لغز عمره 100 عام .. درب التبانة لم تكن دائما حلزونية الشكل - إليكم كيف تغير شكلها
تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT
حل عالم فلك أسترالي لغزا عمره 100 عام يحيط بطبيعة بعض المجرات "المتغيرة الشكل"، وكشف في هذه العملية أن مجرتنا درب التبانة لم تكن دائما بمظهرها الحلزوني المعروف الآن.
واستخدم عالم الفلك أليستر غراهام ملاحظات قديمة وجديدة لإظهار كيفية تطور المجرات من شكل إلى آخر، وهي عملية تُعرف باسم الانتواع المجرّي (Galaxy Speciation).
وتظهر الدراسة أن التصادمات والاندماجات اللاحقة بين المجرات هي شكل من أشكال "الانتقاء الطبيعي" الذي يقود عملية التطور الكوني.
وفي عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، أنشأ عالم الفلك إدوين هابل وآخرون سلسلة من تشريح المجرات المتنوع، تُعرف الآن باسم تسلسل هابل. ورغم أنها تفتقر إلى المسارات التطورية ولكنها ما تزال تستخدم على نطاق واسع لتصنيف المجرات بناء على مظهرها المرئي.
ويمكن أن تحتوي المجرات على مليارات النجوم بشكل منظم وتتبع مدارات دائرية في قرص مزدحم أو تتنقل بشكل عشوائي في سرب كروي أو بيضاوي الشكل.
ويمكن لهذه الأقراص أن تستضيف أنماطا لولبية، مع مثل هذه المجرات الحلزونية التي تحدد أحد طرفي تسلسل هابل.
وفي هذا التسلسل، تعد المجرات على عدسية الشكل، والمعروفة باسم المجرات العدسية ذات البنية الكروية المركزية في قرص غير حلزوني، بمثابة جسر بين المجرات الحلزونية التي يهيمن عليها القرص مثل مجرتنا درب التبانة والمجرات ذات الشكل الإهليلجي مثل M87.
وفي الدراسة الجديدة، حلل البروفيسور غراهام الصور البصرية من تلسكوب هابل الفضائي وصور الأشعة تحت الحمراء من تلسكوب سبيتزر الفضائي لـ 100 مجرة قريبة.
ومن خلال مقارنة كتلة الثقب الأسود النجمي والمركزي، اكتشف نوعين من المجرات العدسية: مجرة قديمة وفقيرة بالغبار ومجرة صغيرة غنية بالغبار.
إقرأ المزيد تلسكوب هابل يلتقط "شبحا" يطفو على بعد 44 مليون سنة ضوئية من الأرضونشأت المجرات العدسية الغنية بالغبار من اندماج المجرات الحلزونية. وتميزت المجرات الحلزونية بوجود حوصلة مجرة بوسطها بالإضافة إلى قرص يحتوي على أذرع لولبية من النجوم والغاز والغبار المتعرج من المركز أو الحوصلة.
وتحتوي المجرات العدسية المتربة بشكل ملحوظ على أجسام كروية وثقوب سوداء أكثر بروزا من المجرات الحلزونية والمجرات العدسية التي تفتقر إلى الغبار.
وفي تحول للأحداث، أظهر بحث البروفيسور غراهام أن المجرات الحلزونية تتواجد في منتصف الطريق بين نوعي المجرات عدسية الشكل.
وعندما تتراكم المجرات الفقيرة بالغبار الغاز والغبار ومواد أخرى، فإن القرص الذي يحيط بالمنطقة الوسطى يتم تعطيله، ما يخلق نمطا حلزونيا يتوهج من المركز.
وينتج عن ذلك أذرع لولبية، وهي مناطق دوارة شديدة الكثافة تخلق تكتلات غازية أثناء دورانها، ما يؤدي إلى الانهيار وتشكيل النجوم.
ومن ناحية أخرى، تتشكل المجرات العدسية الغنية بالغبار عندما تصطدم المجرات الحلزونية وتندمج.
واستنتجت الدراسة أن المجرات الحلزونية مثل مجرة درب التبانة تقع في الواقع بين المجرات العدسية الغنية بالغبار والفقيرة للغبار في تسلسل هابل.
إقرأ المزيد رسميا: تحديد "نقطة حمراء" كواحدة من أقدم المجرات التي شوهدت على الإطلاق!وأوضح غراهام: "نرى الآن المسارات التطورية من خلال تسلسل عمليات الاستحواذ والاندماج بين المجرات"
وتحتوي مجرة درب التبانة على العديد من المجرات التابعة الأصغر، مثل برج القوس وكوكبة الكلب الأكبر، ويكشف هيكلها عن تاريخ غني من عمليات الاستحواذ.
ومن المحتمل أن مجرة درب التبانة كانت ذات يوم مجرة عدسية فقيرة بالغبار تراكمت فيها المواد، بما في ذلك مجرة السجق، ومع مرور الوقت تطورت إلى المجرة الحلزونية التي نعيش في رحابها اليوم.
المصدر: phys.org
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: كورونا اكتشافات الفضاء مجرات هابل درب التبانة
إقرأ أيضاً:
بريق الغلاف لا يعكس دائماً كنز المضمون
بقلم : اللواء الدكتور سعد معن الموسوي ..
“كم من بديعِ المظهرِ قبيحِ الجوهر، وكم من بسيطِ الهيئةِ عظيمِ القيمة.” بهذه الحكمة يُمكن أن نختصر تجربتنا الإنسانية مع البشر الذين يُشبهون الكتب في تفاوت أغلفتها ومحتواها. فالإنسان، مثل الكتاب، يحمل أسرارًا عميقةً لا تُقرأ إلا حين تُقلب صفحاته، وقد تكون تلك الصفحات أثمن مما يوحي به الغلاف.
الغلاف خدعة البصر، والمحتوى محك البصيرة
في عصرٍ أصبح فيه الشكل أهم معيار للحكم، بات الكثيرون يُشبهون السطح المذهب الذي يخفي فراغًا داخليًا. تظهر هذه الظاهرة في الدراسات النفسية والاجتماعية التي تناولت تأثير “الهالة” أو ما يُعرف بـHalo Effect، وهو ميل الإنسان لتعميم الانطباع الأول بناءً على المظهر الخارجي أو الصفات الظاهرة. في هذا السياق، أظهرت دراسة أجراها عالم النفس “إدوارد ثورندايك” أن الأفراد يميلون إلى ربط الجاذبية الشكلية بالكفاءة والصدق، حتى وإن كانت هذه الصلة وهمية.
لكن الحقيقة أن المظهر ليس أكثر من خدعة بصرية قد تخفي خلفها إما جوهرًا نقيًا أو خواءً مطبقًا. وكم من مرة وقفنا أمام كتابٍ زينت أغلفته الرفوف، لكنه ما إن فُتح حتى كشف عن فقره، بينما وجدنا العكس في كتابٍ متواضع الهيئة أثار فينا دهشةً لا تُنسى.
القيمة في التجربة لا في القشرة
تجارب الحياة تعلمنا أن الجمال الحقيقي ليس مرئيًا. يمكن استدعاء قول الإمام علي (عليه السلام): المَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ طَيَّاتِ لِسَانِهِ.”
بمعنى أن قيمة الإنسان تظهر في فكره وأفعاله، لا في ملبسه أو مظهره. ولعل هذا يفسر النجاح الباهر لشخصيات تاريخية وعلمية تركت أثرًا خالدًا دون أن تلتفت يومًا إلى قشور المظاهر، مثل ماري كوري التي لم تُعرف بالأزياء أو الجمال، لكنها أدهشت العالم بعلمها وإنسانيتها.
في دراسة أخرى أجرتها جامعة “هارفارد”، وُجد أن الأفراد الذين يُظهرون قيمًا مثل التعاطف، النزاهة، والإبداع يُحققون تواصلًا أعمق مع محيطهم مقارنة بأولئك الذين يركزون على المظهر أو الإنجازات السطحية. هذه القيم هي التي تجعل الإنسان جذابًا في أعين الآخرين، وتؤسس لعلاقات متينة ومستدامة.
الأدب أيضًا يعزز هذا المفهوم. ألم يدهشنا بطل “البؤساء” جان فالجان، الذي كان يُنظر إليه كمجرمٍ في الظاهر، بينما حمل في داخله روحًا نبيلة ملأتها التضحية والرحمة؟ الأدب يُعيد تشكيل نظرتنا إلى البشر، ويعلمنا أن العبرة دائمًا بما يكمن في العمق.
أفكار مبتكرة لتغيير المفهوم السائد
ثقافة المحتوى الداخلي: لماذا لا نُعيد صياغة مفهوم الجمال في مناهجنا التعليمية؟ يمكن تصميم برامج تركز على الأخلاق، الإبداع، والقيم الإنسانية كمعايير حقيقية للجمال، بدلاً من التركيز على الهيئات الخارجية. تجربة اجتماعية مُلهمة: تخيل مبادرةً تسلط الضوء على قصص أشخاص ناجحين وملهمين لا يتطابق مظهرهم مع الصورة النمطية للجاذبية. مشاركة هذه القصص عبر منصات التواصل الاجتماعي قد تُلهم الأجيال الجديدة ليروا الجمال في أبعاده الحقيقية. أدب السيرة الذاتية: شجع كتابة السير الذاتية من منظور داخلي، بحيث يُبرز الأفراد ما صنعوه من خير وما حققوه من عمق إنساني، بعيدًا عن الإنجازات الشكلية.يُقال إن الزمن يكشف الجوهر ويُهلك الزيف. وهكذا، فإن ما يبقى من الإنسان ليس شكله ولا مظهره، بل أثره في قلوب الآخرين. وكما قال الشاعر:
“وما الحسنُ في وجه الفتى شرفًا له
إذا لم يكن في فعله والخلائقِ”
لنجعل من هذا القول قاعدةً حياتية، ولنُدرك أن الجمال الحقيقي هو ذلك الذي يُضيء العقول، يُطهر القلوب، ويُعمر الأرواح. فالحياة قصيرة، وما يخلد منها هو المحتوى، لا الغلاف.
اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي