ العلامة عليٌّ العدوي.
والمذهبُ عند الشافعية أن ضابط سجود السهو إمَّا بترك مأمورٍ به من أبعاضِ الصلاة ولو احتمالًا بأن شَكَّ هل تركه أم لا، أو بفعل منهيٍّ عنه فيها إن أبطل عمده الصلاة ولم يبطلها سهوه كركعة زائدة أو ركوع أو سجود أو قليل أكل أو كلام، ولو احتمالًا بأن شَكَّ هل فعل ذلك المنهي أم لا، فيَعُمُّ ما هو من جنس أفعال الصلاة أو لا، وسواء أكانت الصلاة فرضًا أو نفلًا.
وإذا تبيَّن أن التسميع عندهم من سنن الهيئات، والمُراد به هنا: ما عدا الأبعاض من السُّنن التي لا تُجْبَر بالسجود، كما في "الإقناع" للخطيب الشربيني، (1/ 142)، فلا يُجْبَر تركها، فضلًا عن مجرد الخطأ فيها بالسجود، وسواء أفعل ذلك عمدًا أم سهوًا.
قال الإمام الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (1/ 429، ط. دار الكتب العلمية) عقب فراغه من الكلام على سنن الأبعاض التي تُجْبَر بالسجود: [(ولا تُجْبَرُ سائِرُ السُّنن) أي: باقيها كأذكار الركوع والسجود وقنوت النازلة إذا تُرِكت بالسجود؛ لعدم وروده فيها، لأنَّ سجود السهو زيادةٌ في الصلاة فلا يجوز إلا بتوقيف] اهـ.
وحاصلُ مذهب الحنابلة أنه لا يُسْجَد في العَمْدِ، بل في السَّهْوِ بوجُود أسبابِهِ، وهي الزيادة والنقص والشك سواء في فرض أو نفل. يُنظر: "زاد المُستَقْنِع" للشيخ أبي النجا الحَجَّاوِي (ص: 48، ط. دار الوطن للنشر).
فإذا كان التسميعُ حال الرفع من الركوع واجبًا عندهم -كما سبق- ويُبْطِل تعمُّدُ تركِه الصلاةَ، فإنَّ السجود لتركِه سهوًا يكون واجبًا.
قال الشيخ البُهُوتي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 233): [(وسجودُ السَّهْوِ: لِما) أي: لفِعْل شيءٍ، أو تركِهِ (يَبْطُل عمدُه) أي: تَعَمُّدُه الصلاةَ، واجبٌ كسلام عن نقص، وزيادة ركعة، أو ركوع، أو سجود ونحوه، وترك تسبيح ونحوه] اهـ.
المختار للفتوى في هذه المسألة
المختار للفتوى: ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، وذلك تيسيرًا على المكلفين ورفعًا للحرج عنهم، قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].
وقال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]. فلا يلزم السَّائلَ سجودُ السهو بتركِ التسميع؛ لأنه سنة لا يتعلَّق بها السَّهو عند الحنفية والشافعية.
الخلاصة
بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ صلاة السَّائل الذي استبدل ناسيًا قول: "الله أكبر" بـ"سمع الله لمن حمده" صحيحة ولا يلزمه إعادتها، كما لا يلزمه سجودُ السهو، فالذكر هنا سنة لا يتعلَّق بها سجود السَّهو، خاصَّة وأنَّه قد تدارك النقص وأتى بالمطلوب وهو التسميع في محلِّه.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الركوع دعاء الرفع من الركوع المزيد قال الإمام سجود السهو قال الشیخ الله أکبر ع الله لم ه الصلاة سجود الس حکم قول لا یلزم سجود ا
إقرأ أيضاً:
حكم استحباب البدء بالصلاة على سيدنا محمد في مهمات الأمور
قالت دار الإفتاء المصرية إن الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ من أقرب القربات، وأعظم الطاعات، فمَن تمسّك بها فاز بالسعادة في الدنيا، وغُفر ذنبه في الآخرة.
وأكدت الإفتاء أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جالبة للخيرات، قاضية للحاجات، دافعة للنقمات، كما أنها بابٌ لرضاء الله، وجزيل ثوابه ومحبته لعباده؛ فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أصل كل خير في الدارين، وهو شفيع الخلائق في الآخرة؛ لذلك جاء الأمر الشرعي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنص الكتاب والسنة.
حكم بدء الأمور والمهمات بالصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
وأوضحت الإفتاء أنه يستحب البدء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكل كل ما يهمّ المسلم من أمور، وذلك لما تواتر من فضلها في قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، ودفع الملمات.
قال الإمام الحطَّاب في "مواهب الجليل" (1/ 15، ط. دار الفكر): [قال العلماء: يُستحب البداءة بالحمد لكل مصنفٍ ودارسٍ ومدرسٍ وخطيبٍ وخاطبٍ ومتزوجٍ ومزوجٍ، وبين يدي سائر الأمور المهمة، قال الفاكهاني: قلت: وكذلك الثناء على الله، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ،
وقال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني" (1/ 7، ط. دار الفكر): [استحب بعض العلماء البداءة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحمدلة لكل مصنفٍ ومدرسٍ وقارئٍ بين يدي شيخه سواء كان المبدوء أو المقروء فقهًا أو حديثًا أو غيرهما] اهـ.
وقال العلامة العدوي في "حاشيته على شرح كفاية الطالب الرباني" (1/ 10، ط. دار الفكر): [البداءة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مستحبة في كل أمرٍ مُهمّ] اهـ..
حكم الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
نقل جمعٌ من الفقهاء والعلماء الإجماع على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرض على الجملة، وأنها تجب على كل مسلم مرة في العمر، وعلى استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلما ذُكِر، وورد في فضلها العديد من الآيات؛ منها
قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].