سوريا بعد الأسد.. تحركات دبلوماسية عربية وأجنبية.. و"قسد" تعلن فشل الوساطة الأمريكية
تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، بدأت العديد من الدول في إعادة تقييم سياساتها تجاه البلاد، مما أدى إلى تحركات دبلوماسية تشير إلى انفتاح نسبي.
وقد وصلت وفود من دول عربية وأجنبية إلى دمشق، حيث أعلنت وزارة الخارجية القطرية استئناف عمل سفارتها في سوريا ابتداءً من يوم الثلاثاء، مع تعيين خليفة عبد الله آل محمود الشريف قائمًا بالأعمال.
وفي وقت سابق، أعلنت تركيا رسميًا فتح سفارتها في دمشق ورفع العلم التركي عليها، بينما بدأ القائم بالأعمال التركي، برهان كور أوغلو، مهامه رسميًا من داخل مبنى السفارة.
من جانب آخر، أعلن الاتحاد الأوروبي إرسال ممثل رفيع المستوى إلى دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة. وقالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، إن الاتحاد سيعيد فتح بعثته في سوريا، موضحةً أن هذه البعثة لم تُغلق رسميًا، لكن لم يكن هناك سفير معتمد أثناء الحرب.
كما التقى نائب الرئيس السوري، فاروق الشرع، بوفد دبلوماسي بريطاني، بينما وصلت إلى دمشق بعثة دبلوماسية فرنسية في خطوة غير مسبوقة منذ 12 عامًا.
في سياق متصل، أعلنت وزارة الخارجية الألمانية أن دبلوماسيين من ألمانيا سيجرون محادثات لأول مرة مع ممثلين عن "هيئة تحرير الشام" في دمشق، مع التركيز على العملية الانتقالية في سوريا وحماية الأقليات. كما أضاف المتحدث باسم الوزارة أن برلين تدرس إمكانية إرسال دبلوماسيين إلى دمشق في المستقبل، مؤكداً أن ألمانيا تراقب الهيئة عن كثب بالنظر إلى ارتباطاتها بتنظيم "القاعدة".
أما وزارة الخارجية الإيرانية فقد أكدت أنها لن تعيد فتح سفارتها في دمشق فورًا، بعد تعرضها للتخريب جراء الهجوم الذي شنته فصائل المعارضة المسلحة وأسهم في سقوط نظام الأسد.
وأوضح المتحدث باسم الوزارة، إسماعيل بقائي، أن إعادة فتح السفارة تعتمد على توفير الظروف الأمنية الملائمة.
من جهة أخرى، قالت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، في خطاب أمام البرلمان إن إيطاليا ترحب بسقوط نظام الأسد، مشيرة إلى استعدادها للتعامل مع الحكام الجدد في سوريا.
وأضافت أن هناك حاجة للحذر رغم المؤشرات الأولية المشجعة، وذكرت أن إيطاليا كانت أول دولة ضمن مجموعة السبع الكبرى التي أعادت فتح سفارتها في دمشق قبل عدة أشهر من سقوط النظام.
وفي شمال سوريا، تجدد التوتر بعد إعلان قوات سوريا الديمقراطية “قسد” فشل الوساطة الأمريكية لإعلان هدنة دائمة في منبج وعين العرب (كوباني) شمال حلب.
وأوضح فرهاد شامي، مدير المركز الإعلامي لقوات قسد، أن جهود الوساطة الأمريكية فشلت بسبب "المراوغة التركية" في قبول نقاط الوساطة.
وفي الوقت نفسه، دعت الإدارة الذاتية الكردية إلى "وقف العمليات العسكرية" في جميع أنحاء سوريا استعدادًا لحوار وطني شامل، بعد أكثر من أسبوع على إطاحة المعارضة بنظام الأسد في بعض المناطق.
كما شنت فصائل موالية لتركيا هجمات ضد قوات "قسد" في شمال شرق سوريا، حيث سيطرت على دير الزور ومنبج وتل رفعت، وتستعد للهجوم على عين العرب.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: سقوط نظام بشار الأسد في سوريا سوريا الاتحاد الأوروبي وسوريا قوات سوريا الديمقراطية سفارتها فی فی سوریا إلى دمشق فی دمشق
إقرأ أيضاً:
مشاهد لافتة لمن يزورها للمرة الأولى.. رحلة في دمشق ما بعد الأسد
دمشق- لم تعد العاصمة السورية كما كانت؛ تغيّر إيقاعها، واختلفت تفاصيل يومياتها، وصارت الحياة فيها تتدفق بوتيرة جديدة. في شوارع دمشق المتشابكة وأزقتها العتيقة، يتداخل صوت محركات السيارات مع صخب الأسواق، وتمتزج رائحة المازوت بدخان المقاهي، بينما تتردد في الأرجاء نقاشات سياسية بلا تحفظ أو مواربة، فـ"الحيطان لم تعد لها آذان" كما كان يقول السوريون.
لم يعد شيء على حاله، فالاختناق المروري تضاعف بعد سقوط النظام، وأعداد السيارات في الشوارع زادت بشكل ملحوظ. الصرافون الجوالون صاروا جزءا من المشهد اليومي، يتنقلون بأوراق نقدية مكدسة، يعرضون خدماتهم علنا دون خوف من الملاحقة. أما الجدران التي لطالما حملت صور حافظ وبشار الأسد، فقد أضحت فارغة، إيذانا بدخول حقبة جديدة.
شوارع دمشق تعيش اختناقا مروريافي قلب العاصمة السورية، لا تكاد السيارات تتحرك، لا سيما في مناطق وسط البلد. يشكو سكان دمشق من ازدحام غير مسبوق، وهو ما يؤكده سائقو التاكسي الذين يقضون ساعات في الطرقات. يقول أحدهم إنه بدأ يشكو من ألم في ركبتيه من كثرة التنقّل بين دواستي الوقود والدبرياج.
يرجع البعض السبب الرئيسي لهذه الأزمة إلى الانخفاض الحاد في أسعار السيارات، إذ باتت تلك التي كانت تُباع قبل أشهر بـ15 ألف دولار، تُعرض الآن بـ3 آلاف فقط. ومع هذا التراجع المفاجئ، اندفع كثيرون نحو الشراء، خشية أن تعاود الأسعار ارتفاعها في أي لحظة.
لكن ليس هذا العامل الوحيد لتفاقم المشكلة، فقد توافد إلى دمشق عدد كبير من السوريين القادمين من المحافظات الأخرى بسياراتهم الخاصة، وهو أمر لم يكن مألوفا في السابق حينما كانت البلاد مقطّعة الأوصال. كما اختار بعض المغتربين القدوم إلى سوريا بسياراتهم، ليضيفوا عبئا جديدا على الشوارع التي لم تكن مصممة لاستيعاب هذا العدد من المركبات.
إعلاناللافت أن الاختناقات المرورية لم تعد مصحوبة بالتوتر المعتاد، بل اختفت الشتائم التي كانت تُطلق في أثناء الزحام -حسب سائق التاكسي المسن الحاج أبو طارق- الذي قال إن "الكفريات" (الألفاظ الكفرية) لم تعد تُسمع أيضا.
بورصة مفتوحة على الأرصفةفي ساحات المدينة وعلى أرصفتها، باتت تجارة العملات مشهدا مألوفا؛ عشرات الصرافين الجوالين ينتشرون في الشوارع، يحملون رزما ضخمة من الأوراق النقدية، ينادون على المارة، ويعرضون أسعار الصرف التي تتغير كل لحظة.
حتى وقت قريب، كان التعامل بالدولار في السوق السوداء جريمة قد تودي بصاحبها إلى غياهب السجون. أما اليوم، فقد أصبح الأمر علنيا تماما. بعض هؤلاء الصرافين يستخدمون عدادات نقدية لإضفاء طابع الاحترافية، بينما يعمد آخرون إلى استغلال الزحام والضجيج لخداع الزبائن، حيث يقومون بإنقاص ورقة أو اثنتين من المبلغ المتفق عليه من دون أن يلاحظوا ذلك.
المفارقة أن الأوراق النقدية القديمة من الدولار لم تعد تحظى بالقيمة نفسها، إذ يرفض الصرافون قبولها بالسعر نفسه الذي تُصرف به الأوراق الجديدة، بل يفرضون عليها خصما عند التصريف.
كما بات موضوع الصرافة أشبه بالبورصة، إذ يتغير سعر الصرف كل بضع دقائق، ويجد المواطنون أنفسهم مضطرين لمتابعة هذه التقلبات عن كثب، خشية أن تفقد أموالهم جزءا من قيمتها بين لحظة وأخرى.
حقيبة الأموال ضرورة يوميةفي ظل غياب أنظمة الدفع الإلكتروني العالمي، بات حمل كميات كبيرة من النقود أمرا لا مفر منه، إذ لا وجود لبطاقات ائتمانية دولية، ولا مجال للتحويلات المصرفية، فالأموال تتنقل مباشرة من يد إلى يد في اقتصاد يعتمد على التعامل النقدي بالكامل.
ومع تضخم الأسعار، أصبحت المبالغ المطلوبة للمعاملات اليومية ضخمة إلى الحد الذي لم تعد معه المحافظ التقليدية أو الجيوب كافية لرزم النقود السميكة، وهو ما يضطر كثيرين إلى حمل حقائب صغيرة مخصصة للنقود.
إعلان بائعو البنزين المتجولونلم تعد العملات وحدها السلعة الغريبة التي تباع على الأرصفة، فالبنزين أيضا أصبح سلعة متاحة على قارعة الطريق، حيث تصطف عبوات الوقود بانتظار الزبائن الذين بات بعضهم يعتمدون على المهربين بدلا من محطات الوقود.
يزعم البعض أن هذا البنزين مصدره لبنان، حيث يُشترى من هناك بأسعار أقل، ثم يُهرب إلى دمشق ليباع مقابل هامش ربح جيد. أما آخرون، فيقولون إن جودته (95) أفضل من ذاك المتاح في محطات الوقود (91).
الجدران بلا صور آل الأسدوفي شوارع العاصمة السورية، لم يعد هناك أثر للصور الضخمة التي لطالما غطت الجدران لعقود، فاختفت صور الرئيس السابق حافظ الأسد وابنه المخلوع بشار تماما، من دون أن تحل محلها صور للرئيس الجديد أحمد الشرع، كما اختفت الأقوال "المأثورة للقائد الخالد" حسبما يطلق عليه محبوه.
وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي إقدام البعض على طباعة أعلام تحمل صورة الرئيس الشرع، سرعان ما صدرت تعليمات رسمية بإزالتها ومنع طباعتها مجددا.
في المقابل، لا تزال بقايا العلم السوري القديم موجودة وإن بخجل، خصوصا على الأبواب الحديدية لبعض المحال التجارية.
أما في محلات التحف والمقتنيات القريبة من الجامع الأموي، فلا تزال بعض التذكارات تحمل رموز العهد السابق، لكن كثيرا منها خضع لتعديلات سريعة، كما قال أحد التجار مبتسما، "في يوم سقوط النظام، أمسكت القلم وبدأت أعدل على بعضها. أجريت عملية ’تكويع‘ سريعة لبعض التحف والتذكارات".
في مقاهي العاصمة السورية، لم تعد السياسة موضوعا محظورا، بل باتت هي الموضوع الأكثر تداولا بين الجالسين. بعد أن كانت هذه النقاشات تتم في الماضي همسا وبصوت منخفض -هذا إن تجرأ أحدهم على خوضها- أصبح الجميع يتحدثون اليوم بلا قيود، يذكرون أسماء السياسيين الجدد ويناقشون مستقبل البلاد بصوت مرتفع وبلا خوف.
الأمر اللافت أن بعض المقاهي، مثل مقهى الروضة الشهير، لم تكتفِ بذلك، بل بثت أغاني ساخرة عن النظام السابق، وسط تفاعل كبير من رواد المكان، الذين لم يعتادوا مثل هذا الانفتاح من قبل.
إعلاندمشق التي تغيرت ملامحها، بات فيها كل شيء مختلفا، من حركة المرور إلى التداول العلني للعملات الصعبة، وصولا إلى خوض الناس في السياسة بلا خوف. ومع ذلك، تحتفظ هذه المدينة العريقة بروحها الفريدة، حيث يمتزج القديم بالجديد في مشهد لا تراه في كثير من المدن.