أيامُ الناس في مِكناس (01)
تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT
بصراحة وجدت في نفسي شيئًا عندما خاطبني موظف الاستقبال في القنصلية المغربية بجدة قائلا: استرح يا حاج. وكنت قدَّمت أوراقي لطلب تأشيرة دخول للمغرب. لم أدرك أن الرجل كان يخاطبني بأفضل كلمات التقدير عندهم: “يا حاج”…
سمعت في الرباط من يخاطب الدكتور المحجوب بنسعيد: يا حاج، والمحجوب ذو فراسة وظنٍّ لا يخطئ، قال لي من غير أن أسأل: من يناديك في المغرب يا حاج فقد احترمك غاية الاحترام.
هذا فأل حسن، فقد جئت إلى المغرب لكي أشارك بندوة في مكناس ببحث فيه ذكر الحج والحجيج: (أدب النادرة بين الحقيقة والتخييل كما يمثله كتاب من طرائف الحجيج).
وصلت إلى مطار الملك محمد الخامس بالدار البيضاء بعد طيران سبع ساعات من مدينة جدة. خرجت من مبنى المطار وكنت أخشى برودة الطقس ونحن في شهر نوفمبر لكني فوجئت باعتدال الجو. سألت عن المسجد كي أصلي الفجر فدلوني على مصلى صغير عبارة عن سقيفة تكفي لصفين من المصلين، ورأيت حجرا موضوعًا في المقدمة عرفت أنه للتيمم. هذا أول انطباع عن هذه البلاد واعتدالها: اعتدال في الجو واعتدال في النموذج المغربي للتدين.
نسمع بالوسطية فنراها متجذرة هنا… ترى ذلك في لافتات الشوارع المكتوبة باللغتين العربية والأمازيغية بخطوط وضيئة غير مبهرة، متوسطة الأحجام لا هي بالكبيرة جدا ولا بالصغيرة، وتحس بذلك في المظهر العام في الشارع، وإن كنت ترى في الطرقات وسير العربات “سلوكات غير مسؤولة “.
ولعل قيام هذه الندوة عن (الفكاهة والضحك) من أقوى علامات الاعتدال.
عندما كنت أتفاكر مع الدكتور رضوان بوخالدي الأستاذ بجامعة مولاي إسماعيل في كيفية حضور الندوة كان في ذهني أن موضوعها موضوع انصرافي، ولا سيما في زمان الحرب والنزوح هذا. ولكن أليس زمان الحرب والنزوح أدعى للتنويع وكسر الرتابة أو بتعبير أحدهم: تعليل النفس ببعض الأنس.
في الجلسة الافتتاحية للندوة استشهد الدكتور مصطفى الغرافي بفقرة للطيب صالح من عرس الزين: “يولد الأطفال فيستقبلون الحياة بالصريخ، هذا هو المعروف. ولكن يُروى أن الزين، والعهدة على أمه والنساء اللائي حضرن ولادتها، أول ما مسَّ الأرض، انفجر ضاحكاً، وظل هكذا طوال حياته”.
تكلم الكثيرون عن أهمية الضحك، يستدلون عليها بأقوال الحكماء والفلاسفة: قال سيدنا علي بن أبي طالب: “من كانت فيه دعابة فقد برئ من الكبر”. ويكتب الدكتور محمد عفط في بحثه المقدم للندوة أن النوادر ميل طبيعي في الإنسان، وأن اللجوء إليها يتوافق مع الطبيعة الإنسانية التي لا تقبل قسرها على نمط واحد”…
وينقل د. عفط عن أبي إسحاق ربطه الميل إلى الضحك والمفاكهة ببديع خلق الله حيث يقول: “الحمد لله الذي أضحك وأبكى، وأمات وأحيا، فعرفنا بلذة الفرح شدة الترح، وبحلاوة الحياة مرارة الوفاة”.
وللنادرة وظيفة مهمة هي التفريج عن الكربات. جمع أحد المؤلفين من المغرب أخيرًا كتابًا عن نوادر أهل المغرب سماه (نوادر الأكياس في تفريج كربات الناس)، ولعله أراد أن يثبت وجود الظرفاء أيضًا في تاريخ الأدب العربي بالمغرب، إذ المشهور أن المشرقيين وحدهم من حازوا قصب السبق في كتابة النوادر من أمثال الجاحظ وأبو حيان التوحيدي وابن قتيبة والأبشيهي صاحب المستطرف من كل فن مستظرف.
وأشار الدكتور رشيد وديجي إلى أن النادرة تمثيل سردي لمضمون اجتماعي وأخلاقي يهدف إلى ترسيخ السلوك السوي في المجتمع… بعبارة أخرى تكمن أهمية النادرة، بوصفها أداة لإصلاح النفوس والمجتمع وترسيخ القيم النبيلة والفاضلة في المجتمع… وتخليصه من عيوبه ونقائصه، عن طريق تكثيف الشعور بالازدراء والسخرية من الموضوع المسخور منه”.
ولا أريد الاستطراد بأكثر من هذا في الحديث عن الندوة، لكن أختم بنقطتين وردتا في بحث الدكتور عبد الرحيم وهابي: الأولى عن الموقف الديني المتشدد الذي يحظر الضحك في المسيحية على اعتبار أن المسيح عليه السلام لم يضحك قط، ويقارن ذلك بالإشارة إلى ضحك النبي صلى الله عليه وسلم ومزاحه ومزاح الصالحين ونوادر الفقهاء والعلماء المسطورة في كتبهم. والنقطة الثانية في أن الضحك مما تميز به الإنسان دون الحيوان.
صحيح هل رأيتم حيوانًا يضحك أو يبتسم؟!
(نتابع)
بقلم: عثمان أبوزيد
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
"فقه المعاملات في رمضان".. ندوة توعوية بجامعة قناة السويس لتعزيز القيم بالشهر الفضيل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أشار الدكتور ناصر مندور، رئيس جامعة قناة السويس، إلى أن الجامعة تحرص على تنظيم فعاليات تثقيفية ودينية تهدف إلى توعية الطلاب بالقيم الإسلامية الصحيحة وتعزيز الأخلاقيات في المجتمع، خاصة خلال شهر رمضان المبارك، الذي يُعد فرصة حقيقية للارتقاء بالسلوكيات وتعزيز قيم التكافل والرحمة.
وأكد "مندور" أهمية فهم فقه المعاملات في الإسلام، حيث لا تقتصر العبادات على الصوم والصلاة، بل تشمل الأخلاق والتعاملات اليومية التي تعكس جوهر الدين الإسلامي.
من جانبها، شددت الدكتورة دينا أبو المعاطي، نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، على الدور المجتمعي للجامعة في نشر الوعي الديني السليم، ومكافحة السلوكيات السلبية التي قد تتنافى مع روح الشهر الكريم.
وأوضحت أن الفعاليات التوعوية، مثل هذه الندوة، تسهم في نشر ثقافة التسامح والعفو، وتعزز من القيم الإنسانية التي يجب أن تستمر لما بعد رمضان.
ومن جانبه، رحب الدكتور صفوت عبد المقصود، عميد كلية الألسن، بالسادة الحضور، مؤكداً أن كلية الألسن تحرص على استضافة فعاليات تثقيفية متنوعة، لا سيما تلك التي تهتم بالقيم الدينية والاجتماعية، إيماناً بدورها في تنمية وعي الطلاب وتهيئتهم ليكونوا أفراداً صالحين في المجتمع.
ونظمت وحدة مناهضة العنف ضد المرأة بجامعة قناة السويس، بالتعاون مع إدارة الندوات والمؤتمرات بالجامعة، ندوة علمية بكلية الألسن تحت عنوان "فقه المعاملات في رمضان"، وذلك بحضور الدكتورة مها مجدي، وكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، والدكتورة اعتدال عباس، المدير التنفيذي للوحدة، والدكتورة دينا زايد، عضو الوحدة ومنسق الوحدة بكلية الألسن، إلى جانب الأستاذة إيفون، مدير إدارة الندوات والمؤتمرات بالجامعة.
وحاضر في الندوة نخبة من المتخصصين في الفقه الإسلامي والقضايا المجتمعية، حيث شارك كل من الشيخ أشرف السعيد، مدير إدارة الوعظ بالإسماعيلية، الذي تناول الجوانب الفقهية المتعلقة بالعبادات والمعاملات في الإسلام، والدكتورة اعتدال عباس، المدير التنفيذي لوحدة مناهضة العنف ضد المرأة، التي أكدت على دور الأخلاق الإسلامية في بناء مجتمع متكافل ومتسامح، والأستاذة لبنى ذكي، مقرر المجلس القومي للمرأة بالإسماعيلية، التي ناقشت أثر القيم الرمضانية في دعم قضايا المرأة وتمكينها داخل المجتمع، والدكتورة داليا مطر، عضو وحدة مناهضة العنف ضد المرأة ومدرس أصول التربية بكلية التربية، التي سلطت الضوء على أهمية تهذيب السلوكيات والابتعاد عن العادات السلبية خلال الشهر الفضيل.
وتناولت الندوة عدة محاور رئيسية، حيث تم تسليط الضوء على مفهوم فقه العبادات والمعاملات في الإسلام، وأهمية ارتباط العبادات بالسلوكيات اليومية وأثرها في بناء مجتمع متوازن.
كما ناقش المحاضرون أخلاقيات البيع والشراء، وحكم الدين في التعامل بالربا والقروض، وطرق إخراج الزكاة والصدقات وأفضل الأوقات لها. كما تم التأكيد على دور الصيام في تهذيب النفس وتعزيز قيم التسامح والعفو وصلة الرحم، والتوعية بأهمية الحد من العادات السلبية في الأسرة والشارع المصري خلال الشهر الفضيل.
وتطرقت الندوة إلى أهمية تعزيز أعمال الخير والروحانيات والعبادات، والعمل على استمرارها لما بعد رمضان، مع التأكيد على ضرورة إعلاء قيم الصدق والأمانة، وتجنب الغش والاحتيال، خاصة في الأسواق.
كما تمت مناقشة فقه الإنفاق والإحسان في رمضان، وفضل إفطار الصائم وأثره على الفرد والمجتمع.
واختتمت الندوة بجلسة نقاشية مفتوحة شهدت تفاعلاً واسعاً من الطلاب، حيث أجاب المحاضرون على الأسئلة المطروحة، مما أسهم في تحقيق استفادة علمية ودينية كبيرة.
هذا وتواصل جامعة قناة السويس جهودها في تنظيم الفعاليات التوعوية التي تهدف إلى تحقيق التكامل بين القيم الدينية والسلوكيات المجتمعية، إيماناً منها بدور المؤسسات الأكاديمية في بناء أجيال واعية بالقيم الإسلامية الصحيحة، قادرة على التفاعل الإيجابي مع المجتمع، والالتزام بالأخلاق الحميدة في جميع جوانب الحياة.