انتشر مصطلح "المكوعون" في سوريا بكثرة بعد سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الحالي وفرار الرئيس المخلوع بشار الأسد إلى روسيا وسيطرة الثوار على العاصمة دمشق، فما قصة هذا المصطلح؟ ولماذا انتشر الآن؟
بداية يستعمل السوريون مصطلح "التكويع" أو "المكوعون" للمتحولين من جهة إلى جهة أخرى معاكسة ومخالفة تماما لما كانوا عليه بحسب الظرف والمنفعة الذاتية، والآن أطلقه السوريون على المؤيدين لنظام الرئيس المخلوع الأسد الذين تحولوا لتأييد الثورة السورية والحكومة الحالية في دمشق بالسرعة القصوى، حتى غدوا منافسين للثوار أنفسهم.
إذ تفاجأ مناصرو الثورة السورية بالتغير الكبير في مواقف مناصري ومؤيدي الأسد، وكيف تبدلت مواقفهم من التمجيد له إلى تعبيرهم عن فرحهم وسعادتهم بذهابه وزوال حكمه وانتقاده حتى إن بعضهم انهال عليه بالشتائم، رغم أنهم كانوا من أشد الداعمين له في حربه ضد الثورة السورية وضد الحاضنة الشعبية لها.
ترقبوا المُسلسل الإجتماعي الكوميدي القادم ”المُكَوِعون في الأرض“ ويتناول أحداثاً مأساويّة لمجموعة من الأشخاص، عديمي الذمة والضمير والأخلاق، ينتهي بهم المطاف أذلاء يشحذون التسامح والرحمة في مُجتمعٍ جديد#سوريا_الآن pic.twitter.com/annjCyq9fP
— Marios | Μάριος | ماريوس (@hakeemtarabulsi) December 16, 2024
إعلانوتعليقا على التبدل السريع في مواقف مؤيدي الأسد، قال مغردون "أطلق البعض مصطلحا جديدا على مجموعة من الكائنات الحية (المكوعون).. والذي يعني أولئك الذين غيروا اتجاههم 180 درجة".
لكن في الحقيقة هؤلاء الكائنات "هم من أخلص وأصدق الكائنات الحية على الإطلاق لأن موقفهم ثابت لا يتغير مهما تغيرت حولهم الأحداث، فهم يرفعون لافتة واضحة لكل الناس (أهلا بالرئيس الجديد.. نبايعك للأبد).. وهذه اللافتة صالحة للاستخدام في كل زمان ومكان".
الممثل عباس النوري (ابو عصام في باب الحارة) احد المقربين من بشار الاسد، يكوع ويعود معتذراً !
ماذا تقول له؟! pic.twitter.com/KFFlYXBSyL
— عمر مدنيه (@Omar_Madaniah) December 15, 2024
وكتب آخرون قائلين "المكوّعون، مصطلح رائع من اللهجة الشامية، يطلق على المتحولين بسرعة الصوت من طرف كان قائما فسقط إلى طرف كان مطاردا وملاحقا فتمكّن، "المكوع" فاشل في هذا الزمان الذي يسجل تفاصيل المواقف لكل فرد".
المكوّعون .. استثمار ناجح لأيّ دكتاتور
— Tarek Dughim (@tarekdughim) December 11, 2024
وعن خداع بشار الأسد لداعميه ومؤيديه، وجه ناشطون رسالة إلى هؤلاء بالقول إلى "المكوّعون"، من السوريين والعرب، "تتفقون على عبارة "كنّا مخدوعين". إن كان شخص غبي مثل بشار الأسد خدعك، فأنت أشد غباء، فبشار الأسد لم يخدعكم.. أصلا لم تكن لديه لغة عربية مفهومة ليدافع بها عن نفسه، فبأي لغة خدعكم؟ بشار الأسد لم يخدعكم سوى بهروبه السريع الذي لم يتح لكم ركوب خطّ الرجعة.. فخطّ ذهابكم كان أطول من ليل مجزرة".
بعد نجاح ثورة، ينكشف المنافقون.
الذين يهتفون للزعيم ويصفقون له بالأمس صاروا يهتفون للثورة اليوم. يغيض هذا النفاق الثوّار ويسعون إلى "كشفه" وملاحقة المنافقين وفضحهم وخلع أقنعتهم.
تقول مؤلفة كتاب "في الثورة" أن تصيّد المنافقين هذا خطير جدا على مصير الثورات، لأن كل مواطن يظهر في…
— سلطان العامر (@sultaan_1) December 11, 2024
إعلانوأضاف آخرون يتحجج "المكوعون" والرماديون والمؤيدون السابقون بعدم معرفتهم وسماعهم بسجن صيدنايا وسجون أخرى كتدمر وغيرها الكثير. منذ نعومة أظفارنا سمعنا بهذه الأماكن اللعينة والقصص الشفاهية التي رواها المعتقلون السابقون، لكنّهم لا يملكون شجاعة الاعتذار عن صمتهم وتأييدهم لنظام الأسد الساقط.
أطلق السوريون لقب "المكوّعون" على هذه الشريحة وصار النشر يوميا لكل المواقف (قبل وبعد)
الجميل في سوريا ان التشبيح كان علنياً ولذلك من السهل كشفه
— محمد المحمود (@Mo_almahmood) December 11, 2024
وعلق سوريون بالقول "نحكي الواقع، صحيح المكوّع رافع علم سوريا كولكة (مجاملة)… بس كمان تخيّل مشاعر الذل اللي عايشها!، علم، بقي يسبه يوميّا ويحارب فيه 13 سنة. واليوم رافعه ولابسه وحاطه على رأسه ومحاوطه بكل مكان حتى على صفحات الفيسبوك، اللي فيه كرامة وعزّة نفس، مهما كانت مواقفه ما بغيرها، هي الذلّة لحالها عقوبة".
والله في كوميديا رهيبة منقدر نستخرجها منهم ???????? #المكوّعون pic.twitter.com/oxETAd3d0v
— Abdulrahman Haddad (@abd_hmh) December 15, 2024
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات بشار الأسد
إقرأ أيضاً:
نجم الجبهة
لطالما كان للنجوم حضور قوي في الثقافة العربية، ولا تزال الكثير منها تحمل أسماء عربية حتى اليوم، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى في سورة الأنعام: "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ"، وارتبط العرب بالنجوم بشكل وثيق، فأطلقوا عليها أسماء ووصفوها بدقة، ولم يقتصر تأثيرها على علم الفلك وحسب، بل امتد أيضًا إلى الشعر والأدب، حيث تغنّى بها الشعراء وحيكت حولها الأساطير، مستخدمينها لرسم صور خيالية تربط بين النجوم وتوضح مواقعها في السماء ضمن حكايات وقصص مشوقة.
والنجم الذي نتحدث عنه اليوم هو نجم "الجبهة"، وهو أحد ألمع النجوم في كوكبة الأسد، ولقد سمي بالجبهة لأنه يقع في رأس هذه الكوكبة التي تخيلها العرب على شكل أسد، وهو في حقيقة الأمر ليس نجما مفردا وإنما نظام ثنائي مكوّن من نجمين يدوران حول بعضهما، وكلاهما من النوع العملاق البرتقالي.
يبدأ ظهوره في سماء سلطنة عمان، خلال أواخر فصل الشتاء وبداية الربيع، ويظل مرئيًا حتى منتصف الصيف، ويمكن رصده بعد غروب الشمس في الجهة الشرقية، حيث يرتفع تدريجيًا نحو السماء الجنوبية الشرقية مع تقدم الليل، وفي شهر مارس، يكون "الجبهة" مرئيًا بوضوح بعد الساعة 8 مساءً، ويصل إلى أعلى نقطة له في السماء حوالي منتصف الليل.
في التراث العربي، كان نجم "الجبهة" يُعتبر أحد منازل القمر ويُستخدم في التقويمات الزراعية لتحديد أوقات الزراعة والحصاد، ودخول "نوء الجبهة" كان يشير إلى بداية فصل الخريف وفقًا لحساب النجوم، حيث تتغير الظروف المناخية وتبدأ درجات الحرارة في الانخفاض، مما يؤثر على الأنشطة الزراعية، وقد ذكر القلقشندي في موسوعته المشهورة "صبح الأعشى في صناعة الإنشا" أن هذا النوء هو سبع ليال، ومما ذكره القلقشندي أيضا عن نوء "الجبهة" قال: "ثلاثة كواكب نيرة قد عدل أوسطها إلى الشرق، فهي لذلك على شكل مثلّث مستطيل القاعدة قصير الساقين، وإلى الجنوب عنها نجم أحمر مضيء جدّا يسمّى قلب الأسد يرسمه المنجمون في الاسطرلاب ، وأصحاب الصور يجعلون الجبهة على كتف الأسد".
وإذا أتينا إلى ذكر هذا النجم في أشعار العرب نجد أن كثيرا منهم ذكروه مرة مقترنا بكوكبة الأسد فيقولون "جبهة الأسد"، ومرة قرنوه مع النجوم الأخرى في السماء المرتبطة بالرفعة والعلو، فقد ورد في المنظومة الفلكية للملاح العماني أحمد بن ماجد فقال:
وجَبهةٌ وزُبرَةٌ والصرفه
ما في صفاتي قطُ لك حرفه
وبعدَهَا العَوَّاءُ والسمَاك
هُم آخرُ الشاميَّةِ الزواكي
ونجد الأديب العماني المبرد يذكر هذا النجم في قصيدة له من بحر الهزج فيقول:
وَخَبِّرني عَنِ السبت
وَسعمِ الحُرَّةِ الخَيفَق
وَما الجَبهَةِ في الكَوك
بِ ذي الرَجراجَةِ الفَيلَق
كما نجد للشاعر الأموي الكميت بن زيد الأسدي بيتا شعريا يقرن هذا النجم بكوكبة الأسد فقال:
بَانَتْ لَهُ الْعَقْرَبُ الْأُولَى بِشَرَّتِهَا
وَبلَّهُ مَعْ طُلُوعِ الْجَبْهَةِ الْأَسَدُ
وقد ذكر الأديب البارع أسامة بن منقذ الذي عاش في العصر الأيوبي في كتابه "المنازل والديار" أربعة أبيات للشاعر حفص الأموي يقول فيها:
يا ربع أين انتجع الحاضرُ
جادك نوء الجبهة الماطرُ
مالي أرى مغناك قفراً كأن
لم يلهُ في ساحته سامر
وهذا الفيلسوف محيي الدين بن عربي قد أورد ذكر هذا النجم في إحدى قصائده فقال:
نثرةُ الذابحِ للطرفِ رات
بلعاً يشكو كمينَ الحُرَق
جبهةُ السعد إذا ما زَبَرَتْ
علمها وسط خباءٍ أزرق
ونجد الشاعر ابن أبي حصينة الذي عاش في العصر الفاطمي يذكر هذا النجم فيقول:
فَلا الرَفدُ مَمنُوعٌ وَلا العَهدُ حائِلٌ
وَلا الفِعلُ مَذمُومٌ وَلا المَدحُ مَكذُوبُ
وَطالَت فَنالَت جَبهَةَ النَجمِ أُسرَةٌ
لَها نَسبٌ في الصالِحيِّينَ مَنسُوبُ
كما أن الشاعر أحمد بن شاهين القبرسي الذي عاش في العصر العثماني يذكر هذا النجم فيقول:
عجبت للشمس إذ حلَّت مؤثِّرةً
في جبهةٍ لم أخلها قطُّ في البشرِ
وإنما الجبهة الغرَّاء منزلةٌ
مختصةٌ في ذرى الأفلاك بالقمرِ
وإذا أتينا إلى الشعراء في العصر الحديث فنجد الكثير منهم ذكر هذا النجم، فهذا الشاعر اللبناني مصطفى الغلاييني يقول في نجم "الجبهة":
فَدانَتْ وكانت جَبْهَةَ اللَّيْثَِ مَنْعَةً
يُحَسدُها العَيُّوقُ يُخْفِقُ طالِبُه
أَتاهُمْ وَجَوُّ الأَمْرِ كاللَّيلِ مُظْلِمٌ
فَرَوَّعَهُمْ والخُلْفُ دَبَّت عَقارِبُه