محمد أزهري: الناقل المأجور!
تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT
غبت عن المنزل أيام معدودة، عُدت في عصرية هالكة، الحي يشبه لحد بعيد ساحة معركة أخلاها الجنود، الناس لزمت سواترها من الطوائش وطارئات القتال، قفزت حائط المنزل بسرعة وحذر حتى لا يرديني جار صريع، كدت أن أفقد أسناني الأمامية من أثر الهبوط، وجدت أبواب الغرف بدون أقفال،
يبدو أن لصوص تاورهم حنين السرقة والتخفي، في وقت أُبيحت فيه ممتلكات الناس علانية في وجودهم،
غنموا منزلي و أفرغوه من كل شيء ثمين، نسوا ثلاجة وغسالة ومعهما الجدران، سرقوا حتى (العِدة) و تركوا الملابس، بقيت أحرس ما قد يعودوا إليه مثل خفير فحم عجوز على قارعة السوق مُسلح بالأبيض، ينام نهاراً و يستأنس ليلاً بمذياع قديم معلق على طرف (عنقريب)، يبث لمحمد أحمد عوض وصديق الكحلاوي شيء من خالدات أغاني الحقيبة، ظللت إلى وقت قريب على هذا النحو، شعرت بخطر ما بدأ يلوح منذ آخر تغطية أجريتها طرف الحي، إذ لا جدوى لأي شيء مقابل الحياة.
آخيراً قررت مغادرة المنطقة إلى أخرى آمنة، أخليت أغراضي من المنزل، استعنت بصديق وزميل مهنة صاحب سبع صنائع، يجيد أعمال البناء، أغلقنا البوابة بطوب (بلك)، في آخر مدماك أقر بأنه اكتشف فيني (طُلبة) ماهر له مستقبل واعد في عالم الإنشاءات المدنية.. لا أدري هل هو جاد يُعظم أم ضاحك يُقلل، لكن ما أعلمه أنني كنت أصعد سلم حديدي أناوله (المونة)، ثم أنزل أفرغ (جك موية) في جوفي، أنظر إليه وأنا ممد على الأرض في حالة أشبه بمضروب كومة سكري، وأقول (والله الطوب إلا تنتظرني ليه شوية)، أكثر ما يغيظني كان يضع المسطرينة جانباً ويضحك.
أنهينا مهمة تأمين المنزل بنجاح، تبقت عملية نقل أغراضي إلى منطقة أخرى وهذه مهمة عسيرة قد تضعك في خانة (شفشاف) محترف ..
أرشدني صديقي على سائق (أستايركس) في الحي يخبر الدروب ويجيد التعامل مع الإرتكازات، حتى يكاد يعين مدير أعمال لجدولة المشاوير وإستلام (العرابين)، طرقنا باب منزله منتصف نهار مشتعل، خرج علينا غاضب منتفخ الأوداج يعدل جلباب إرتداه حديثاً، أظننا تطفلنا عليه دون مواعيد مسبقة و أيقظناه من نومة عميقة، طلبنا مشوار قبل أن نقدم شروحات المسار ونهاية الرحلة رد (يا شيخنا أنا ماماشي الحتة دي شوف ليك تكتك)، حينها بدأ لي وكأنه الممثل الأمريكي الشهير “جيسون ستاثام” في فيلم (Transporter) أو (الناقل) ويلعب فيه دور سائق سيارة مأجور ينفذ عمليات نقل خطيرة في أي مكان بدون طرح أسئلة مقابل المال .. تركنا ودخل منزله.
تسللت خارج الحي إلى محطة أقرب لثكنة عسكرية، تعج ببائعات الشاي والكسرة، تكتظ بجنود مدججين بالأسلحة، استعطفت سائق كريز لكنه رفض بحجة تأخر الوقت بحيث لا يسعفه ضوء الشمس في العودة وخطورة الطريق،
لاح سائق (يورفان) قديم متهالك مصاب بعِلة عادم حولت صوته لإنتنوف مقاتلة أرعب بعض الجنود، وجدته ملئ بإيطارات سيارات مستعملة بدلاً عن الركاب،
السائق رجل كبير لا يهاب الموت في سبيل لقمة عيش أبنائه، اتفقنا على القيمة ثم ذهبت معه إلى منزل داخل حي أكثر توغلاً في مناطق الخطورة، أنزلت معه الحمولة لتوطيد العلاقة حتى لا يتهرب مني، توجهنا إلى المنزل، رفعنا (بُقج) كنت قد أعددتها بطريقة عشوائية لتدل على تدابير الرحول المفاجئ،
السائق سمعته يهمهم (الله يستر)، سألته قال من الشارع، قلت أمين، حملنا العربة بالأغراض، ثم ألقيت نظرة الوداع الآخيرة على جدران المنزل من الخارج، كأنك تودع شيء عزيز أو بالضبط كما تلقي نظرة وداع آخيرة على فلذة كبد رحل فجأة،
كنت ضمن قلائل بتمسكين بالديار والتحنان للمكان وإلفة الجيران، غادرنا الحي من الناحية الغربية، عند أول لفة صاح سائق حافلة (يا عم فلان والله نهايتك مرة بقيت تشفشف البيوت)،
رد بصوت عال ( دا زول راحل زول راحل يا وهم)، إختلس نظرة لوم وهو يصارع الجربوكس يرمي نمرة اتنين ويقول (والله الواحد ما عارف يقبل وين)، قُلت (والله خطفتها من خشمي).
محمد أزهري
17/8/2023
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
د. وليد عبد الحي يرسم خارطة طريق مستقبل ترامب والإنعكاسات على الشرق الأوسط
رسم أستاذ العلوم السياسيّة الدكتور وليد عبد الحي، ملامح المرحلة المستقبليّة لحكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإنعكاساتها على منطقة الشرق الأوسط.
وقال الأستاذ الدكتور عبد الحي في محاضرة له عقدها معهد الشرق الأوسط للإعلام والدراسات السياسية لمناقشة السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط خلال فترتي حكم دونالد ترامب وتأثيرها على المنطقة، إنّ السياسة الأمريكية لا تتغير جذريًا بتغير الرئيس، بل تحكمها المؤسسات العميقة التي تضمن استقرار التوجهات الأمريكية على الصعيدين الداخلي والخارجي، مشيرًا إلى أن الفارق بين الجمهوريين والديمقراطيين في القرارات الاستراتيجية يكاد يكون معدومًا، وهو ما تؤكده الإحصاءات التاريخية بشأن الحروب، التحالفات، والعلاقات الدولية.
وأوضح الدكتور عبد الحي أن تغيير الرؤساء في الولايات المتحدة لا يؤدي بالضرورة إلى تغييرات جذرية في السياسة الخارجية، مشيرًا إلى أن البيانات التاريخية منذ عام 1875 تظهر استقرارًا في النهج السياسي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، سواء في قرارات الحرب، دعم إسرائيل، أو فرض العقوبات الاقتصادية.
كما تطرقت الندوة إلى دور اللوبيات المؤثرة في السياسة الأمريكية، موضحًا أن مصلحة الولايات المتحدة تتلاقى مع مصلحة اللوبي الاسرائيلي، حيث يسعى كلاهما لضمان عدم توحيد المنطقة العربية. ورغم أن اليهود يشكلون نسبة ضئيلة من الناخبين الأمريكيين (أقل من 2%)، إلا أن تأثيرهم يتعاظم عبر تواجدهم في المؤسسات السياسية والإعلامية والاقتصادية، مما يمنحهم نفوذًا يفوق وزنهم العددي.
تناول الدكتور عبد الحي أيضًا شخصية ترامب، مستندًا إلى دراسة أعدها 35 بروفيسورًا أمريكيًا في علم النفس، واصفين إياه بأنه شخص غير متوقع التصرفات (Unpredictable)، مما يزيد من احتمالات تعرضه للعزل أو الاغتيال، وفقًا للإحصائيات التاريخية لمحاولات اغتيال الرؤساء الأمريكيين. كما أشار إلى ارتباطاته السابقة مع روسيا، والتي كانت محور تحقيقات موسعة داخل الولايات المتحدة.
فيما يخص الشرق الأوسط، أوضح الدكتور عبد الحي أن المنطقة تعاني من الهشاشة السياسية، حيث تحتل الدول العربية مراكز متأخرة عالميًا في الاستقرار السياسي ومعدلات الفساد، مما يجعلها ساحة سهلة للتدخلات الأجنبية. كما لفت إلى أن الإنفاق العسكري العربي مرتفع جدًا، حيث تفوق ميزانية الدفاع السعودية وحدها ميزانيات تركيا، إيران، إسرائيل، مصر، والجزائر مجتمعين، وهو ما يعكس غياب الرشد السياسي في اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
كما أشار إلى أن الولايات المتحدة تتعامل مع المنطقة بمنطق الفرصة الاستثمارية، وليس وفقًا لمعايير حقوق الإنسان أو دعم الاستقرار، مستدلًا بتصريحات ترامب حول غزة، التي اعتبرها غير صالحة للسكن دون الإشارة إلى أن إسرائيل هي من دمرتها.
الندوة شهدت تفاعلًا واسعًا من الحضور، حيث طُرحت تساؤلات حول كيفية صعود ترامب للسلطة رغم شخصيته غير المتزنة، وعن العلاقة بين القمم العربية المتعددة والأجندات السياسية الإقليمية، إضافة إلى دور الإعلام في تشكيل صورة القادة السياسيين في الغرب.
وفي ختام الندوة، أكد الدكتور عبد الحي أن الولايات المتحدة لا تحكمها العواطف أو الولاءات، بل تحكمها المصالح والاستراتيجيات طويلة المدى، وأن أي رهانات على تغير السياسات الأمريكية بتغير الرئيس هي رهانات غير واقعية.
وكالة عمون الإخبارية
إنضم لقناة النيلين على واتساب