الأرجنتين.. لعنة الديون والدرس القاسي
تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT
الأرجنتين.. لعنة الديون والدرس القاسي
قبل سنوات احتلت الأرجنتين المرتبة العاشرة في قائمة أغنى اقتصادات العالم، بعد دول مثل أميركا وبريطانيا وأستراليا.
الأرجنتين غرقت في الديون، بمساعدة صندوق النقد الدولي الذي اعترف في 2004، بأن أخطاءه ساعدت في غرق الدولة وإفلاسها.
سنة بعد أخرى تحولت الأرجنتين إلى أرض الفرص الضائعة، إلى دولة ضائعة ماليا وهشة اقتصاديا واجتماعيا، معرضة للإفلاس مرة أخرى.
ساعد في تعمق الوضع المالي المزري معاناة البلاد المستمرة من فاتورة ضخمة لأعباء الديون، وشح مزمن في العملات الأجنبية لا سيما الدولار، والانقلابات العسكرية.
باتت الأرجنتين ساحة للأموال الساخنة، ومجال خصب للمضاربين المحليين والدوليين للمضاربة في عملة البيزو والتي شهدت انهيارات كبيرة ومتواصلة في السنوات الأخيرة.
سبب هذا الضياع الفساد والإفراط في الاقتراض الخارجي خاصة من صندوق النقد الدولي الذي اقترضت منه الأرجنتين عدة شرائح إنقاذ آخرها قرض بـ44 مليار دولار في إبريل الماضي.
* * *
قبل سنوات طويلة، كانت الأرجنتين أرض الفرص الاستثمارية في العالم، ومن أكبر الاقتصادات في قارة أميركا اللاتينية، وإحدى أبرز الدول التي راهن كثيرون على تحولها إلى دولة ذات اقتصاد واعد وقوي ومستدام، خاصة مع تحقيقها معدلات نمو حقيقية.
كان مواطنو الدولة الأكثر ثراء بين الأميركيين اللاتينيين حيث متوسط دخل مرتفع ومعدلات ادخار عالية. ومع ذلك الدخل كان المواطن ينعم بالرفاهية والخدمات المتطورة في القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية والصناعة.
وقبل سنوات طويلة احتلت الأرجنتين المرتبة العاشرة في قائمة أغنى الاقتصادات في العالم، بعد دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، بل كانت تسبق اقتصادات قوية مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.
كانت الدولة اللاتينية من بين أكبر مصدري الأغذية في العالم، حيث تملك صناعات زراعية وحيوانية واسعة، وهذه القاعدة وفرت لأسواق الدولة الاستقرار خاصة في السلع الزراعية.
وفي السنوات الطويلة التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى في عام 1914، نما الناتج المحلي الإجمالي للأرجنتين بمعدل 6% سنويا، وهو أسرع معدل نمو في العالم، في ذلك الوقت الذي كانت تعاني فيه اقتصادات كبرى من الركود والمخاطر الجيوسياسية.
كانت الدولة اللاتينية من أكثر الدول جذبا للمهاجرين من القارة العجوز أوروبا، والذين توافدوا إليها بحثا عن أي فرصة عمل في الأراضي الزراعية الخصبة، حيث كان النشاط الزراعي والحيواني يقود النشاط الاقتصادي في البلاد. بل جذبت أيدي عاملة من العديد من دول العالم بما فيها الولايات المتحدة.
كان الرهان كبير على تلك الدولة القابعة في قارة أميركيا اللاتينية في قيادة الأسواق الناشئة، خاصة أن لديها الإمكانيات التي تساعدها في تحقيق ذلك الهدف، ثروات ضخمة من النفط والغاز وصادرات قوية وقطاع زراعي وأيد عاملة رخيصة وموقع استراتيجي وغيره.
لكن سنة بعد أخرى تحولت الأرجنتين إلى أرض الفرص الضائعة، إلى دولة ضائعة ماليا وهشة اقتصاديا واجتماعيا، معرضة للإفلاس مرة أخرى. تخضع للدائنين الدوليين، لا استقلال لها في قرارها الاقتصادي وربما السياسي، فالدائنون هم من يفرضون شروطهم على الجميع، وإلا ترك الدولة للتعثر المالي.
وسبب هذا الضياع هو الفساد والتوسع الكبير في الاقتراض الخارجي خاصة من صندوق النقد الدولي والذي اقترضت منه الأرجنتين عدة شرائح إنقاذ آخرها قرض بقيمة 44 مليار دولار تم الاتفاق عليها في إبريل الماضي، وقبلها تم الاتفاق على أكبر قرض في تاريخ المؤسسة المالية بقيمة 50 مليار دولار في منتصف عام 2018.
اليوم، باتت الأرجنتين ساحة للأموال الساخنة، ومجال خصب للمضاربين المحليين والدوليين للمضاربة في عملة البيزو والتي شهدت انهيارات كبيرة ومتواصلة في السنوات الأخيرة أحدثها خفضه قيمتها اليوم الثلاثاء بنسبة 18%، دفعت بمعدل غلاء الأسعار لمستويات قياسية، حيث يتجاوز معدل التضخم حاليا 118%.
ساعد في تعمق ذلك الوضع المالي المزري معاناة البلاد المستمرة من فاتورة ضخمة لأعباء الديون، وشح مزمن في العملات الأجنبية لا سيما الدولار، والانقلابات العسكرية.
الصورة الآن قاتمة داخل الدولة اللاتينية التي باعت أصولها الاستراتيجية لسداد أعباء الديون الخارجية، ورغم ذلك تعرضت الدولة للإفلاس عدة مرات، وأفلتت منه بأعجوبة قبل أسابيع، وقبلها باعت 40% من الشركات المملوكة للدولة و90% من البنوك.
ورغم حصولها على إيرادات ضخمة من عملية البيع فاقت 49 مليار دولار، لكن تلك الأموال لم تنفق على المواطن والخدمات، بل على سداد أعباء الديون، وبالتالي ذهبت للمستثمرين الأجانب وحائزي السندات الدولية والمضاربين وأصحاب الأموال الساخنة.
ومع حلول أعباء دين تسارع الأرجنتين للحصول على قروض جديدة لسداد المستحق منها.
ببساطة باتت الأرجنتين دولة مدمنة للاقتراض، فهي أكبر مقترض في تاريخ صندوق النقد الدولي، ونموذج صارخ للدول التي تعتمد على الخارج في الحصول على نقد أجنبي، دولة أصابها التدمير الكلي سواء للاقتصاد أو المواطن أو الأسواق بمساعدة الدائنين.
الأرجنتين غرقت في الديون، بمساعدة صندوق النقد الدولي الذي اعترف في نهاية يوليو/تموز 2004، بأن أخطاءه ساعدت في غرق الدولة وإفلاسها خلال أزمة العملة التي شلت اقتصاد البلاد قبل سنوات، وأنه يعتذر عن عدم منعه الحكومة الأرجنتينية من اتباع سياسات اقتصادية سيئة.
لكن بماذا يجدي الندم وسط سقوط دولة كان العالم يراهن على انضمامها لأضخم اقتصادات العالم، فإذا بها تحتل مرتبة أسوأ اقتصاد.
*مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الأرجنتين البيزو الأرجنتيني صندوق النقد الدولي قروض خارجية صندوق النقد الدولی ملیار دولار فی العالم قبل سنوات
إقرأ أيضاً:
جدارة سنغافورة
سنغافورة جزيرة تقع جنوب شرق آسيا قبالة الطرف الجنوبى لشبه جزيرة الملايو تبلغ مساحتها ٧١٠كم مربع وهى لا تتجاوز نصف مساحة مملكة البحرين ويسكنها خمسة ملايين شخص من نسيج سكانى متعدد الاعراق الصينيين الاغلبية والملايو والهنود ومتعددة المعتقدات الدينية فهناك البوذيون والمسلمون والمسيحيون والهندوس ولا تملك اى موارد طبيعية وفى منطقة تفتقر إلى الاستقرار السياسى وفى أعقاب استقلالها فى ١٩٦٥ راهن اكثر المتفائلين على فشل تلك الدولة وانه لن تقوم لها قائمة فى بلد متعدد العرقيات فالصراعات والاضطرابات الداخلية ستكون مصيرا محتوما يعرقل بناء الدولة وتأسيس اركانها ولكن على عكس كل التوقعات أصبحت الدولة الاكثر نجاحا فى التاريخ المعاصر وواحدة من اكثر الدول تطورا فى غضون اعوام قليلة وبعد اربعة عشر عاما فقط من الاستقلال فى عام ١٩٧٩، قام رئيس الصين دينج شياو بينج بزيارة إلى سنغافورة لبحث الخلاف بين كمبوديا وفيتنام وعاد مندهشا إلى بلاده لما رآه من تطور مذهل فى سنغافورة واجتمع مع الحكومة الصينية وقال لهم إن هناك دولا صغيرة فى طريقها لأن تتفوق علينا وذلك بسبب العلم والتعليم ووضع فى اولويات عمل الحكومة الصينية السباق العلمى والتعليم كمحور مهم ورئيس للنجاح وهذه الزيارة وتلك الرؤية كانت الانطلاقة الثانية لدولة الصين بعد ثلاثين عاما من تأسيس دولة الصين الشعبية فى ١٩٤٩ والحقيقة أن السؤال الذى طرحه الاباء المؤسسون لدولة سنغافورة هو البحث عن انجح الشركات فى العالم ومعرفة الاسباب التى أدت إلى نجاحها وتبين ان نجاج شركة شل العالمية بسبب حسن اختيار وكفاءة العاملين بالشركة وقال لى كوان يو رئيس الوزراء المؤسس إذا اردت ان تنشئ حكومة جيدة فلا بد من أن تسلم زمام المسئولية فيها إلى أشخاص جيدين ومن هذا المنطلق اتجهت الدولة إلى مبدأ الجدارة باعتباره طريقا للعمل والنجاح فتم وضع مجموعة من السياسات تمثلت فى سياسة تعليمية خاصة بمتابعة الموهوبين دراسيا حيث إن كل طفل او طفلة يملك أو تملك موهبة بطريقة خاصة يتم اعطاؤهم المنح كل فى تخصصه مع ابتعاثهم للخارج حتى أصبحت سنغافورة تحتل المرتبة الثانية بعد الصين فى عدد الطلاب غير البريطانيين فى جامعتى كامبردج وأكسفورد وعندما يتخرج الطلاب الذين مولت الحكومة منحتهم الدراسية يطلب منهم العمل من ٥ إلى ٨ سنوات فى المناصب الحكومية للدولة حيث تبحث الدولة عن المتفوقين دراسيا دون تمييز بين الطبقات ما أدى إلى تناغم غير مسبوق بين أفراد الشعب متعدد الاعراق والاديان كما عزز قيم المواطنة والانتماء حيث كل فرد يحظى بفرص متكافئة لشغل أفضل المناصب فى البلاد كما ساهم فى ارساء قواعد العدالة والإنصاف واصبح يصنف اقتصاد سنغافورة بأنه الأكثر انفتاحا فى العالم والثالث عالميا من حيث الناتج الإجمالى لدخل الفرد وجواز سفر دولة سنغافورة يصرح له بدخول ٧٦ دولة بدون تأشيرة وفى لقائنا مع سفير سنغافورة دومينيك جوه أدركت أهمية مبدأ الجدارة فلقد كان مهتما ويقظا بكافة التفاصيل وردوده مدروسة وهادفة وموسوعى الثقافة ويدون الملاحظات ويتعامل بجدية مع كافة المسائل ولما كان لمبدأ الجدارة مفعول السحر فى نجاح تلك التجربة نأمل ان تستلهم مصر هذا المبدأ وتطبقه فنحن بحاجة ضرورية لإعادة هيكلة الجهاز الإدارى للدولة مواكبا التطور التكنولوجى والنظم الحديثة فى الإدارة.