فخ ثوسيديدس وخطوط الصين الحمراء مع أميركا ترامب
تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT
خلال الأشهر الأخيرة جعل الرئيس الصيني شي جين بينغ موقف الصين من العلاقة مع الولايات المتحدة واضحا بشكل لا لبس فيه، وانعكس ذلك في خطاباته وتصريحاته المتعددة في قمم مثل "بريكس" و"بريكس بلس" ومنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي (APEC) وقمة العشرين.
وتحدث الرئيس الصيني بوضوح عن إستراتيجيته تجاه الولايات المتحدة في ظل عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى السلطة وما قد يحمله ذلك من تحديات للعلاقات الثنائية، مستعرضا رؤيته لعالم مثالي بعيدا عن الهيمنة الغربية التي ترى بكين أنها تعيق التقدم العالمي.
وحدد الرئيس الصيني خطوطا حمراء للعلاقة بين البلدين لا يجوز تجاوزها، وتشمل قضية تايوان وملف حقوق الإنسان ومسار التنمية الصينية.
ولعل أبرز إعلان لتلك الخطوط وشكل العلاقة، كان في لقاء جمعه مع الرئيس الأميركي جو بايدن في 16 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على هامش الاجتماع 31 لقادة اقتصادات منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي (APEC) في عاصمة بيرو ليما.
وأكد أن سياسة "احتواء الصين" محكوم عليها بالفشل، داعيا إلى تعاون مبني على الاحترام المتبادل والندية، وقد يُنظر إلى هذا اللقاء مستقبلا، كلحظة فاصلة في العلاقات الصينية-الأميركية، نظرا لأهميته، حيث وضع إطارا واضحا للعلاقة بين البلدين، خاصة مع عودة دونالد ترامب إلى السلطة.
انطلق الرئيس شي في حديثه مع الرئيس بايدن في لقائهما في ليما، مفندا نظرية المفكر الأميركي غراهام تي أليسون المعروفة بـ "فخ ثوسيديدس" الرائجة بين السياسيين الأميركيين اليوم.
إعلانومفاد تلك النظرية أن الصدام شبه حتمي بين الصين كقوة صاعدة والولايات المتحدة كقوة مهيمنة، مؤكدا أن الصين غير قابلة للهزيمة، وأن من سيحاول ذلك سيفشل، وأن خسارتها ستكون خسارة للجميع.
وحسب تعبير شي في منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي "لاحظ أحد الحكماء الصينيين القدماء أن الرجل الفاضل، بينما يعمل على ترسيخ نفسه وتحقيق النجاح، يعمل أيضا على مساعدة الآخرين على ترسيخ أنفسهم وتحقيق النجاح".
وذكر الرئيس الصيني صراحة خلال اللقاء مع بايدن أن سياسة "احتواء الصين" ليست خيارا حكيما أو مقبولا، ومن المؤكد فشلها.
وحدد في خطابه 7 نقاط أساسية كمبادئ توجيهية للعلاقات، وهي:
المواجهة بين الطرفين ليست حتمية. الثقة والمصداقية وتوافق الأقوال مع الأفعال مطلب أساسي لنجاح العلاقة. ضرورة التعامل من منطلق الندية والمنافسة. الحرص على عدم التعدي على المصالح القومية الكبرى والتي تعتبر خطوطا حمراء. اعتماد مبدأ الحوار والتعاون. والعمل على التجاوب مع تطلعات الشعب بالاستقرار والرفاه. إدراك مسؤولية الدول الكبرى في مجال السلام العالمي والصالح العام للبشرية.كما شدد على 4 خطوط حمراء رئيسية في علاقة البلدين، وهي:
قضية تايوان. ملف حقوق الإنسان. مسار الصين ونظامها. حق الصين في التنمية.بالتأكيد فإن المخاطب بهذه السياسات والخطوط الحمراء في كلام الرئيس الصيني الاستثنائي وغيره من المسؤولين الصينيين، لم يكن الرئيس بايدن، بل هو ترامب المعروف بمواقفه المتشددة تجاه الصين.
ففي مقال نشرته وكالة بلومبيرغ تحت عنوان "غصن الزيتون الذي يقدمه شي إلى ترامب يأتي مصحوبا بتحذير بشأن الخطوط الحمراء" وآخر في افتتاحية صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست تحت عنوان "شي يحدد خطوطا حمراء في المحادثات مع بايدن من أجل ترامب".
وكان ترامب قد هدد خلال حملته الانتخابية بإعادة فرض رسوم جمركية تصل إلى 60% على الواردات الصينية بجانب الرسوم القائمة، كما هدد لاحقا بفرض جمارك 100% على دول منظمة بريكس التي يمكن أن تفكر بتقويض مكانة الدولار الأميركي، ومواصلة سياسات الضغط للحد من صعودها على الساحة الدولية.
إعلانوشكل فريقا من الذين ما فتئوا يطلقون تصريحات معادية للصين، مثل بيتر نافارو وستيفن ميلر، اللذين طالما أكدا في مقالاتهما على ضرورة استمرار خطط الضغط على الصين، مع التركيز على "التعامل الصارم" وفرض تعريفات جمركية جديدة وتوسيع الإجراءات لحماية الصناعة الأميركية.
إذن، من الواضح أن الصين على لسان شي أرادت تحديد الممنوع والمسموح في العلاقة الصينية الأميركية ومجالات التعاون المختلفة ومحاولة الاستفادة المتبادلة من المصالح بدلا من التنازع، وأنها مستعدة لكل الخيارات.
من جانبه، أشار بايدن خلال لقاء بشي في قمة ليما، إلى أهمية التعاون بين البلدين في مواجهة التحديات العالمية، مثل التغير المناخي والأمن الغذائي، ومع ذلك، عكس البيان الأميركي الرسمي بعد اللقاء، تجاهلا واضحا للموقف الصيني الحازم، حيث وصف الاجتماع بأنه "إيجابي وبناء"، ويتحدث عن لقاء شبه روتيني، لا يشكل علامة فارقة البتة في العلاقة بين الطرفين، مما يشي بعدم المبالاة الأميركية بمطالب الصين أو عدم جدية إدارة بايدن بالتعامل مع هذا الموضوع المهم.
قمة قازان
وسبق أن ألقى الرئيس الصيني قبل ذلك بأقل من شهر، خطابا قويا خلال قمة "بريكس" ثم في "بريكس بلس" التي عُقدت في قازان في 23 و24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وضع فيه تصورات جديدة لمستقبل النظام العالمي، وركز فيه على بناء عالم أكثر عدالة وإنصافا وعلى ضرورة منع انزلاق العالم إلى هاوية الفوضى والاضطراب.
وبعث رسائل واضحة عن رغبة الصين في قيادة التحول نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب، بعيدا عن الهيمنة الغربية، وهو ما تم عكسه أيضا في خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نفس المؤتمر، وإن كان ضمن رؤية أقل اتساعا من الرؤية الصينية.
وفي خطابه أمام اجتماع "بريكس بلس"، الذي لم يستغرق سوى بضع دقائق، استخدم الرئيس شي مصطلح "الجنوب العالمي" 13 مرة، مشيرا إلى أهمية الدول النامية في تشكيل المستقبل العالمي، وأن التحديث والتنمية الاقتصادية لهذه الدول يمثلان حدثا تاريخيا يجب دعمه.
إعلانكما دعا إلى تعزيز الحوكمة العالمية في مجالات الأمن والاقتصاد في إشارة مبطّنة إلى فشل النظام العالمي بصورته الحالية، ورفَض صراحة سياسات الهيمنة التي وصفها بأنها تعيق التعاون الدولي.
وأوضح الخطاب أيضا أن بكين ترى فرصتها أكبر في قيادة العالم النامي نحو مستقبل أكثر استدامة، في وقت تعاني فيه المنظومة الغربية التقليدية من أزمات متعددة.
ولعل هذا التركيز على فكرة الجنوب العالمي يوحي بأن الصين ترمي إلى حشد الدول المتضررة من النظام الدولي القائم حاليا -وأغلبها خارج جغرافيا أوروبا الغربية وأميركا الشمالية- لتشكيل كفة تُوازن الهيمنة الغربية على العالم وتحدّ من تغولها، تحت عناوين جذابة كالتنمية والاستقرار.
رؤية الصين للنظام العالميلم تقتصر رؤية الصين على انتقاد النظام الدولي الحالي والتعبير عن عدم رضاها عن كيفية إدارة ما يسمى بالمجتمع الدولي، والتشكك بكيفية توظيف هذه المؤسسات بحيث تخدم دولا بعينها، بل تجاوزت ذلك إلى طرح مبادرات متعددة تسعى لإعادة صياغة هذا النظام بما يخدم توازن القوى عالميا، وحل الأزمات المستعصية التي تواجه العالم.
وترى بكين أن الإصلاح التدريجي للنظام الدولي لن يكون كافيا لتلبية تطلعات الشعوب النامية، مما دفعها إلى تسويق نموذجها كبديل، وقد أظهرت دراسة صادرة عن مجلس الأطلسي بعنوان "كيف تعيد بكين تشكيل النظام العالمي؟"، أن المبادرات الصينية تهدف إلى ترسيخ نظام عالمي جديد تكون الصين مركزه.
ومن أبرز تلك المبادرات "مبادرة الأمن الجماعي" و"مبادرة التنمية العالمية" و"مبادرة الحزام والطريق" و"مبادرة الحضارة العالمية" وغيرها، وكيفية تسويقها على أنها تنسج عالما جديدا بمعايير صينية، وتنتج نظاما عالميا جديدا بديلا عن النظام الحالي، الذي تحتل الولايات المتحدة مركزه.
وورد في دراسة صادرة عن مجلس الأطلسي بعنوان " كيف تسعى مبادرات بكين الجديدة إلى إعادة صناعة النظام العالمي"، أن الصين تروج لنظرية تكون فيها هي مركز هذا النظام العالمي المستقبلي المنشود.
إعلانمن وجهة النظر الصينية، فالصين أخرجت 800 مليون مواطن من تحت خط الفقر، ولديها الحلول لكل المشاكل التي يعاني العالم منها اليوم، كما عبر عن ذلك الرئيس شي في كلمته أمام منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي عندما قال إن بلاده وضعت خططا منهجية لتعميق الإصلاح على نطاق واسع لتعزيز التحديث الصيني.
وتابع أنه تم الكشف عن أكثر من 300 تدبير إصلاحي لاحق يتعلق "ببناء اقتصاد سوق اشتراكي عالي المستوى، وتعزيز التنمية الاقتصادية عالية الجودة، وتعزيز الانفتاح عالي المستوى، وتحسين نوعية حياة الناس، وبناء دولة جميلة. وسوف يوفر المزيد من التنمية في الصين فرصا جديدة لمنطقة آسيا والمحيط الهادي والعالم أجمع".
بالطبع، لا تبدو الولايات المتحدة مستريحة تجاه هذه المبادرات الكثيرة، بل ترى فيها تقويضا لقيادتها وهيمنتها على العالم، بل أبعد من ذلك فهي تخشى أن تكون الشركات الصينية المشاركة في هذه المبادرات خاصة مبادرة "الحزام والطريق"، مركزا للنظام الذي تدعو الصين إلى تكوينه، وأن تسيطر هذه الشركات على الأسواق العالمية في أميركا وأفريقيا وفي أميركا اللاتينية بل حتى في أوروبا.
استعداد لكل الاحتمالات
تشعر الصين بالقلق إزاء السياسات الأميركية، خاصة مع تبني واشنطن لنظرية أن الصدام بين القوى الصاعدة والقوى المهيمنة هو أمر محتوم، وفي المقابل، تتبع بكين إستراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تجنب الصراع من خلال تعزيز دورها العالمي.
ولا شك أن الخطوط الحمراء التي شدد عليها الرئيس شي، هي المداخل الكبرى لتقويض السيادة الصينية.
وباتت بكين تدرك أن رغبتها بتجنب الصراع مع الولايات المتحدة ليس مرهونا بالنيات الصينية وحسب، بل يعتمد بالمقام الأول على سلوك الولايات المتحدة، التي تعتنق نظرية الصدام، وتنتهج ما يطلق عليه إستراتيجية "الفناء الصغير والسياج العالي" التي وضعها مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، للحد من نفوذ الصين.
إعلانويبدو أن هذا النهج لا يقتصر على إدارة بايدن والحزب الديمقراطي، بل يتعداه ليشمل غالبية النخبة السياسية الأميركية التي باتت تنظر إلى الصين كمهدد لزعامتها على العالم بل للحضارة الغربية ذاتها.
كما ترى أن عليها أن تحول دون تحقيق الصين لأهدافها مهما كانت التكاليف، ويفضل أن يكون ذلك بأقرب وقت ممكن وقبل أن يصبح ذلك متأخرا.
بالمقابل فإن النخبة الصينية في محاولتها تجنب المواجهة مع أميركا، تنطلق من نظرية أن الولايات المتحدة هي قوة عظمى آفلة وأن تأخير الصراع معها يمكن أن ينفي الحاجة إليه، مع استمرار تراجع الدور الأميركي وضعف نفوذ الغرب عامة.
ولكنها مع ذلك تريد أخذ التدابير الكافية التي تحصن الصين ضد الهزيمة إن حصلت مواجهة في أي مجال من المجالات مع الولايات المتحدة، بالذات في عهد الرئيس ترامب الذي صار معروفا عنه أنه يستعمل إستراتيجيه "الرجل المجنون" غير القابلة للتنبؤ، في إدارته للعلاقات الخارجية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة النظام العالمی الرئیس الصینی الرئیس شی أن الصین
إقرأ أيضاً:
ترامب يهدم القوة الناعمة الأميركية.. هل تغتنم الصين الفرصة؟
يبدو أن القيود التي يفرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على المساعدات الخارجية واستهداف وكالة رئيسية تمول برامج المساعدات في أنحاء العالم ستوفر فرصة ذهبية للصين- والتي تعد المنافس القوي لأميركا.
وابتداء من تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية مرورا بالانسحاب من المنظات الدولية، أثارت خطوات ترامب الجذرية التي تتعلق بمبدأ "أميركا أولا" المخاوف بين بعض أعضاء الكونغرس والخبراء حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تتنازل عن نفوذها العالمي لخصومها، خاصة في وقت تشعر فيه واشنطن بالقلق إزاء نفوذ بكين المتزايد على حساب المصالح الأميركية.
لقد وفرت المساعدات الخارجية للولايات المتحدة مصدرا لـ" القوة الناعمة"- مما يتيح لها فرصة غرس النوايا الطيبة، وبناء التحالفات ومواجهة الأعداء في محاولة لتعزيز الأمن القومي دون الحاجة إلى إرسال قوات أو أسلحة أو اتخاذ أي إجراءات قسرية أخرى.
ويقول مسؤولو الإدارة الأميركية إنه حان الوقت لمراجعة كيفية إنفاق أميركا للأموال في الخارج.
وعندما سئل مستشار الأمن القومي مايك والتز عما إذا كانت الولايات المتحدة تمنح الصين وروسيا فرصة لتحقيق المزيد من النفوذ العالمي، نفى ذلك، وقال في برنامج إخباري مؤخرا "هذه المهام وهذه البرامج لا تتوافق في الغالب الأعم مع المصالح الاستراتيجية الأميركية مثل الضغط على الصين"، بحسب وكالة أسوشيتد برس.
ففي بنما، دفعت إدارة ترامب الحكومة للانسحاب من مبادرة الحزام والطريق، وهو برنامج الصين الإنمائي البارز، مما أدى إلى صدور إدانة من جانب الصين.
بكين تترقبعموما لا يؤيد الخبراء والمشرعون تراجع الولايات المتحدة بالنسبة للمساعدات الخارجية وهناك قضايا تتحدى تجميد الإدارة الأميركية للمساعدات الخارجية والخطوات ضد الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، مما أدى إلى توقف مؤقت لبعض تلك الخطوات.
وفي مناقشة جرت مؤخرا في واشنطن قال فينج تسانج وهو باحث زائر في مركز بول تساي الصيني التابع لكلية الحقوق بحامعة ييل الأميركية إن إدارة ترامب الثانية سوف تحقق هدف الصين المتمثل في" كسب المزيد من النفوذ العالمي".
وأعرب السيناتور اندي كيم، وهو ديمقراطي من نيو جيرسي عن قلقه بالنسبة لهذا التطور . وقال في حديث تليفزيوني مؤخرا" إن الصين ليست في حاجة الآن لبذل جهد لتحقيق نفوذها في أنحاء العالم بسبب ما نقوم به نحن".
من ناحية أخرى، قال النائب جون مولينار، الجمهوري من ولاية ميتشغان إنه يمكن أن يكون الوقت قد حان لأن يكون هناك تغيير بالنسبة للمساعدات الخارجية... واعتقد أننا خلال ذلك سوف نتعرف على ما كان يحقق نجاحا وما لم يكن ناجحا... ثم نرى كيف نلجأ إلى أسلوب جديد لتعزيز المصالح الأميركية، والقيم الأميركية ".
وقال دينيس وايلدر، وهو مسؤول سابق في وكالة المخابرات المركزية، وزميل بارز في مبادرة الحوار الأميركي الصيني حول القضايا العالمية في جامعة جورج تاون، إن النفوذ العالمي يتجاوز نطاق المساعدات الخارجية، فالولايات المتحدة تقود أقوى جيش في العالم وتهيمن عملتها الدولار على النظام المالي.
وأضاف وايلدر قائلا "دعونا لا نقبل كأمر مسلم به أن الصين على استعداد أو قادرة على أن تحل محل الولايات المتحدة في الفراغ الذي ربما تتركه الولايات المتحدة .فقد ذكرت السفارة الصينية في واشنطن إن بكين "مستعدة للعمل مع جميع الدول والأطراف، بما في ذلك الولايات المتحدة، لتدعيم تبادل الاتصالات والتعاون في مجال التنمية، من أجل تعزيز التنمية والازدهار المشترك بين جميع الدول".
وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة والصين ، وهما الدولتان الرئيسيتان في مجال التنمية العالمية، تنفقان المساعدات الخارجية بشكل مختلف.
فمعظم المساعدات الصينية تقدم في صورة ديون ويتم إنفاقها عموما على مشروعات الطاقة والبنية التحتية.
في المقابل يتم صرف معظم الأموال الأميركية في صورة منح أو قروض بمعدلات فائدة منخفضة أو بدون معدلات فائدة في مجالات مثل الصحة العامة والمساعدات الإنسانية ، حسبما ذكر أيد داتا AidDta ، وهو مختبر لابحاث التنمية الدولية في معهد الأبحاث العالمية بكلية ويليام وماري، وهي من أقدم الكليات في الولايات المتحدة.
ففي بيرو، ساعدت أموال المساعدات الصينية في بناء الميناء الضخم الذي بلغت تكلفته 1.3 مليار دولار في شانكاي، والذي افتتح في نوفمبر خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ. وعلى النقيض من ذلك، استخدمت المساعدات الخارجية الأميركية في بيرو لتمويل القهوة والكاكاو كبدائل لإنتاج الكوكايين.
وفي دول أخرى، ساعدت الدولارات الأميركية في مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز" في أفريقيا، ومعالجة سوء التغذية لدى الأطفال في جنوب السودان.
ونظرا للاختلاف في أنواع المشروعات التي يتم تمويلها ، من غير المرجح أن تتقدم الصين لتحل محل المكان الذي تنسحب منه الولايات المتحدة، ومع ذلك، ما تزال بكين تفوز لأن المساعدات الخارجية التي تقدمها تتعلق ببناء العلاقات والنوايا الحسنة، حسبما ذكرت سامانثا كستر، مديرة تحليل السياسات في مختبر ايد داتا.
وأضافت سامانثا كستر، مديرة تحليل السياسات في مختبر ايد داتا أن هذه الدول تراقب الولايات المتحدة "وكيف تتعامل مع شركائها وعمالها، وتقوم بتحديد ما إذا كانت الولايات المتحدة تعد شريكًا اقتصاديا وأمنيا موثوقًا به، وهناك مخاوف متزايدة من أننا لسنا كذلك" .
وقال سلفادور سانتينو ريجيلمي، وهو أستاذ مشارك في العلاقات الدولية بجامعة لايدن في هولندا، إن لدى الصين الآن فرصة استراتيجية لتكون بديلا متاحا للدول التي تسعى إلى الاستثمار دون شروط سياسية. "
وأضاف أن المغزى الأوسع نطاقا لتجميد المساعدات الأميركية" هو العودة إلى الدبلوماسية العسكرية، حيث يتم تهميش القوة الناعمة لصالح الإكراه القسري".