قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله عز وجل قال فى كتابه الكريم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }. 

وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أن الله أمرنا أن نستعين بالصبر في حياتنا مع الآخرين، والصبر قد يكون صبرًا بالله، وقد يكون صبرًا مع الله، وقد يكون صبرًا لله، وقد يكون صبرًا عن الله والعياذ بالله.

إذًا فالصبر منه ممدوح ومنه مذموم. أما الذي هو ممدوح فالصبر في الله وبالله ولله، وأما الذي هو مذموم فالصبر عن الله.

يُنزل الله علينا المحن لا انتقامًا منا، فإنه يحبنا لأننا صنعته. هو ينظر إلينا وهو رءوف بنا، ولما خاطبنا قال: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حتى يطمئن روعاتنا ويؤمِّن خوفنا. فلما خاطبنا بهذا وتجلى علينا بالجمال، لم يورد عذابًا في القرآن إلا ومعه الرأفة والرحمة، ولم يتجلَّ بالجلال أبدًا إلا وقد كسا ذلك بالجمال. فإنه - سبحانه وتعالى - قد فتح لنا أبواب رحمته ونحن صنعته.

فينزل علينا المحن من أجل أن نتذكر، من أجل أن نرجع وأن نعود: {فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ}، من أجل الذكرى، فإن في الموت ذكرى. ولذلك يقول النبي ﷺ: "قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور - فقد أُذن لسيدنا محمد في زيارة قبر أمه - فزوروها فإنها تذكِّر بالآخرة". الذكرى وإن كانت مصيبة، وكذلك الكوارث التي تحدث من حولنا، فإنها تذكرنا بتقوى الله، وتذكرنا بالأمر والنهي، وتذكرنا بأنه يجب علينا أن نعبد الله كما أراد، وأن نعمر الأرض كما أراد، وأن نزكي النفس كما أراد.

يذكِّرنا بالدين، وبالصراط المستقيم. فالصبر عن الله هو أن تنزل بك المصيبة والمحنة فلا تلتفت ولا ترجع إلى رب العالمين، وهذه مصيبة كبرى وبلية عظمى. {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ} ولكن بالصبر في الله ولله وبالله. واستعينوا أيضًا بالصلاة، فإن الصلاة خير موضوع: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}.

وإن الصلاة صلة بين العبد وربه، وهي عماد الدين وذروة سنامه. وإن الصلاة فيها الخير كله، ولذلك أكَّد عليها رسول الله ﷺ. ولا ترى من يسجد لله رب العالمين في العالمين إلا المسلمين، فالحمد لله الذي جعلنا من المسلمين.

ثم تأتي الجائزة في آخر الآية، يقول الله فيها: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}. جعل الصابرين في المرتبة الأعلى، بحيث أدخلهم بعد (مع)، فعظم شأنهم. إذًا، كونوا من الصابرين ولكن لا تسألوا الله الصبر.

سيدنا رسول الله ﷺ سمع أحدهم وهو يقول: "اللهم أنزل عليَّ الصبر"، فقال: "سألته البلاء". لا تسألوا الله الصبر، فإذا نزل البلاء فاسألوا الله الصبر. نحن لا نسأل الله الصبر، بل نقول: "ألطف يا رب"، ولكن إذا نزل البلاء نقول: "اللهم اجعلنا من الصابرين ومع الصابرين".

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الصبر المحن الصراط المستقيم المزيد الله الصبر ا الله

إقرأ أيضاً:

جمعة: التغيير بين اختيار البشر وإرادة الله

تحدث الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق، عن مفهوم التغيير في حياة الإنسان، متسائلًا: "هل التغيير يأتي من البشر أم من المولى عز وجل؟" واستشهد بقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، مؤكدًا أن التغيير في حياة الإنسان يقع بين فعل البشر وإرادة الله.

التغيير البشري: مناطه الاختيار


أوضح جمعة أن التغيير البشري يبدأ من اختيار الإنسان للخير أو الشر. فالإنسان خُيّر بين النجدين، كما قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10]. فإذا اختار الخير وسار على نهج الله، زكت نفسه، وفتح الله له أبواب الخير. وأكد أن الإنسان مأمور بالسعي نحو الإيجابية، سواء في العبادة كالصلاة والزكاة، أو في السلوك كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

التغيير الإلهي: مناطه الخلق


أكد جمعة أن التغيير الذي يتم من الله تعالى يتجاوز قدرة البشر، لأنه متعلق بصفة الخلق والإيجاد. فإذا أظهر الإنسان استعدادًا للتغيير نحو الخير، تدخلت إرادة الله لتبديل حاله من الضعف إلى القوة، ومن الضيق إلى السعة.

نماذج من التغيير في تاريخ المسلمين


استشهد جمعة بحال المسلمين في مكة عند بداية الدعوة الإسلامية، إذ كان حالهم مليئًا بالصعوبات. ولكن عندما تمسكوا بالقيم الإيجابية، غيَّر الله حالهم وكتب لهم الأمن في الحبشة.

 ومن الحبشة، تطور حالهم إلى تأسيس دولة الإسلام في المدينة المنورة، حيث بدأوا مرحلة جديدة من القوة والفتوحات.

كما أشار إلى قصة الصحابي عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -، الذي ضرب مثالًا في الاجتهاد والتغيير الإيجابي. فعندما عرض عليه سعد بن الربيع - رضي الله عنه - جزءًا من ماله وممتلكاته، رفض وأصر على العمل في التجارة، حتى أصبح من أثرى الصحابة.

التغيير مسؤولية الإنسان وأمر من الله


اختتم الدكتور علي جمعة حديثه بأن الله أمرنا بالسعي نحو التغيير الإيجابي، وأنه كلما تقرب العبد إلى الله، أكرمه المولى بتغيير أحواله إلى الأفضل. ولفت إلى أن البصيرة التي يمنحها الله لعباده الصالحين هي وسيلة لفهم حكمة التغيير الإلهي في حياتهم.

وأكد أن التغيير يبدأ من الإنسان نفسه، فإذا أخلص النية لله وسعى نحو الخير، أعانه الله وغيّر حاله، مستشهدًا بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.

مقالات مشابهة

  • هل الملائكة وصالحو الجن يصلون مع البشر؟ خالد الجندي يجيب
  • هل التغيير يأتي من البشر أم من المولى عز وجل؟ ..علي جمعة يرد
  • جمعة: التغيير بين اختيار البشر وإرادة الله
  • لماذا يُكبّر المسلمون عند الفرح والسرور؟.. علي جمعة يوضح
  • عمر مرموش ضيف «صاحبة السعادة» غدا
  • لماذا نعى سيدنا رسول الله ﷺ الخوارج ؟.. علي جمعة يوضح
  • لماذا سيغيب وسام أبو علي عن مواجهة الجونة؟ طبيب الأهلي يجيب
  • لماذا تابع إلياس شوارف حساب الأهلي عبر إنستجرام؟.. مصدر يجيب
  • فعالية ثقافية في ذمار بمناسبة ذكرى جمعة رجب
  • رمضان عبد المعز: الرضا سر السعادة والله لا يقدر لعباده إلا الخير