روايات مؤلمة.. مخيمات النازحين تفترش ساحات وشوارع مدينة غزة
تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT
الثورة /وكالات
مع إمعان جيش الاحتلال الإسرائيلي بالإبادة والتطهير العرقي بمحافظة شمال قطاع غزة، تتواصل موجات النزوح نحو مدينة غزة حيث يعيش النازحون أوضاعا إنسانية قاسية داخل مخيمات إيواء مؤقتة.
وشهدت مدينة غزة انتشار مخيمات جديدة في ساحات عامة ونوادٍ وملاعب لاستقبال النازحين من شمال القطاع، تضم مئات العائلات التي اضطرت إلى النزوح تحت تهديد القصف والموت.
وفي هذه المخيمات البدائية، يعاني السكان من نقص حاد في إمدادات الطعام والمياه، إضافة إلى الأجواء المناخية شديدة البرودة التي تزيد من معاناتهم. ورغم المبادرات الشعبية والخيرية التي تحاول توفير بعض الاحتياجات الأساسية، إلا أن الإمكانيات المحدودة لا تكفي لسد احتياجات يومية.
وقبل بدء العدوان العسكري في 5 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كان يعيش في محافظة شمال القطاع نحو 200 ألف فلسطيني، إلا أن التهجير القسري أدى إلى نزوح نحو 130 ألف شخص، بحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
وتوجه النازحون إلى مدينة غزة، خاصة مناطق الغرب والوسط، بعد رفضهم الانتقال إلى جنوب القطاع كما طلب الجيش الإسرائيلي.
وفي ظل سياسية الحصار المطبق على المحافظة، منع جيش الاحتلال دخول أكثر من 8 آلاف شاحنة مساعدات وبضائع من الدخول، بحسب بيان للمكتب الإعلامي الحكومي. ويؤكد مسؤولون أمميون أن جيش الاحتلال يرفض بشكل متكرر طلبات السماح بإدخال مساعدات للمحافظة التي أعلنتها حكومة غزة في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، “منطقة منكوبة”.
مخيمات جديدة
وعلى مدار أيام حرب الإبادة الجماعية التي سبقت العملية العسكرية في محافظة الشمال قبل نحو شهرين، لم يعتد أهالي مدينة غزة على رؤية تجمعات المخيمات هذه.
فكان كل من ينزح أو يتم تدمير بيوتهم يلجأون إلى منازل أقاربهم وأصدقائهم أو مراكز النزوح في المدارس والمراكز الصحية. لكن مع ازدياد أعداد نازحي الشمال بشكل كبير فإنه لم يعد هناك متسع في المنازل أو المراكز، ما اضطر النازحون للإقامة داخل هذه الخيام التي لا تحميهم من غارات إسرائيلية قريبة، ولا تقيهم برد الشتاء.
وفي 5 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي اجتاح جيش الاحتلال شمال قطاع غزة. ويقول الفلسطينيون إن جيش الاحتلال يرغب في احتلال المنطقة وتحويلها إلى منطقة عازلة بعد تهجيرهم منها تحت وطأة قصف دموي ومنع إدخال الغذاء والماء والأدوية.
وإثر تلك العملية، اضطر عشرات الآلاف من فلسطينيي شمال القطاع إلى النزوح قسرا باتجاه مدينة غزة، حيث أقام معظمهم في خيام ومراكز إيواء.
أوضاع صعبة
وفي مخيم جديد أقيم وسط مخيم الشاطئ غرب غزة، نزحت عائلة رشدي غبن من بلدة بيت لاهيا قبل شهر، ويقول إن عائلته تتكون من 13 فردا ولا يوجد لهم معارف أو أقارب بمدينة غزة، فاضطر للبحث عن خيمة بعد المبيت ليومين في الشارع.
ويضيف غبن واصفا الحياة في المخيمات: “الوضع في الخيام صعب جدا خاصة في أوقات الليل التي يشتد خلالها البرد.. لكن يبقى أهون من الشارع والعراء”. ويتابع: “كثير من النازحين من بلدة بيت لاهيا لجأوا إلى الخيام لأنه لا يوجد لهم بديل ومكثوا فيها على أمل الرجوع القريب إلى منازلهم وممتلكاتهم”.
ويشير إلى أنهم لم يرغبوا في “مغادرة بيت لاهيا لولا أن الجيش الإسرائيلي أخرج الجميع منها بالقوة”. ويختم قائلا: “رضينا بحياة الجوع والعطش داخل منازلنا في بلدتنا حتى لا نخرج منها للخيام، لكننا للأسف في النهاية اضطررنا للخروج للحفاظ على أرواحنا”.
غياب البدائل
وفي مخيم آخر أقيم في حي النصر غرب مدينة غزة، تعيش فيه عشرات العائلات النازحة من شمال قطاع غزة، يقول يحيى زقوت وهو من بين الذين يسكنون المخيم برفقة عائلته: “اليوم لا مكان يؤوي النازحين سوى المخيمات في مدينة غزة لأن البيوت والمدارس لم يعد فيها متسع”.
ويتابع: “كل شوارع مدينة غزة وساحاتها العامة تحولت إلى مخيمات تؤوي نازحين… فلا يوجد بديل للناس”، واصفا حياة الخيام بـ “الصعبة والمرة والممتلئة بالقهر طوال الليل والنهار”. ويلفت زقوت إلى أنهم “رفضوا الخروج من شمال قطاع غزة والنزوح جنوباً بداية الحرب لتجنب حياة الخيام والتشرد”.
ويتابع: “بعد الصمود لأكثر من 14 شهراً أجبرنا الاحتلال على هذه الحياة المليئة بالذل والإهانة والتي لا يوجد فيها أدنى مقومات الحياة الإنسانية كل ساكن في الخيام يعاني قهرا وألما داخليا لا يمكن وصفه لأن كل تفاصيل الحياة متعبة، خاصة مع البرد الشديد في ساعات الليل الذي بات يأكل أجسادنا”.
ويضيف: “نتمنى في أقرب وقت أن ينتهي اجتياح شمال القطاع وتتوقف الغارات والاستهدافات الإسرائيلية ونعود إلى بلداتنا وأحيائنا بسلام”.
أوضاع مأساوية
وتروي الشابة ريم، الفلسطينية والنازحة من شمال غزة، معاناتها، حيث هجرت برفقة أسرتها قسرا تحت القصف الإسرائيلي المكثف والحصار الذي فرضته قوات الاحتلال. وتقول لوكالة الأناضول إن رحلة النزوح كانت محفوفة بالمخاطر، خاصة بالنسبة لكبار السن والأطفال الذين عانوا من الجوع والجفاف والعطش.
وتضيف، أن وصولها إلى غرب مدينة غزة كان بعد مواجهة أجواء طقس قاسية حيث كان تساقط للأمطار ورياح شديدة، “فقد لجأنا إلى مدينة غزة دون أي مأوى يحمي عائلاتنا، نعاني من نقص الملابس والطعام، ونعيش في ظروف قاسية للغاية، ولا أحد يلتفت إلينا بعين العطف أو الرحمة”.
ورغم المعاناة، تعرب الشابة الفلسطينية عن أملها قائلة: “أتمنى أن تنتهي الحرب قريبا وأن أعود إلى منزلي في بلدة بيت لاهيا”.
نزوح شاق وقاسٍ مع طفل معاق
أما محمد أبو عايش، وهو فلسطيني نازح آخر، فقد تحدث عن مأساته قائلا: “نزحنا من شمال غزة بعد أن قصفت قوات الاحتلال إحدى المدارس التي كنا نحتمي بها لمدة 20 يوما”. ويضيف: “أسفر القصف عن إصابة أكثر من 40 شخصا، بينهم أطفال ونساء”.
ويتابع: “اضطررنا إلى الفرار عندما وقع القصف، وتوجهنا إلى غرب مدينة غزة، كنت أعاني أثناء النزوح بسبب عدم وجود وسيلة نقل، واضطررت إلى حمل طفلي المعاق طوال الطريق وسط ظروف قاسية واستهدافات مستمرة”. ويشير إلى أن الوضع في مخيمات النزوح مأساوي حيث إنها تفتقر لأدنى مقومات الحياة من ماء وطعام وفراش.
بين القصف والنزوح
من جانبها، تحدثت عبير الرضيع، وهي نازحة من بيت لاهيا، عن تجربتها قائلة: “نزحنا تحت القصف والدمار، عشنا أصعب أيام حياتنا، القصف كان من كل جانب، ودُمرت منازلنا بالكامل”. وتضيف: “لجأنا في البداية إلى المدارس، لكن القوات الإسرائيلية حاصرتنا بالطائرات، ما اضطرنا إلى النزوح مع الآلاف من السكان”.
وتشير الرضيع إلى تدهور أوضاعها قائلة: “لم نتمكن من حمل سوى القليل من الأغراض معنا، الآن، نعاني من أمراض مختلفة بسبب الظروف السيئة”. وتابعت: “لا توجد هنا خيام، ولا طعام، ولا ماء صالح للشرب، ولا حتى فراش للنوم، طفلي تعرض لهجوم من كلب، والحشرات منتشرة في كل مكان”.
ولم يسمح جيش الاحتلال للنازحين بحمل أمتعتهم أثناء النزوح، ما جعل حياتهم داخل الخيام ومراكز الإيواء غاية في الصعوبة، وتفتقر إلى أبسط مقومات العيش الإنساني. وحسب المكتب الإعلامي الحكومي، فقد بلغ عدد النازحين داخل القطاع منذ بدء الإبادة الجماعية الإسرائيلية مليوني شخص من أصل 2.3 مليون إجمالي الفلسطينيين فيه.
وبدعم أمريكي يرتكب الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023 إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 151 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
بلاطة أكبر مخيمات الضفة وعش الدبابير
يعد أحد أكبر مخيمات الضفة الغربية، ويتميز بنشاطه السياسي على مستوى قضايا اللاجئين في فلسطين، أسس مخيم بلاطة عام 1950 شرقي مدينة نابلس بالضفة الغربية على أرض زراعية استأجرتها الحكومة الأردنية من أراض تابعة لقرية بلاطة بأقصى الطرف الغربي من سهل عسكر، وأنشأته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) نتيجة التهجير بعد نكبة 1948.
ويعود اختيار مكان المخيم حسب بعض المصادر إلى خصوبة أرضه؛ حيث كان في ذهن المؤسسات الإغاثة الدولية تمكين اللاجئين من العمل في الزراعة.
مشهد لمخيم بلاطة في بدايات التأسيس
وبني على أرض ضيقة مساحتها 0.25 كيلومتر مربع، ويعد أحد أكثر مخيمات الضفة كثافة، إذ بلغ عدد سكانه عام 2023 أكثر من 23 ألف لاجئ حسب الموقع الرسمي لـ(الأونروا) ويشكلون ما نسبته 12.3% من اللاجئين المسجلين في الضفة الغربية، بينما كان يضم نحو 5 آلاف لاجئ عند تأسيسه.
ويعاني سكانه الذين ينحدرون من عشرات القرى التابعة لمناطق اللد والرملة ويافا وتعود أصول 60% منهم إلى عرب السوالمة، الجماسين الغربي، سلمة، عرب أبو كشك، طيرة دندن، الجماسين الشرقي، الشيخ مونس، كفر سابا وبيت دجن وأصول بدوية، من نقص في الرعاية الصحية فضلا عن الاجتياح الإسرائيلي المتكرر.
سمي المخيم بهذا الاسم نسبة إلى قرية بلاطة المجاورة التي أقيم على أراضيها، والذين عرفوا باسم البلالطة أو البلاطيين، فأخذت القرية اسمهم وسميت بلاطة، وسمي المخيم باسمها.
وثمة رواية تقول بأن بلاطة مفرد بلاط، وقد ذكر سكان هذا البلد أن الماء يخرج من بلاطة من الصخور الموجودة تحت مستوى سطح الأرض.
وفي رواية أخرى، قيل إن القرية سميت بلاطة للدلالة على قساوة صخورها، لأن البلاط يطلق على الوجه الصلب للأرض فسمي المخيم نسبة إليها.
ورواية رابعة تقول أن ساحة العين وعين الماء كانتا في الحارة الغربية، أي أنهما تبعدان عن عين الماء الحالية من جهة الغرب حوالي مائة متر تقريبا، وعلى جانب عين الماء كانت شجرة بلوط، حيث سميت القرية بالبلوطة في بادئ الأمر، وبعدها سميت بلاطة نسبة إلى البلوطة.
تحيط بالمخيم عدد من الآثار القديمة منها تل بلاطة وكنيسة بئر يعقوب التي تعد مزارا للعديد من السياح.
وبسبب زيادة حالة اللجوء إلى المخيم وزيادة عدد سكانه في ظل المساحة الجغرافية نفسها، زادت مرحلة التوسع العمودي العشوائي.
صورة لأحد أحياء المخيم.
ويعاني المخيم من مشاكل حادة تعصف بشبكتي المياه والمجاري رغم ارتباط شبكة المياه والكهرباء ببلدية نابلس.
وتعاني مدارس المخيم اكتظاظا في الصفوف المدرسية، ولذلك لجأت إلى تقسيم الدوام إلى فترتين في اليوم الواحد، مسائية وصباحية.
ويعاني المخيم منذ تأسيسه من ارتفاع نسبة الفقر والبطالة وتدني المستوى الاقتصادي للعديد من الأسر، وتفاقم هذا الوضع بسبب سياسة تقليص الخدمات التي انتهجتها "الأونروا". ونسبة الفقر في مخيم بلاطة هي الأعلى بين المخيمات الفلسطينية، بسبب كثرة عدد سكانه وضيق مساحته وقلة فرص العمل.
وشهد مخيم بلاطة خلال سنوات انتفاضة الأقصى أو ما عرف بـ"الانتفاضة الثانية" استهدافا شديدا من قِبل جيش الاحتلال، وتعرض خلالها لاجتياحات واسعة واستهداف لأبنائه.
ففي عام 2002 شن الاحتلال عملية عسكرية واسعة في المخيم، تعرض خلالها لاستهداف جوي من طيران الاحتلال، وعلى الأرض بالقذائف المدفعية والرشاشات الثقيلة والمتوسطة بهدف تصفية المقاومة في المخيم الذي كان يطلق عليه "رأس الحية" و"عش الدبابير" آنذاك، وامتدت المواجهة لنحو 10 أيام قبل اقتحام المخيم الذي استمر لنحو 12 يوما تخلله اقتحامات شرسة لمنازل الأهالي بالجنود والكلاب البوليسية أدى إلى سقوط العديد من الشهداء والجرحى الفلسطينيين، وتدمير المخيم.
ما مثله مخيم بلاطة خلال الانتفاضة الثانية وما سبقها من أحداث ومواجهة مباشرة مع الاحتلال ومستوطنيه وحتى مع السلطة الفلسطينية، دفع لتصفية حالة المقاومة داخل المخيم وإهماله وتهميشه، ما ضاعف معاناة الأهالي، وزاد على ذلك ما شهده المخيم خلال السنوات الماضية من مواجهات مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة التي ترى في الكثير من أهله "خارجين عن القانون"، وتتجدد محاولات الأجهزة الأمنية لفرض سيطرتها على المخيم من وقت لآخر.
صرح الشهداء في مخيم بلاطة.
يعاني المخيم من الاجتياحات الإسرائيلية والإجراءات التعسفية من حصار مشدد وحظر تجوال وحملات دهم بحثا عن مقاومين فلسطينيين، ويستخدم الإسرائيليون قنابل الغاز والرصاص المطاطي في اقتحاماتهم. وتصدت المقاومة الفلسطينية أكثر من مرة لاقتحام قوات الاحتلال مخيم بلاطة حيث نشرت قناصتها على مفارق شوارع وحارات المخيم مع تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع الإسرائيلية في أجواء مخيم بلاطة، وتعمد قوات الاحتلال تدمير وتخريب ممتلكات الفلسطينيين في المخيم بواسطة الجرافات العسكرية.
المصادر
ـ "مخيم بلاطة..أحد أكبر مخيمات الضفة الغربية"، الجزيرة نت، 29/7/2024.
ـ "مخيم بلاطه للاجئين"، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
ـ أديب زيادة، "دليل أصول اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الضفة الغربية"، مركز العودة الفلسطيني ودار العودة للدراسات والنشر، 2010.
ـ "اشتباكات في بلاطة والمستوطنون يضرمون النار بخيمة للفلسطينيين جنوب بيت لحم"، قدس الإخبارية، 8/12/2024.
ـ "مخيم بلاطة"، موسوعة المخيمات الفلسطينية.
ـ مصطفى مراد الدباغ، كتاب " بلادنا فلسطين"، ج6.