موقع النيلين:
2025-05-03@05:08:43 GMT

هل عاد الزمن «العثمانلى»؟!

تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT

فى التسعينيات، خاضت تركيا وإيران أكبر عملية مزاحمة وتنافس فى تاريخهما الحديث. استغلت الدولتان سقوط الاتحاد السوفيتى، لاقتناص النفوذ وإعادة رسم خريطة تحالفات دول آسيا الوسطى وجنوب القوقاز المسلمة الجديدة ذات الامتداد الجغرافى والثقافى مع البلدين. وبينما ركزت طهران على السياسة ونشر المذهب الشيعى، لعبت أنقرة بورقة الاقتصاد.

تدفق رجال الأعمال الأتراك بالأموال والمشروعات التى كانت تلك الدول فى أشد الحاجة إليها. خسرت إيران الجولة، وفازت تركيا بالنفوذ السياسى والاقتصادى، كما جرى اعتماد الصيغة التركية للأبجدية اللاتينية رسميا لدول آسيا الوسطى واستبعاد الأبجدية الإيرانية ذات الأحرف العربية.

التاريخ الإسلامى فى معظمه تنافس وصراعات وحروب بين تركيا وإيران على الغزو والنفوذ الإمبراطورى (العثمانى والفارسى)، لكن التاريخ الحديث شهد دفئًا فى العلاقات منذ قيام تركيا «الأتاتوركية» الحديثة. الدولتان كانتا عضوين فى حلف بغداد الذى ناهضته مصر الناصرية. ثم جاءت الثورة الإيرانية ١٩٧٩، لتعيد التنافس مجددا. لم تكن النتائج فوزا على طول الخط لأحدهما، بل أحيانا يكون هناك «اتفاق على التعادل». دعمت تركيا سرا صدام حسين فى حربه ضد إيران. وقف البلدان منذ التسعينيات على طرفى نقيض من النزاع الذى فجر حروبا عديدة بين أذربيجان وأرمينيا. قبل شهور، انتصرت أذربيجان ومعها تركيا، وخسرت أرمينيا وحليفتها إيران. بعد الغزو الأمريكى للعراق ٢٠٠٣، حصدت طهران النفوذ والقوة، وأصبحت «صانع الملوك» فى السياسة العراقية. عقب ثورات الربيع العربى ٢٠١١، اندفعت تركيا للتأثير وفرض النفوذ على الحكومات الجديدة. إيران اختارت الدفاع عن الأنظمة القائمة، خاصة فى سوريا، ثم شكلت محورا للمقاومة استثمرت فيه الكثير لبقاء الأنظمة ومناطحة إسرائيل وأمريكا. معهد «تشاتام هاوس» البريطانى للشؤون الدولية قدر أنها أنفقت على سوريا فقط منذ ٢٠١١، ما بين ٣٠ و٥٠ مليار دولار.

ورغم كل تلك الخلافات ظلت مصالح الدولتين متداخلة ومتقاربة. كلتاهما منزعجتان من الوجود الأمريكى بسوريا. أنقرة ترى أن دعم واشنطن للأكراد عقبة أمام جهودها لمنع فوزهم بالحكم الذاتى والانفصال. إيران لا تريد وجودا أمريكيا لا فى سوريا أو غيرها تطبيقا لشعارها: «طرد أمريكا من المنطقة». هناك اتفاق على رفض النظام العالمى الراهن. تركيا تقول إن العالم أكبر من خمسة، فى إشارة لأعضاء مجلس الأمن الدائمين، وإيران تدعو للتحول عن الهياكل الدولية القائمة وإقامة شراكة مع الصين.
لكن عالم ما بعد ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، الذى نتج عن هجمات حماس على إسرائيل وما تلاه من عدوان وحشى إسرائيلى، قضى تقريبا على قوة حماس وشل إمكانات حزب الله، وتطور إلى انهيار النظام السورى، الأمر الذى خلق مشهدا جديدا تماما. بحسب جيمس جيفرى، نائب مستشار الأمن القومى الأمريكى الأسبق، فإن: «كل قطع الدومينو التى تمتلكها طهران سقطت. إسرائيل حطمت محور المقاومة لكن سقوط بشار نسف المحور». إيران تنظر للمستقبل بقلق وربما بخوف. أوراقها ذبُلت. إسرائيل، التى كانت تتردد فى مهاجمتها مباشرة، تجرأت عليها. صحيفة «وول ستريت جورنال» كشفت أن مساعدى ترامب يدرسون إمكانية شن ضربات جوية وقائية لمنعها من صنع سلاح نووى، بعد تقارير تقول إنها زادت خلال الفترة الأخيرة من معدلات تخصيب اليورانيوم المطلوب لإنتاج قنبلة نووية.

طهران فى موقف دفاعى حاليا بينما حظوظ وأوراق أنقرة فى صعود. تقريبا، حلت فى النفوذ بسوريا محل إيران أيام بشار. لكى تصل إلى ما وصلت إليه، عملت تركيا بدأب لتسليح وتجهيز المعارضة انتظارا للحظة الحسم. وزير الخارجية هاكان فيدان له تصريح لافت: «تركيا قد تتأخر فى فعل اللازم، لكنها تفعله بالنهاية». أهداف أردوغان إعادة اللاجئين، وأن تكون سوريا معبرا للتجارة التركية، وأن يحارب جيشها الجديد الأكراد المناوئين له. هذه الأوراق الجديدة ستساعده فى التعامل مع إدارة ترامب ولعب دور أكبر بالمنطقة. بعض القوميين الأتراك المتشددين المؤيدين لأردوغان لهم أطماع فى سوريا. دولت بهتشلى، رئيس حزب الحركة القومية، صرح، عقب دخول المعارضة السورية حلب قائلا: «حلب تركية مسلمة حتى النخاع. التاريخ والجغرافيا والحقيقة والأجداد يقولون ذلك، وأيضا العلم التركى الذى يرفرف فوق قلعة المدينة». هل يتبنى الرئيس التركى ذلك؟. المستقبل سيجيب.

ماذا تبقى من أوراق إيران؟ سانام فاكيل، الباحثة فى «تشاتام هاوس»، ترى أن طهران ستقوم بـ«إعادة انتشار» وهو مصطلح عسكرى يعنى الانسحاب المخطط، ومحاولة الحفاظ على ما بقى من محور المقاومة والاستثمار فى العلاقات الإقليمية من أجل النجاة من ضغوط ترامب المحتملة. أما تركيا، فهناك اندفاعة لملء الفراغ الذى تركته إيران، وهناك من يبالغ، ويقول إنه القرن التركى الجديد.

عبدالله عبدالسلام – المصري اليوم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تختبر تركيا: كيف تُدار معارك الإحماء في صراع الكبار؟

سنحت لي فرصة الحديث مع وزير الدفاع الوطني التركي يشار غولر قبيل اجتماعٍ ما، وكما هو متوقّع، ما إن طُرِق موضوع سوريا حتى سارعت إلى سؤاله عن آخر المستجدات، فقال: "الآلية التي أنشأناها لمكافحة تنظيم الدولة، والتي ناقشناها في اجتماع عُقد في الأردن، ستدخل حيز التنفيذ قريبًا. نحن عازمون على ذلك. ومن الأمور الأخرى ذات الأهمية بالنسبة لنا أن تُلقي المنظمة الإرهابية (في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني أو كيانات مشابهة) السلاح وتقوم بحلّ نفسها. غير أن إسرائيل ما فتئت تسعى لإثارة المشاكل في كل هذه المسائل، ولكن عبثًا، فنحن عازمون على تنفيذ قراراتنا".

وفي اللحظة التي كان يُكتب فيها هذا المقال، كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تحلّق فوق القنيطرة، بينما دخلت مجموعات درزية صغيرة، مدعومة بشكل غير مباشر من إسرائيل، في اشتباكات مع الجيش السوري هناك.

وفي الوقت نفسه، صرَّح الرئيس رجب طيب أردوغان، في تصريحات له على متن الطائرة أثناء عودته من إيطاليا، قائلًا: "هجمات إسرائيل محاولة لعرقلة الإدارة الجديدة في سوريا. وحدة الأراضي السورية بالنسبة لنا أمر لا يمكن التنازل عنه، ولن نسمح بفرض أمر واقع".

منذ اللحظة التي بدأت فيها إسرائيل ترى في الإدارة الجديدة في سوريا، وفي الوضع الجيوسياسي المتشكل هناك تهديدًا لها، لم تكفّ عن محاولات إثارة الفوضى داخل البلاد واختبار تركيا.

إعلان

تنشر مراكز الفكر ووسائل الإعلام الإسرائيلية تقارير تتحدث عن النتائج المحتملة لصدام تركي- إسرائيلي، في محاولة للتعبير عن "جدية" الوضع. لكنها لا تكتفي بذلك، بل تمارس أيضًا حملات دعائية ضد تركيا في الإعلام البريطاني وبعض المنصات الناطقة بالعربية، مستغلة الملف السوري.

كل هذا يدل على أن الساحة السورية تُستخدم كميدان للإحماء ولاختبار احتمالات الصدام بين تركيا وإسرائيل. فإسرائيل تسعى من خلال هذه التجربة أن تكتشف مدى جدية تركيا، ومدى اعتبار الإدارة السورية الجديدة أمرًا لا غنى عنه بالنسبة لأنقرة، ومدى قدرة تركيا على التشدد في مواقفها تجاه إسرائيل.

في لقاء أجريته مع أحد القادة رفيعي المستوى في القوات المسلحة التركية، سألته عن المقارنة العسكرية بين تركيا وإسرائيل، فأجاب بأن هذه مقارنة "مضحكة"، مؤكدًا أن لا فرصة لإسرائيل في مواجهة الجيش التركي.

وأضاف بلهجة حازمة: "قاعدة الاشتباك لدينا واضحة: نرد على أي هجوم يُشنّ علينا بالمثل، بغض النظر عن الدولة التي تقف خلفه. أي هجوم على قواعدنا العسكرية يُعدّ سببًا للحرب".

تصريحات المسؤولين الأتراك كافة تسير في هذا الاتجاه. وإسرائيل تقرأ هذه الرسائل جيدًا. لكن السؤال هو: إلى أي مدى يمكن لتركيا أن ترد على إسرائيل، خاصة، وهي تتلقى دعمًا أميركيًا كاملًا؟ هذا ما تسعى إسرائيل لاختباره.

تركيا، دون شك، سترد على أي تطور ميداني سلبي تواجهه، لكن الرد قد لا يكون بأساليب عسكرية تقليدية. فالأمر يتوقف إلى حد بعيد على أساليب التحرش التي تنتهجها إسرائيل.

لا أحد يتوقع من إسرائيل أن تُقدم على خطوة مباشرة تؤدي إلى صدام، لكن من الواضح أنها لم تعد تخفي رغبتها في إضعاف الإدارة السورية الجديدة، بل إنها مستعدة للقيام بكل ما يلزم لتحقيق ذلك. ولهذا السبب، يُختبر في الميدان من هو الأقوى عزمًا وبأسًا.

إعلان واختبار صراع أميركي-صيني في كشمير

وعلى بعد آلاف الأميال من سوريا، هناك اختبار آخر للإرادة. لقد ألفنا التوتر القائم منذ سنوات بين الهند وباكستان، خاصة في قضايا مثل كشمير والمياه والمهاجرين وأمن الحدود.

ولكن الأحداث الأخيرة اكتسبت ديناميكية مغايرة ومتصاعدة بشكل غير متوقع. لعل تفاصيل الاشتباكات التي قُتل فيها 25 شخصًا في كشمير لم تعد بحاجة إلى سرد. ما يغير المعادلة هذه المرّة هو التموضع الجديد لكل من الصين والولايات المتحدة في هذا الصراع.

فبينما كثفت الولايات المتحدة من علاقاتها مع الهند، بلغت علاقات الصين مع باكستان ذروتها. وأعلن وزير الدفاع الباكستاني أن روسيا والصين ستشاركان في التحقيق في أحداث كشمير. كما أعلنت الصين، ردًا على تعليق الهند لاتفاقيات المياه، أنها قد تقدم على قطع المياه المتدفقة من أراضيها نحو الهند، في ردٍ على ما اعتبرته موقفًا عدوانيًا تجاه باكستان.

وفي حين تواصل الولايات المتحدة دعواتها الظاهرية لخفض التوتر، فإنها، في الخفاء، لا تتوانى عن تأكيد دعمها الكامل للهند.

هل تصبح هذه الساحة اختبارًا للقوة بين أميركا والصين؟

من الواضح أن الحرب التجارية التي شنتها الولايات المتحدة بهدف كبح نمو الصين وزيادة تأثيرها العالمي، لم تحقق النتائج المرجوة. فكثيرًا ما تراجع ترامب عن تصريحاته النارية.

ومع ذلك، تدرك الولايات المتحدة أنه لا بدّ من اتخاذ خطوة حاسمة قبل الموعد الذي حددته كآخر فرصة لوقف التمدد الصيني. ويبدو أنّ التوتر بين الهند وباكستان يُرى اليوم كفرصة لاختبار القوى في منطقة مجاورة مباشرة للصين.

في مشهد معقد تشارك فيه بنغلاديش وأفغانستان وروسيا، قد ترغب الولايات المتحدة في معرفة موقف الصين في حال اندلاع صراع مسلح: إلى أي مدى يمكن أن تُستنزف، وكم من مواردها يمكن أن تستهلك؟ ومن المؤكد أن واشنطن ترى أن إجراء هذا الاختبار على بعد 13 ألف كيلومتر من أراضيها أمر آمن.

إعلان

وكما فعلت في الحروب التجارية، فإن صبر الصين الإستراتيجي الشهير سيتصدر المشهد في هذه الأزمة، وستسعى للخروج منها برباطة جأش محققةً أكبر قدر ممكن من المكاسب.

لكن ما فاجأني هو استعداد الصين، ولأول مرة، لأن تأخذ جانبًا واضحًا في صراع مباشر. ويبدو لي أن نهاية هذه الأزمة ستشهد على الأرجح مزيدًا من التوغل الصيني داخل باكستان، فضلًا عن تعزيز نفوذها في بنغلاديش وأفغانستان والدول المماثلة، من خلال إظهار الخطر الذي يشكله التحالف الهندي- الأميركي.

وأحسب أن الولايات المتحدة تضغط على كل الأزرار في حالة من الهلع من أجل عرقلة الصين واحتوائها وإيقافها. لكن، وكما في الأزمات السابقة، تخرج الصين أقوى في كل مرة، بينما تتراجع الولايات المتحدة خطوة إلى الوراء.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • لماذا لا يتفق ترامب مع نتنياهو في موضوع إيران؟
  • سقوط الأسد يحبط خطة إيرانية لتوسيع النفوذ الاقتصادي والسياسي والثقافي في سوريا
  • إيران ترد بعد عقوبات أميركية وواشنطن تتوقع محادثات جديدة
  • ملف التبادل كوردستان - طهران يتصدر مباحثات محافظ أربيل في إيران
  • إسرائيل تختبر تركيا: كيف تُدار معارك الإحماء في صراع الكبار؟
  • وزير الخارجية الأمريكي: لا مبرر لخوف إيران من التفتيش النووي
  • أول تعليق من إيران على العقوبات الأمريكية الجديدة
  • عاجل. أردوغان: تركيا لن تسمح بأي كيانٍ آخر غير سوريا موحدة
  • تركيا وإيطاليا تؤكدان وحدة أراضي سوريا وسيادتها
  • إيران ترد على تهديدات نتنياهو بتدمير مفاعلاتها النووية… عواقبه على إسرائيل لا يصدق