وفي وقت تسعى فيه الجزائر لتهدئة التوتر مع جارتيها الجنوبيتين، مالي والنيجر، وتقديم وعود دعم، تمر تركيا إلى السرعة القصوى لتقطع الطريق على التحرك الجزائري، الذي يتسم بالبطء والارتباك، وتقدم دعما مباشرا وسريعا خاصة للدولتين في المجال العسكري كأولوية عاجلة لحماية أمنهما القومي.

وترى تركيا فراغا خلفه انسحاب فرنسا وكذلك الفوضى في تعاطي الروس مع الحكومات الجديدة في منطقة الساحل تحت تأثير الانشغال بالحرب في أوكرانيا، ما يفسح المجال أمام أنقرة من أجل بناء وجود عسكري فعال عبر تدريب وتسليح القوات النيجرية وتزويدها بالمسيّرات التركية مثلما حصل في مالي التي تستعين بالسلاح التركي في مواجهة الجهاديين والانفصاليين.

تصرف تركيا المنفرد بمعزل عن الجزائر، هو ما يثير قلق النظام الجزائري وسط مخاوف من أن دعم أنقرة للنظامين العسكريين في النيجر ومالي سيكون على حساب الجزائر واستقبل وزير الدفاع التركي يشار غولر، الاثنين، نظيره النيجري الفريق ساليفو مودي في العاصمة أنقرة، في مؤشر على زيادة التعاون العسكري بين البلدين وتسريعه واستغلال الفراغ الحالي لجعل تركيا لاعبا دوليا على الحدود مع الجزائر.

ويرى متابعون للوضع في منطقة الساحل والصحراء أن تصرف تركيا المنفرد بمعزل عن الجزائر، التي تعتبر الأتراك حلفاء لها في مناطق أخرى وتقيم معهم علاقات اقتصادية وتجارية متطورة، هو ما يثير قلق النظام الجزائري وسط مخاوف من أن دعم أنقرة للنظامين العسكريين في النيجر ومالي سيكون على حساب الجزائر، وأن أنقرة ستفشل محاولات رأب الصدع مع النيجر التي يقودها المسؤولون الجزائريون.

وكانت الجزائر أرسلت وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب إلى نيامي ثم استقبلت رئيس الوزراء النيجري محمد لمين زين ووزير دفاعه الفريق ساليفو موديلا في أغسطس الماضي، لكن لم تظهر نتائج سعي الجزائر لطمأنة النظام الجديد في النيجر، كما لم تتحول وعود الدعم الجزائري إلى مشاريع تساعد البلد الجار على تحقيق الاستقرار.

وعكس البيان الذي أصدرته الوزارة الأولى في الجزائر عقب الزيارة كلاما عاما عن “التنويه بالعلاقات التاريخية” و”تعاون ثنائي يرتقي إلى مراتب أفضل في إطار الآليات الثنائية ومن خلال تبادل الزيارات رفيعة المستوى، من أجل تنفيذ برامج التعاون القائمة واستكمال المشاريع التنموية المشتركة.”

ويشير المتابعون إلى أن الجزائر لم تبادر في السابق بدعم جيرانها أو القيام بمشاريع استثمارية وضخ التمويلات اللازمة لتنفيذها.

وكان يمكن لهذه الخطوات أن تمنح الجزائر ثقة محيطها الإقليمي، لكن التحرك الحالي لطمأنة الجيران والإيحاء بأن الجزائر تريد أن تتعاون معهم أو تساعدهم جاء متأخرا، ويفهم على أنه خطوة اضطرارية ستتوقف في حال تغيرت الظروف، أو نجحت الجزائر في الاتفاق مع تركيا وروسيا اللتين تهددان نفوذها على حدودها الجنوبية.

 وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد قال إن بلاده “لا تريد أن تفرض نفسها على دول الجوار، خاصة النيجر ومالي، وهي مستعدة لمساعدتها في إيجاد حلول للأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية.” لكن مشكلة الجزائريين تكمن في عدم تحويل الوعود إلى أفعال، وهو الأمر نفسه في علاقتها بجارتها الشرقية تونس.

وثمة تفاوت في السرعة بين ما تفكر فيه الجزائر وما تحققه تركيا على الأرض، الأولى تكتفي بالوعود فيما تمر الثانية إلى طرح المشاريع وتنفيذها سريعا.

الجزائر لم تبادر في السابق بدعم جيرانها أو القيام بمشاريع استثمارية وضخ التمويلات اللازمة لتنفيذها وخلال زيارة وفد وزاري تركي بقيادة وزير الخارجية التركي، وضم وزيريْ الدفاع يشار غولر والطاقة ألب أرسلان بيرقدار في يوليو الماضي، قالت مصادر غربية إن الوفد التركي قدم إلى النيجر عروضا واسعة للتسلح، وخصوصا ما تعلق بتزويد نيامي بالطائرات المسيرة للاستطلاع أو الهجوم، لاسيما أن الجيش النيجري يراهن على توظيف هذه التقنيات في مواجهة فصائل جهادية تنتشر في منطقة الصحراء مترامية الأطراف.

وأشارت المصادر كذلك إلى أن الوفد الوزاري التركي بحث إمكانية حصول تركيا على اليورانيوم بشكل مباشر لتأمين صناعتها النووية الناشئة. ويريد الأتراك وضع اليد على مكاسب فرنسا السابقة في النيجر على مستويات متعددة.

وأنهت النيجر ترخيص استخراج اليورانيوم وتشغيله الممنوح لشركة الطاقة النووية الفرنسية “أورانو” التابعة للدولة.

وذكر بيان أصدرته أورانو في يونيو الماضي أن الحكومة العسكرية في النيجر أنهت رخصة تشغيل منجم إيمورارين لليورانيوم في شمال البلاد.

ويأتي التحرك التركي الجديد ليعزز مكاسب سابقة، من بينها عقد بقيمة 152 مليون يورو لتحديث مطار نيامي وعقود أخرى بقيمة 50 مليون يورو لفندق فخم أو 38 مليون يورو للمقر الجديد لوزارة المالية النيجرية في قلب العاصمة.

وفي 2019 أنشأت تركيا مستشفى بقيمة مئة مليون يورو في مارادي (وسط الجنوب)، ثالثة المدن الكبيرة في البلاد، بالقرب من نيجيريا

المصدر: مأرب برس

كلمات دلالية: ملیون یورو فی النیجر

إقرأ أيضاً:

منحة أوروبية بـ 12 مليون يورو.. هل أصبحت الزيادة السكانية أزمة في مصر؟

وافق مجلس الوزراء المصري على مشروع قرار رئيس الجمهورية بشأن اتفاق تمويلي مع الاتحاد الأوروبي، يتضمن منحة بقيمة 12 مليون يورو، لدعم المرحلة الثانية من برنامج "دعم استراتيجية مصر الوطنية للسكان".

وتستهدف المنحة تمويل مشروعات تتعلق بتنظيم الأسرة، وتخفيض معدل النمو السكاني، وتعزيز التوعية المجتمعية بالقضايا السكانية.

الزيادة السكانية.. أزمة متجددة ومحاولات للسيطرة
تشهد مصر نموًا سكانيا سريعا، حيث يتجاوز عدد السكان حاليا 105 ملايين نسمة، بزيادة تقدر بنحو مليوني نسمة سنويًا، وتزعم الحكومة المصرية أن هذه الزيادة تمثل تحديًا كبيرًا أمام خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتؤثر بشكل مباشر على قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والإسكان.

على مدار العقود الماضية، نفذت مصر عدة مبادرات لتنظيم الأسرة، كان أبرزها "حملة الاثنين والخميس" في التسعينيات، التي ركزت على توفير وسائل منع الحمل مجانًا في الوحدات الصحية.


كما أطلقت الحكومة خلال السنوات الأخيرة مبادرات مثل "اتنين كفاية" و"مودة"، لكنها لم تحقق التأثير المرجو في الحد من الزيادة السكانية.

تفاصيل المنحة الأوروبية
تأتي المنحة الجديدة في إطار التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي في عدة ملفات تنموية، وتركز على دعم الحكومة المصرية في تنفيذ استراتيجيتها السكانية عبر تحسين خدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة من خلال توفير وسائل منع الحمل، وتوسيع نطاق العيادات المتنقلة، ودعم الكوادر الطبية.

وكذلك إطلاق حملات توعية من الزيادة السكانية تستهدف تغيير بعض الموروثات الاجتماعية التي تعزز من ارتفاع معدلات الإنجاب، وتحسين نظم جمع وتحليل البيانات السكانية بما يساعد صانعي القرار في وضع سياسات أكثر دقة لمواجهة الأزمة السكانية.


بين الدعم الدولي والتحديات المحلية
رغم الدعم الدولي المتواصل لبرامج تنظيم الأسرة في مصر، إلا أن تأثير هذه المبادرات غالبًا ما يكون محدودًا بسبب عدة عوامل، من بينها:
التحديات الاقتصادية: حيث ترى بعض الأسر أن كثرة الأبناء تمثل مصدرًا إضافيًا للدخل، خاصة في المجتمعات الريفية التي تعتمد على العمل اليدوي والزراعة.

الأبعاد الثقافية والاجتماعية: حيث لا تزال بعض الفئات تنظر إلى كثرة الإنجاب باعتبارها عنصرًا من عناصر "القوة العائلية"، وهو ما يعقد جهود التوعية.

ضعف كفاءة بعض الحملات السابقة: حيث تركزت العديد من المبادرات على الجوانب الدعائية دون توفير حلول عملية مستدامة.

مقالات مشابهة

  • منحة أوروبية بـ 12 مليون يورو.. هل أصبحت الزيادة السكانية أزمة في مصر؟
  • برشلونة يرفع سقف رواتبه إلى 463.6 مليون يورو!
  • أردوغان في آسيا.. استدعاء العثمانية وتعزيز النفوذ التركي
  • الأمم المتحدة: تداعيات حرب السودان تتمدد لخارج الحدود
  • 27 قتيلا إثر استهداف الجيش المالي لمجموعة من الطوارق.. تصعيد جديد في الساحل
  • تركيا تعتقل 282 يشتبه في انتمائهم لحزب العمال الكردستاني
  • فرص تركيا التاريخية بعد الزلزال السوري
  • الرئيس الجزائري: الاستعمار الفرنسي كان وحشيا وعطل مسيرتنا
  • تبون: الاستعمار الفرنسي وحشي وعطل مسيرة الشعب الجزائري
  • العراق يتصدر قائمة الدول في استيراد الورد التركي