الفساد سرطان الاقتصاد الذي أعيى الحكماء.. قراءة في كتاب
تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT
الكتاب: التعاون الدولي في مكافحة الفساد
الكاتب: كريم معروف
الناشر: المركز الديمقراطي العربي ط1، ألمانيا ـ برلين 2024.
عدد الصفحات: 225 صفحة
ـ 1 ـ
في الاقتصاد الحديث يوجد خطان متوازيان متقاطعان في الآن نفسه: الاستثمار وعمل المافيات واللوبيات. فحيث ثمة مشاريع كبرى يوجد طفيليون يتحيّنون الفرص لتحقيق المكاسب غير المشروعة.
وصفقاته تعقد خارج أيام العطل والأعياد وتتحقّق بكبسة زر وتوقيع وتحويل مالي إلكترونيين في المقاهي أو المطاعم. وبالمقابل يدفع البعد السّيادي للدول باستمرار إلى التعامل مع الجرائم الاقتصادية والفساد المالي من منطلق تمركزها على ذاتها، مّما يمثل عائقا يحول دون التحرك بفاعلية ضد الفساد الذي بات عملا منظما تتعدد فيه الأطراف الدولية وتنسق فيما بينها وفرصة للفاسدين الباحثين عن ملاذ آمن يعفيهم من المحاسبة.
ليست مقاومة الفساد مسألة قضائية شكلية فحسب ولا هي سياسية بالأساس. والاكتفاء بهذين العاملين دون اعتماد معيار الأخلاق يجعل منها بابا واسعا يتسرب منه الفساد إلى الحياة العامة ضمن حالة الزيف التي أصابت القيم جميعا في عصرنا الحالي. ولكن الإشكال هنا أي أخلاق نعتمد ومن هذا "الأخلاقي" الذي سيمنح صلاحية الحكم على الآخرين؟من هذه المفارقة تتأكد الحاجة إلى مراجعة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والإقليمية في مجالات التعاون الدولي لمكافحة الفساد تكريسا للشفافية المالية التي تنادي بها مؤسستا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي واستجابة للضغط الذي تمارسه منظمات المجتمع المدني في المحافظة على الممتلكات العامة، ولإيجاد وسائل لمواجهة الفاسدين، تقرّب وجهات النظر والآراء دوليا وتتسم بالمرونة والفاعلية وتحد من الاعتبارات المجحفة للحقوق السيادية للدول مراعاة للصالح العام الدولي.
ضمن هذا الأفق عمل كتاب "التعاون الدولي في مكافحة الفساد" للبحث كريم معروف على استعراض الوضع العام للتعاون الدولي في مجال مكافحة الفساد وسعى إلى البحث في الإستراتيجية العالمية لتعزيز فاعلية التعاون الدولي في مجال مكافحته.
ـ 2 ـ
يستهل الباحث كريم معروف أثره بعرض التعريفات القانونية المختلفة للفساد لفصله عمّا ليس منه. ومن أبسط تعريفاته وأولها ما يتعلق بالارتشاء واختلاس الموظفين للأموال أو المحسوبية أو الابتزاز أو الاحتيال. ويربطه هذا التعريف بالوظيفة العامة وبأنشطة الدولة ويستبعد إمكانية وجوده في القطاع الخاص. ثم تطورت مقارباته الموازية لتطوره بعد أن بات أكثر تعقيدا وتنظيما واحترافية وارتباطا بالجرائم الاقتصادية.
وهذا ما وسّع تعريفه. فأضحى يفيد "نية استعمال الوظيفة العامة بجميع ما يترتب عليها من هيبة ونفوذ وسلطة لتحقيق منافع شخصية منافية للقوانين والتعليمات الرسمية" أو "السلوك الوظيفي السيئ الذي يهدف إلى الانحراف والكسب غير المشروع الخروج عن النظام المصلحة شخصية" أو هو "استخدام السلطة العامة لأجل كسب أو ربح شخصي [كذا] أو تحقيق مكانة اجتماعية أو منفعة لجماعة أو طبقة ما بطريقة يترتب عليها خرق القانون أو التشريع ومعايير السلوك الأخلاقي".
ولعل تعريف البنك الدولي أكثر دقة. فهو يحدّده بكونه "سوء استغلال السلطة العامة لأجل الحصول على مكاسب خاصة ويتمثل في جميع الممارسات السيئة المتمثلة في استغلال الوظيفة سواء كانت حكومية أو خاصة كالعمولات والرشاوى والتهرب الضريبي والجمركي وإفشاء أسرار العقود والصفقات هذا بخصوص الشركات الخاصة، أو من خلال استغلال الوظيفة العامة عن طريق الوساطة والمحسوبية أو السرقة المباشرة الأموال الدولة". ويتم تفريعه إلى فساد سياسي وفساد بيروقراطي أو إداري.
ـ 3 ـ
تختلف طرق التعاون الدولي في مكافحة الفساد ووسائله بحسب الميدان الذي تسعى إليه الدول المتعاونة، فيشمل المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. وهذا ما حفّز الباحث على تعريفه من منطلق زوايا مختلفة نوجزها فيما يلي:
ـ هو تحرك جماعي للأطراف الدولية المعنية به، سواء اشتركت دولتان أو أكثر في أعمال منظمة ومنسقة، لتحقيق نفع مشترك على مستوى مكافحة الجريمة والقبض على مرتكبها وتوقيع العقوبات الرادعة عليهم بما يتناسب وجسامة الجريمة المرتكبة.
ـ يتضمن هذا الجهد توحيد الإجراءات القضائية: ما تعلّق منها بالأدلة الجنائية أو الإدلاء بالشهادات وتبادل المعلومات والمساعدة القانونية المتبادلة.
ـ يقتضي هذا التعاون معالجة الثغرات الأمنية والقانونية الموجودة عبر التنسيق بين الأجهزة الأمنية والقضائية الدولية في محاربة الفساد.
ـ يشمل التعاون تبادل التجارب والخبرات الأمنية بين مختلف الدول.
رغم اقتناع جميع الدول بأن آلية التعاون الدولي هي الضمانة الرئيسية والأساسية في ملاحقة مرتكبي جرائم الفساد ورغم هذه النقاط المشتركة، يؤكد الباحث غياب التعريف الموحد والجامع للتعاون الدولي في مجال مكافحة الفساد ويرده إلى اتساع المجال الذي يمكن أن يتخذه هذا التعاون واختلاف طرق استخدامه وتطور أنماطه بالنظر إلى التحولات الاقتصادية المتسارعة. أضف إلى ذلك أنّ الأساس القانوني للتعاون الدولي في مكافحة الفساد يستند إلى عنصرين رئيسيين قد يتضاربان هما النصوص التشريعية الوطنية والاتفاقيات الثنائية أو الإقليمية أو الجماعية المبرمة.
ـ 4 ـ
يهدف لملتجئون للفساد إلى تحقيق المصالح الخاصة وضمان مكتسبات غير مستحقة. وعليه فهو إجراء يحول دون تثمين الكفاءة والجدارة والتنافس النزيه عرضا وطلبا. ويعطّل بالنتيجة قيام اقتصاد سليم قائم على العدالة الجبائية المنصفة، فضلا عن عواقبه النفسية المدمرة للأفراد الذين يحرمون من حقوقهم في العدالة الاجتماعية والاقتصادية له عواقب وخيمة على المشاريع التنموية والاقتصادية. فتهريب الأموال المنهوبة إلى الخارج يمثل استنزافا لاحتياطاتها من العملة الصعبة. ومن هنا تتأكد أهمية ضبط منظومة ناجعة وطنيا ودوليا لاسترداد العائدات الإجرامية، وإرجاعها إلى أصحابها الشرعيين.
ولهذا تُلزم اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد 2003 الدول الأعضاء بضرورة التعاون لمكافحة الفساد حاثة إيّاها على تبادل المساعدات اللازمة لكشفها ومنع حدوثها وعلى البحث عن حلول متبادلة بين المجموعة الدولية تتلاءم مع خطورة جرائم الفساد عالميا. ويتخذ التعاون الدولي لمكافحة الفساد عدة صيغ، منها نظام الإنابة القضائية الدولية الذي يعرفه الباحث بكونه "شكلا من أشكال التعاون القضائي بين الدولة المنابة للجهاز القضائي في الدولة المنيبة يمارس وفق ضوابط وشروط موضوعية وإجرائية". ومنها تمتيع الدولة الطالبة بحقها في محاكمة المتهم وتنفيذ الحكم الصادر بإدانته، وحق الدولة المطلوب إليها في المحافظة على أمنها واستقرارها.
رغم اقتناع جميع الدول بأن آلية التعاون الدولي هي الضمانة الرئيسية والأساسية في ملاحقة مرتكبي جرائم الفساد ورغم هذه النقاط المشتركة، يؤكد الباحث غياب التعريف الموحد والجامع للتعاون الدولي في مجال مكافحة الفساد ويرده إلى اتساع المجال الذي يمكن أن يتخذه هذا التعاون واختلاف طرق استخدامه وتطور أنماطه بالنظر إلى التحولات الاقتصادية المتسارعة.يكون تسليم المجرمين بناء على اتفاقيات ثنائية بين الدولتين المعنيتين بالتسليم، على أن تتم هذه المساعدة وهذا التعاون بصورة سريعة وفعالة. عبر تسهيل إجراءات البحث والتحري والتحقيق في جرائم الفساد الدولي والرشوة الدولية، والجرائم الاقتصادية.
ولكن هذه الاتفاقيات وحزم القوانين المختلفة تواجه تحديات كثيرة تحول دون تفعيلها ميدانيا على الوجه الأكمل. ويتعلّق أهمها بالعراقيل التشريعية التي تؤثر على نجاح عملية التعاون الدولي في مواجهة الفساد،كاختلاف الأنظمة القانونية أو الأنظمة الإجرائية.
ـ 5 ـ
ما يعني المواطن العربي أكثر من إجراءات مكافحة الفساد اتفاقية الأمم المتحدة لعام 2003. فمادتها الأولى تحدد أغراضها في ثلاث نقاط، هي :
"أ ـ ترويج وتدعيم التدابير[كذا] الرامية إلى منع ومكافحة الفساد بصورة أكفأ وأنجع،
بـ ـ ترويج وتيسير ودعم التعاون الدولي والمساعدة التقنية في مجال منع ومكافحة الفساد، بما في ذلك في مجال استرداد الموجودات
ت ـ تعزيز النزاهة والمساءلة والإدارة السليمة للشؤون العمومية والممتلكات العمومية".
ومأتى أهمية هذه الاتفاقية في كونها ملزمة لجميع أعضائها الموقعة عليها ويبلغ عددها 187 دولة. ولنا أن نضيف إلى ذلك، اتفاقية الإتحاد الإفريقي لمنع الفساد ومكافحته 2003 التي تسعى إلى دعم جهود القارة الإفريقية في مجال مكافحة هذه الظاهرة المسؤولة إلى حدّ كبير على حالة الفقر التي تعيشها القارة أو الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد العام 2010. فتكاد هذه الاتفاقيات تتشابه من جهة إستراتيجيات مكافحة الفساد والبحث عن تعزيز التعاون الدولي، باستثناء بعض الفوارق القانونية الشكلية البسيطة. وهذا ما يؤكد أن التحدي الأكبر لمقاومة الفساد ليس قانونيا وإنما هو إجرائي يتعلّق بانعدام الشفافية، وغياب الوعي المجتمعي بضرورة القضاء عليه. أمّا الآليات فمتوفرة. ولا تحتاج إلاّ من يفعّلها.
ـ 6 ـ
ينتهي الباحث إلى تقديم حزمة من التوصيات والحلول من أجل تعاون أجدى لمكافحة الفساد دوليا. منها ضرورة توحيد الجهود الدولية ومضاعفة أساليب التعاون الدولي، خصوصا ما يتعلق باسترداد العائدات الإجرامية. ومنها إعادة النظر في نصوص الاتفاقيات الدولية التي تحتوي على قيود وعراقيل تقف حائلا أمام إتمام وإكمال عمليات التعاون القضائي، وذلك بتعديلها والتوسيع من نطاق المساعدة القانونية المتبادلة ووضع التشريعات الجادة والفعالة ومعالجة الصعوبات والعراقيل التي تواجه نجاح عمليات التعاون الدولي. وهذا يقتضي التزام جميع الأطراف في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المعنية بمكافحة الفساد والانخراط فيها بالتنفيذ الأمين لأحكامها وقراراتها.
وما يحسب له دعوته لإنشاء محاكم دولية متخصصة بمكافحة الفساد. ويستند في ذلك إلى أطروحة ترى أن جرائم الفساد لا تقل خطورة عن الجرائم الدولية وأن أمواله كثيرا ما تستغل في ارتكاب جرائم أخرى كتمويل الإرهاب وغسيل الأموال والاتجار بالأسلحة والمخدرات وغيرها من الجرائم. ويشدد على ضرورة استقلالية الهيئات والمؤسسات الدولية المعنية بمكافحة ظاهرة الفساد الاستقلالية التامة والكاملة. ويتحقّق ذلك بتحييد السياسيين وإعفائهم من تعيين أعضائها.
ـ 7 ـ
يطرح الباحث المسألة التعاون الدولي لمكافحة الفساد من زاوية قانونية شكلية صرف. وهذا الإجراء مفروض من مستوى منهجي وأكاديمي. ولكن عمليا تبقى المسألة محاطة بكثير من النفاق الدولي وغياب الجهود المخلصة. فسياسيا كثيرا ما تُعتمد قضايا الفساد لتصفية الحسابات بين الخصوم لإزاحتهم والتخلص منهم. فباسمه تتم الانقلابات السياسية. وشعار الانقلابيين جميعا هو التصدي للفساد المستشري في البلاد، بصرف النّظر عن وجوده فعليا من عدمه. وغالبا ما تؤسس هذه الانقلابات لفساد أكبر.
وعمليا أيضا، لا يكون التعريف القانوني الشكلي للفساد ولطرق مقاومته مجديا كثيرا. فوجود عدد كبير من الفاسدين على رأس المؤسسات والمنظمات والحكومات، وقد أثبتت المحاكمات تورطهم، يعطل القوانين ويجرّدها من جوهرها. أما التعقيدات الإدارية والقضائية الكثيرة، فقد أثبتت الوقائع أنها تعطل استرجاع الأموال المنهوبة وتفرّط في حقوق الدول والشعوب وتخدم الدول التي تودع عندها هذه الأموال على حسابها تحت عنوان حماية حقوق الأفراد المتهمين. والتجربة التونسية في محاولة استعادة هذه الأموال خير دليل. فلهذه التعقيدات أضاعت الدولة التونسية الوقت وأنفقت الأموال الكثيرة بلا جدوى، وأكثر من ذلك أصبحت المسألة رهانا يستغله السياسيون لتبرير تمسكهم بالسلطة.
ولا يخلو الخوض في المسألة من نفاق حقوقي. فالقيم النبيلة التي يدافع عنها بعض المدعين للنضال الحقوقي مثل احترام الحريات وحماية الممتلكات واحترام المعايير العالمية للعدالة تصبح من العناصر المعطلة. وبناء عليها يتم التأخير المتعمد في البت في قضايا الفساد، في انتظار تغيّر الظروف عساها تمنح الفرصة لعقد صفقة مع فاسدين جدد من رجال السياسة أو القضاء يصلون إلى مراكز القرار.
إضافة إلى ذلك فإن فكرة استقلالية الهيئات والمؤسسات الدولية المعنية بمكافحة ظاهرة الفساد الاستقلالية التامة لا تخلو من نبل. ولكن التجربة التونسية التي ننطلق منها لمناقشة هذا الكتاب تثبت أنها سلاح ذو حدين. فقد تحولت هذه الهيئات إلى دويلات مستقلة متمردة على القوانين، تحدد امتيازاتها بنفسها وتشبع جشعها إلى المال العام . صحيح أن استقلالها لا يحول دون محاسبتها. ولكن هذه المحاسبة تكون داخلية يحكمها منطق التضامن القطاعي وهاجس غلق الملفات وتجاوزها بكثير من المجاملات.
إذن ليست مقاومة الفساد مسألة قضائية شكلية فحسب ولا هي سياسية بالأساس. والاكتفاء بهذين العاملين دون اعتماد معيار الأخلاق يجعل منها بابا واسعا يتسرب منه الفساد إلى الحياة العامة ضمن حالة الزيف التي أصابت القيم جميعا في عصرنا الحالي. ولكن الإشكال هنا أي أخلاق نعتمد ومن هذا "الأخلاقي" الذي سيمنح صلاحية الحكم على الآخرين؟
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب المانيا كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدولی فی مکافحة الفساد للتعاون الدولی فی التعاون الدولی فی الدولیة المعنیة لمکافحة الفساد الدولی فی مجال فی مجال مکافحة جرائم الفساد هذا التعاون
إقرأ أيضاً:
قراءة في كتاب: "محافظة سراة عبيدة".. تاريخ وحضارة عادات وتقاليد
أنجز الباحث: سعيد بن سعد آل سحيم، كتابًا حافلًا عن إحدى محافظات منطقة عسير بعنوان: "محافظة سراة عبيدة.. تاريخ وحضارة عادات وتقاليد".
وجاء الكتاب الصادر عن مطابع الحميضي بالرياض في 404 صفحات مقسمة على ستة أبواب هي: تاريخ وجغرافية محافظة سراة عبيدة والمراكز التابعة لها، وسكانها، ومسيرة الحياة التعليمية بمختلف مراحلها، والصحة في محافظة سراة عبيدة، ولمحة عن ماضي المحافظة وتراثها الشعبي، والعادات الاجتماعية لأهلها في الماضي والحاضر.
واستهل الباحث كتابه بنبذة عن "محافظة سراة عبيدة"، مبينًا أنها تقع في منطقة عسير شمالًا من محافظة ظهران الجنوب، وتعد (قرية البُوطة) مركز تحضرها، وقد أنشأت الإمارة فيها عام 1367هـ على وجه التقريب، وتحيط بالمحافظة عدد من القرى والسهول الزراعية.
وأشار الباحث إلى اشتراك "محافظة سراة عبيدة" مع عدد من محافظات ومدن منطقة عسير في الحدود الإدارية مثل: ظهران الجنوب، وأحد رفيدة، وأبها، معددًا أهم الأودية التي تخترق "محافظة سراة عبيدة"، ومنها: أودية الجوف، وخضار، والعمل، ورغد، والسّروي، ووادي آل بسام، والصحن، والأبيض، وثربة، وعمق، والفرحة، ومن الجبال: أبو كفية، ومسحر، وجبل عين اللوي، والظاهر، وإفقه، وصقر، والصديات، وظلم، وقرضان، والطنبر، وأبا الأصابع، وسلسلة جبال المجاز، والخطام، والجوف، وهرون.
وتمثل "محافظة سراة عبيدة" أحد الأجزاء الهامة في ( منطقة عسير )، وهي من المحطّات القديمة الواقعة بين منطقتي الحجاز واليمن، كما أنها كانت محطًا للقوافل التجارية، وقوافل الحجاج القادمين من اليمن، بالإضافة إلى أن أهالي المحافظة يعتبرون من أهل رؤوس الأموال، سواء في الفترة الماضية التي سبقت العهد السعودي الزاهر، أو في الفترة الحالية، والتجارة من أهم المجالات التي كان يزاولها أبناء المنطقة، ومن ذلك تجارة قوافل الحبوب بأنواعها من وإلى اليمن والتنقل وتسويق تجارتهم في الأسواق القائمة في منطقة عسير، ومنطقة مكة المكرمة، كما أنهم كانوا يمارسون الزراعة، التي هي مصدر الرزق الأساسي لأبناء المحافظة في الماضي.
وكانت التجارة في "سراة عبيدة" عبر طرق بريّة، تربط قرى السّراة ببعضها، وطرق أخرى تربطها مع المناطق المجاورة لها في الحجاز واليمن وغيرها، وكانت وسائل النقل في ذلك الوقت هي الجمال، كما لا توجد قرية إلا ويربطها طريق يصلها بالمناطق المحيطة بها، ويدل على ذلك آثار تلك الطرق القديمة؛ التي كانت تستخدم للسير على الأقدام ومرور المواشي والحيوانات، وتعرف الطرق الداخلية، التي تربط أجزاء القرى بعضها عند سكان "سراة عبيدة" ب (العادة)، وتسمى (عادة خف)، أو (عادة دابة)؛ ومثل هذه الطرق توثق في وثائق يحتفظ بها، فلا تفتح عادة إلا وفق أمور معينة معروفة عند الجميع تثبت أحقية تلك العادة وشرعيتها.
أما الطرق الأخرى، فهي الطرق الخارجية، وهذه تربط المنطقة بالمناطق الأخرى، وتعرف بالطرق التجارية؛ ومن أهمها الطريق الذي يربط أبها بظهران الجنوب، والذي سماه الرّحالة "نواليس" (طريق السلطان)، ومن خلاله تمر القوافل إلى اليمن والحجاز، وكانوا يُسوّقون سلعهم في الأسواق الأسبوعية المشهورة مثل: سوق خميس مشيط، وسوقي الأربعاء في قرية الروشن وخميس نمران في بيشة، وسوق الثلاثاء في أبها، وسوق المحافظة نفسها المشهور بـ "خميس عبيدة" وغيرها، وكانت معروضاتهم في ذلك الوقت المواشي بأنواعها، وبعض المنتجات المحلية، مثل: السمن، والزبد، والحبوب بأنواعها، والتمور، والفواكه، والخضروات، وبعض البضائع المستوردة مثل: القماش والهيل والبُن الذي كان يجلب من اليمن وكذلك البنادق، والرصاص، والخناجر، والسيوف)، وكانت طريق البيع تتم بالمساومة، ثم البيع والشراء، أما الحرف المهنية مثل: النجارة والصناعة وغيرها؛ فلم تكن من عروض التجارة لديهم، ولكن كان هناك أناس مشتهرون بصناعة ما يلزم للسكان مقابل أجور يتفق عليها بعد توفير المواد الخام لذلك.
وعدّد الباحث أهم الآثار في "محافظة سراة عبيدة"، ومنها: النقوش والرسوم الصخرية، وطريق الفيل، وموضع صنان الأثري، وقرية آل الخلف ويقدر عمرها بخمسة قرون، وموضع الهجلة ويتكون من أطلال قصر قديم، إضافة إلى عدد من الأبراج المبنية من الطين، وموضع العسران ويغلب على تلاله اللون الرمادي، وقد عثر فيه على مجموعة من الأدوات الصوانية، وعلى ما يربو من 30 منشأة حجرية دائرية، ويرجّح أنها تعود إلى العصر الحجري الحديث.
يذكر أن "سراة عبيدة"، من المحافظات المصنّفة على فئة (أ)، وسميت باسم القبائل التي تقطنها حتى هذا اليوم، وتتمتع المحافظة بجميع الخدمات الحكومية الضرورية من تعليم، وصحة، وكهرباء، وهاتف، وماء، وطرق، وجهات أمنية، وبلدية، وزراعية، ومؤسسات أهلية تناسب توسع المحافظة وتطورها وكثرة سكانها