روني كاسريلز.. حان الوقت لتغيير حق الفيتو الذي يحمي إسرائيل
تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT
أوضح القيادي في حركة تحرير جنوب أفريقيا روني كاسريلز -يهودي الديانة وينتمي لبيض جنوب أفريقيا– أن إسرائيل تنشر الخراب في المنطقة، ليس فقط بارتكابها جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، ولكن بهجومها على لبنان ودخول أراضيه، والاعتداءات المتكررة على سوريا والعراق واليمن، وأن السبيل الوحيد لوقف هذا الخراب هو حرمان الآلة العسكرية لإسرائيل من الأسلحة التي تقدمها لها الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة ودول أخرى تساعد إسرائيل على ارتكاب هذه الجرائم.
وأضاف أن السبيل لوقف تدفق الأسلحة على إسرائيل يمر عبر الأمم المتحدة التي تتعامل معها واشنطن وتل أبيب بشكل مهين، مشيرا إلى أن تلك الخطوة هي مسؤولية المجتمع الدولي بأسره لانتهاك هذه الدول للقانون الدولي وحقوق الإنسان والقرارات الدولية كافة.
وبشأن فرص فرض عقوبات ملزمة على إسرائيل لجرائمها في ضوء الحصانة والحماية التي تحظى بها من الدول الغربية، أكد كاسريلز أنها مسألة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة، مشيرا إلى ما وصفه بنفاق الدول الغربية التي تحتشد لدعم أوكرانيا، في حين تدعم دولة عدوانية مثل إسرائيل.
وردا على سؤال افتراضي عما إذا كان له أن يعود بالزمن لكي يختار محاربة أي النظامين العنصريين في جنوب أفريقيا أم ذلك الذي في إسرائيل، قال كاسريلز "أنا جنوب أفريقي من أصل يهودي ولكني لست صهيونيا، وأرفض تلك الوصفة الصهيونية من أن معاداة السامية هي أمر متأصل في الإنسانية، كما أن طريقة التعامل مع أي شكل من أشكال العنصرية تتلخص في النضال ضده، مثلما فعلت أنا بانضمامي لحركة التحرر الوطني من أجل الديمقراطية في جنوب أفريقيا، وهو ما يفعله اليهود الصالحون المناهضون للصهيونية الذين يرفضون الذهاب إلى مستوطنة استعمارية صهيونية أقيمت على أرض انتزعت من شعبها الأصلي"، وأوضح أن ذلك هو الذي يدفعه -مع كثير من اليهود- إلى التضامن مع الشعب الفلسطيني، وأن الأمر لا يتعلق باختيار أي النظامين كان سيختاره للتصدي له.
إعلانوأعرب كاسريلز عن امتنانه لأجداده الذين اختاروا الهجرة من ليتوانيا في أوروبا إلى جنوب أفريقيا، وليس إلى فلسطين كي يحلوا محل أهلها. وقال كاسريلز أن أبويه ربياه على احترام الآخر حتى وإن كان مختلفا عنهم، وهو الذي ساعده على التمرد على نظام الفصل العنصري في العشرين من عمره، وعلى انضمامه إلى حركة المؤتمر الوطني الأفريقي للتحرر والحزب الشيوعي، وجعله مؤيدا للحقوق المطلقة للشعب الفلسطيني.
وبخصوص خطاب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن في مجلس الشيوخ -عندما كان عضوا فيه عام 1986- الذي انتقد فيه بعنف حكومته بسبب تقاعسها بشأن ما وصفه بالنظام العنصري الأبيض المثير للاشمئزاز في جنوب أفريقيا، كما وصف حكومته بأنها تفتقر إلى العمود الفقري الأخلاقي، وأكد ضرورة أن تنحاز واشنطن للسود المقموعين، ثم بعد 38 عاما، يقف بايدن رئيسا وهو يدعم بشكل مطلق الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وصف كاسريلز الرئيس الأميركي بالانتهازية والنفاق حتى عندما كان يتحدث مدافعا عن السود في جنوب أفريقيا.
بايدن انتهازي مطلق وطالما تنفس كذباوكشف كاسريلز عن واقعة سبقت خطابه عام 1986، إذ كذب خلالها بايدن كذبا واضحا عندما ادعى أنه في زيارة سابقة لجنوب أفريقيا تم القبض عليه بسبب أنشطته المناهضة للفصل العنصري، وقد ثبت لنا فيما بعد أن تلك الحادثة لم تقع قط، وإنما كانت كذبة لتعزيز مكانته بدافع من انتهازيته، وهو ما تكرر على مدار مسيرته المهنية، واصفا الرئيس الأميركي بأنه عار مطلق على البشرية هو ونخبته الذين يحكمون الولايات المتحدة. وأضاف أن الإبادة الجماعية ترتكبها إسرائيل بذخائر الموت والأموال التي توفرها الولايات المتحدة، مؤكدا أنه يحتقر هذا الرجل الذي يضر بالشعب الأميركي وبالإنسانية.
إعلانوحول إمكانية التوصل إلى حل تفاوضي بشأن وطن للفلسطينيين على غرار ما حدث في جنوب أفريقيا بالرغم من خطورة جرائم إسرائيل، قال كاسريلز "لقد كنا نناضل من أجل دولة ديمقراطية موحدة، وليس للوصول إلى تسوية تفاوضية مع قوة استعمارية حاكمة، وكان هذا يعني إنهاء سيطرتها السياسية على البلاد والقبول بدولة واحدة ديمقراطية يتساوى فيها الجميع، وهو السبيل الوحيد لحل القضية الفلسطينية لتكون فلسطين دولة من النهر إلى البحر لجميع مواطنيها، بغض النظر عن كونهم يهودا أو عربا أو مسيحيين أو مسلمين، وأن من يرفض هذا الحل من اليهود عليه الرحيل".
وأكد الرجل أن الجميع في جنوب أفريقيا، حكومة وحزبا، على مستوى القيادات والقواعد داعمون لمقاومة إسرائيل الصهيونية والولايات المتحدة.
وفي ما يتعلق بقواعد الحرب واتفاقية جنيف للأمم المتحدة، أكد كاسريلز أنه منذ القرن السابع "سنجد أن الإسلام ونبيه محمد الزعيم والقائد العسكري ورجل الدولة قد وضع تعاليم صارمة حول كيفية التعامل مع العدو من تحريم قتل النساء والأطفال والجرحى وحرمة الأماكن الدينية، مشيرا إلى الاختلاف المذهل عند مقارنة تلك التعاليم بقانون إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا النازية وبريطانيا للحرب، وهو ما يفسر لماذا لا يرون ما ترتكبه إسرائيل الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة كلها من جرائم، مخلفة بذلك الخراب والحرب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی جنوب أفریقیا
إقرأ أيضاً:
الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
يأخذك الحديث وأنت تتأمل فيلم غيوم لمُزنة المسافر إلى التطور الفني والموضوعي في تجربتها، موضوعا التعددية الثقافية والعرقية في المجتمع العماني كمصدر ثراء غني، تتجه إليه مزنة في استقصائها الطويل، مزيلة وهم ما يفصل بيننا، عبر البحث عن ما يجمع بيننا ويأتلف في نسيج اجتماعي واحد. عبر هذا الثراء العرقي واللغوي نخلق تجانسنا الحقيقي، التجانس المميز لمجتمعنا منذ جذوره التاريخية البعيدة. فنيا يشكل فيلم غيوم تحولا نوعيا تخرج به مزنة عن الطرح الأفقي للتجربة، عن أحكام البداية فتتسلسل الأحداث وصولا إلى نهايتها. فيلم غيوم يخرج عن القوالب التقليدية في السينما منحازا إلى شاعريتها، الغائب والماضي والمفقود هم من يشكل وهج الأحداث، ويدفع بشخوصه إلى المحبة والأسى والفراق والندم، محكومة بالماضي الذي تسدل ظلال أحداثه على الحاضر والمستقبل معا. فنيا ينحاز السيناريو إلى الصورة السينمائية عنه إلى الحوار، الصورة خاصة في تجسيدها المباشر لملامح شخوص الفيلم، قادرة حقا على نقل عواطفهم واختلاجات قلوبهم، سينمائيا تضفي هذه اللغة الجمال السينمائي، الذي تريد مزنة إيصاله إلينا، ما لا يستطيع الحوار نقله عبر السينما.
اختيار مُزنة لطرح تجربتها جبال ظفار، عائدة بنا إلى عام ١٩٧٨م، أي بعد ثلاثة أعوام من نهاية حرب الجبل بعد حرب طويلة استمرّت عشرة أعوام. هذه الحرب هي الماضي الذي يثقل أرواح رعاة الجبل، الماضي الذي يسدل على الحياة مشاعر الفقدان والخوف من عودة الحرب ثانية. الحرب التي تركت في كل منزل قتيلًا، أو قريبًا لقتيل، أحرقت المراعي وفتكت بالإبل مصدر حياة سكانه، والأثقل أنها تركت روح الفرقة بين أبناء الجبل، نظرا لتغير مواقفهم من موقع إلى آخر، ذلك ما نقرأ ثقله في حياة بطل الفيلم دبلان الذي يتحول بعد الحرب إلى رجل منطو على نفسه، يرفض مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم ويقضي معظم وقته في العناية ببندقيته، وملئها بالرصاص حتى تكون جاهزة للقضاء على النمر في أي وقت تتكرر عودة الحرب ثانية إلى جبال ظفار.
مزنة في هذا الفيلم العميق والشاعري في آن تبتعد عن تقديم الرصاص والقصف والقتلى، كما أن المرأة القتيلة لم تظهر في الفيلم أبدا، رغم ظهور ذكراها المتواصل، كهاجس يومي يلازم حياة الأب وابنه عمر وابنته سلمى، المرأة ومقتلها الغامض هي السر المكتوم في الفيلم، ابنها عمر كل ليلة ينام في حضن أخته الكبرى، متخيلا والدته تنام على سحابة بعيدة في السماء، يراقب أباه يوميا أثناء تنظيف وتعمير بندقيته، محاولا أكثر من مرة خطفها منه، دون أن يتبين لنا السبب المباشر لذلك، حتى نجاح اختطافه البندقية في مشهد سينمائي أخاذ، يوجّه فيه عمر البندقية إلى صدر أبيه طالبا منه فك لغز اختفاء أمه، تكون الفرصة مؤاتية آنذاك للأب للاعتراف لابنه وابنته أن الأم قد توفيت برصاصة طائشة أثناء معارك الجبل، دون أن يحدد من أي طرف جاءت الرصاصة، ذكاء مزنة يوقف التجربة برمتها أمام تقييم جديد يكشفه التاريخ في مستقبل الأيام، والوقت ما زال باكرا لإدانة طرف ضد آخر، فقط الخوف من عودة الحرب ثانية، هي النمر الذي يستعد دبلان يوميا لمواجهته. وأخيرا لتعليم ابنه طريقة استخدام البندقية لقتل النمر وحش الحرب قبل وصوله إلى الجبال.
مصدر إيحاء غيوم هي مجموعة من الصور الوثائقية التقطها والدها الفنان موسى المسافر، الذي دون شك عاصر مرارة تلك الأحداث، تكشف لنا جانبا مهما من حياة أبناء الجبل في ظفار أثناء الحرب وبعد انتهائها. من تلك الصور الوثائقية استمدت مزنة هذا الإلهام المتدفق، وصاغت سيناريو فيلم غيوم، الذي يأتي ليس لإدانة طرف دون آخر، بل لإدانة الحروب البشرية برمتها، ذلك لأنها نظرت لنتائجها الوخيمة في عيني دبلان رب العائلة الذي مع خروجه حيا منها إلا أنه خرج مهزوما فاقد القدرة على الحياة، معذبا بالماضي الذي قدمته مزنة كنمر يفترس كل ما أمامه دون تمييز ورحمة.
مزنة تعي جيدا آثار الحروب على تغيير العلاقات الاجتماعية بين البشر، العلاقة بين دبلان وشيخ القبيلة بعد الحرب، ليست هي العلاقة إياها قبل الحرب، يتقدم شيخ القبيلة المتقدم في العمر لخطبة سلمى صبية دبلان، المرتبطة بعلاقة عاطفية مع سالم الصبي الجبلي من جيلها. يقف دبلان وهو راعي الإبل الجبلي موقفا متقدما عندما يرفض تزويج ابنته شيخ القبيلة الثري، مزوجا إياها الصبي الفقير مع مباركة الأب له بحبات من شجرة اللبان الأسطورية والتي تصل محبة أبناء الجبل لها إلى درجة التقديس، نظرا لارتباط استخدامها بطقوس دينية في معابد الأديان الهندية بل وفي معابد الأديان السماوية قديما.
الفيلم ناطق بالشحرية لغة رعاة الجبال بظفار، كان ذلك ضروريا، هذا ما أدركته مزنة، منذ بداية اشتغالها على المشهد السينمائي العماني، بما يحمله من تنوع عرقي وثقافي أخاذ منذ قديم الزمان. قبلها قدمت فيلم شولو الناطق بالسواحيلية وفيلم بشك الوثائقي الناطق بالبلوشية. هي السينمائية التي لا تعترف بفوارق وهمية بين أبناء الوطن الواحد، القادرة على اكتشاف النسيج الاجتماعي المخفي، الرابط أبناءه روحيا على أرض واحدة، وتحت سماء واحدة.
فيلم تشولو، تناقش مُزنة فيه تجربة الانتماء الوطني والحنين إلى الجذور البعيدة خلف البحار، تدور أحداثه في زنجبار، موطن أساسي لهجرة العمانيين عبر التاريخ لقرون مضت، يستقبل تشولو الصبي أخاه عبدالله القادم من عُمان، يعيشان معا توافق البحث عن جذورهم المشتركة، يتعرضان للاعتداء من رجال أفارقة بسبب انتماء عبدالله العربي الواضح في لونه، تتراءى عمان وطنا بعيدا مجهولا لتشولو، أرضا سحرية لن يعود إليها أبدا، يعود عبدالله مع أبيه ويظل تشولو ينظر إلى البحر، إلى السفن وهي تبحر عائدة إلى عمان التي لن يراها أبدا، هكذا تتكرر تجربة الماضي الساكن كقيد يرتبط به المرؤ. ولكن بشكل إيجابي في تشولو عنه في غيوم، مزنة تتجاوز تجربة الحنين النوستالجي إلى الماضي، في الفيلمين تنظر إلى الماضي كقيد يجب علينا كسره والانطلاق إلى المستقبل دون الالتفات إليه. خاصة في مرارة أحداثه كما هو في فيلم غيوم، حيث يبقى الدم الأفريقي العماني المشترك، تجربة حضارة مشتركة أيضا، تغذي النسيج الاجتماعي العماني بخصوبة العطاء في فيلم تشولو، أي أنها تنطلق من الإيجابي في ثراء الوجود العماني بشرق إفريقيا، الثراء الذي دفع بالأفارقة إلى ما هو مثمر، حيث حمل العمانيون معهم الأساليب الحديثة في الزراعة، وارتياد آفاق العمل التجاري، ونشر الدين الإسلامي وغيرها من الدلائل الحضارية المهمة، التي تؤكد إيجابية وجودهم المبكر في شرق إفريقيا. وحش الماضي الذي يصوب له دبلان وابنه عمر البندقية لمواجهته، يحتفظ له تشولو وأخيه عبدالله بمئة قطعة من المندازي الذي خبزته لهما جدتهم الإفريقية، يحشوان فم النمر المفترس بها حتى لا يكون قادرا على افتراسهما معا. ذلك دون شك مشهد طفولي ساحر يؤكد وحدة الأخوين ضد وحش الحرب المأساوية بين العمانيين والأفارقة، أي من المحبة المشتركة بينهما نخلق إمكانية التعايش المشترك والوحش الذي يطعمه الطفلان العماني والأفريقي المندازي، هي الحرب التي خلقت روح الكراهية بينهما، وآن لنا جميعا طي صفحاتها الدموية، نحو خلق عالم أجمل لأجيالنا القادمة.
مُزنة التي جاءت بعد ستين عاما على مأساة خروج العمانيين من شرق إفريقيا بطريقة مأساوية فقد فيها العمانيون الآلاف من أبنائهم ثم أنها جاءت بعد خمسين عاما أيضا بعد نهاية حرب الجبل بظفار، تنصت إلى أوراق التاريخ التي تحفظ لنا ما فقد وتم نسيانه، مؤهلة حقا للذهاب أبعد مستقبلا، نحو تقديم تجارب العطاء العماني المتدفق عبر التاريخ، ورفد السينما العمانية الناشئة بلغة شاعرية متميزة، ذلك حقا جوهر الفن الطليعي الجاد، يضيء كالنجوم ترشد المسافرين في ليل البحار إلى المجهول.
فيلم غيوم /روائي قصير /ناطق بالشحرية/ جائزة أفضل فيلم روائي قصير /المهرجان السينمائي الخليجي ٢٠٢٤م. إخراج مزنة المسافر.
فيلم تشولو/ روائي قصير/ ناطق بالسواحيلية /جائزة أفضل سيناريو /مهرجان أبوظبي السينمائي ٢٠١٤ م. إخراج مزنة المسافر.
سماء عيسى شاعر عُماني