آخر تحديث: 17 دجنبر 2024 - 9:50 صبقلم: إبراهيم الزبيدي منح صدام حسين نفسه صلاحية ارتداء الزي العسكري وبأعلى رتبة في تاريخ الجيش العراقي، رغم أنه لم يخدم في الجيش ولو يوما واحدا، لا ضابطا ولا جنديا مكلفا. ثم أنشأ نظاما مخابراتيا محكما دمويا مخيفا كنا نظن أنه الأكثر عنفا وقسوة واستسهالا للقتل في تاريخ المنطقة، والأكثر سجونا ومعتقلات، والأكثر أخذا للناس بالشبهة بوشاية مخبر أمني، أو رفيق بعثي، أو بنصيحة مخابرات دولة صديقة أو شقيقة، حتى فاق ما أُفرد له من الكتب والمجلدات والبحوث والدراسات جميع التوقعات التي تفرغت للحديث عن رعب قصر النهاية، وعن ناظم كزار وسعدون شاكر وعلي كيمياوي وحسين كامل وقصي وعدي ومبتكراتهم في فنون التعذيب والتغييب والانتقام.
ثم حدث الغزو الأميركي في عام 2003 وتحققت للأحزاب الدينية وميليشياتها الموالية لإيران هيمنة كاملة على مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والمخابراتية فجعلت إرهاب صدام وأسرته وأعوانه نقطة في بحر إرهاب هذه الأحزاب والميليشيات.وكنا نعتقد أن هذه الأحزاب تتحرك بدوافع طائفية تهدف إلى الانتقام من طائفة أخرى مخالفة لها في العقيدة، حتى فوجئنا بانتفاضة تشرين 2019 الشعبية في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب الشيعية لنجد أن العدو الأول لتلك الميليشيات، والمطلوب سحقه وشنقه وحرقه، هو كل من يعارضها، أو يعارض ولية أمرها، حتى لو كان من إخوتها في طائفتها نفسها. ولن تكتمل معرفة تفاصيل السجون السرية والعلنية ما دامت هذه الأحزاب والميليشيات في السلطة وتحتكر السلاح والسلطة والمال والقضاء، وتدير أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية والمخابراتية. وعليه فلن يتمكن أحدنا من قياس سجلها الدموي بما فعله سلفها صدام حسين إلا بعد رحيلها، وظهور الأسرار والملفات والوثائق المثبتة.ثم فوجئنا بهروب بشار الأسد لنكتشف بعد سقوطه، بالصور والوثائق والأفلام وشهادات من بقي حيا من ضحاياه، أن الأحزاب والميليشيات العراقية كانت شريكته الأقوى والأكثر ضلوعا معه في سجونه ومعتقلاته وتاريخه الدامي المخيف. ويقال إن المجتمع الدولي أخيرا مل، وقرر الخلاص من وجع رأس الشرق الأوسط الملتهب. لذلك أطلق يد نتنياهو في غزة ثم لبنان، وأخيرا في سوريا، آملا أن تكون هي العتبة الأهم نحو شرق أوسط جديد خالٍ من عوامل الإزعاج والإقلاق، كما يريده سيد البيت الأبيض الجديد.وإذا صدق السناتور الأميركي، تيد كروس المقرب من الرئيس دونالد ترامب، عند لقائه المعارضة الإيرانية ووعده لها بتغيير النظام في وطنها إيران قريبا، فإن ذلك قد يتم إما بانتفاضة جديدة ملحقة بانتفاضة مهسا أميني، أو بقنابل ترامب ونتنياهو التي لا تخطئ. ويبدو أن نظام الحكم في إيران، شاء أم أبى، قد أصبح أخيرا أمام أحد خيارين، إما أن يعاند فيسقط بقوة خارجية أو بعاصفة داخلية، أو بكليهما معا، أو أن يفهم الرسالة فيستبق اللعبة، ويستسلم طواعية، وينزع أظافره وأنيابه، ويكتفي بسلامة رأسه، وبقائه في السلطة، ولكن داخل حدوده فقط.وما يهمنا كعراقيين أنه في الحالين سيضطر إلى أن يتخلى عن ميليشياته وأحزابه العراقية، ويتركَها لمصيرها، كما فعل مع حماس وحزب الله ونظام بشار. وهذا يعني أن ظهر الفصائل سينكشف، وإذا انكشف فلن تنتظر الجماهير العراقية المتربصة الحديد ليبرد، بل ستطرقه وهو ساخن، فتفاجئ الميليشيات بطوفان شعبي جائح كاسح يطارد مسلحيها من مدينة إلى مدينة، ومن شارع إلى شارع، لتنتهي الغمامة بأسرع ما يكون، كما انتهت ميليشيات أخرى سبقتها في العراق.ولنا، نحن أبناء جيل الخمسينات والستينات العراقية وما بعدها، مشاهدات عينية لزلازل شعبية انتقامية ثارت بأهون سبب، ولم تكن متوقعة، فأسقطت في أيام معدودة ميليشيات جبارة كان يبدو سقوطها أشبه بالمستحيل. ففي عام 1959 تمكنت المقاومة الشعبية التي أنشأها الحزب الشيوعي العراقي من بسط سطوتها على جميع العراق وقراه كافة، وتحولت إلى قوة قاهرة تقتل وتعتقل وتحاكم وتسجن وتسحل، ويسد هتاف مسلحيها الأسماع “ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة،” حتى أنها أوشكت أن تنتزع الحكم، عنوة، من رئيس الوزراء الزعيم عبدالكريم قاسم.ولكن بخطاب غاضب واحد ألقاه الزعيم في كنيسة أم النجا في الكرادة تبرأ فيه منها، وأدان سلوكها الفوضوي في الموصل وكركوك، هبت الجماهير الحاقدة لتتصيد المسلحين، وتسلمهم لمراكز الشرطة، لينالوا جزاءهم العادل، فتبخرت المقاومة الشعبية في أيام. ثم تكرر المشهد مع الحرس القومي في 1963 وأصبح المسلحون المراهقون يقيمون الحواجز، ويفتشون ويعتقلون ويحاكمون، ويُهينون ضباط الجيش وكبار المسؤولين والمواطنين، بفظاظة وقلة أدب وغباء.وحين طفح الكيل بطش رئيس الجمهورية غير البعثي عبدالسلام عارف وعدد كبير من القادة العسكريين، ومنهم بعثيون كبار، بالحرس القومي البعثي يوم 18 تشرين الثاني الذي يسميه البعثيون ردة تشرين. وفي ثلاثة أيام اختفى الحرس القومي تماما، بعد أن راح أشجع مسلحيه يجري إلى أقرب مركز شرطة ليسلم سلاحه.ثم في أعقاب الغزو الأميركي للعراق 2003 حدث الشيء نفسه مع فدائيي صدام والحرس الجمهوري والقوات الخاصة، حيث راح أشجع المسلحين يرمي سلاحه ولباسه العسكري في المزابل وتحت الجسور والأزقة الخالية ويرتدي ثيابا مدنية، ويختفي عن الأنظار.والمتوقع ألا يكون مصير الفصائل الولائية والميليشيات، غدا، مختلفا عن مصير المقاومة الشعبية والحرس القومي وفدائيي صدام، ليس على يد العامل الدولي الخارجي، بل على أيدي العراقيين الذين ظُلموا وأهينوا وانتهكت حرماتهم، وصودرت منازلهم ودكاكينهم، وغيب آباؤهم أو إخوتهم أو أخواتهم أو أقاربهم، ولن يفعلوا أقل مما فعله أشقاؤهم السوريون في إدلب وحلب وحماة وحمص ثم أخيرا دمشق، دون ريب.فهل يعود العقل إلى من غاب عقله طيلة السنوات العشرين الماضية، فيجنح للسلم، ويجنب نفسه وأسرته وشعبه أهوال ما سوف يكون، وقبل فوات الأوان؟
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
العثور على صدام حسين في سجن صيدنايا.. كيف حدث تزييف الصورة؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تناقلت حسابات عبر الشبكات الاجتماعية صورة منسوبة للحظة العثور على الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين في داخل سجن صيدنايا في سوريا، بعد 19 عامًا على إعدامه.
كانت الصورة تبدو وكأنها مٌذاعة عبر شبكة الجزيرة الإخبارية، وأن صدام حسين محاطًا بعدد من العناصر الأمنية. وجاء انتشارها على هامش الاهتمام المتزايد بالتطورات حول سجن صيدنايا أو "المسلخ البشري"، كما وصفته منظمة العفو الدولية في تقريرها الصادر في فبراير/شباط 2017.
مع انهيار نظام بشار الأسد وسيطرة فصائل المعارضة المسلحة، بقيادة هيئة تحرير الشام، اتجهت الأنظار إلى سجن صيدنايا، وسط سعي العديد من السوريين عن ذويهم المعتقلين والمفقودين منذ سنوات بعيدة.
كانت الصورة المنسوبة لصدام حسين، مصحوبة بتعليقات تقول: "العثور على صدام حسين في سجن صيدنايا"، و "ورد إلينا أن صدام حسين حي"، فيما قالت إحدى أكثر التدوينات رواجًا: "افرحو يا شعب العراق الصامد عاجل وبشكل رسمي :عندما قال شيخنا ومرجعنا السياسي فائق الشيخ علي: سنعيد تشكيل حزب البعث. ضحك عليه ذيول إيران وعملاء الخارج. اليوم وبشكل رسمي العثور على صدام حسين في سجن صيدنايا وسيعود لحكم العراق".
منشور في منصة إكس يحتوي الصورة الزائف المنسوبة للرئيس العراقي الأسبق صدام حسينعندما تحقق موقع CNN بالعربية من الصورة، وجد أن الجزيرة لم تبثها، وأن الصورة الأصلية تعود إلى الرئيس الجورجي الأسبق والحاكم الأسبق لمنطقة أوديسا الأوكرانية، ميخائيل ساكاشفيلي.
وكانت الصورة للحظة اعتقال جهاز الأمن الأوكراني لساكاشفيلي في كييف في 5 ديسمبر/كانون الأول 2017. وثقت العديد من وكالات الأنباء الحدث آنذاك، منها رويترز ووكالة الأنباء الفرنسية وغيتي للصور.
لحظة اعتقال الرئيس الجورجي الأسبق ميخائيل ساكاشفيلي في وسط مدينة كييف - 5 ديسمبر/كانون الأول 2017 Credit: SERGEI SUPINSKY/AFP via Getty Imagesوخضعت الصورة للتلاعب عن طريق برامج تحرير الصور، تم تركيب صورة صدام حسين في مكان ساكشفيلي، مع تعديلات إضافية تشمل وضع العلم العراقي بدلا من العلم الأوكراني الموجود على زي عناصر الأمن.
الصورة الزائفة المنسوبة للعثور على على الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في سجن صيدناياوقمنا بتشريح الصورة المنسوبة إلى صدام حسين عن طريق أداة Forensically، التي يمكنها إظهار مواطن التلاعب في الصور، حيث يبين اللون الوردي والأحمر ذلك، كما نرى أدناه.
يشير اللون الوردي والأحمر إلى أكثر مواطن التزييف في الصورة المنسوبة إلى الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين - Forensically Credit: Forensicallyويلجأ بعض منتجي المعلومات المضللة إلى التلاعب في الصور عن طريق نسبها إلى وسائل إعلام بارزة، مثل الجزيرة.
وبعد القيام بالتزييف يتم إظهار الصورة كما لو أنها ملتقطة خلال عرضها في التلفزيون، لإعطائها المزيد من الموثوقية والمصداقية. وفي هذه الحالات، يفضل العودة إلى الوسائل المنسوب إليها بث اللقطات وفحص مواقعها الإخبارية للتأكد مما إذا كانت أوردتها من عدمه.