الثورة   /وكالات

 

مع إمعان جيش الاحتلال الإسرائيلي بالإبادة والتطهير العرقي بمحافظة شمال قطاع غزة، تتواصل موجات النزوح نحو مدينة غزة حيث يعيش النازحون أوضاعا إنسانية قاسية داخل مخيمات إيواء مؤقتة.

وشهدت مدينة غزة انتشار مخيمات جديدة في ساحات عامة ونوادٍ وملاعب لاستقبال النازحين من شمال القطاع، تضم مئات العائلات التي اضطرت إلى النزوح تحت تهديد القصف والموت.

وفي هذه المخيمات البدائية، يعاني السكان من نقص حاد في إمدادات الطعام والمياه، إضافة إلى الأجواء المناخية شديدة البرودة التي تزيد من معاناتهم. ورغم المبادرات الشعبية والخيرية التي تحاول توفير بعض الاحتياجات الأساسية، إلا أن الإمكانيات المحدودة لا تكفي لسد احتياجات يومية.

وقبل بدء العدوان العسكري في 5 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كان يعيش في محافظة شمال القطاع نحو 200 ألف فلسطيني، إلا أن التهجير القسري أدى إلى نزوح نحو 130 ألف شخص، بحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

وتوجه النازحون إلى مدينة غزة، خاصة مناطق الغرب والوسط، بعد رفضهم الانتقال إلى جنوب القطاع كما طلب الجيش الإسرائيلي.

وفي ظل سياسية الحصار المطبق على المحافظة، منع جيش الاحتلال دخول أكثر من 8 آلاف شاحنة مساعدات وبضائع من الدخول، بحسب بيان للمكتب الإعلامي الحكومي. ويؤكد مسؤولون أمميون أن جيش الاحتلال يرفض بشكل متكرر طلبات السماح بإدخال مساعدات للمحافظة التي أعلنتها حكومة غزة في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، “منطقة منكوبة”.

مخيمات جديدة

وعلى مدار أيام حرب الإبادة الجماعية التي سبقت العملية العسكرية في محافظة الشمال قبل نحو شهرين، لم يعتد أهالي مدينة غزة على رؤية تجمعات المخيمات هذه.

فكان كل من ينزح أو يتم تدمير بيوتهم يلجأون إلى منازل أقاربهم وأصدقائهم أو مراكز النزوح في المدارس والمراكز الصحية. لكن مع ازدياد أعداد نازحي الشمال بشكل كبير فإنه لم يعد هناك متسع في المنازل أو المراكز، ما اضطر النازحون للإقامة داخل هذه الخيام التي لا تحميهم من غارات إسرائيلية قريبة، ولا تقيهم برد الشتاء.

وفي 5 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي اجتاح جيش الاحتلال شمال قطاع غزة. ويقول الفلسطينيون إن جيش الاحتلال يرغب في احتلال المنطقة وتحويلها إلى منطقة عازلة بعد تهجيرهم منها تحت وطأة قصف دموي ومنع إدخال الغذاء والماء والأدوية.

وإثر تلك العملية، اضطر عشرات الآلاف من فلسطينيي شمال القطاع إلى النزوح قسرا باتجاه مدينة غزة، حيث أقام معظمهم في خيام ومراكز إيواء.

أوضاع صعبة

وفي مخيم جديد أقيم وسط مخيم الشاطئ غرب غزة، نزحت عائلة رشدي غبن من بلدة بيت لاهيا قبل شهر، ويقول إن عائلته تتكون من 13 فردا ولا يوجد لهم معارف أو أقارب بمدينة غزة، فاضطر للبحث عن خيمة بعد المبيت ليومين في الشارع.

ويضيف غبن واصفا الحياة في المخيمات: “الوضع في الخيام صعب جدا خاصة في أوقات الليل التي يشتد خلالها البرد.. لكن يبقى أهون من الشارع والعراء”. ويتابع: “كثير من النازحين من بلدة بيت لاهيا لجأوا إلى الخيام لأنه لا يوجد لهم بديل ومكثوا فيها على أمل الرجوع القريب إلى منازلهم وممتلكاتهم”.

ويشير إلى أنهم لم يرغبوا في “مغادرة بيت لاهيا لولا أن الجيش الإسرائيلي أخرج الجميع منها بالقوة”. ويختم قائلا: “رضينا بحياة الجوع والعطش داخل منازلنا في بلدتنا حتى لا نخرج منها للخيام، لكننا للأسف في النهاية اضطررنا للخروج للحفاظ على أرواحنا”.

غياب البدائل

وفي مخيم آخر أقيم في حي النصر غرب مدينة غزة، تعيش فيه عشرات العائلات النازحة من شمال قطاع غزة، يقول يحيى زقوت وهو من بين الذين يسكنون المخيم برفقة عائلته: “اليوم لا مكان يؤوي النازحين سوى المخيمات في مدينة غزة لأن البيوت والمدارس لم يعد فيها متسع”.

ويتابع: “كل شوارع مدينة غزة وساحاتها العامة تحولت إلى مخيمات تؤوي نازحين… فلا يوجد بديل للناس”، واصفا حياة الخيام بـ “الصعبة والمرة والممتلئة بالقهر طوال الليل والنهار”. ويلفت زقوت إلى أنهم “رفضوا الخروج من شمال قطاع غزة والنزوح جنوباً بداية الحرب لتجنب حياة الخيام والتشرد”.

ويتابع: “بعد الصمود لأكثر من 14 شهراً أجبرنا الاحتلال على هذه الحياة المليئة بالذل والإهانة والتي لا يوجد فيها أدنى مقومات الحياة الإنسانية كل ساكن في الخيام يعاني قهرا وألما داخليا لا يمكن وصفه لأن كل تفاصيل الحياة متعبة، خاصة مع البرد الشديد في ساعات الليل الذي بات يأكل أجسادنا”.

ويضيف: “نتمنى في أقرب وقت أن ينتهي اجتياح شمال القطاع وتتوقف الغارات والاستهدافات الإسرائيلية ونعود إلى بلداتنا وأحيائنا بسلام”.

أوضاع مأساوية

وتروي الشابة ريم، الفلسطينية والنازحة من شمال غزة، معاناتها، حيث هجرت برفقة أسرتها قسرا تحت القصف الإسرائيلي المكثف والحصار الذي فرضته قوات الاحتلال. وتقول لوكالة الأناضول إن رحلة النزوح كانت محفوفة بالمخاطر، خاصة بالنسبة لكبار السن والأطفال الذين عانوا من الجوع والجفاف والعطش.

وتضيف، أن وصولها إلى غرب مدينة غزة كان بعد مواجهة أجواء طقس قاسية حيث كان تساقط للأمطار ورياح شديدة، “فقد لجأنا إلى مدينة غزة دون أي مأوى يحمي عائلاتنا، نعاني من نقص الملابس والطعام، ونعيش في ظروف قاسية للغاية، ولا أحد يلتفت إلينا بعين العطف أو الرحمة”.

ورغم المعاناة، تعرب الشابة الفلسطينية عن أملها قائلة: “أتمنى أن تنتهي الحرب قريبا وأن أعود إلى منزلي في بلدة بيت لاهيا”.

نزوح شاق وقاسٍ مع طفل معاق

أما محمد أبو عايش، وهو فلسطيني نازح آخر، فقد تحدث عن مأساته قائلا: “نزحنا من شمال غزة بعد أن قصفت قوات الاحتلال إحدى المدارس التي كنا نحتمي بها لمدة 20 يوما”. ويضيف: “أسفر القصف عن إصابة أكثر من 40 شخصا، بينهم أطفال ونساء”.

ويتابع: “اضطررنا إلى الفرار عندما وقع القصف، وتوجهنا إلى غرب مدينة غزة، كنت أعاني أثناء النزوح بسبب عدم وجود وسيلة نقل، واضطررت إلى حمل طفلي المعاق طوال الطريق وسط ظروف قاسية واستهدافات مستمرة”. ويشير إلى أن الوضع في مخيمات النزوح مأساوي حيث إنها تفتقر لأدنى مقومات الحياة من ماء وطعام وفراش.

بين القصف والنزوح

من جانبها، تحدثت عبير الرضيع، وهي نازحة من بيت لاهيا، عن تجربتها قائلة: “نزحنا تحت القصف والدمار، عشنا أصعب أيام حياتنا، القصف كان من كل جانب، ودُمرت منازلنا بالكامل”. وتضيف: “لجأنا في البداية إلى المدارس، لكن القوات الإسرائيلية حاصرتنا بالطائرات، ما اضطرنا إلى النزوح مع الآلاف من السكان”.

وتشير الرضيع إلى تدهور أوضاعها قائلة: “لم نتمكن من حمل سوى القليل من الأغراض معنا، الآن، نعاني من أمراض مختلفة بسبب الظروف السيئة”. وتابعت: “لا توجد هنا خيام، ولا طعام، ولا ماء صالح للشرب، ولا حتى فراش للنوم، طفلي تعرض لهجوم من كلب، والحشرات منتشرة في كل مكان”.

ولم يسمح جيش الاحتلال للنازحين بحمل أمتعتهم أثناء النزوح، ما جعل حياتهم داخل الخيام ومراكز الإيواء غاية في الصعوبة، وتفتقر إلى أبسط مقومات العيش الإنساني. وحسب المكتب الإعلامي الحكومي، فقد بلغ عدد النازحين داخل القطاع منذ بدء الإبادة الجماعية الإسرائيلية مليوني شخص من أصل 2.3 مليون إجمالي الفلسطينيين فيه.

وبدعم أمريكي يرتكب الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023 إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 151 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

عشرات الآلاف من الفلسطينيين ينزحون من مخيمات اللاجئين في الضفة

نزح عشرات الآلاف من الفلسطينيين من الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية المحتلة من منازلهم بسبب هجوم إسرائيلي مستمر منذ أسابيع أدى إلى هدم المنازل وتدمير البنية الأساسية الحيوية في البلدات كثيفة البناء.

وبدأت قوات الاحتلال عمليتها في مخيم اللاجئين بمدينة جنين شمال الضفة الغربية في 21 كانون الثاني/ يناير الماضي، ونشرت مئات الجنود والجرافات التي هدمت منازل وجرفت الشوارع، مما أدى إلى نزوح جميع سكان المخيم تقريبا.

وقال رئيس لجنة خدمات مخيم جنين محمد الصباغ "لا نعلم ماذا يجري داخل المخيم ولكن هناك عمليات هدم مستمرة وتوسيع للشوارع"، بحسب ما نقلت وكالة "رويترز".


وامتدت عملية الاحتلال العسكرية إلى مخيمات لاجئين أخرى، ولا سيما طولكرم ونور شمس القريب، وكلاهما تعرض للتدمير أيضا، بينما تزعم "إسرائيل" إن هدفها هو "قمع الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في الضفة الغربية".

ويعيش في المخيمات الفلسطينية أحفاد اللاجئين الفلسطينيين الذين غادروا أو طردوا من منازلهم في أحداث النكبة عام 1948 خلال فترة إنشاء دولة الاحتلال.

وتعرضت المخيمات لمداهمات متكررة من جيش الاحتلال لكن العملية الحالية تجري على نطاق واسع وبشكل غير معتاد، وبدأت بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة.

وبحسب بيانات السلطة الفلسطينية، غادر نحو 17 ألف شخص مخيم جنين للاجئين ليصبح خاليا بالكامل تقريبا، كما غادر نحو ستة آلاف شخص مخيم نور شمس، أي نحو ثلثي العدد الإجمالي بالمخيم، وغادر عشرة آلاف آخرون مخيم طولكرم.

وقال نهاد الشاويش رئيس لجنة خدمات مخيم نور شمس "يسكن في المخيم تسعة آلاف شخص نزح منهم تقريبا 70 في المئة، ومن بقي محاصر داخل المخيم"، مضيفا "الدفاع المدني والهلال الأحمر والأجهزة الأمنية الفلسطينية أدخلوا لهم أمس بعض المساعدات الغذائية، جيش الاحتلال يواصل عمليات التجريف والتدمير داخل المخيم".

وأدت الهجمات الإسرائيلية إلى هدم عشرات المنازل وتدمير مساحات كبيرة من الطرق بالإضافة إلى انقطاع المياه والكهرباء، لكن الجيش الإسرائيلي نفى إجبار السكان على مغادرة منازلهم.

وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال نداف شوشاني: "الناس لديها بالتأكيد إمكانية الانتقال أو الذهاب إلى أي مكان يريدونه، لكنهم إذا لم يرغبوا في ذلك، فمسموح لهم بالبقاء"، على حد زعمه.


وبدأت العملية حين تحركت "إسرائيل" لحظر عمل منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" من مقرها في شرق القدس وقطع أي اتصال لها مع المسؤولين الإسرائيليين.

وأثر الحظر، الذي دخل حيز التنفيذ في نهاية يناير كانون الثاني، على عمل الأونروا في الضفة الغربية وغزة حيث تقدم مساعدات لملايين الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين.

واتهمت "إسرائيل" الأونروا بالتعاون مع حركة حماس وقالت إن بعض موظفيها شاركوا في الهجوم الذي نفذته الحركة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

مقالات مشابهة

  • اختاروا العيش داخل خيام.. الأمم المتحدة: عودة النازحين للمناطق المدمرة في شمال غزة
  • عشرات الآلاف من الفلسطينيين ينزحون من مخيمات اللاجئين في الضفة
  • رفقة مستوطنين.. الاحتلال يقتحم شمال مدينة أريحا ويعتقل 3 فلسطينيين
  • تعرف على المواقع التي رفض الاحتلال الانسحاب منها جنوب لبنان (شاهد)
  • رئيس الوزراء الفلسطيني يدعو لتعزيز صمود سكان مخيمات شمال الضفة
  • حركة فتح: مخيمات الضفة الغربية تتعرض إلى إبادة جماعية على يد الاحتلال
  • استشهاد 55 فلسطينيا منذ بدء العدوان الصهيوني على مخيمات شمال الضفة
  • مصطفى يوجه بتوفير مراكز إيواء واحتياجات النازحين في شمال الضفة
  • لقطات جوية تُظهر حجم الدمار في جباليا شمال غزة بعد 16 شهراً من القصف الإسرائيلي
  • تشييع شهداء لـامل وكشافة الرسالة في الخيام