ؤ#الدين و #السلطة
بقلم : المهندس محمود ” محمدخير” عبيد
ارسل الله الرسل و الأنبياء من اجل المحبة و السلام, فالرسل بعثت و الكتب انزلت و الأديان اتبعت من اجل تصحيح مسار البشر في كل مرحلة من مراحل الحياة على هذه الأرض, فكافة الأديان هدفها واحد و هو عبادة الله و الأيمان به و توجيه بني البشر الى حياة المحبة و التسامح.
ان الكنيس بيت الله و الكنيسة بيت الله و المسجد بيت الله و كل له حرمته مهما اختلفت المسميات و كل منا له طريقته في عبادة رب العزة كما وصلت اليه من اباءه و اجداده فما يضمن لنا ان اتباع موسى او اتباع عيسى او اتباع محمد طريقتهم الصحيحة بعد 3500 عام و 2025 عام و 1470 عام, ما يسوقني الى اي طريقة هي فطرتي التي فطرني الله عليها و ايماني بوحدانيته و جميع الطرق التي تقربني الى الله اؤمن بها و هي جزء من التركيب الروحاني و العقلاني لأي دين او اي رسالة . متى ستنار عقولنا بالمعرفة و المحبة و السلام و التسامح و قبول الأخر بغض النظر عن مسمى دينه او الرسول الذي نؤمن به او المكان الذي نعبد الله فيه فجميع الأنبياء و الرسل اصطفاهم الله ليكونوا رسله للبشرية و لم يصطفيهم او يزكيهم من اجل ان نعبدهم او نبجلهم او نزكيهم على الله حتى اصبحنا ننتظر شفاعتهم لنا قبل ان نسال شفاعة و رضا رب العزة و اوصلناهم الى مرحلة الالوهية بعاداتنا و تقاليدنا و هذا ليس محصور بدين او مذهب او عقيدة او شرع فجميع اتباع الديانات اوصلوا رسلهم الى هذه المرحلة كل بطريقته, كما لو عدنا الى الجاهلية مرة اخرى و لكن جاهليتنا ان وضعنا الرسل هم الواسطة بيننا و بين من خلقنا هو الذي لا يحتاج الى واسطة للتواصل معه سوى دعوة من قلب مؤمن بوحدانيته و بقدرته على الأجابة. كفانا تعصبا” لأفكار بالية مدمرة تزيدنا فرقة و تشرذما” من اجل سلطة زائلة او دعما” لأهداف اناس لن يزيدونا الا تعصبا” و كراهية و لنعود الى فطرتنا التي فطرنا الله علينا عندما خلقنا انقياء اتقياء و اخرجنا من ارحام امهاتنا لنعود الى الأيمان بالله الواحد و العمل على نشر تعاليمه التي بعث بها رسله جميعا” و لا نزكي رسول على رسول او نبي على نبي والتي ارادها لنا المبنية على المحبة و العدل و السلام فلنامن اننا هنا على هذه الأرض في رحلة ستنتهي في اي وقت و سوف نغادر قطار الدنيا لننتقل الى الدنيا الأبدية التي سوف نكون بها جميعا” تحت عرش الرحمن صاحب السلطة الوحيدة و الأبدية الذي لا اله الا هو و الذي سنعبده بغض النظر عن ديننا و رسلنا و مذهبنا و عرقنا و مبادئنا و حاكمنا على الأرض. الرسل جمعاء و الأنبياء بعثت من اجل إيصال الانسان الى الكمال و السعادة الأبدية و للدعوة الى المحبة و السلام و العدل و التسامح و قبول الأخر, هذا هو الهدف الذي خلق الله تعالى من أجله الإنسان ، فان حكمة الباري تعالى اقتضت بخلق الظروف المناسبة لوصول الإنسان إلى الكمال اذا ما استخدم عقله و فطرته بالشكل الصحيح ، بل إلى ذروته و قمة انسانيته و عطاءه.
ان الهدف من إرسال الرسل وبعث الأنبياء والكتب هو إقامة العدل الإلهي على الأرض. يقول تعالى في الآية 25 من سورة الحديد :
“لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز”
أن الهدف الذي من أجله أرسل الله الرسل جميعا هو تحقيق العدل الإلهي (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) من هذا المنطلق نجد ان البشرية جمعاء بغض النظر عن الدين او الرسول او المذهب او العقيدة و دون استثناء لابد أن يكون لها دور كبير في قيام دولة العدل الإلهي على الأرض، حيث ان نهضة الأرض و من عليها من بشر لن تنهض و لن تنتفض على قهر السلطة و قمعها و تجبرها التي شاعت في الأرض فسادا” منذ ان خلق الله الأرض و من عليها الا بنبذ الفرقة و العنصرية و التعصب الديني و المذهبي و العرقي. أن العدل الإلهي لا بد أنه سيتحقق على الأرض ان اجلا” ام لاحقا” لأن عشق العدل وتحقيقه من الفطرة بل هو لفظ جامع لكل أنواع الخير ولذلك كان هو الهدف من بعثة الرسل جميعا
من الأية الكريمة ” لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ” نستخلص الآتى :
أن الله عز وجل أرسل الرسل لقيادة الأمم وأنزل معهم المنهج الكامل والميزان. فلنترك الوصاية والحكم على البشر و تكفيرهم و انكار افعالهم لرب البشر فمن لم يعطي الوصاية لرسله على البشر و انبيائه لن يعطيها لأي انسان من اجل ان يكفر و يحكم على الناس بالكفر و الأشراك فاذا ما كان البعض كافرين باعينكم فانتم كافرين باعينهم و ربما يكونوا خير البشر باعين رب البشر. كل له مقياسه و اذا ما اردتم اصلاح الكون اصلحو انفسكم اولا و عقولكم البالية و موروثكم الهريء, قوموه بالوحدة و التكافل و المحبة و التسامح مع كافة الآديان و العقائد و المذاهب توحدوا على الآيمان بوحدانية الخالق و ربوبيته و احترام كافة الرسل و الديانات و المذاهب و لندع الخلق للخالق و كفانا هرولة خلف زبانية العصور من شيوخ و علماء النفاق و الفرقة و العصبية من رجال الدين الذين يدعون الى الفرقة و الكره و لتنتصر فطرتنا البريئة النظيفة النقية التي خلقنا الله عليها و شكلنا على المحبة و التسامح و السلام قبل ان تشكلنا مجتمعاتنا و محيطنا بالشكل الذي يضمن لهم ديمومتهم بمحاربة الأخر و كرهه. لسنا أصحاب ولاية و ليس لنا ان نحكم على الناس و لكن لو كانت لنا الولاية لجعلنا وقود جهنم رجال الدين و زبانيتهم على مر العصور الذين افسدوا الأرض باسم الله و الله بريء منهم و من افعالهم و فرقوا اهلها بفتاويهم و بث روح الفرقة و اهدار دم بني البشر لمن خالفهم في دينهم او مذهبهم او عقيدتهم انتصارا” لنزعاتهم الشخصية و سلطانهم. عافانا الله و عافاكم من زبانية الأرض من رجال دين ينكرون السلام على هذه الأرض و المحبة و ينكرون رسالات رب العالمين و يزكون الأنبياء و الرسل على خالقهم. فلنتفكر ايها المتفكرون و لنستيقظ من غفوتنا كفانا تاليها لرجال الدين و لنتبع فطرتنا التي فطرنا الله عليها و لننتصر لله خالقنا و لخلقه جميعا” قبل ان ننتصر لدين او مذهب او عقيدة او رسول او شيخ او من يسمون بالعلماء بالدين( رجال علم) او رجل دين او فكر.
نريد لهذه الأرض السلام و المحبة و التسامح و قبول الأخر و احترامه. و لنتذكر تبدا الحياة عندما نزيح الأنا الخاصة بنا و نفسح المجال لمحبة الأخرين.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: السلطة المحبة و التسامح المحبة و السلام على هذه الأرض على السلطة رجال الدین على الأرض من اجل ان رسول او اذا ما
إقرأ أيضاً:
هاجر.. المهاجرة إلى روح الله
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
السيدة هاجر أم العرب والمسلمين والمصريين، والتى جسدت معنى الأمومة فى أجل وأبهى صورها، لا نعرف عنها الكثير، ولم نعرف كيف تكونت بهذه القوة والقدرة والصلابة والجلد؟!
عندما نبحث فى قصتها لا نجد أى شيء عن طفولتها وأسرتها، وذكر على استحياء أنها أميرة مصرية وأُسِرتْ، دون ذكر تفاصيل عن كيفية أسرها ومتى؟! وما نجده يخص حياتها بعد الأسر! والعديد من الادعاءات التى تصفها فقط بأنها جارية!.. ولا نعرف كيف خلقت وتكونت بهذه القوة والقدرة والصلابة والجلد؟!.
تزوجت أمنا هاجر نبى الله إبراهيم بموافقة زوجته سارة، والتى كانت تكن له كثيرًا من المحبة، وكان هذا الزواج حبًا فى زوجها الذى تمنى الإنجاب وهى عجوز عقيم فقدت الأمل فى أن تحقق له أمله..أنجبت أمنا هاجر نبى الله إسماعيل فى أرض فلسطين فى منطقة القدس الشريف، ولكنها هجرت رغمًا عنها، دون أدنى إرادة منها، ولم يكن تهجيرها عقابًا لها على فعلٍ فعلته، ولكنه كان لإنقاذها هى ورضيعها بعد إيذائها من ضرتها السيدة سارة، والتى اشتعلت الغيرة فى قلبها وهى ترى السيدة هاجر تدلل رضيعها، وسعادة رزقها بهذا الرضيع الذى حلم به! فغضبت منها وتوعدتها بالإيذاء وهددتها بأخذ جزء من أعضاء جسدها! ويقال أن سيدنا إبراهيم فكر فى حيلة ترضي زوجته سارة ولا تسبب لأمنا هاجر ضررًا شديدًا، عسى يطفىء ذلك نيران الغيرة التى اشتعلت فى قلبها، فقال لزوجته سارة أن تعاقبها بثقب أذنيها، حتى تهدأ من غيرتها وتحقق جزءًا من تهديدها وعرفها أن ذلك نظير تخليها عن إيذاء هاجر فيما بعد !!
وأصبحت أمنا هاجر بعد ثقب أذنيها الرمز والعلامة المميزة للأنوثة! وأعتقد أنها استغلت ثقب أذنيها وجعلت منه فرصة للتزين بالحلى، فهى حفيدة الملكات، وتعرف كيف تتزين بالحليات، وأغلب الظن أن تناقلت الأجيال ثقب أذن البنات، للتزين بالحلقان دون أن يعرفن أنه موروث من أمنا هاجر الأميرة الأسيرة الجميلة، وأصبح هذا الثقب لإرتداء الأقراط الذهبية، للتزين والتجمل!.
ومن كثرة تعرض أمنا هاجر للإيذاء خشي أبو الأنبياء عليها وعلى ولده إسماعيل، لذلك اشتكى سيدنا إبراهيم إلى الله من زوجته المدللة سارة، ومما تفعله فى أم ولده إسماعيل، فأمره سبحانه وتعالى أن يهجرها إلى الأرض المقدسة..هجرت هاجر رغمًا عنها، وأثناء الطريق كلما مر نبى الله على مكان فيه زرع وماء وبشر، تمنى أن تكون تلك هى الأرض المقدسة، ولكن بعد الوصول إلى المكان الذى أراده الله، وجده مهجورًا!.. أنزلها زوجها فى هذه الأرض، وقبل أن يغادرها سألته: الله أمرك بذلك؟! قال: نعم، قالت: فلن يضيعنا أبدا!.
وجدت المكان موحشًا تملأه الوحدة والظلام، لا زاد ولا ماء ولا أنيس ولا جليس غير رضيعها الذى يهزم السكون بصوت بكائه الضعيف، فيؤنس وحدتها ويقوى إرادتها أن تتمسك بالحياة، وأن تبقى من أجله، فهى الحضن والحصن والأمن والأمان، ولكن أين تجد هى الأمان؟!
بحثت عنه بعقلها، ولم تجده فى هذا الخواء الذى لا ينتهى، فبحثت عنه بروحها، فعرفت الطريق الذى يحول الضيق إلى إتساع، والوحدة إلى الونس والإتناس اللا نهائى! وإلى تشبع وشبع لا يعرف الجوع، والقوة التى تهزم الضعف والإنهزام!
عرفت روحها الطاهرة الطريق الذى أتت منه، والذى نتغافل ونشغل أنفسنا عن التواصل معه، والتوحد به والسير فى طريقه ورحابه، أوصلت روحها بالروح الأم!! روح الله الواحد الأحد الصمد، الأنيس والونيس والجليس الذى لا يغفل ولا ينام ولا يقفل أبوابه فى وجه إنسان.
هامت روحها فى روح الله، فلم تجد للظلام ظلمة، ولا للهيب الشمس حرارة، ولا لزمهرير الشتاء أدنى برودة، ولا لصوت الرياح وزئيرها ما يخيف! من يخاف أو يتألم وهو فى الحصن الحصين؟! وهو هائم فى روح الله يحدثه ويسمعه وينزل على قلبه الرضا وعلى نفسه السكينة؟!
عرفت أمنا هاجر طريق الأمان بالإيمان، وعرفت القوة التى تغتال ضعفها، ووجدت اليد الحانية العطوفة التى تهدهدها كما تهدهد هى رضيعها!
ليتنا نعرف ماذا كانت تناجى به الله وكيف أحبت الله بما يليق بجلاله وجماله وبهائه وقوته وسلطانه؟ وكيف وصلت بهذا الحب أن تسأل الله فيجيب؟.
أعطاها الله أكثر مما تحلم..هاجر التى هجرت رغمًا عنها، دائما نعرفها بأنها أم نبى الله إسماعيل أو زوجة سيدنا إبراهيم أو جارية سارة أو أسيرة الملك الجبار سنان! كل ذلك لا يعرفنا من هى!
هاجر بنت مصر، بنت النيل، بنت هذا الوادي الخصيب الذى كثيرًا ما يمرض ولكنه أبدًا لا يموت! والذى يضعف فتتضاعف قوته، ويهب كمارد يحطم أغلاله ويفنى أعداءه.. هي بنت مصر وقطعة منها، وتحمل صفاتها، هى بنت مصر التاريخ القديم والحضارة الممتدة التى لا تنتهى، والتى تجلب لها حقد الحاقدين وحسد الحاسدين وعيون اللئام المتربصين.
هاجر التى هجرت رغمًا عنها، هى بنت النيل بجماله الساحر للعيون والآخذ للقلوب، الواهب للسعادة والنماء والجمال، الممتد إمتداد الزمن بحلوه ومره! هاجر كطمى نيلنا المعظم، سمرة كسماره معطاءه كعطائه، فيها النماء والارتواء مثله.
هى رحم للأمان والسكون وسحر العيون، وكأنها جمعت مباهج الدنيا فى عينيها الممتلأتين بالحب والسكينة.. والتساؤل: كيف أصبحت روحانية نورانية معجزة إلهية؟! ولماذا لم يلتفت إليها وإلى قصتها الكثيرون، عمدًا وليس جهلًا؟!.. هل التجاهل لأنها قصة تفوق الخيال؟!.. هل تجاهلها الرواة لأنها مصرية؟!.. هل تجاهلها المفكرون لأنها إمرأة؟!.. هل تجاهلها المؤرخون لأنها أم أبو العرب نبى الله إسماعيل وجد سيدنا محمد ﷺ خير خلق الله وخاتم الأنبياء والمرسلين؟!
لماذا تجاهلتم هاجر؟.. هاجر المعجزة التى جعلها الله آية لمن يعقلون، للحالمين والبائسين واليائسين والمحرمين والمعذبين فى الأرض !!
هى آية ومعجزة لم نكلف أنفسنا بالبحث عنها والتحقق من قصتها والتعلم من قوتها وإرادتها! لم نعطها جزءًا من حقها علينا، فتجاهلها الجاهلون!
هاجر التى هجرت إلى الأرض المهجورة، الخاوية من دبة قدم إنسان من قرون وقرون، لتصبح بقدوم أمنا هاجر أكثر بقاع الأرض ازدحاما وبركة وأمانًا..هاجر التى سعت بين الجبلين "الصفا والمروة" حتى فجرت الأرض ماءها الموصول بمياه الجنة، فعمرت الأرض القاحلة وصنعت بأناملها الدفء والجمال..
هاجر التى هجرت رغمًا عنها، عاشت الوحدة والظلام حتى أنارت تلك الأرض المقدسة المهجورة بالخير والنماء وباركتها وتباركت بها ونالت من بركتها حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ منها، وأصبحت فى رحاب بيت الله الذى نتعبد حوله وتهفو أرواحنا لزيارته وننعم ببركته وضيائه وبهائه ونحن نجهل أو نتجاهل أننا بجانب رحاب الله بجوار أمنا هاجر وولدها نبى الله إسماعيل، فقد كرمها الله وعوضها عن السنين العجاف بالبقاء بجوار بيته وفى حماه من قدومها إلى يوم القيامة !!
يا الله على عطائك وكرمك ومحبتك ورعايتك لمن يحبك ويتقرب لك ويصل إلى الحقيقة المتغافل عنها أنك أنت وحدك الغاية والأمل والرجاء..لو عاشت هاجر كل حياتها تحلم وتتمنى لما اختارت كما اختار الله لها، وما وصلت للتكريم الذى منحه الله لها..إنه التكريم المعجز الذى نتغافل عنه!.
هاجر التى هجرت رغمًا عنها، عندما نتحدث عنها، يشغلنا الحديث عن وحدتها هى ورضيعها، عن الجوع والظمأ والشتاء وصقيعه ولهيب الشمس وحرقتها والرياح وزئيرها الممتد من الأرض إلى السماء، عن الوحدة والخلاء! ولم نفكر كيف انتصرت على كل ما سبق!
كل ذلك انتصرت عليه بإرادة الروح الحرة المتحررة من قيود بنى آدم وظلمهم، إلى براح الاختلاء بالخالق!.. كانت الدنيا الخاوية من البشر بين يديها خلوة خاصة مع حبيبها وخالقها تناجيه وتحادثه وتسمعه، وتشعر بيديه الكريمة الحانية تحميها وتقويها، وتغذى إرادتها فى حب البقاء، وأصبحت فى خلوتها فى عين الله الذى لا يغفل ولا ينام، ارتمت فى حصن الأمان الدائم الذى لا أمان إلا بإرادته وعونه!
أثق أنها لم تشعر بالوحدة والخوف أو الحاجة رغم أن الدنيا حرمتها من فتات الحاجة! فمن يسلم وجهه لله، ويرضيه عطاء الله، يعرف معنى الأمان والسكينة وصفاء النفس..
هاجر كما أحبت الله أحبها وكما رضيت أرضاها، وكما عمرت الأرض أصبحت جزءًا من هذا العمار إلى أبد الآبدين..هاجر هجرت رغمًا عنها، لأرض موحشة فحولتها إلى جنة الله على الأرض، وهاجرت بإرادتها راضية مرضية إلى الاتساع اللا نهائى.
هاجرت بكامل إرادتها إلى الله وتاجرت مع الله فربحت تجارتها، هذه الأميرة الجميلة الأسيرة بنت مصر وشبيهتها، الصابرة الراضية المؤمنة الطائعة، لم تفكر أو تبحث عن سلطة وسلاطين أو جاه أو مال، لكنها الباحثة عن الحقيقة المجردة ووصلت إليها وتنعمت بها، يا الله على حبك لمن تحب!
عندما انتقلت روحها الطاهرة إلى بارئها دفنت بجوار الكعبة بيت الله الحرام.. وهذا التكريم لم ينله أحد سواها هى وابنها المكرم ببنوته لها ولأبيه أبو الأنبياء، وكما غزلت روحها بروح الله وسبحت فى بحور عطائه، كتب لها أن تظل فى رحاب بيت الله وأن تدفن فى الحجر فى مكة المكرمة!
هاجر التى عاشت الوحدة والظلم والظلام وفقدت الونس والمؤانسة، دفنت فى مكان لا يخل لحظة من الأنوار المبهرة ودبيب أقدام زائريه المتلهفون رحمة الله وغفرانه، تؤنس روحها أصوات الدعاء ومناجاة الله التي لا تنقطع لحظة!
ونعم التكريم الذى كرمت به أمنا هاجر.. نعم تكريم المرأة.. ونعم تكريم المصرية.. ونعم تكريم الأم!.
هذا هو التكريم الحقيقي الذى يجب أن نفخر ونتفاخر به لو تعلمون!