شهدت معضمية الشام بريف دمشق كل وحشية نظام بشار الأسد، من اعتقالات تعسفية وتعذيب ومجاعة منظمة وتفجيرات وقصف بالأسلحة الكيميائية، واليوم يطالب المنفيون العائدون من سكانها والمقيمون الناجون بالعدالة بعد كل ما لقوه.

بهذه الجمل افتتحت صحيفة لوموند -تقريرا لمراسلتها الخاصة بمعضمية الشام إليوت براشيه- قائلة إن طلقات الكلاشينكوف دوت فرحا بعودة النازحين إلى أرضهم، فها هم المقاتلون يعودون شيئا فشيئا إلى ديارهم في هذه البلدة الواقعة في الغوطة الغربية بريف دمشق، حيث تنتشر أشجار الزيتون، وها هم الأهل والجيران يستقبلونهم بالطبول والمزامير وزغاريد النساء.

هكذا كانت مدينة معضمية الشام بريف دمشق في بداية الثورة 2011 (الجزيرة)

يقول محمود الشلبي، وهو يرتدي زي الجيش الوطني السوري، أحد فصائل المعارضة الذين شاركوا هيئة تحرير الشام المنتصر الذي عجل بسقوط بشار الأسد "لم أتعرف على منزلي".

لم يكن عمر الشلبي يتجاوز 25 عاما في بداية الثورة وكان يعمل جزارا ولم ير الموت بعينيه قبل ذلك، واليوم أصبح ذا لحية طويلة، ووجه مليء بالتجاعيد بعد 9 سنوات من المنفى في جيب إدلب الذي يقصف باستمرار من قبل النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نيويورك تايمز: الشيوخ الأميركي عرقل ترشيح أول قاض مسلم لمحكمة فدراليةlist 2 of 2هآرتس: مشهد من ناغازاكي.. أجساد الفلسطينيين جنوب غزة تتبخرend of list إعلان

لم يتوقع الشلبي مثل هذه الهزيمة للجيش السوري، وهو يقول "كانت العودة إلى معضمية الشام أسهل من المغادرة"، ففي عام 2011، دافع عن حيه برشق الحجارة -كما تقول الصحيفة- وبعد أشهر من القمع المتواصل، قرر حمل السلاح مع المتمردين في الحي، وتشكيل فرع للجيش السوري الحر.

هذا ليس انتصارا

ورغم الاحتفالات والعناق والاستمتاع بلحظة من الحرية لم يكن من الممكن تصورها قبل أيام قليلة -كما تقول المراسلة- فإن هذا التحرر يبقى له مذاق مر، حيث لا تخفي احتفالات هذا اليوم مأساة عقد من الفظائع، يقول راتب رجب "لا أستطيع أن أقول إنني سعيد. هذا ليس انتصارا. فرحتي برؤية سقوط بشار لم تكتمل. أين أسرانا؟".

قبل الثورة، كان راتب رجب سائق سيارة أجرة، قبل أن يعتقل عام 2012 لمدة 100 يوم بتهمة "التعاون مع جماعة إرهابية"، وتعرض للتعذيب بالصدمات الكهربائية و"الشبح"، وبعد إطلاق سراحه بدأ حصار الغوطة، وبذريعة إعادة "معاقل الإرهابيين إلى أرض الوطن"، حاصر النظام وقصف أكثر من 40 جيبا للثوار في أنحاء سوريا، تاركا سكانها يموتون جوعا.

كانت معضمية الشام المعروفة ببساتين الزيتون على بعد 4 كيلومترات من وسط مدينة دمشق في نهاية الغوطة الغربية، وهي بذلك تحتل موقعا إستراتيجيا، ولم يبق من الـ50 ألفا الذين كانوا يعيشون فيها سوى الخمس، بسبب الحصار والقصف الذي أشرف عليه العميد غسان بلال، الساعد الأيمن لماهر الأسد شقيق الرئيس المخلوع، ورئيس استخبارات الفرقة الرابعة في الجيش.

راتب رجا تحول لحفار قبور، وقد دفن 4867 جثة تحت تراب المعضمية، بينهم 79 شخصا من عائلته، وقد أصيب بشظية في جفنه الأيسر عام 2013، ويقول إنه "في ذلك اليوم قُتل 17 شخصا في المقبرة. وتطايرت الجثث بفعل الصاروخ. فجمعت اللحم من أغصان الزيتون".

جثث متناثرة

وبسبب كثرة القتل بين السكان منذ عام 2011، أصبح راتب رجا حفار قبور المدينة، وقد دفن 4867 جثة تحت تراب المعضمية، بينهم 79 شخصا من عائلته، وقد أصيب بشظية في جفنه الأيسر عام 2013، يقول "في ذلك اليوم قُتل 17 شخصا في المقبرة. تطايرت الجثث بفعل الصاروخ. فجمعت اللحم من أغصان الزيتون".

إعلان

وعلى حدود المعضمية، كان هناك جنود من قوات الدفاع الوطني، وهي وحدات شبه عسكرية تضم عدة فصائل سورية ذات أغلبية علوية، يحرسون العديد من حواجز الطرق، بالإضافة إلى رجال مليشيات شيعية من إيران والعراق ولبنان، تم إنشاؤها لتنفيذ الأعمال القذرة التي يقوم بها النظام، "يفحصون وثائق الهوية لكل مركبة -كما يقول راتب رجب- وكان يكفي أن تكون سنيا ليتم إنزالك أو اعتقالك أو القضاء عليك على قارعة الطريق".

مئات القتلى أغلبهم أطفال نتيجة قصف كيميائي لقوات النظام السوري بغاز السارين على غوطة دمشق وريفها (الجزيرة)

في الفترة بين مارس/آذار ونوفمبر/تشرين الثاني 2013، شدد الخناق على المعضمية، وتوقف دخول الغذاء إليها، قبل أن يقصفها جيش بشار بـ5 صواريخ تحمل غاز السارين، يقول محمد قزاع عضو الخوذ البيضاء في الغوطة الغربية "سمعنا صوت صفير غريب، وعندما وصلنا إلى مكان الحادث كان الناس ملقون على الأرض وهم في حالة اختناق دون إصابات أو صدمات. كانت الرغوة البيضاء تتدفق من زوايا شفاههم"، وقد أدت هذه الهجمات بالأسلحة الكيميائية إلى سقوط أكثر من 1400 ضحية.

أسوأ مكان على وجه الأرض

في عام 2016، عندما اضطر السكان إلى أكل العشب من أجل البقاء، تم التوصل إلى اتفاق مع ممثلي المدينة، تتوقف بموجبه هجمات الجيش ويتم إطلاق سراح السجناء بشرط أن يتخلى المتمردون عن أسلحتهم ويرحلوا إلى جيب المتمردين في إدلب شمال البلاد، وبالفعل تم إجلاء 620 مقاتلا وعائلاتهم بالحافلة، وتم رفع الحصار جزئيا ولكن لم يتم إطلاق سراح أسرى معضمية الشام أبدا.

أحمد: عندما شاهدنا مقاطع الفيديو من سجن صيدنايا، وغرف الحمض المستخدمة لإخفاء السجناء، أدركنا أننا لن نجد أحدا بعد الآن

كان الكثير من أولئك الأسرى يقبعون في سجون المخابرات الجوية في أقبية مطار المزة على أطراف المدينة، ولذلك هرع أحمد حامد إلى هذه الأماكن في صباح الثامن من ديسمبر/كانون الأول، بعد إعلان سقوط بشار الأسد وهزيمة جيشه، ووجد أن بعض الزنزانات قد فتحت بالفعل ولم يتعرف على أحد من بين السجناء المفرج عنهم.

إعلان

ومنذ الثامن من ديسمبر/كانون الأول، يتجمع عشرات الأشخاص يوميا أمام مدخل المطار، حيث تبحث العائلات عبر قوائم لا نهاية لها، عن أسماء أحبائها الذين اختفوا، ولكن أحمد الذي يعلم أن مساعيهم ستذهب سدى، يقول "عندما شاهدنا مقاطع الفيديو من سجن صيدنايا، وغرف الحمض المستخدمة لإخفاء السجناء، أدركنا أننا لن نجد أحدا بعد الآن".

وخلصت الصحيفة إلى أن نشوة النصر في الغوطة الغربية، لم تنجح في شفاء جراح أكثر من 13 عاما من القمع، عندما اعتبر السكان إرهابيين لفترة طويلة وسجلت كل الأدلة ضدهم بدقة، ومع ذلك ها هم الآن في المعسكر الفائز، عازمون على عكس القصة مطالبين بتحقيق العدالة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ترجمات

إقرأ أيضاً:

وزيرة الخارجية الألمانية: ألمانيا تقف إلى جانب الشعب السوري في طريقه نحو السلام، وقد تم اتخاذ الخطوات الأولى لتوحيد البلاد، ومن المفترض تحقيق الخطوات التالية بالمشاركة مع جميع مكونات المجتمع

2025-03-20Belalسابق وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك خلال مؤتمر صحفي بدمشق: تم افتتاح السفارة الألمانية في دمشق بشكل رسمي، ونحن سندعم سوريا سياسياً واقتصادياً، فالشعب السوري بحاجة للدعم وإعادة الإعمار انظر ايضاًوزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك خلال مؤتمر صحفي بدمشق: تم افتتاح السفارة الألمانية في دمشق بشكل رسمي، ونحن سندعم سوريا سياسياً واقتصادياً، فالشعب السوري بحاجة للدعم وإعادة الإعمار

آخر الأخبار 2025-03-20وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك خلال مؤتمر صحفي بدمشق: تم افتتاح السفارة الألمانية في دمشق بشكل رسمي، ونحن سندعم سوريا سياسياً واقتصادياً، فالشعب السوري بحاجة للدعم وإعادة الإعمار 2025-03-20المعهد العالي للقضاء ودوره في تكوين الفكر القانوني للقضاة في سوريا 2025-03-20تزامناً مع عودته للعمل.. أجنحة الشام للطيران تسير أولى رحلاتها إلى مطار حلب الدولي 2025-03-20أهالي داعل في ريف درعا يوثقون أسماء شهداء الثورة والمفقودين بلوحة جدارية 2025-03-20مجلس الوزراء: عطلة عيد الفطر من 30 آذار الجاري وحتى 3 نيسان ‏القادم 2025-03-20القائم بأعمال وزارة الصحة يتفقد العمل في بنك الدم ومركز جامعة ‏دمشق لنقل الدم 2025-03-20تكريم 105 أمهات عاملات في السويداء تقديراً لجهودهن 2025-03-20معاون وزير الداخلية يجري جولة ميدانية على دوريات شرطة المرور في دمشق 2025-03-20بعد 13 عاماً.. ألمانيا تفتح سفارتها مجدداً في سوريا 2025-03-20فرع الاتحاد الرياضي بحمص.. جهود كبيرة للإقلاع بالنشاط الرياضي بالمحافظة

صور من سورية منوعات المائدة الرمضانية في درعا… تنوع يجمع بين الأصالة والنكهة 2025-03-15 العرقسوس والتمر الهندي… عصائر رمضانية شعبية في حماة  2025-03-11فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • ماذا قال أهالي المعتقلين عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر؟
  • محافظة اللاذقية: إصابة شخصين بجروح بليغة جراء انفجار لغم في قرية عكو بجبل الأكراد، أثناء عملهما في جمع الخرداوات. وقد أدى الانفجار إلى بتر ساق أحدهما، بينما تعرض الآخر لإصابات عدة .
  • أكثر من 400 أسرة تستفيد يومياً من مشروع إفطار صائم في معضمية الشام ‏بريف دمشق
  • وزيرة الخارجية الألمانية: ألمانيا تقف إلى جانب الشعب السوري في طريقه نحو السلام، وقد تم اتخاذ الخطوات الأولى لتوحيد البلاد، ومن المفترض تحقيق الخطوات التالية بالمشاركة مع جميع مكونات المجتمع
  • «بوتين» يوجّه رسالة للرئيس السوري.. وألمانيا تفتح سفارتها في دمشق
  • تزامناً مع عودته للعمل.. أجنحة الشام للطيران تسير أولى رحلاتها إلى مطار حلب الدولي
  • بعد 13 عاماً من إغلاقها.. ألمانيا تعيد افتتاح سفارتها في دمشق
  • رسميا.. ألمانيا تفتح سفارتها في دمشق بعد 13 عاما من إغلاقها
  • بعد 13 عاماً.. ألمانيا تعيد فتح سفارتها في دمشق
  • زيارة بيربوك إلى دمشق: دبلوماسية متجددة أم محاكاة للواقع السوري؟