أقر المجلس الأعلى للحسابات بـ »فشل » مخطط إحداث مدن جديدة هي تامنصورت وتامسنا والخيايطة والشرافات، بعدما كانت هذه المدن من بين المبادرات الحكومية التي تهدف إلى تخفيف الضغط على المدن الكبرى، ومواجهة تحديات النمو الديمغرافي والمجالي.

وفقا لتقريره السنوي الذي نشر الجمعة، تبدأ مشكلة هذه المدن على مستوى تصور وتصميم المدن الجديدة، فقد سجل المجلس أن إحداثها تم في غياب أي اتساق مع توجهات وثائق إعداد التراب الوطني والتعمير، وذلك لكون المخطط الوطني لإعداد التراب، الصادر سنة 2002، لم يوص بإحداث مدن جديدة.

كما أن التصاميم الجهوية لإعداد التراب، لم تأخذ هذه المدن الجديدة بعين الاعتبار في توجهاتها وإسقاطاتها المجالية.

وقد اعتمد إحداثها بشكل أساسي منطقا خاضعا لتوفر الفرص العقارية. وفي غياب إطار قانوني يؤطر المدن الجديدة، تم التعامل مع مشاريعها كأنها تجزئات عقارية، وذلك رغم الاختلاف في المفاهيم والمقاييس، وبالنظر إلى التعقيدات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي يتميز بها إحداث هذه المدن.

يشير المجلس، في هذا الصدد، إلى أن إحداث هذه المدن الجديدة، لم يندرج ضمن إطار استراتيجي موثق يحدد الأهداف المتوخاة ومؤشرات تتبع الأداء والميزانية المرصودة وجدولا زمنيا واقعيا للإنجاز. وكان المجلس الوطني للإسكان قد أكد، سنة 2004، على أهمية إجراء دراسات اجتماعية واقتصادية تهدف إلى تعزيز وإعادة هيكلة المنظومة الحضرية على المستويين الوطني والجهوي، غير أن إطلاق مشاريع المدن الجديدة لم يستند إلى دراسات اجتماعية واقتصادية لتحديدها، ولضمان الجدوى الاقتصادية والاجتماعية لإحداثها.

وتعد وفرة العرض من الوحدات السكنية على مستوى المدن الجديدة نتيجة لاستثمارات الدولة في البنية التحتية والتجهيزات الكبرى، إلا أن فتح مناطق جديدة للتعمير في محيط هذه المدن، وخاصة من خلال مسطرة الاستثناءات، أثر على عرض الوحدات السكنية بها، بسبب المنافسة التي فرضتها المشاريع السكنية الأخرى الموازية، علما أن هذه الأخيرة استفادت من البنية التحتية للمدن الجديدة.

وعلى صعيد آخر، لاحظ المجلس، أن التدبير المؤسساتي للمدن الجديدة من قبل القطاع المكلف بالسكنى لوحده لا يتوافق مع تعدد المتدخلين بها وطبيعتها المتعددة القطاعات، مما لا يسمح بتوفير ضمانات معقولة حول توافق رؤى جميع الفاعلين. وقد أثر غياب مخطط حكامة خاص بالمدن الجديدة على المستويين المركزي والترابي سلبا على تضافر الجهود بين القطاعات الوزارية المعنية، وتوافق رؤيتها الاستراتيجية حول أساليب إنتاج وتدبير هذه الفضاءات العمرانية الجديدة.

وفي ما يتعلق بتمويل وتدبير المدن الجديدة، فقد تم إحداثها في غياب تصور لخطة تمويل تلتئم مع حجم الاستثمارات المطلوبة، حيث لم يتم تخصيص أي نظام تمويل ملائم خاص بالمدن الأربع المذكورة. ويرتكز تمويل إنشاء المدن الجديدة بشكل أساسي على القطاع الخاص، حيث تم الاعتماد على الشراكة مع المنعشين العقاريين في جميع المدن الجديدة، مما نتج عنه في بعض الحالات صعوبات في تنفيذ الاتفاقيات، فحتى متم سنة 2023 من أصل 88 اتفاقية شراكة مع القطاع الخاص على مستوى المدن الجديدة الأربعة، تم فسخ %52 منها. وقد أدت هذه الوضعية إلى نمو غير متوازن لهذه المدن، يتسم بتطُّور متفاوت للنسيج العمراني.

بحسب المجلس، فقد نتج عن ضعف تملك مشاريع المدن الجديدة من قبل الجماعات (ذات الطابع القروي) التي تنتمي إليها مجموعة من الإشكاليات المتعلقة بتدبيرها. ذلك أنه لم تتم مواكبة التحولات المجالية بهذه المدن بالوسائل اللازمة التي تسمح للجماعات المعنية بتولي مهام جديدة تتعلق بتدبير فضاءات ذات طابع حضري (الإنارة العمومية، والمساحات الخضراء، وأشغال صيانة الطرقات، وجمع النفايات، إلخ). وتجدر الإشارة إلى أنه، وحتى نهاية سنة 2023، تحملت مجموعة التهيئة العمران مبلغا إجماليا يناهز 305 ملايين درهم لتدبير مختلف الخدمات الأساسية بالمدن الجديدة.

في نهاية المطاف، وكما يلاحظ المجلس بإحباط، بلغ مجموع عدد سكان المدن الجديدة الأربع، وإلى غاية نهاية سنة 2023، ما يناهز 169.036 ألف نسمة، أي ما يعادل %17 فقط من الهدف المتمثل في مليون نسمة عند نهاية إنجاز هذه المدن. وبلغ إجمالي عدد الوحدات السكنية المنجزة 71.486 وحدة، أي بنسبة %20 فقط من الهدف المحدد في 350 ألف وحدة سكنية. كما أنه من بين 659 مرفقا عموميا وخاصا مبرمجا، تم بناء 169 فقط، منها 150 مرفقا مشغلا، أي بنسبة إنجاز لا تتعدى %26 وبنسبة تشغيل في حدود %23.

يتقاطع ذلك مع منحى إجمالي الاستثمارات المنجزة في المدن الجديدة، فقد بلغ حتى نهاية سنة 2023، حوالي 24,4 مليار درهم، أي ما نسبته %58 من إجمالي الاستثمارات المقررة والبالغ 42,2 مليار درهم. ويقدر إجمالي مخزون مجموعة التهيئة العمران، الذي لم يتم تسويقه في المدن الجديدة، بما قيمته حوالي 5,9 مليارات درهم.

ومن أجل تدارك التأخير الحاصل في إنجاز التجهيزات، تم إبرام اتفاقيات شراكة وتمويل في إطار مخططي إقلاع وتنمية مدينتي تامسنا وتامنصورت على التوالي سنتي 2013 و2014. فعلى مستوى مدينة تامنصورت، وصل المبلغ الإجمالي المقرر تعبئتُه إلى1.357 مليون درهم، حيث بلغت كلفة مشروع المركب الجامعي لوحده 1.100 مليون درهم، أي بنسبة %81 من المبلغ الإجمالي. وعلى مستوى مدينة تامسنا، وصل المبلغ الإجمالي المقرر تعبئته إلى 538 مليون درهم. وتم تحديد أجل لتنفيذ خطة الإقلاع في خمس سنوات (2013-2017). ورغم الجهود المبذولة والإنجازات التي تحققت منذ 2017، فإنه إلى غاية نهاية 2023 كانت بعض المشاريع لازالت قيد الإنجاز، كمركز الندوات والقطب التكنولوجي بسبب ضعف تقدير الموارد المالية اللازمة.

لم يتبق بعد كل هذا سوى الاستماع إلى توصيات المجلس؛ فقد أوصى رئاسة الحكومة بالارتقاء بقيادة أوراش المدن الجديدة إلى مستوى استراتيجي يضمن اتساق التدخلات والالتقائية والتنسيق الفعال بين مختلف الأطراف المعنية، ووضع مخطط لتأهيل المدن الجديدة الحالية، وحث القطاع الوصي على مواكبة الجماعات المحتضنة لهذه المدن حتى تتمكن من ضمان سير المرافق العمومية بها.

كما أوصى المجلس وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والسكان وسياسة المدينة بوضع إطار قانوني يتعلق بالمدن الجديدة، يحدد بشكل خاص كيفيات تصور وتصميم وتخطيط هذه المدن، وكذا حكامتها وتمويلها وإنجازها، مع ضبط عمليات التعمير في محيطها.

ومن جهة أخرى، أوصى المجلس مجموعة التهيئة العمران بإعادة تركيز شركات العمران المكلفة بمشاريع المدن الجديدة على مهامها الأصلية التي حددتها نصوصها التأسيسية، ووضع آليات تمكن من احترام الالتزامات التعاقدية للشراكة مع المنعشين العقاريين الخواص، وذلك عبر التحديد القبلي للضمانات اللازمة للتنفيذ الأمثل لاتفاقيات الشراكة.

كلمات دلالية المغرب حسابات حكومة سكن مدن مشاريع

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: المغرب حسابات حكومة سكن مدن مشاريع المدن الجدیدة هذه المدن على مستوى سنة 2023

إقرأ أيضاً:

رئيسة مجلس الأعلى للحسابات تفجر فضيحة “المارشيات” بالجماعات الترابية : 10.4 مليار لإنجاز دراسات وهمية

زنقة 20 ا الرباط

سلطت زينب العدوي، رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، الضوء على المهمة الموضوعاتية التي قامت بها المجالس الجهوية التابعة للمجلس حول أعمال الدراسات التقنية التي تقوم بها الجماعات الترابية والوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع وشركات التنمية المحلية من الفترة 2019/2023.

وأوضحت العدوي اليوم الأربعاء في جلسة عمومية مشتركة بين غرفتي البرلمان لتقديم عرض عن أعمال المجلس الأعلى للحسابات برسم 2023-2024، أن الجماعات الترابية وهيئاتها أنجزت خلال هذه الفترة بما مجموعه 8007 دراسة تقنية بمبلغ مليون و167 ألف درهم من خلال إبرام 1394 صفقة بمبلغ 731.63 مليون درهم وسندات طلب بلغت 6613 بمبلغ 435.43 مليون درهم، مشيرة إلى أن هذه الدراسات همت مجالات متعددة من بينها طرق المسالك بنسبة 32 في المائة من حيث عدد الدراسات المنجزة، ومجال التأهيل الحضري وتأهيل المرافق الجماعية بنسبة 22 في المائة، ومجال البنايات بنسبة 17 في المائة، ومجال الربط بالماء الصالح للشرب بنسبة 10.2 في المائة.

وفي هذا الصدد، أكدت العدوي، أن المجالس الجهوية للمجلس الأعلى للحسابات سجلت عدم الدقة في تحديد المشاريع المعنية بالدراسات التقنية ومكوناتها والكلفة التقديرية لهذه الدراسات قبل الإعلان عن طلبات العروض، مشيرة الى عملية اختيار مكاتب الدراسات تشوبها عدة نقائص تتجلى خاصة في اعتماد معايير غير موضوعية تمس بمبدأ المنافسة كاشتراط الإدلاء بشواهد اعتماد تخص مجالات لا تتعلق بموضوع الدراسة المزمع إنجازها.

وسجلت العدوي تركيز الطلبيات العمومية المتعلقة بالدراسات التقنية على عدد محدود من مكاتب الدراسات، حيث سجلت المجالس الجهوية أن نسبة 7 في المائة فقط من المكاتب التي نالت صفقات عمومية متعلقة بالدراسات بما فيها تجمعات المكاتب حصلت على 34 في المائة من حيث عدد الصفقات، و33 في المائة من حيث مبلغها.

“وفيما يخص سندات الطلب استفادت نسبة 2 في المائة فقط من مكاتب الدراسات من 24 في المائة من حيث سندات الطلب وعددها و24 في المائة من حيث مبلغها” حسب العدوي.

وتابعت أنه “فيما يتعلق تنفيذ أعمال الدراسات التقنية واستغلالها لإنجاز المشاريع التي رصدت لها، سجل عدم تخصيص الآجال المعقولة والملائمة لإنجاز الدراسات التقنية، خصوصا تلك التي يتم تنفيذها عبر مسطرة سندات الطلب، كما لا تقوم الجماعات الترابية وهيئاتها بتحديد دقيق لمكونات مخرجات الدراسات التقنية المنجزة ومواصفاتها ومضامينها، فضلا عن عدم الإمكانية فحص هذه المخرجات ومراجعتها للتأكد من مدى مطابقتها لمقتضيات دفاتر التحملات”.

يضاف إلى ذلك بحسب العدوي، عدم قيام مجموعة من المكاتب المتعاقد معها بالتتبع المنتظم لأشغال المشاريع المنبثقة عن الدراسات المنجزة ومراقبتها.

وسجلت العدوي تباين بين الجهات في نسبة المشاريع المنبثقة عن الدراسات التقنية سواء المنفذة أو التي في طور التنفيذ، حيث تراوحت هذه النسبة على مستوى أربع جهات مابين 54 في المائة و92 في المئة، بينما لم تتجاوز على مستوى أربع جهات عتبة 44 في المائة.

وكشفت العدوي، أن “دراسات أنجزت بكلفة تتجاوز 104 مليون درهم (10.4 مليار سنتيم) في سائر جماعات جهات المملكة دون أن ينبثق عنها أي مشروع تجهيز”.

وأوصت العدوي في هذا الصدد، بتعزيز الموارد البشرية بالجماعات الترابية وتنمية قدراتها، لاسيما في الجماعات في المجال القروي من أجل تدبير فعال لمختلف مراحل تدبير الطلبيات العمومية المتعلقة بأعمال الدراسات”.

ودعت إلى “إدراج معايير موضوعية قابلة للقياس والتقييم من أجل الحصول على العرض الأفضل تقنيا واقتصاديا، وكذا اعتماد آجال معقولة لإنجاز أعمال دراسات بما يتلائم وموضوعها ونوعية مخرجاتها مع التحديد الدقيق والمفصل لهذه المخرجات”.

مقالات مشابهة

  • كانت سبباً في عزل ومحاكمة عدد منهم.. البرلمانيون يهجرون “جلسة العدوي” و “قضاة الحسابات” يملؤون الكراسي
  • رئيسة مجلس الأعلى للحسابات تفجر فضيحة “المارشيات” بالجماعات الترابية : 10.4 مليار لإنجاز دراسات وهمية
  • «قوى النواب» توافق على إنشاء المجلس الأعلى لتنمية مهارات الموارد البشرية
  • العدوي تكشف فشل برامج الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية رغم صرفها 300 مليار سنتيم
  • رئيسة المجلس الأعلى للحسابات تعلن إحالة 16 ملفاً جنائياً على القضاء
  • مجلس الحسابات: فَسخ الصفقات عَطّل إنجاز سدود والإجهاد المائي يتطلب استثمارات تصل إلى 143 مليار درهم
  • رئيسة مجلس الحسابات: إصلاحات الحكومة في المجال الضريبي ستخفف الضغط على المالية العمومية
  • العدوي: تعميم الحماية الاجتماعية على جميع المغاربة سنة 2026 يكلف 53.5 مليار درهم
  • رئيسة المجلس الأعلى للحسابات تحذر من مخاطر تهدد المالية العمومية وتطالب بتسريع إصلاح نظام التقاعد
  • لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي تثمن التزام القنوات والبرامج بالضوابط التي أصدرها المجلس الأعلى للإعلام