د. أحمد بن محمد الهنائي **

أسند المُشرع العُماني بموجب المرسوم السلطاني رقم (88/2020) إلى وزارة العدل والشؤون القانونية العديد من الاختصاصات المُتعلقة بإعداد ومراجعة واقتراح مشروعات التشريعات، وذلك على النحو الآتي:

إعداد، ومُراجعة مشروعات المراسيم السلطانية، واتخاذ إجراءات إصدارها. مراجعة مشروعات القوانين واللوائح والقرارات ذات الصبغة التشريعية التي تعدها وحدات الجهاز الإداري للدولة، وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة قبل إصدارها، ونشرها في الجريدة الرسمية.

اقتراح مشروعات القوانين والمراسيم السلطانية، وإصدار اللوائح والقرارات ذات الصلة باختصاصات الوزارة.

ومفاد ذلك أنَّ مشروعات القوانين التي تحال من قبل الحكومة إلى مجلس عُمان – كونه السلطة التشريعية في الدولة – لإقرارها أو تعديلها، تستوجب أن تكون قد أعدت أو روجعت من قبل وزارة العدل والشؤون القانونية بموجب الاختصاصات المسندة لها. وعلى غرار اختصاص مجلس عُمان بموجب المادة (48) من قانون المجلس الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (7/2021) يكون لوزارة العدل والشؤون القانونية كذلك اقتراح مشروعات القوانين والمراسيم السلطانية وغيرها من التشريعات ذات الصبغة التشريعية.

وبموجب تلك الاختصاصات فإن وزارة العدل والشؤون القانونية تشترك مع مجلس عُمان في اقتراح مشروعات القوانين، وبموجب ذلك فإنه يقع على هذه الوزارة عند مراجعة التشريعات – سواء أكانت قوانين أو لوائح تنظيمية – وجوب استحضار العناصر اللازمة لقياس أثر التشريع في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبغض النظر عن التشريع محل المراجعة أكان تشريعًا جديدًا أو تشريعًا بإجراء تعديلات على تشريع نافذ.

وتكمن الغاية من ذلك في وجوب وضع منهجية لقياس الأثر التشريعي، والإحاطة بكافة الجوانب التي يتفيأها التشريع من حيث التطبيق، وذلك عبر تجميع كافة المعلومات والمعطيات الخاصة بالتشريع محل المراجعة وتحليل تلك المعلومات تحليلاً دقيقًا يتسم بالشفافية والمساواة، فضلاً عن وجوب المشاركة المجتمعية للفئة ذات الاختصاص بتطبيق التشريع، مع مراعاة سيادة القانون والحوكمة في التنفيذ، دون إغفال إلى دراسة التكلفة الاقتصادية وتفنيد العائد الإيجابي للتشريع محل المراجعة، ومن ثم طرح كافة البدائل التشريعية، وصولاً إلى اختيار البديل الأفضل والأنسب في ضوء نتيجة تقييم العوامل الخاصة بتطبيق منهجية قياس أثر التشريع.

ومن نافلة القول أن تطبيق منهجية قياس أثر التشريع لا تنقضي بمجرد صدور التشريع ونفاذه، بل تمتد هذه العملية إلى ما بعد التطبيق العملي للتشريع، وبطبيعة الحال تختلف مدة قياس أثر التشريع من تشريع إلى آخر بحسب التشريع ذاته، فهنالك من تتضح معالم قياسه خلال أمد قصير كسنتين أو ثلاث سنوات وأخرى تحتاج إلى فترة أطول قد تصل إلى عشر سنوات أو أكثر.

ولئن كانت منهجية قياس الأثر التشريعي تجد اختصاصها الأصيل لوزارة العدل والشؤون القانونية كونها المختصة – دون غيرها – بإعداد ومراجعة واقتراح التشريعات إلا أنها يجب كذلك أن تكون حاضرة لدى كل من: وحدات الجهاز الإداري للدولة والأشخاص الاعتبارية العامة عند عرض مشروعات التشريعات الخاصة بها، كون تلك الجهات هي الأجدر والأقرب في تطبيق التشريعات الخاصة بها، ومن ثم تكون قد رصدت كافة الجوانب الإيجابية والسلبية للتشريع محل المراجعة، عوضًا عن وجوب تمتع أعضاء مجلس عُمان بالقدرة على استخدام منهجية قياس الأثر التشريعي كونه يمثل السلطة التشريعية.

وحاصل القول .. وبغية تجويد العمل التشريعي في سلطنة عُمان، أسوة بالدول المتقدمة في هذا المجال، نرى طرح التوصيات الآتية:

انشاء جهة مستقلة – هيئة، مجلس، لجنة – تختص بقياس أثر التشريع تتبع مجلس الوزراء. وضع إطار تشريعي ينظم منهجية قياس أثر التشريع. اقتصار منهجية قياس الأثر التشريعي على المجالين الاقتصادي والاجتماعي كمرحلة أولى، تتدرج مستقبلاً لقياس أثر مختلف التشريعات وفي كافة المجالات.

المراجع:

قانون مجلس عُمان الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (7/2021). اختصاصات وزارة العدل والشؤون القانونية الصادرة بالمرسوم السلطاني رقم (88/2020).

 

 

** مستشار قانوني بالمكتب الوطني للمحاماة

رئيس مركز البحوث والدراسات الجامعية

دكتوراة في القانون الدستوري والعلوم السياسية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

تركيا: اعتقال إمام أوغلو بين القانوني والسياسي

بعد أخذ إفادته بخصوص التهم الموجهة إليه، قررت محكمة الصلح الجزائية في تركيا سجن رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، بحيث ستستمر القضية وهو معتقل.

وكانت وجهت لإمام أوغلو تهم تتعلق بالفساد المالي من قبيل الرشى والإخلال بقانونية المناقصات والاحتيال بشكل منظم، وكذلك تهمة "دعم منظمة إرهابية" هي العمال الكردستاني؛ بادعاء تواصله قبيل الانتخابات المحلية الأخيرة مع قيادات كردية لضمان عدم تقديم مرشح منافس له ودعمه في انتخابات بلدية إسطنبول الكبرى. وقد قررت المحكمة سجنه على ذمة قضية الفساد المالي، وإطلاق سراحه المشروط في قضية الإرهاب.

وكما كان متوقعا فقد رفع القرار من منسوب التوتر والاستقطاب في البلاد، وجدد الجدل حول مدى قانونية التهم والقضية من الأساس.

من البديهي أن أنصار إمام أوغلو (وخصوم أردوغان) يرون في الأمر مكيدة سياسية لإبعاد منافس سياسي للرئيس التركي، فإمام أوغلو ليس فقط رئيس بلدية إسطنبول الكبرى -على أهمية ذلك- وإنما كذلك قيادي بارز في الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، والأهم أنه لا يخفي رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، ما يجعله منافسا قويا للرئيس أردوغان أو لمرشح العدالة والتنمية أيا كان.

القضية قانونية- سياسية، يراها البعض سياسية بنكهة قانونية، ويمكن تسميتها استثمارا سياسيا في مسار قانوني. والمشكلة الرئيسة في قضية من هذا النوع ليست في مدى صحة التهم ونزاهة المحاكمات؛ بقدر ما ترتبط بالشخص المتهم (كسياسي منافس) وغياب شبيهاتها مع سياسيين ورجال أعمال محسوبين على الحكومة
في المقابل، يرى الكثير من أنصار أردوغان أن الأمر لا يتعدى كونه قضية عادية في مكافحة الفساد غير متعلقة بشخص الرجل وخلفيته ومساره السياسي، بل يذهب بعضهم إلى أنه سارع لإعلان نيته الترشح للرئاسة لعلمه بوجوه هذه التهم والتحقيقات ضده؛ حتى يكسي الأمر ثوب المظلومية السياسية في محاولة لحماية نفسه من القضاء.

يركّز الرئيس أردوغان وأنصاره في تصريحاتهم ومواقفهم على أن المسار قانوني- قضائي، وعلى أن التهم لها رصيد في الواقع بدليل عدد القضايا وكثرة المتهمين فيها، والأهم على أن بعض التهم الموجهة للرجل كان مصدرها قيادات وكوادر في حزبه الشعب الجمهوري بسبب الخلافات الداخلية في حزب المعارضة الأكبر، على خلفية المؤتمر الأخير للحزب و/أو التنافس بخصوص شخصية المرشح المحتمل في أي انتخابات مقبلة. ويمكن بسهولة تلمس حرص وسائل الإعلام القريبة من العدالة والتنمية على تسريب ما يفترض أنها أدلة أو وثائق تدين إمام أوغلو، وهي تسريبات يصعب البت في مدى صحتها فضلا عن دقتها.

بيد أن ذلك لا يبدو كافيا لنفي الأبعاد السياسية للقضية، فشخصية الرجل وترشحه المحتمل للانتخابات الرئاسية تجعل للأمر أبعادا سياسية كبيرة بغض النظر عن المسار القانوني ومدى موثوقيته ونزاهته. يضاف إلى ذلك سؤال التوقيت والسياق، حيث أتى التوقيف ثم السجن في ظل الحديث عن احتمال تبكير الانتخابات الرئاسية في البلاد، وترشح أردوغان مجددا لها، يضاف لها تحسن شعبيته بعد التعافي النسبي للمؤشرات الاقتصادية والشروع في مسار لحل المسألة الكردية، فضلا عن المتغيرات الكبيرة في سوريا وعودة ترامب للبيت الأبيض، وهي تطورات تصب في صالح أردوغان بشكل عام.

كما أن المعارضة وحتى بعض أنصار أردوغان يشككون بسردية الاستقلال الكامل للقضاء، بالنظر لبعض المحطات السابقة، وفي مقدمتها قرار إلغاء وإعادة انتخابات بلدية إسطنبول الكبرى عام 2019، والتي فاز فيها إمام أوغلو نفسه على مرشح العدالة والتنمية بن علي يلدرم في الجولة الأولى ثم في جولة الإعادة بفارق أكبر بكثير.

وعليه، يصح القول إن القضية قانونية- سياسية، يراها البعض سياسية بنكهة قانونية، ويمكن تسميتها استثمارا سياسيا في مسار قانوني. والمشكلة الرئيسة في قضية من هذا النوع ليست في مدى صحة التهم ونزاهة المحاكمات؛ بقدر ما ترتبط بالشخص المتهم (كسياسي منافس) وغياب شبيهاتها مع سياسيين ورجال أعمال محسوبين على الحكومة، ما يجعلها في أفضل الأحزاب "عدالة انتقائية" في نظر الكثيرين، ما يحيلنا مجددا على منطق الاستفادة السياسية من المسارات القانونية والقضائية.

سيقول القضاء كلمته بعد انتهاء المحاكمات، التي يتوقع ألا تنتهي قريبا بالنظر لنوعية التهم وعدد المتهمين وخلفياتهم، ولكن صدور القرار القضائي لن يوصد الباب تماما ونهائيا على التداعيات بالضرورة، ذلك أن الانطباعات تتغلب في كثير من الأحيان على الحقائق والوقائع في عالم السياسة. ولذلك فإن المحكَّ الرئيس هو مدى قدرة الحكومة والقضاء على إقناع الشارع التركي بأن القضية حقيقية والقضاء نزيه وليس أداة لمناكفات سياسية.

والمعضلة الأساسية في هذا الإطار ليست التهم الموجهة لإمام أوغلو ومدى صحتها، وإنما عدم توجيه تهم شبيهة لآخرين، ما يبقي الأمر في إطار الانتقاء أو الاستثمار السياسي كما سلف ذكره. ولعل ذلك من أسباب الانتقادات الكثيرة التي وجهها سياسيون محافظون في البلاد للقضية والقرار الصادر، ومن بينهم رفاق درب سابقون لأردوغان مثل الرئيس الأسبق عبد الله غل ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو والوزير الأسبق علي باباجان، فضلا عن رئيس حزب الرفاه مجددا فاتح أربكان.

حتى بنظرة براغماتية، لا يمكن القول إن القضية تخدم أردوغان أو العدالة والتنمية على المدى البعيد، حتى ولو أطاحت -افتراضا- بمنافس قوي مثل إمام أوغلو. فالانطباعات المتولدة عن القضية داخليا وخارجيا تفتح الباب على انتقادات واسعة بخصوص العدالة واستقلال القضاء، والأهم ربما أن سردية المظلومية مؤثرة جدا في رأي الشارع التركي وتصويته
حتى بنظرة براغماتية، لا يمكن القول إن القضية تخدم أردوغان أو العدالة والتنمية على المدى البعيد، حتى ولو أطاحت -افتراضا- بمنافس قوي مثل إمام أوغلو. فالانطباعات المتولدة عن القضية داخليا وخارجيا تفتح الباب على انتقادات واسعة بخصوص العدالة واستقلال القضاء، والأهم ربما أن سردية المظلومية مؤثرة جدا في رأي الشارع التركي وتصويته، وقد حصل ذلك سابقا مع أردوغان في تسعينات القرن الماضي ثم مع إمام أوغلو في 2019. ولذلك، فإن إزاحة مرشح محتمل قد تأتي بنتائج عكسية، حتى بنظرة براغماتية بحتة.

ولذلك، فقد صدر عن بعض الشخصيات المحسوبة على العدالة والتنمية انتقاد للقضية من زاوية الإضرار بسمعة أردوغان والعدالة والتنمية، وأنها ستؤدي لخسائر سياسية وانتخابية في المستقبل، فضلا عن الخسائر الحالية في الاقتصاد من حيث سعر صرف الليرة وبورصة إسطنبول والمبالغ التي صرفت من احتياطي المصرف المركزي لوقف تراجع الليرة.

هذه المعطيات وغيرها دفعت ببعض المحسوبين على الرئيس أردوغان للادعاء بأن القضية من أصلها لعبة أو مكيدة من بعض الأطراف في الشعب الجمهوري، لإصابة عصفورين بحجر واحد، بحيث يتخلصون من إمام أوغلو ويضرون بسمعة أردوغان في آن معا. ودليل هؤلاء، إضافة للأضرار السياسية والاقتصادية والمعنوية، ورودُ الكثير من الأدلة ضد إمام أوغلو من أوساط حزبه وليس من الحزب الحاكم.

ولذلك، مرة أخرى، فالفيصل هنا هو أي سردية ستلقى قبولا أكبر لدى الشارع التركي في عمومه؛ سردية المظلومية وتسييس القضاء التي ترددها المعارضة، أم سردية مكافحة الفساد التي تقدمها الحكومة؟ خصوصا وأن تقبل السردية لا يعتمد فقط على قوة الإعلام، وإنما كذلك على قرائن عملية على الأرض وفي حيثيات القضية كذلك.

x.com/saidelhaj

مقالات مشابهة

  • مجلس النواب يؤجل انعقاد جلسته ليوم غد الأربعاء لعدم اكتمال النصاب القانوني
  • البرلمان يؤجل انعقاد جلسته نصف ساعة لعدم اكتمال النصاب القانوني
  • في بيت مغامر عُماني لا يخشى المجهول
  • "الغرفة" توقع مذكرة تفاهم مع مركز الأعمال العُماني الأمريكي لتعزيز التعاون التجاري بين البلدين
  • وزير "الأوقاف" يستعرض الصفات الأخلاقية للعمانيين في ختام مشروع "ركيزة" بشمال الباطنة
  • الغرفة ومركز الأعمال العُماني الأمريكي يوقعان مذكرة تفاهم
  • وزير العدل د. خالد شواني يستقبل رئيس مجلس محافظة بابل لبحث التعاون والتنسيق المشترك في تطوير الدوائر العدلية في المحافظة
  • إسدال الستار على مشروع ركيزة بشمال الباطنة
  • تركيا: اعتقال إمام أوغلو بين القانوني والسياسي
  •  المالية النيابية تستبعد تعديل قانون التقاعد ورفع السن القانوني خلال 2025