تحقيق: هل لم تعد دبي نقطة جذب لكبار تجار المخدرات الأوربيين؟
تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT
لفترة طويلة، ارتاد شون ماكغفرن، العضو البارز في كارتل كيناهان الإيرلندي، وفيصل تاغي، نجل رئيس عصابة « موكرو مافيا » الهولندية، الفنادق والمطاعم الفاخرة في دبي من دون أي قلق… حتى توقيفهما الشهر الماضي في الإمارات التي تعد نقطة جذب لبعض أكبر مهربي المخدرات في أوربا.
على مدى سنوات، أدار أكبر تجار المخدرات الأوربيين عملياتهم من ناطحات السحاب والفيلات الفارهة التي يملكونها في دبي من دون خوف من توقيفهم.
ووصفت منظمة يوروبول المدينة بأنها « مركز تنسيق من بعد » لتجارة المخدرات في أوربا، حيث يعيش تجار المخدرات بشكل علني ويغسلون أموالهم عبر السلع الفاخرة والعقارات.
وبعيدا من الموانئ الأوربية مثل أنتويرب وروتردام ولوهافر التي تعد طرقا أساسية لمرور المخدرات، تقول الشرطة إن التجار يديرون عملياتهم من دبي التي تعد من بين أكثر المدن أمانا في العالم، وحيث معدلات الجريمة منخفضة، ما يعني أن بإمكانهم العمل هناك بشكل آمن وعقد صفقات والتواصل مع تجار مخدرات دوليين آخرين في مقاهي المدينة.
لكن الآن، يبدو أن الوضع بدأ يتغير.
وتصف وزارة الخزانة الأمريكية كارتل كيناهان بأنه « تهديد للاقتصاد المشروع برمته » فيما عرضت واشنطن مكافأة مقدارها 15 مليون دولار لمن يقدم معلومات تساهم في القبض على أعضائها الأساسيين الثلاثة.
وجاء توقيف ماكغفرن في دبي عقب تسليم فيصل تاغي للسلطات الهولندية في يوليو على خلفية تهم تتعلق بتهريب مخدرات وجرائم قتل. كذلك، سلم زعيم المخدرات البلجيكي نور الدين الحجيوي لبروكسل في مارس.
وقال مسؤول حكومي لوكالة فرانس برس « الإمارات ملتزمة بالعمل مع جميع شركائها الدوليين من أجل التصدي لكل أشكال التمويل غير المشروع على الصعيد الدولي ».
تشكل دبي التي أصبحت مركزا للتجارة العالمية في الشرق الأوسط لوقوعها على مفترق طرق بين آسيا وأوربا وامتلاكها أحد أكثر الموانئ والمطارات ازدحاما في العالم، وجهة مفضلة لنجوم الرياضة وأصحاب النفوذ.
لكنها كانت أيضا موطنا لشخصيات أوربية بارزة في عالم الجريمة، من بينهم زعيما كارتل كيناهان و »إل تيغري » الإسباني أليخاندرو سالغادو فيغا اللذان استقرا فيها لفترة طويلة.
عاش شريك كيناهان، رضوان تاغي، والد فيصل، في دبي لفترة طويلة قبل الحكم عليه بالسجن مدى الحياة في فبراير بعد محاكمة كبرى في محكمة « دي بنكر » في أمستردام الخاضعة لحراسة مشددة.
وعلى غراره، يعيش تجار مخدرات كبار آخرون بشكل علني في المدينة.
وقال رئيس وحدة الحرس المدني الإسباني التي تتصدى للجريمة المنظمة فرانسيسكو توريس « لا يختبئون. هم ليسوا مثل اللاجئين الذين يحملون أوراقا مزورة ».
وأضاف لوكالة فرانس برس « إنهم يعيشون حياة مترفة أمام الجميع مع إفلات تام من العقاب ».
ويشكل عبد القادر « بيبي » بوقطاية مثالا على ذلك. فهو تاجر مخدرات فرنسي-جزائري مطلوب من الإنتربول يعيش في شقة فاخرة قرب منزل ديفيد وفيكتوريا بيكهام في « بالمجميرا ».
وكان بوقطاية فر من فرنسا بعدما حكمت عليه السلطات بالسجن تسع سنوات بتهمة تهريب 599 كيلوغراما من الكوكايين، والاشتباه في أنه نظم تهريب شحنة ضخمة تزن 2,5 طن عبر مرسيليا.
ويقول المحققون إنه يقود سيارات فارهة ويستمتع بتناول الطعام في أماكن يقصدها المشاهير مثل مطعم « نصرت ستيك هاوس » حيث يمكن أن يبلغ سعر شريحة لحم مغطاة بورق ذهب أكثر من ألفي دولار.
ومثله، يحب الفرنسي طارق كاربوسي المعروف بـ »ذي بايسن » والمطلوب لضلوعه في تهريب شحنة كوكايين تزن 3,3 أطنان، الترف والسرعة أيضا. فقد حصل على المركز الثاني في بطولة كأس الخليج راديكال بسيارته الصفراء الفاقعة.
قد تكون أدت عمليات التوقيف الأخيرة إلى تحسين سمعة دبي باعتبارها ملاذا لعصابات الجريمة الدولية.
لكن جاذبيتها تبقى قوية بفضل مزيجها الفريد من الفخامة والموقع الاستراتيجي والثغرات القانونية المحلية التي تجعل تسليم المجرمين صعبا وغسل الأموال سهلا نسبيا.
في العام 2022، كشفت عملية « أوبيريشن ديزرت لايت » التي نفذتها يوروبول، عن وجود « سوبر كارتل » مقره في دبي ويرأسه ستة أشخاص، من بينهم دانيال كيناهان، ويسيطر على ثلث كمية الكوكايين التي تصل إلى أوربا.
وكان « بيبي » بوقطاية ينسق عمليات تهريب أطنان المخدرات عبر لوهافر، أكبر ميناء في فرنسا.
واطلعت وكالة فرانس برس على نص استجواب أحد أعضاء فريقه المشتبه به والذي شرح طريقة سير العمليات.
وقال هذا الرجل للشرطة إن لدى « بيبي » سيطرة قوية على لوهافر فهو « يدفع لعمال الرصيف وللأشخاص المكلفين بأمن الميناء » مضيفا أن كل شيء يتم عبر الهاتف، مع وجود تهديدات بالعنف، إذ عندما يرفض شخص ما مهمة أو يستجيب ببطء، ترسل صورة أحد أفراد عائلته إليه كتهديد صامت.
من جهة أخرى، يشكل اقتصاد دبي النقدي عامل جذب آخر، إذ يمكن للمجرمين التخلص بسرعة من الأموال القذرة التي يصعب إنفاقها في أوربا.
وسمح نظام « الحوالة » المصرفي المتبع في الإمارة والذي يتيح تحويل الأموال من دون أن تتحرك الأموال فعليا، لتجار المخدرات بالاستثمار بكثافة في العقارات وغيرها في المدينة دون ترك أثر.
وقال خبير في غسل الأموال في الإمارات لوكالة فرانس برس « يباع مبنى في 15 دقيقة » مع بناء ناطحات سحاب ومجمعات مسورة بسرعة قصوى. وبفضل الضرائب المنخفضة والقواعد التنظيمية المتساهلة، فإن تسعة من كل 10 من سكان المدينة هم من الأجانب.
وفيما تعد دبي أقل ثراء بالنفط من جيرانها، فإن المعاملات في سوقها العقارية المزدهرة بلغت مستوى قياسيا مع 139 مليار دولار عام 2022.
ومع بيع منازل في الأحياء الراقية في مقابل أكثر من 10 ملايين دولار، قدم كاربوسي نفسه على أنه « وكيل عقاري »، وفقا لمصدر قضائي فرنسي.
واستنادا إلى سجل عقاري مسرب، قال مركز « سنتر فور أدفانسد ديفانس ستاديز » ومقره واشنطن، إن كاربوسي يملك فيلا وشقة على الأقل في منطقتي البرشاء والحبية.
كذلك، تمكن من إثبات أن دانيال كيناهان وزوجته كاويمهي روبنسون يملكان العديد من العقارات، بما فيها عقار قرب « بالم جميرا » وآخر تم شراؤه في مقابل ستة ملايين يورو في إميرتس هليز يعتقد أن قيمته الآن تبلغ ضعف هذا المبلغ.
من جهة ثانية، ساعد البطء الشديد في إجراءات تسليم المجرمين في دبي على بقاء مجرمين كبار فيها.
واستفاد بوقطاعة من ذلك أيضا بعد توقيفه في أكتوبر العام الماضي قبل إطلاق سراحه في كانون الثاني/يناير، فيما أفاد محامي « إل تيغري » بأن الأخير يعيش حرا في دبي، بعد توقيفه في العام 2022.
ووقعت الإمارات معاهدات لتسليم المجرمين مع فرنسا عام 2007 ومع إسبانيا بعد ذلك بعامين ومع بلجيكا وهولندا في العام 2021 ومع إيرلندا هذا العام، لكن لم يسلم بموجبها إلا عدد صغير من كبار تجار المخدرات.
وتشكو السلطات الفرنسية من « الصرامة الشديدة في تفسير الإمارات للوثائق المطلوبة والمهلة التي يجب إرسالها خلالها ».
وقال توريس إن مطالب دبي كانت في كثير من الأحيان « سخيفة » و »من المستحيل تلبيتها » مثل الاضطرار لإرسال كل المستندات الأصلية مع توقيع القاضي لكل الصفحات.
لكن هذا العام، أحرز تقدم على صعيد التعاون القضائي.
فقد أرسل قاض فرنسي يتمتع بخبرة في مجال الجريمة المنظمة إلى أبوظبي المجاورة، كما عينت بلجيكا في أكتوبر قاضيا للتواصل المباشر مع الإمارات.
وفي الشهر نفسه، أشاد نائب رئيس الوزراء الإيرلندي وقتها مايكل مارتن بمعاهدة تسليم المجرمين الجديدة مع الإمارات قائلا إنها « خطوة مهمة ».
وبعد ذلك، أوقف بوقطاية مجددا مع عثمان البلوطي، أحد كبار المهربين في بلجيكا والذي تحاول بروكسل منذ سنوات اعتقاله، وفق ما أفادت مصادر رسمية وكالة فرانس برس.
كذلك، تحاول الإمارات إظهار أنها تحرز تقدما في هذا المجال منذ إدراجها في « القائمة الرمادية » من جانب فرقة العمل الدولية للإجراءات المالية في العام 2022.
وأدت المراقبة الصارمة التي أجرتها الإمارات لتدفقات الأموال عبر البلاد إلى إزالتها من القائمة في فبراير.
لكن مصدرا قضائيا فرنسيا قال لوكالة فرانس برس إن دبي لم تضع يدها على « أي أصول تابعة لأي سلطة مالية أجنبية » رغم التدفق الكبير لرجال الأعمال الروس منذ بدء الحرب في أوكرانيا قبل نحو ثلاث سنوات.
ورغم ذلك، يقول البعض إن النخبة الإجرامية في دبي ربما تبحث عن موقعها التالي. وأوضح مصدر قضائي هولندي لوكالة فرانس برس إن « الأنظار تتجه الآن نحو تركيا كمركز محتمل آخر للنشاطات الإجرامية الدولية ».
وبحسب متخصص فرنسي في غسل الأموال فإن « بعض الأسماء البارزة تتطلع إلى شمال إفريقيا وإندونيسيا وبالي ».
عن (فرانس برس)
كلمات دلالية المغرب بلجيكا دبي فرنسا مخدرات هولندةالمصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: المغرب بلجيكا دبي فرنسا مخدرات لوکالة فرانس برس تسلیم المجرمین تجار المخدرات فی العام فی دبی
إقرأ أيضاً:
خبراء: التعاون الدولي يسهم في تحقيق التنمية المستدامة
أكد خبراء عالميون، يشاركون في فعاليات أسبوع أبوظبي للاستدامة، الدور الحاسم للتعاون الدولي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وضرورة تبني استراتيجيات شاملة تعزز الشراكات بين الدول والمؤسسات لتحقيق التحول نحو اقتصادات صديقة للبيئة.
وقال جياهنهوي زانغ، الرئيس التنفيذي لشركة بكين هايبرسترونغ للتكنولوجيا المحدودة في الصين، إن السوق أصبح متقدماً جداً في استخدامات الطاقة المتجددة، وخصوصاً طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وتخزينها، كما هي الحال في مستقبل توليد الطاقة، لافتاً إلى أن الصين تمتلك في الوقت الحالي أكثر التقنيات تقدماً فيما يتعلق بتوليد الطاقة المتجددة، ومؤكدا أهمية التعاون بين بلاده ودولة الإمارات لجلب أحدث التقنيات إلى أكبر سوق محتملة في العالم.
وأضاف أنه شارك في جلسة حوارية خلال فعاليات أسبوع أبوظبي للاستدامة، حول مناقشة الحلول لمستقبل أفضل، لأن طاقة الرياح والطاقة المتجددة ليستا توليداً مستمراً للطاقة، وبالتالي فهي غير مستقرة، في حين تحتاج الدول إلى تقنية مستقرة لتخزين الطاقة لتكون مستقرة مغناطيسياً بشكل أساسي للمستقبل الأخضر.
من جانبه قال سام أونيغبو، رئيس لجنة الأمن والتغير المناخي والتدخلات الخاصة في لجنة التنمية لشمال شرق نيجيريا، أنه وجد منذ مشاركته الأولى في أسبوع أبوظبي للاستدامة، أن هذا الحدث مصدر إلهام لتطوير سياسات مؤثرة، أبرزها رعاية قانون تغير المناخ في نيجيريا، مؤكداً أن مثل هذه الفعاليات تمثل منصة فريدة لتبادل الأفكار والابتكارات التقنية، ما يسهم في تعزيز الاستثمارات وتشجيع التنمية المستدامة في الدول النامية.
وأشار إلى تطور العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وبلاده، بحيث أصبحت أكثر قوة وتعاوناً، مع زيادة الاستثمارات المتبادلة وتوسيع الشراكات الاقتصادية، وهو ما يعكس التزام البلدين بتعميق الروابط وتحقيق المصالح المشتركة.
بدوره أكد بايو أونانوغا، عضو وفد جمهورية نيجيريا الفيدرالية، أن دولة الإمارات تقوم بعمل عظيم، وأن يعتبر أسبوع أبوظبي للاستدامة يعد أحد أهم المبادرات في مجال مناقشة أهمية حماية الموارد الطبيعية، والحفاظ على البيئة لضمان مستقبل أخضر ومستدام للأجيال القادمة.
وقال إن هذا الحدث يعزز مكانة الإمارات دولياً، نسبة لهدفها الكبير الذي تسعى إلى تحقيقه وهو التأكد من أن العالم يتصالح مع التحديات التي يواجهها فيما يتعلق بالبيئة والمناخ، الأمر الذي يوجب على المجتمعات أن تقدم حلولاً مستدامة لإنقاذ البشرية، وإيجاد أفضل الحلول فيما يتعلق بتغير المناخ، ومشاكل توليد الطاقة، وغيرها.
(وام)