قلقيلية.. مدينة فلسطينية يخنقها جدار الفصل العنصري من كل الجهات
تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT
قلقيلية مدينة فلسطينية تقع شمال الضفة الغربية، قرب الخط الأخضر، وتبعد نحو 16 كيلومترا جنوب غرب طولكرم، وجعلها موقعها الجغرافي نقطة التقاء للطرق التجارية القديمة بين شمال فلسطين وجنوبها وغربها، كما لعبت دورا في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وعلى إثر ذلك دُمرت معظم بنيتها التحتية في أعقاب نكسة عام 1967، وشُرد أهاليها، قبل أن يعودوا مجددا لإعادة بنائها.
وتعرضت لحصار خانق، عقب بناء جدار الفصل العنصري عام 2002 في الضفة الغربية، فقد أحاط بها من كل الجهات. واقتحم الجيش الإسرائيلي المدينة بشكل متكرر بعدها، ما أسفر عن اعتقال وقتل العشرات من أهاليها.
الموقعمدينة قلقيلية هي مركز محافظة قلقيلية، تقع بالقرب من الخط الأخضر في فلسطين، شمالي الضفة الغربية، وتبعد عن مدينة طولكرم من جهة الجنوب الغربي نحو 16 كيلومترا، وعن القدس المحتلة حوالي 75 كيلومترا، وعن البحر الأبيض المتوسط 14 كيلومترا.
ومنحها موقعها الجغرافي أهمية خاصة، إذ أصبحت نقطة التقاء بين المدن الفلسطينية من جهة الشمال والجنوب والغرب، وكانت تاريخيا محطة قديمة للقوافل التجارية العابرة.
تشير إحدى الروايات التاريخية أن أصل تسمية المدينة مشتق من كلمة "القيلولة"، إذ كانت المنطقة محطة استراحة للمسافرين والقوافل التجارية لوفرة مياهها، لا سيما أنها تقع على الطريق التجاري الواصل بين بلاد الشام ومصر.
وتقول رواية أخرى إن الكلمة أصلها كنعاني من كلمة "الجلجلات" التي تعني الحجارة المستديرة، وتحول اللفظ في العصر الروماني إلى "كالكيليا"، ومع مرور الزمن صار "قلقاليا" بعد تبديل حرف الجيم بالقاف.
إعلانويذكر المؤرخ "يوسيفيوس" أن اسم المدينة مأخوذ من اسم قلعة عُرفت بـ"قلقاليا"، وأنها القرية نفسها التي ذكرت في العهد القديم باسم "جلجاليا".
الجغرافياتبلغ مساحة مدينة قلقيلية حوالي 10252 دونما (الدونم الواحد يساوي ألف متر مربع)، وترتفع عن سطح البحر 75 مترا، وتتباين فيها التكوينات الصخرية، وتنتشر فيها الصخور الكربونية التي تعود للعصر الجيولوجي الكرياتسي.
ويسود في المدينة مناخ البحر الأبيض المتوسط، المعتدل صيفا، والبارد في فصل الشتاء، وترتفع فيها الرطوبة بصورة نسبية نتيجة لقربها من البحر المتوسط.
وفقا لإحصائية نشرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد قُدّر عدد سكان المدينة حتى عام 2021 بنحو 55946 نسمة، وشهدت المدينة زيادة كبيرة في أعداد السكان بسبب ممارسات الاحتلال القمعية في المدن المجاورة لها، مما أجبر السكان بالنزوح إليها.
وتعود أصول سكان المدينة إلى عرب الدوايمة من مدينتي الخليل ومعان، كما توجد بعض العائلات التي ترجع أصولها إلى مصر.
التاريخيعود تاريخ الاستيطان البشري في المدينة إلى العصور القديمة، ووجدت آثار تاريخية من أوانٍ فخارية وصبان تعود للعصر الروماني، وتشير إلى أن الرومان قد استقروا حول عين ماء قرب البئر الروماني الواقع في المنطقة القديمة من مدينة قلقيلية.
وأصبحت قلقيلية في عهد الدولة العثمانية ممرا للرحلات التجارية وقوافل الحجيج، إلى جانب خط السكة الحديد الذي يمر من غرب المدينة، وقد أُتبعت عام 1660، بعد تشكيل ولاية بلاد الشام، بولاية صيدا التي شملت أجزاء كثيرة من فلسطين.
وفي عهد الانتداب البريطاني في فلسطين عام 1920، شهدت المدينة نموا عمرانيا نتيجة للهجرة المتزايدة، بعد أن كانت في حالة من التدهور الاقتصادي.
واستقبلت المنطقة بعد نكبة عام 1948 وضم الضفة الغربية إلى الأردن أعدادا كبيرة من المهجّرين من سكان القرى المجاورة، فزادت الحاجة إلى بناء عدد من المساكن، إلا أن إسرائيل استولت على آلاف الدونمات من المدينة، فعانت اكتظاظا سكانيا.
إعلانوبعد أن كانت المدينة جزءا من قضاء طولكرم، أصبحت مطلع عام 1965 مركزا لقضاء قلقيلية. وعقب نكسة عام 1967 واحتلال إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان السوري وسيناء، شرّدت إسرائيل أهالي المدينة ودمرت ما يزيد عن 80% من منازلها، وأعادت ضمها إلى قضاء طولكرم، بحجة اتباع آخر تقسيم إداري في عهد الانتداب البريطاني.
وفي ديسمبر/كانون الأول 1995، وبعد توقيع اتفاقية "أوسلو الثانية" بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، أعلن الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، تسمية قلقيلية رسميا بالمحافظة، وضمت مجموعة من التجمعات السكانية.
وبعد بناء جدار الفصل العنصري الإسرائيلي عام 2002، أصبحت المدينة وسكانها محاطين من جميع الجهات، ولا يمكنهم الدخول والخروج إلا عبر بوابة واحدة خاضعة للمراقبة المتشددة، وأثر ذلك بشكل كبير على اقتصادها.
وعلى مدى سنوات، اقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي مدينة قلقيلية واعتقل وقتل العشرات من الفلسطينيين، كما وقعت اشتباكات بين مقاومي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والسلطة الفلسطينية، ما أشعل أزمة بين الجانبين.
وفي أعقاب عملية "المخيمات الصيفية" التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي على بلدات عدة بالضفة الغربية في 28 أغسطس/آب 2024، اقتحمت قوات الاحتلال مدينة قلقيلية ضمن حملة اعتقالات واشتباكات شنتها ضد مقاومين فلسطينيين.
تحتضن مدينة قلقيلية عددا من المعالم الأثرية البارزة التي يعود تاريخها إلى عصور عدة، بما في ذلك الروماني والإسلامي، ومن أهمها منطقة صوفين، وهي أعلى مناطق المدينة.
كما يوجد فيها "خربة حانوتا" التي تقع شمال قلقيلية وتحوي صهاريج ومدافن محفورة ومنحوتات. إضافة إلى "خربة النبي يامين"، وموقع "النبي شمعون" الذي يضم آثارا تاريخية.
ومن الآثار الإسلامية في المدينة الجامع العمري، ومسجد حجة الذي بُني في العهد المملوكي عام 1322، ويتكون من مصلى ومئذنة وضريح.
إعلان الأعلامعُرفت مدينة قلقيلية بأنها بلد العلم والعلماء، إذ خرج منها عدد من أعلام الصحافة والسياسية والدين، ومن أبرزهم:
وُلد وليد أحمد نمر، المعروف بـ"أبو علي إياد"، عام 1935 في قلقيلية، وعمل مدرسا في مدينته ثم انتقل للعمل في السعودية والجزائر قبل أن ينضم إلى العمل الثوري الفدائي بعد انطلاق الثورة الفلسطينية عام 1965.
كلَّفته حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" عام 1966 بالإشراف على العمليات العسكرية في الأراضي المحتلة، بدءا من الضفة الغربية، وأسهم في تجنيد كثير من الشباب لصالح الحركة.
قاد أبو علي عمليات عسكرية عدة على المستوطنات الإسرائيلية، منها "هونين" و"المنارة" و"كفار جلعادي" وغيرها، وغادر بعدها إلى سوريا لاستكمال عمليات تدريب في إطار العمل المسلح، لكنه أُصيب في إحدى عينيه وساقيه نتيجة انفجار لغم.
انتقل بعدها إلى الأردن، وأُوكلت له مهمة قيادة القوات الفلسطينية في عجلون، التي نفذت عمليات عسكرية عبر نهر الأردن استهدفت المستوطنات الإسرائيلية، قبل أن يقتل عام 1971.
هاشم الشبعصحفي فلسطيني، وُلد في قلقيلية عام 1912، وقد تلقى تعليمه الابتدائي في مدينته، ثم التحق بمدرسة النجاح الثانوية في نابلس، حيث برزت مواهبه الصحفية والخطابية، ونشر مقالاته في صحيفتي "فتى العرب" و"ألف وباء" السوريتين.
شارك السبع في الثورة الفلسطينية ضد الانتداب البريطاني، واعتقل في سجن عكا قبل أن يطلق سراحه بكفالة لصغر سنه، ثم واصل نشاطه السياسي بالمشاركة في المؤتمرات الطلابية بالقدس وحيفا ويافا، قبل أن يهرب إلى سوريا حيث ألقي القبض عليه وأعيد إلى قلقيلية.
بدأ السبع العمل في مجال التعليم عام 1934 في يافا، لكنه ترك المجال لاحقا ليعود إلى الصحافة، وساهم في إصدار صحيفتي "الحرية" و"نداء الأرض"، وأصدر مجلة "الصريح" منفردا، التي استمرت بالصدور حتى نكبة عام 1948، قبل أن يعاودها عام 1951.
إعلانعانى السبع من الاعتقالات المتكررة بسبب نشاطه السياسي، وسجل تجربته ومعاناته في كتاب "ذكريات صحفي مضطهد"، قبل أن يُتوفى عام 1957.
أكرم محمد شاكركاتب ومؤلف مسرحي بارز في تاريخ الدراما السورية، وُلد في قلقيلية عام 1943، وانتقل مع عائلته إلى دمشق بعد نكبة عام 1948، وتلقى تعليمه فيها وحصل على إجازة في آداب اللغة العربية من جامعتها.
بدأ حياته المهنية رئيسا لقسم الشؤون الأدبية والفنية في مجلة "الطليعة" عام 1965، ثم انتقل إلى دار "البعث"، واستمر في العمل الصحفي حتى عام 1980.
تنوعت إبداعات شاكر بين كتابة القصة القصيرة والمسرحية وأدب الأطفال والدراما التلفزيونية، ومن أبرز أعماله الدرامية مسلسل "أولاد بلدي" عام 1972، و"أيام شامية" عام 1991، الذي شاركت فيه نخبة من الفنانين السوريين.
ساهم شاكر في تأسيس المسرح الوطني الفلسطيني بدمشق عام 1972، وقدّمت الفرقة التابعة له مسرحية "حكاية هذا الحي" في دمشق وبغداد، كما كتب مسرحية الأطفال الشهيرة "ممتاز يا بطل"، التي أعيدت طباعتها مرات عدة، واعتمدتها وزارة التربية والتعليم السورية في مناهجها.
الاقتصاديمتهن سكان مدينة قلقيلية الزراعة منذ القدم، وتنتشر فيها أشجار الحمضيات، ومن أهم ما يميزها زراعة الجوافة، التي تُصدرها إلى الأردن، وتشتهر أيضا بزراعة الحبوب والخضار.
وفي قطاع الصناعات، يزاول كثير من السكان صناعة المواد الغذائية ومنتجات الألبان وزيت الزيتون والصابون والزجاج والحجر والرخام ومواد البناء، فضلا عن صناعات الخشب والحديد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الاحتلال الإسرائیلی جدار الفصل العنصری الضفة الغربیة مدینة قلقیلیة قبل أن
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تستكمل الإبادة في غزة بمحو عائلات فلسطينية بأكملها من السجل المدني
وقفت الشابة الفلسطينية سمية الحطاب (37 عاماً) في حالة ذهول أمام أنقاض منزل عائلتها في حي الصبرة جنوب مدينة غزة، الذي حولته الغارات الإسرائيلية إلى ركام. لم يكن المنزل المكون من ثلاثة طوابق مجرد مأوى، بل كان يضم عائلتها الممتدة، التي محتها غارة جوية إسرائيلية واحدة دون سابق إنذار، تاركة إياها الناجية الوحيدة من بين 28 شخصاً، بينهم والداها وأشقاؤها وأعمامها وجدتها.
تقول سمية بصوت متحشرج، بينما تنهمر دموعها وهي تبحث بين الأنقاض عن أي شيء يربطها بأفراد أسرتها الذين رحلوا فجأة: "انكسر ظهري من بعدهم. بقيت وحيدة، ما ضل إلي حد في الدنيا".
كانت العائلة تستعد لتناول وجبة السحور فجر الأربعاء عندما استهدف القصف منزلها، فلم يترك لها الوقت حتى لاستيعاب الكارثة.
تستعيد سمية بعض الذكريات وسط الدمار، مشيرة إلى أن الطوابق الثلاثة كانت تضم والديها، وشقيقها وزوجته، وعمها وأطفاله وجدتها، جميعهم قتلوا تحت الركام. تقول بنبرة يائسة: "حاولنا نعيش، تأملنا خير بنهاية الحرب، وبدأنا نطمأن قليلاً، لكن كل شيء ذهب بلحظة"، لم يتبق لها الآن سوى بعض الملابس والمقتنيات التي ستصبح مجرد شواهد على وجود عائلة لم تعد موجودة.
وتمكنت قوات الدفاع المدني في غزة، التي تعمل وسط إمكانيات محدودة، من انتشال جثامين 6 من الضحايا فقط، بينما لا يزال عشرات الأشخاص مدفونين تحت الأنقاض في مناطق أخرى من القطاع، وفق ما أكده محمود بصل، الناطق باسم الجهاز.
وأضاف بصل: "منزل عائلة الحطاب ليس سوى مثال واحد على مجازر متكررة نشهدها خلال الساعات الماضية. هناك الكثير من الضحايا ما زالوا تحت الأنقاض".
وأمس الخميس، ذكرت وكالة أسوشيتد برس أنه بينما كان رجال الإنقاذ يحفرون بين ركام مبنى سكني انهار في خان يونس بغزة جراء غارة جوية إسرائيلية، أمس ، سمعوا صراخ رضيعة يأتي من تحت الركام.
وفجأة، تعالت صيحات "الله أكبر"، وركض رجل مبتعداً عن الركام وهو يحمل طفلة رضيعة على قيد الحياة ملفوفة في بطانية، وسلمها إلى طاقم الإسعاف الذي كان في انتظاره. وكانت الطفلة تتحرك بشكل متقطع بينما كان المسعفون يفحصونها.
ولقي والدا الطفلة وشقيقها حتفهم في الغارة الجوية الإسرائيلية خلال الليل.
غزة - مواطنون يتفقدون الدمار في منزل عائلة ابو نصر بعد غارة جوية اسرائيلية على بيت لاهيا شمال قطاع غزة
( وفا ) pic.twitter.com/FTBnMpJ9ZD
ومنذ فجر الثلاثاء، صعدت إسرائيل غاراتها الجوية على مختلف مناطق قطاع غزة، مستهدفة منازل سكنية دون سابق إنذار، ما أدى إلى محو عائلات بأكملها من السجل المدني، وفقا لجهاز الدفاع المدني.
ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن نسبة القتلى من الأطفال والنساء وكبار السن تجاوزت 71% من إجمالي الضحايا، مشيراً إلى أن "الاحتلال الإسرائيلي لديه النية المبيتة لاستكمال جريمة الإبادة الجماعية بحق سكان قطاع غزة".
ويأتي التصعيد الإسرائيلي في ظل كارثة إنسانية متفاقمة في قطاع غزة، حيث يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والماء والدواء، بينما تزداد صعوبة عمليات الإغاثة بسبب القصف المستمر.
في غضون ذلك، يواجه الفلسطينيون في القطاع المجهول، وسط مخاوف من اتساع رقعة القصف وتشديد الحصار، في وقت تحذر فيه منظمات حقوقية من أن الوضع يرقى إلى مستوى "الإبادة الجماعية".
أما سمية، فلا تفكر في أي شيء سوى كيف يمكنها العيش دون عائلتها. وهي تنظر إلى الدمار من حولها، تهمس بصوت بالكاد يسمع: "كان عندي بيت، كان عندي عيلة. ما ضل إلي شي".