أفريقيا لا تحتاج إلى الديمقراطية في الوقت الراهن بقدر حاجتها إلى العدالة الاجتماعية و التعليم و التنمية …
الجملة قالها لي شاب اوغندي في مقتبل العمر التقيته مصادفة في فندق صغير في منطقة كوبكو المحاددة للكنغوا .
التقيته بالصدفة في بهو الفندق في شهر فبراير ٢٠٢٣ ، قبل الحرب بشهرين، كنت اتكلم مع أحدهم في السودان عبر الهاتف .


عند إنهاء المكالمة قال لي السلام عليكم ، رددت عليه . و عندما رأى الدهشة في وجهي قال لي : هل انت سوداني ؟ ، رددت عليه بالايجاب .
قال لي عرفتك من اللهجة التي تتحدث بها و بعض الكلمات التي تفوهت بها . انا التقيت بعدد من الشباب السودانيين في قطر و سنغافورة ، التقيتهم في دورات تدريبية ، كنت مبعوثا من المخابرات العامة التي اعمل فيها و كذلك الشباب السودانيين …
معرفته بالشباب السودانيين جعلنا نجلس في طاولة واحدة و نتناول الإفطار سويا …
عندما اخبرته بانني عملت و عشت في منطقته امبرارا لمدة تجاوزت العشرة سنوات ارتاح جدا للحديث معي ..
حدثني عن التطور و التنمية في اوغندا ، و مشكلة انتشار الأمية وسط السكان و عمل الحكومة جاهدة على نشر التعليم .
و عندما جاء دور الحديث عن السودان ، أبدى قلقه على إسقاط البشير بدون خطة واضحة للانتقال إلى ما يرجوه المواطن ، قال لي بالحرف : ان بلادكم ستندلع فيها حرب تحرق البلاد و تكون ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية …
الشاب ينتمي إلى اثنية النيانكولي التي ينتمي إليها الرئيس موسفيني و يعيش افرادها في غربي البلاد جهة امبرارا ، وابدى لي عدم ثقتهم في الموغندا ، اهل كمبالا و ينتمي إليهم الملك كباكا . لذا يجهزون الان الضابط العظيم ابن الرئيس موسفيني لخلافته لمواصلة ما بدأه والده من تنمية و تطوير للبلاد …
قال ان بلاده لا تحتاج إلى الديمقراطية في الوقت الراهن ، حاجاتها فقط إلى العدالة الاجتماعية و هذا ما نعمل جاهدين على بسطه في البلاد. نحن في بلد اميتها تتجاوز ال٥٠% فكيف نقول لهم نريد أن نجلب لهم الديمقراطية ، أيهما اهم بالنسبة لهم تعليم ابناءهم و مد الطرق إلى قراهم و توفير المياه و الكهرباء ام من يحكم في القصر الرئاسي في كمبالا ؟! .
عندما حاججته كثيرا عن أهمية تحديد طرق انتقال السلطة من شخص إلى آخر، قال لي بالحرف : عندما تنجح الديمقراطية في بلادكم سنحتذي بكم ، اما الان ما يهمنا هو تطوير بلادنا بالتعليم و مد الطرق و الكهرباء و مياه الشرب النظيفة …
حديثه معي جعلني أتساءل فعلا عن أولوية المواطنين في أفريقيا، هل هي كيفية انتقال السلطة ام التنمية التي تخلقها السلطة ؟ .
هل السلطة العسكرية و الديكتاتورية تخلق تنمية في اي بلد ؟ ، نعم مصر كمثال محكومة بالعسكر منذ استقلالها و حصلت فيها تنمية و بنية تحتية لم تتوافر للكثير من دول أفريقيا …
كيف يحدث انتقال ديمقراطي مستقر في بلدان معظم سكانها اميين و كذلك معظم ساستها ؟ …

Salim Alamin

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الدیمقراطیة فی قال لی

إقرأ أيضاً:

رحلة في زمن جميل

سألني أحد الأبناء عن فترة اغترابي و كيف كانت البدايات . فسرحت و بدات اتذكر البداية, اود ان اشارككم في قصتي التي نشأت مع بروز النهضة التنموية التي شهدتها السعودية والخليج بفضل ارتفاع عائدات البترول. أدى هذا التطور إلى زيادة الحاجة إلى مختلف الطاقات البشريه لشغل الوظائف المطلوبة آنذاك . كانت تلك بداية موسم الهجرة إلى هذه الدول من السودان من مصر و بل من كافة الدول القريبة و البعيده فصارت مقصدا للباحثين عن الثروة سريعا في صورة أشبه ما تكون بال داردو (El dorado) في الثقافه الاميركيه وتعني حمى البحث عن الذهب و قصص المغامرين و لدينا مثال المعدنين حاليا بحثا عن المعدن النفيس في ارجاء السودان المختلفة و ما يكابدونه من عناء في ذلك السبيل .
بدأت هذه الهجرة و ظهرت ملامحها عن طريق المسافرين لأداء شعيرة العمرة منهم من اعتبرها عمرة وتجارة يسافر ويعود عدة مرات هناك من اعتبرها عمرة و زوغه يبقى يعمل يجمع المقدر يعود لاهله ثم يغلبه الحنين للريال قيعود وهكذا .. طبعا هناك من وجد فرصة و استقر . في كل الأحوال ظهرت آثار النعمة مما دفع الآخرين لدخول التجربة . و هذه تجربة تحتاج لدراسة اقتصادية واجتماعية وأسرية ونفسية خصوصا بعد تكاثر عدد المهاجرين السودانيين وانتشارهم في العديد من البلدان ناهيك عن تجربة ظروف الحرب المريرة وذلك نسبة لبروز العديد من الظواهر السالبة التي تحتاج لدراسة متأنية وتشخيص منهجي.
أعود لتجربتي فقد نصحني احد الاخوان ان افكر في العمل بالسعودية من خلال العمرة , سألت عن القرص قيل مجال السكرتارية والطباعة على الآلة الكاتبة واللغه الانجليزيه , الاخيره عندي مقدره وشغف بتلك اللغة احتاج لإتقان مهارة الطباعة . التحقت بمعهد تدريب بعمارة ابو العلا القديمه المواجهة لمطعم الإخلاص وهو من معالم ذلك الزمن الجميل . انتظمت في التدريب المدرب ارتيري حاولت جهدي لكن الإجادة تحتاج ممارسه اكثر , وهذا عمل تجاري يمنحك شهادة مختومة , ليستوعب غيرك . مسألة اجادة الضرب على الآلة الكاتبة اليدوية أمر يخصك ! من هنا بدأت رحلة حياة عملية طويلة شملت عدة محطات هامة . البداية كانت من جده اداء عمره والبحث عن فرصة توفقت بمساعدة احد الاخوان في العمل بشركة . لم استمر طويلا لحدوث خلاف بين الإدارة وبعض العاملين . قدمت لوظيفة بالخطوط السعودية لم اوفق الا ان مسئول التوظيف نصحني بمقابلة مسؤول آخر سوداني لديه حاجه لموظف للعمل نسبة لاستقالة شاغل الوظيفة . مقر العمل مكتب الخطوط السعوديه في عمارة المملكه في جده في مكتب ممثلي المبيعات كلهم من السعوديين .كانت المهام الرد على المكالمات و طباعة احيانا . بيئة العمل كانت مريحة والتعامل راقي . قمت بالتواصل مع معارف وأوضحت رغبتي في العمل والحصول على تأشيرة عمل .
بعدها تلقيت اتصال منه بوجود فرصة . قابلت المسؤول الموفد استقدام موظفين من السودان و كان سودانيا كانت حاجة لمترجمين , وجد ان من الافضل ان يبدأ من داخل السعوديه قبل سفره . تمت المقابله كنت مرشح مقبول لديه اتفقنا على التفاصيل وجهزت نفسي للعودة والانتقال إلى المنطقة الشرقية تحديدا إلى مدينة الخبر .
تشكل الخبر والدمام والظهران أشبه ما يكون عندنا بالعاصمة المثلثة . الدمام مقر الإمارة والإدارات الحكومية الخبر مدينة جميلة منظمة شوارع فسيحة خططتها أرامكو احببتها من الوهله الاولي مدينة متنوعة السكان والجنسيات كوزمبلاتنيه (cosmopolitan) مقارنة بالدمام الظهران مقر شركة أرامكو العملاق النفطي العالمي . في الظهران مجمعات سكنيه بحدائق جميلة سكن مرفهة على النظام الأميركي . يمارسون حياتهم باريحيه تامه . معظم قاطنيها من الاميركان و الجنسيات الغربية وقليل من السعوديين والعرب آنذاك .
العمل كان لدي مؤسسة سعودية كانت تتولى عمليات التخليص الجمركي لواردات شركة ارامكو . كان حجم الواردات مهولا لأنها كانت في بداية ما سمي بالطفرة الموافقة . المهام كانت ترجمة وثائق الشحنات من الانجليزيه للعربيه عمل دائم احيانا تكون إرساليات مستعجله و اخري قادمه العمل مستمر احيانا ايام الجمعه تجربة مفيدة تعرفت على ثقافات مختلفة هنود باكستان مصريين اردنيين عيرهم . استمر العمل لعامين بعدها فقدت المؤسسة المناقصة , نقلت كفالتي لشركه هندسيه استشاريه المانيه كانت تعمل نيابة عن جهة حكومية في الإشراف على تنفيذ أعمال إنشاء مشروع إسكان الخبر العام و تقديم الاستشارات المطلوبة موقعه في بداية شارع العزيزيه بالخبر . مشروع ضخم نفذته شركة هيونداي للإنشاءات . هنا تعرفت على ثقافة العمل عند الالمان و الكوريين تجربه ثره أفادتني في حياتي المهنية. شركة هيونداي أيامها لم تدخل ميدان تصنيع السيارات . الان تصنع البواخر الضخمة و المصاعد ومكيفات الهواء و غيرها .
الحياة ايامها كانت رخية ورخيصه لا مقارنه طبعا باليوم مع فارق المواد لم تكن متوفرة كاليوم . كنا نقف في صف انتظار تجهيز اليمني للخبز . علبة حليب النيدو 1800 كانت في حدود 17 ريال عربه الكرسيدا سعرها بحدود ال20 الف ريال وعلي ذلك قس . هذا كان نهاية السبعينات وأوائل الثمانينات الميلادية من العام الماضي.

modnour67@gmail.com

   

مقالات مشابهة

  • إمام أوغلو يكتب في فاينانشال تايمز: عودة الديمقراطية ستبدأ من تركيا
  • مالية البرلمان ترجح تأخير ارسال جداول الموازنة لهذا السبب
  • مهزلة لندن
  • الشعّاب: الإصلاحات المقترحة من المحافظ تحتاج إلى قوانين من البرلمان وقرارات جريئة من السلطة التنفيذية
  • الكونغو الديمقراطية: مصرع 50 شخصًا على الأقل في حريق قارب شمال غربي البلاد
  • غروسي من طهران: الدبلوماسية ضرورة قصوى في الوقت الراهن
  • بنكيران: الديمقراطية لي كاينة فالبيجيدي ماكايناش فسويسرا
  • رحلة في زمن جميل
  • لميس الحديدي: أتمنى هدوء الاحتقان الراهن بعد صفقة انتقال زيزو
  • فتح الطرق المؤدية إلى حيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب تنفيذاً للاتفاق الموقع بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية