عشرات العائلات اللبنانية تنقل رفات قتلاها بعدما دفنوا كـودائع
تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT
بيروت – لم تتمكن عائلة ياغي اللبنانية من دفن ابنها محمد في بلدة زوطر الغربية الواقعة في قضاء النبطية بجنوبي لبنان بعد مقتله مع مجموعة من القتلى نتيجة غارة إسرائيلية استهدفت البلدة قبل أكثر من ثلاثة أشهر، ونتيجة القصف المكثف على المنطقة، قررت عائلة ياغي مع 15 عائلة أخرى دفن أقاربهم في مدينة صور كـ"وديعة" إلى حين انتهاء الحرب وليتمكنوا لاحقا من نقل الجثث ودفنها في مسقط رأسهم.
قصة عائلة ياغي ليست الوحيدة، إذ أصبح مصطلح "الودائع" شائعا في لبنان، حيث دفن العديد من اللبنانيين أقاربهم في أماكن متعددة بسبب ظروف الحرب، ومنهم أبو عيسى -أحد أبناء مرجعيون- الذي يروي للجزيرة نت قائلا "بسبب القصف المكثف لم نتمكن من نقل ابننا إلى بلدتنا، فدفناه في مدينة صور كوديعة، وعندما هدأت الأوضاع تمكنا أخيرا من نقل جثمانه ودفنه بالطريقة التي تليق به".
يؤكد أبو عيسى أن مبدأ الودائع كان خيارا اضطراريا، مضيفا "كنا حريصين على عدم تعريض حياتنا وحياة الأهالي للخطر أثناء دفن أقاربنا في مدينة النبطية، كانت الحرب قاسية، وكان لا بد من تأجيل دفنهم إلى حين استقرار الأوضاع".
أما أم حيدر، وهي من بلدة مارون الراس الحدودية، فتروي بحرقة للجزيرة نت كيف لا يزال سكان المنطقة الجنوبية محرومين من العودة إلى أراضيهم أحياء وأمواتا، وتقول "عندما علمت باستشهاد ابني غمرني حزن عميق، وبدأت أتساءل كيف لي أن أودع ابني أو أقيم له مراسم عزاء؟"، وتضيف "حتى الآن دفنته كوديعة في مدينة صور على أمل أن أتمكن من دفنه في بلدتنا قريبا".
إعلانأما سالي التي فقدت زوجها في غارة إسرائيلية فتقول "لم أكن أتصور أنني سأعيش لحظة دفن زوجي بهذه الطريقة، حين سمعت عن دفن الوديعة في بداية الحرب لم أكن أفهم معنى هذا المصطلح ولا شرعيته، لكن الواقع كان أقسى من أن أرفض، لم يكن أمامي خيار سوى الموافقة على هذه الطريقة، فقط لأتمكن من الوفاء بوعده وأدفنه في مسقط رأسه كما طلب".
أوضح رئيس طبابة قضاء صور الدكتور وسام غزال للجزيرة نت أن دفن "الودائع" بدأ في اليوم السابع من العدوان نتيجة العدد الكبير من الشهداء الذي تجاوز قدرة ثلاجات حفظ الجثث في المستشفيات، وأشار إلى أنه مع اليوم الأول من العدوان، أي بتاريخ الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2024، كان هناك نحو 85 شهيدا، ومع تزايد الأعداد تقرر البدء بدفن الجثث في مدفن الوديعة المؤقت.
وأضاف غزال أن مدفن الوديعة استوعب 191 قتيلا، موضحا أنه مع بداية العدوان كان بالإمكان نقل القتلى ودفنهم في قراهم وبلداتهم، إلا أن توسع دائرة الاستهدافات جعل ذلك أمرا بالغ الصعوبة.
وتابع أن "مدفن الوديعة فتح بعد أربعة أيام من انتهاء العمليات العسكرية يوم 26 نوفمبر/تشرين الأول الماضي لتسليم جثامين الشهداء إلى ذويهم كي يتم دفنهم في قراهم"، وأفاد بأنه تم تسليم جثث نحو 113 قتيلا، في حين بقيت بعض الحالات التي تعذر فيها وصول الأهالي لاستلام الجثث أو إتمام مراسم الدفن، ونتيجة لذلك لا يزال في مدفن الوديعة حوالي 45 قتيلا.
وأوضح غزال أن مدفن الوديعة هو قطعة أرض تابعة لبلدية صور، تم تخصيصها بالتعاون مع مخابرات الجيش اللبناني وتحت إشراف اتحاد بلديات قضاء صور، وأشار إلى أن العمل تم باسم وزارة الصحة العامة وبالتنسيق مع اتحاد البلديات والجيش اللبناني، إلى جانب الفرق الإسعافية التي تولت تجهيز القتلى.
وبيّن أن دفن الشهداء تم وفق ترتيبات لوجستية دقيقة، حيث تم تجهيز الجثمان وتكفينه ووضعه في تابوت خشبي مرقّم لتسهيل التعرف عليه لاحقا، وأضاف أن "الأرقام وزعت على ثلاث جهات رئيسية خلال فترة العدوان، مما أسهم في تنظيم العملية وضمان سيرها بكفاءة"، كما أكد غزال أن التعاون بين جميع الجهات المعنية كان أساسيا لإنجاز هذا الملف الإنساني الحساس.
شرح الشيخ أحمد حمود، في حديث للجزيرة نت، موضوع "الدفن الوديعة" وفقا للأحكام الشرعية في مذهب الشيعة الاثني عشرية، موضحا أن هذا النوع من الدفن يختلف عن الدفن العادي حيث يدفن الميت داخل صندوق، وأضاف أن "دفن الميت بهذه الطريقة يتيح إمكانية نقله لاحقا من مكان دفنه إلى آخر بشرط الحفاظ على الصندوق كما هو دون إخراج الجثة منه".
إعلانوأشار الشيخ حمود إلى أن هذا الإجراء يتوافق مع الضوابط الشرعية، مستندا إلى فتوى السيد علي خامنئي التي تجيز نقل الميت المدفون في صندوق مغلق إلى مكان آخر بشرط نقل الصندوق دون المساس بالجثة، وأكد أن "الوديعة" تعني أن الميت يدفن داخل صندوق، ويجوز نقله طالما بقي داخل الصندوق، بينما لا يجوز نبش القبر في حال عدم دفن الميت بهذه الطريقة.
ونتيجة لتداعيات الحرب التي منعت العديد من أبناء البلدات الجنوبية من العودة إلى مناطقهم، تم إنشاء مقبرتين مؤقتتين، واحدة في مدينة النبطية، وأخرى في مدينة صور لدفن الودائع.
يُذكر أنه في حرب يوليو/تموز 2006، تم إنشاء مقبرة مؤقتة في مدينة صور خصصت لدفن جثث 138 قتيلا، وبعد توقف العدوان تم استخراج تلك الجثث ليتم دفنها في مسقط رأس كل قتيل تكريما لذكراهم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی مدینة صور للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
الحريري عشية ذكرى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية: كلنا مدعوون لأخذ الدرس من تلك الحرب
لبنان – أكد رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سعد الحريري عشية ذكرى اندلاع الحرب الأهلية في لبنان في 13 أبريل 1975، إن الجميع مدعو لأخذ الدرس من تلك الحرب والخروج من عقلية الميليشيا.
وأشار الحريري في بيان، إلى أن “الذكرى الخمسين على اندلاع الحرب الأهليّة المشؤومة تحل ولا يزال بلدنا يعاني من حروب عبثية وأزمات مفتوحة واعتداءات إسرائيلية يومية”.
وشدد على “أننا اليوم كلنا مدعوون لأخذ الدرس من تلك الحرب التي دمرت بلدنا وأودت بحياة خيرة شبابنا، بأن نخرج من عقلية الميليشيا إلى رحاب الدولة التي تتسع للجميع بشرط احترام دستورها والالتزام بقوانينها والحفاظ على مؤسساتها والدفاع عن استقلالها”.
وختم قائلا: “العبرة الأهم من أوجاع ومآسي الحرب الأهلية، أن ننزل من بوسطة المصالح الفردية والطائفية، ونركب بوسطة الشرعية نحو دولة عادلة وقادرة”.
واندلعت شرارة الحرب الأهلية اللبنانية في 13 أبريل 1975، عندما تعرضت حافلة تقل فلسطينيين لإطلاق نار في منطقة عين الرمانة شرق بيروت، فيما عرف لاحقًا بـ”حادثة بوسطة عين الرمانة”.
وأسفر الهجوم عن مقتل عدد من ركاب الحافلة، ليتحول الحادث سريعا إلى نقطة اللاعودة في سياق من التوترات السياسية والطائفية والاجتماعية المتصاعدة، ويدخل لبنان في واحدة من أكثر الحروب دموية وتعقيدًا في تاريخه الحديث.
واستمرت الحرب ما يقرب من خمسة عشر عاما (1975–1990)، حيث انقسمت البلاد إلى خطوط تماس طائفية وجغرافية، وشهدت بيروت نفسها انقساما حادا بين شرقية وغربية.
كما تعرضت مناطق لبنانية عدة لمجازر وتهجير، وظهرت ميليشيات مسلحة على أساس طائفي، من أبرزها الكتائب اللبنانية، وحركة أمل، والحزب التقدمي الاشتراكي، وحزب الله، والقوات اللبنانية، إضافة إلى فصائل فلسطينية عديدة.
وشهدت الحرب تدخلات متعددة، أبرزها الاجتياح السوري للبنان عام 1976، والاجتياح الإسرائيلي عام 1982 الذي بلغ العاصمة بيروت، وأدى إلى خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان.
كما اغتيل عدد من الشخصيات السياسية والإعلامية، وكان من أبرز الأحداث اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رشيد كرامي، وبشير الجميل الرئيس المنتخب الذي لم يتسلم مهامه.
وانتهت الحرب رسميا بتوقيع اتفاق الطائف في عام 1989، الذي أعاد توزيع السلطات بين الطوائف وأرسى أسس التسوية السياسية، تلاه دخول الجيش السوري إلى معظم مناطق لبنان بغطاء عربي ودولي، حيث بقي حتى عام 2005.
المصدر: RT