إيران بين الآيديولوجيا والبحث عن الأمن القومي
تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT
دائماً تحتل الآيديولوجيا في الأنظمة الشمولية مكاناً مميزاً، وبعضها يقدمها على ضرورات الأمن القومي، وقد تضطر عند الضرورة القصوى لتغليب الأمن القومي على الآيديولوجيا؛ لذلك شاهدنا الخميني الراحل يقول -بألم بالغ- إن قبوله وقف الحرب مع العراق بمثابة تجرعه لكأس السم. لكن إيران في عهد خامنئي عادت للتمسك بالآيديولوجيا رغم تعرضها لهزائم واضحة؛ فأكدت أن ما حدث في لبنان صمود يرقى للانتصار على إسرائيل، وما حدث في سوريا تراجع تكتيكي وليس هزيمة.
ولنفترض -جدلاً- أن الحرب مع إسرائيل صمود في ثوب انتصار؛ لكن تكراره سيوصلنا إلى ما قاله الملك اليوناني بعد انتصاره على الرومان عام 279 قبل المسيح: «مع تكرار انتصار كهذا ستكون نهايتنا»؛ لا غرابة إذن أن يؤدي صمود كهذا لاحتلال الجنوب اللبناني، وربما أبعد.
كذلك يؤكد سقوط نظام الأسد، وتبرير إيران لذلك بأنه مؤامرة إسرائيلية- أميركية، وخيانة دولة مجاورة، وتجاهل الأسد للنصيحة، أنها لم تتعلم من درس لبنان؛ بل بقيت الآيديولوجيا تلون الواقع وترسم المستقبل الوردي. هذا التبرير يتعامى عن أن سبب وجود إيران في سوريا بالأساس هو مواجهة إسرائيل وأميركا، وبالتالي كيف تتعرض لمؤامرة وهي هناك لمحاربتها وهزيمتها؟! إنه نكران الواقع بامتياز، وإنه لحظة انكشاف أن الإمبراطور عريان.
هذا بالذات يستدعي تساؤلات حول التفاضل بين الآيديولوجيا والأمن القومي؛ فالأوطان تبقى، بينما الآيديولوجيات تتعدل، أو تختفي ولا تظهر إلا بعد أجيال. ولحماية الوطن الإيراني تجد القيادة نفسها أمام تحديات عدَّة، لعل أهمها اثنان: السلاح النووي الإيراني، والعودة إلى الحدود الطبيعية.
لم يعد السلاح النووي بمأمن بعد زوال أذرع إيران من المنطقة، ومع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب للسلطة، وبعد تدمير إسرائيل لدفاعات إيران الجوية، ومصانع إنتاج الصواريخ، واحتمال حل الأزمة الأوكرانية. فالرئيس ترمب العائد للسلطة معه ماركو روبيو وزيراً للخارجية، ومايك والتز مستشاراً للأمن القومي، وكلاهما من الصقور، وموقفهما العدائي من إيران جلي؛ ومعه كذلك قيادة يمينية (متشددة) في تأييدها لإسرائيل، مما يعني أن إيران لديها احتمالان: مواجهة أميركا، وهي معركة خاسرة عسكرياً واقتصادياً، بعد تهديم محور الممانعة، أو القبول بالتفاوض ووضع مراقبة دولية على برنامجها النووي. هذان الاحتمالان في غاية الصعوبة؛ لأن الآيديولوجيا لا تزال المُسيِّرة للتفكير الإيراني، وإذا لم يتغلب الأمن القومي بواقع الضرورة، فإن إيران ذاهبة لمواجهة مع أميركا ستنتهي بدمار برنامجها النووي، أو على الأقل العيش في ضنك اقتصادي شديد، قد يؤدي إلى تفجير ثورات من الداخل. وإذا ما تغلبت فكرة الأمن القومي -وهو المرجح- فإن إيران ستقبل تجرع كأس السم، كما تجرعه الخميني في حربه مع العراق، وتضع برنامجها النووي تحت المراقبة. وفي حال قبلت بالخيار الأخير فإن إيران تكون قد خسرت هدفها الأكبر، وهو حيازة السلاح النووي الهادف لردع أعداء الثورة.
أما خيار العودة للحدود الطبيعية، فليس في حقيقته خياراً إيرانياً، إنما هو تكريس لموت الآيديولوجيا، وانتصار لفكرة الوطن وحدوده؛ فإيران بانكفائها لحدودها، وبعيداً عن فكرة التوسع الآيديولوجي الديني، ونشر فكر الثورة، ستجد نفسها أمام مراجعة حقيقية، وحصاد مُر. لقد ضيع الإيرانيون على أنفسهم منذ عام 1979 فرصة بناء دولة طبيعية، ومضوا في فكرة الدولة الثورية، وسيكتشفون أن الدولة الثورية لم تعُد عليهم بالنفع، ولم تجلب سوى العداوات، ونبش الأحقاد التاريخية، وبناء السدود بين الجيران، وتحمل شظف العيش.
الثابت في رحلة الآيديولوجيا الإيرانية، وقبلها الاتحاد السوفياتي، أن فرض قناعات بالقوة على شعوب لتوسيع نفوذ الدولة الثورية، وتكريس الهيمنة الاقتصادية والعسكرية، هو الفشل الصارخ؛ فالشعوب وإن قبلت تحت وطأة القوة، أو براعة التزييف، فلا بد من أن تصحو، وتنتفض كما انتفض السوريون ضد بشار الأسد المؤدلج بعثياً، وضد إيران المؤدلجة ثورياً. فبشار الأسد لم يكن يتصور، بعد قمعه ثورة شعبه، وبعد نشر إيران وروسيا قواتهما، ورفعه شعار الآيديولوجيا كغطاء، لم يتصور -وكذلك إيران- أنهما سيخسران كل شيء؛ وهذا طبيعي لأن الآيديولوجي لاعب مقامر يعتقد دائماً أنه كاسب، وإن خسر فإنه يضاعف رهانه وتتعاظم خسارته، بينما الاستراتيجي تكون أولويته الأمن القومي، ولا يتردد أبداً في طرح الآيديولوجيا جانباً لحماية أمنه القومي.
السؤال: ماذا ستفعل إيران؟ لا أحد يعرف إلا المرشد خامنئي.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إيران وإسرائيل الأمن القومی
إقرأ أيضاً:
الجهاد الإسلامي: صمود المقاومة أجبر إسرائيل على التراجع عن أهدافها
قال محمد الهندي نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، إن إسرائيل كان بإمكانها توقيع اتفاق وقف إطلاق النار قبل 6 أشهر، مشيرا إلى أن صمود المقاومة والشعب الفلسطيني أجبرها على التخلي عن أهدافها المعلنة وغير المعلنة.
وأضاف الهندي -في مقابلة مع الجزيرة- أن إسرائيل كانت تسعى لاستعادة أسراها بالقوة، وإزاحة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن حكم قطاع غزة، وتهجير سكان شمال القطاع، لكنها فشلت في تحقيق أي من هذه الأهداف.
وأكد أن صمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بأرضه رغم آلة الموت والدمار، إلى جانب استمرار عمليات المقاومة حتى الأسبوع الماضي في بيت حانون، أجبر إسرائيل على البحث عن حل.
أجندة أميركية
وأشار القيادي الفلسطيني إلى أن استطلاعات الرأي في إسرائيل أظهرت أن أكثر من 80% من الإسرائيليين يؤيدون وقف إطلاق النار مقابل استعادة الأسرى، مضيفا أن الإدارة الأميركية لديها أجندة تتطلب تحقيق الاستقرار في المنطقة.
وحول المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال في غزة بعد توقيع الاتفاق، أكد الهندي أن ذلك يعكس "الحقد الدفين" لدى إسرائيل، التي لا تريد رؤية الفرحة على وجوه سكان القطاع، داعيا الفلسطينيين إلى أخذ الحيطة والحذر حتى بدء تنفيذ الاتفاق يوم الأحد.
إعلانوفيما يتعلق بضمانات تنفيذ الاتفاق، أوضح الهندي أن المرحلة الأولى تشمل الإفراج عن كبار السن والمرضى والمجندات، لكن المرحلة الثانية، المتعلقة بالجنود والضباط الإسرائيليين، تمثل "الضمانة الأساسية" التي ستجبر إسرائيل على تنفيذ الاتفاق كاملا، بما في ذلك وقف العدوان والانسحاب الشامل من قطاع غزة.
وشدد على أن المقاومة تحتفظ بورقة مهمة تتمثل في الجنود والضباط الإسرائيليين الأسرى، مما سيضطر إسرائيل للمضي قدما في تنفيذ كافة بنود الاتفاق للإفراج عنهم، مشيرا إلى وجود ضمانات أخرى تم طلبها من "الأصدقاء".