#مفاهيم_إسلامية: #القصاص
بقلم: د. #هاشم_غرايبه
أطماع البشر هي التي تولد الظلم، وهو إيقاع الضرر بالآخر بذاته أو ببيئته أو بأملاكه، بسلبها أو اتلافها.
ولمنع ذلك التعدي، أوجدت المجتمعات البشرية مفهوم السلطة الحاكمة، لتطبق عقوبات على الطامعين الظالمين، لكي تحمي حقوق الأفراد وترسي العدالة، ولكي تردع الظالمين، ولتستعيد حقوق المظلومين.
في حالات كثيرة، فما فُقد لا يمكن استعادته، لذلك جاء القصاص، وهو عقوبة على جرم أدى الى ما لا يمكن استعادته أو إصلاحه، كالقتل مثلا، لذلك تكون العقوبة شديدة مرعبة لمن يفكر في تلك الجريمة، فتردعه عن فعلها.
في التطبيق العملي، كانت تزهق أنفس كثيرة وتستلب حقوق عظيمة، ويفلت الجناة من العقوبة، لأسباب كثيرة مثل المحاباة لأصحاب النفوذ والرشى وفساد أهل السلطة، لذلك أنزل الله التشريعات الإلهية مضمنة في الدين، فجاءت مقننة ومنظمة لأنواع العقوبات، لتبقى مرجعا ثابتا لا ينال منه الهوى البشري.
لقد حدد الشرع القصاص في ما ينال النفس البشرية، سواء إزهاقها، أو أي مما ينتقص من وظائف الجسد أو يعيق أداءه وظائفه.
الأمر الجوهري في عموم التشريعات أنها لم تجز الحكم القضائي بالقتل كعقوبة لجرم مهما عظم: “وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ” [الإسراء:33]، وبيّن تعالى ما هو القتل بالحق، محصوراً في حالتين فقط، وجاء ذلك بنص قرآني صريح: “مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا” [المائدة:32].
الأولى: قتل النفس بالنفس، وهو مفهوم القصاص، الذي يعني قتل القاتل، لأنه الحل الأمثل لردع من يفكر بالقتل عن فعله، فهوعندما يعلم أنه سيفقد حياته ولن ينجو، لن يقدم على جريمته، وعندما يرى المجتمع تنفيذ القصاص، سيخاف الظلمة والمجرمون من عاقبة فعلهم، كما أن أهل المقتول عندما يشهدون مهلك القاتل، سيبرد غضبهم ولا يلجأوا الى اخذ الثأر والانتقام، الذي قد ينال أبرياء، فيشعل عاصفة من الفعل ورد الفعل، ويضيع الأمن والاستقرار، لذلك قال تعالى: “وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” [البقرة”133].
والثانية: هي جواز قتل السلطة الحاكمة المفسدين بقتالهم إن لم يمكن اعتقالهم ومحاكمتهم، وهم الأشقياء الذين يقومون بالسلب المسلح أو قاطعو الطرق أو قوات غازية تستهدف احتلال البلاد.
خارج هذين البابين لا يجيز الشرع القتل، ومثال على الخروج عنه ما تمارسه الأنظمة الحاكمة لديار المسلمين من قتل لمن يطالبون بإلغاء الدساتير العلمانية والحكم بموجب الشريعة ويسمونهم (التكفيريون)، أو الذين يجرمونهم بالخروج على الحاكم الذي تولى السلطة بالقوة وليس بمبايعة الأمة، ومسماه المعاصر (الإرهابي)، كل ذلك قتل عمد، وسواء من أمر به أو نفذه أو أقرّه ودافع عمن فعله، فهؤلاء غضب الله عليهم ومصيرهم جهنم خالدين فيها.
نفهم مما سبق ان القصاص هو جوهر العقوبة الشرعية بالقتل، ومفهومه نفس بنفس، لا تزيد ولا تنقص، لذلك فلا موجب لتنفيذ الأفراد حكم القتل بأيديهم لا أخذاً بالثأر ولا للإنتقام بقتل المتعدي والظالم، فحكم القتل الشرعي يكون بيد القاضي وتنفذه السلطة، لكن يحبذ شهود التنفيذ من قبل أهل المجني عليه لتهدأ نفوسهم، وطائفة من الناس ليتعظوا.
هكذا رأينا كيف أنه باتباع الشرع وتطبيق منهج الله يتحقق الأمن المجتمعي، ويترسخ مفهوم العدالة، بالمقابل تعجز الأنظمة البشرية عن ذلك.
ففي الأنظمة العلمانية وبذريعة حماية حق البشر في الحياة، يمنعون اعدام القاتل، بل يسجنونه زمنا معيناً، وقد يخرج قبل انتهاء محكوميته بعفو أو لحسن سلوكه، فيضيع دم المقتول ظلما، ويطمع المجرمون بذلك التسهيل فيعاودوا الإجرام، ويعم المجتمعات الفساد وتضيع العدالة.
بالمقابل هؤلاء (الذين يدّعون حماية حقوق الإنسان ذاتهم) يدوسون على تلك الحقوق عندما يشنون الحروب عدوانا وطمعا، ولأجل اخضاع الشعوب الأضعف لهيمنتهم، يسوغون قتل الأنفس البريئة بلا ذنب جنته، فيقتلون من يقاومهم بتهمة أنه إرهابي، وقد يقصفون أحياء مدنية يدمرونها على رؤوس قاطنيها، بذريعة أنهم يتعاطفون أو يناصرون ذلك المقاوم.
نستخلص مما سبق أنه بغير تطبيق شرع الله، لن يتم تحقيق العدالة والمساواة التي هي أساس حقوق الإنسان، ولا يمكن إرساء الأمن للمجتمعات وسعادتها إلا باتباع البشر منهج الله
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: القصاص هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
فن السلطة .. وصايا للمسؤولين حصرا !
بقلم : حسين الذكر ..
هنالك حُليتين ينبغي ادراكها للراغبين بالقيادة وتحمل اعباء المسؤولية العامة سواء كانوا من ذوات المطامع الشخصية او المتطلعين للاصلاح العام :-
:- وصية سقراط الذي ترك اثرا ما زال قائما برغم تراجيديا اعدامه : ( ليس المهم ان تتولى المنصب بل الاهم ان تكون على اهبة الاستعداد معبء بادوات النجاح عند تحمل المسؤولية ) .
:- كما اختزل علي بن ابي طالب ربيب النبوة المجسد الفعلي لها ، اذ قال : ( لا تاسى على ما فاتك و لا تفرح بما اتاك فكلاهما زائل ) .
هنا تكمن قواعد عامة ذات رؤى وبعد اخلاقي متيسر لكل من يريد السير على سبل النجاة والنجاح .
في واحدة من افضال الله علي التي لا تعد ولا تحصى اني لم اكن مسؤولا الا على أسرتي وبقدرتي المحدودة حتى في بعض المواقع التي عملت مستشارا اعلاميا او عاما اشترطت ان لا اكون صاحب تاثير او سلطة ما . وذلك ليس ادعاء للملائكية بقدر ما عندي من شعور ملازم رافقني الدهر كله معتقدا فيه التصرف ضمن الحدود الانسانية محاولا قدر الامكان تجاوز العثر سيما بحق الاخرين .
( كتاب الامير ) لمؤلفه مكيافيلي الايطالي هو رسالة بحثية في الفقه السياسي اعدها عام 1513 واهداها الى احد قادة ايطاليا كنصائح تساعده على الزعامة والحفاظ على المنصب . اشتهر الكتاب ومازال حتى عد دليلا لمن يريد ان يكون قائدا ومنهجا للقسوة والدكتاتورية والنجاح السياسي الذي لم يعد يقترن الا مع المكيافيلية التي اشتقت منه كشريك اساسي للطامحين في الدهاليز المظلمة ..
الكتاب منذ ظهوره يدور خلاف حول مضامينه الاخلاقية حتى عده بعض علماء الأخلاق كتابًا مناسبًا للطغاة والأشرار متناسبا تماما مع الفلسفة المادية التي تبرر الوسيلة لتحقيق الغاية بكل الاساليب المتاحة وان كانت مخالفة للشرائع .. يقال ان الكثير من طغاة ودكتاتوري العالم كانوا ينامون وكتاب ميكيافلي جنبهم كانه انجيلهم المخابراتي حتى غدت مقولة تشرشل ( ان بريطانيا العظمى ليس لها اصدقاء دائمين بل لها مصالح دائمة ) جزء من ذلك المخاض والرحم الميكيافلي .
منذ معرفتي بالمكيافيلية في بواكير الشباب انتابتني كراهية مفرطة اتجاهه اذ اعتبرته منافيا للرحمة والعطف الانساني .. بعد عقود الدهر ومحطات العمر الشائكة لاحظت ان بعض الدول والمجتمعات لا يمكن قيادتها وتطويرها الا بالطريقة التي جاد بها عقل ميكيافيلي وضميره السوبرماني كما تنبا به الفيلسوف المجنون نيتشة .
كان هناك ثمة سؤال دائم يخالط فكري وامنياتي ( هل يوجد كتاب مشابه للامير يمكن ان يطبق في بلداننا المتخلفة) .. فوجدت العملية معقدة جدا لا تتعلق بأجراء تكتيكي بل انها مصاعب استراتيجية لاسباب ذاتية واخرى اجنداتية . لكن من خلال ثقافتي العامة بالارث التاريخي العربي والاسلامي وحضارة الشرق ما يمكن عده وصايا للطامحين لعرش السلطة المؤسساتية ممكن اعتمادها لتحقيق النجاح او نزر منه افضل من ترك المنصب والمطاردة باللعنات والبصاق ..
من هذه الوصايا :
: أطح بفريقك التقليدي – الا النزر منهم – وانتقي مساعديك الجدد بعناية فان الحاشية السابقة لا ترتق لحجم المسؤولية الجديدة مما سيوقعك باشكالية تتراكم حتى تعجل بفشلك الحتمي .
: ابحث عن الرؤية والمشورة الاستراتيجية بعيدا عن العاطفة ووظفها للصالح العام وان كانت مخالفة لرايك ومزاجك فانها كالدواء المر لمعالجة امراض ما بعد المعارضة .
:فك ارتباطاتك العاطفية حتى لو اضطررت الاطاحة بهم بلا رحمة . فانهم سيؤثرون سلبا على مستوى الانتاجية التي يعدونها جزء من افضالهم عليك .
: تذكر ان الخدمة العامة هي التتويج الوحيد والدليل الناصع على نجاحك .. اما الحاشية فانهم يسعون لمصالحهم الخاصة يريدونك بقرة حلوب بما يعد جرثومة مقتلك .
: كن على يقين ان الله فوقك ولن تسير وحدك .. وهذه ليست نصيحة دينية .. بل منهاج حياة ابدي بما يمنحك القدرة والشجاعة والرؤية وما يتطلب منها لاقتلاع الاعشاب الضارة والمعشعشة .
: شكل فريق عمل سري استشاري وتقييمي من اهل الفكر والمهنية والاطلاع والحرص والاخلاص بعيدا عن اعين الناس والاعلام والحاشية ..
: يجب ان لا تمر سنة على عملك دون تقييم ومراجعة .. ضع النقاط وامضي قدما بعلاج ناجع وان كان قسري جذري موجع .