سقوط آخر سجون القومية الاستبدادية
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
#سقوط آخر #سجون #القومية #الاستبدادية
#محمود_أبو_هلال
توطئة:
عندما نتحدث عن القومين هنا نقصد الأنظمة القومية، وليس عن الأفراد الذين ينتمون ويحبون العرب والعروبة فكلنا عرب وذاك لا خلاف عليه.
العروبة نبيلة والعربي ينخاز لعروبته، غير أن “القوميّة الاستبدادية” لم تفعل شيئا سوى تلويث العربية وتشويه العروبة.
وحتى إذا أتينا على الأشخاص الذين رفعوا راية القومية، فأنا أفرق بين قسمين من القوميين:
قسم المفكرين الذين أعملوا العقل، من أمثال قسطنطين زريق وعصمت سيف الدولة، وعبد العزيز الدوري، ومحمّد عمارة، وخير الدين حسيب.
أما الفصيل الثاني فهم أبناء الانقلابات وعشاق الإستبداد من أمثال حمدين صباحي في مصر، الذي كان يترشح لبرلمان حسني مبارك على قوائم الاخوان المسلمين ويظفر بفضلهم على مقعد.. ولما تسلم الاخوان المسلمين الحكم سعى في وأد الثورة، من جملة الساعين، لأجل أن يذبح الإخوان المسلمين لا أكثر.
أن تكون عربيا، معتزا بعروبتك شيء عظيم، وهذا لا يعني ألا تحاول أن تُعمل عقلك ما استطعت وأن تسائل كل شيء ولا تسلم قبل النظر بشيء. التعصب أعمى، ونحن جميعا نحب أن نبصر، بعيدا عن الخنادق الإيديولوجية.
متلازمة القومية والانقلابات
كان لتغلغل القومية التركية في مفاصل سلطة الدولة العثمانية وظهور نزعات إقصائية ضد العرب عاملا مهما في تنامي القومية العربية والذي استغلته بريطانيا الكولونيالية وذلك بتشجيعهم على النأي بأنفسهم عن الدولة العثمانية وصناعة هويتهم القومية السياسية بعيدا عن الجامعة الإسلامية.
الربط بين العسكر والقومية جاء مع الجيل الأول من القوميين العرب الذين كانوا العمود الفقري في النظام الملكي في العراق فترة حكم الملك فيصل الأول، ومنهم ساطع الحصري المنظر القومي المعروف الذي عاش في العراق آنذاك وعُين على رأس وزارة التربية، كما نجد ضمنهم نوري السعيد، وجعفر العسكري، ورشيد عالي الكيلاني..الخ. هؤلاء تلقوا تعليمهم العسكري في إسطنبول في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وعملوا في الجيش العثماني وعاشوا عن قرب انقلاب 1908 ثم 1909. واستوردوا العقلية الانقلابية من الأتراك، ليقوموا بانقلاب في العراق سنة 1936 وهو أول انقلاب عسكري في البلاد العربية، ثم تتالت انقلاباتهم بعد ذلك، وهم الذين ربطوا رباطا مقدسا بين القومية والانقلابات والعسكر. وقد حدث هذا قبل أن يظهر حزب البعث، وقبل أن يصل عبد الناصر إلى السلطة.
متلازمة القومية والحاكم
بسقوط بشار الأسد في سوريا سقطت آخر ورقة من أطروحة سياسية في بلاد العرب اسمها القومية العربية السلطوية. وهي الأطروحة التي غذتها بريطانية في قلب النطاق العربي لتضمن انفصاله عن بعده الإسلامي.
هذه الأطروحة حين استولت على السياسة لم يعمل القائمون عليها على توحيد العرب بل انتهت إلى دويلات متناحرة، وظيفتها في تناحُرِها حتى تبقي على الجسم العربي معتلا يطوق دولة الكيان الصهيوني لا ليهددها ليسترد فلسطين، بل يحميها ويحتمي بها.
البعث بعثان متعاديان، بعث العراق وبعث سوريا، وكل منها في عداء مستحكم مع النظام “الوحدوي” الآخر. والناصرية غير البعث والقذافي ونظريته العلمية الثالثة غيرهما. فصار ذكر القومية مقرونا برئيس حكم عسكري ولا تضاف إلى مفكر أو مصلح أو عالم. فالقومية قوميات بعدد الزعماء، والزعماء في عرف القوميين العرب هم بالضرورة حكام، والحكام من العسكر، جاؤوا إلى الحكم بانقلابات عسكرية لا رأي للشعب فيها ولا دور.
والآن، بعد حوالي تسعين عاما من تجربة الرهان على انقلابات العسكر، وما تبين خلال ذلك من فشل ذريع في الحكم، والشاهد على ذلك هو البلدان التي حكموها، إذ بقيت حيث تسلموها أو أدنى مكانة، تحت الاحتلال تقريبا، وهو ما يدعو في تقديري إلى مراجعة عميقة.
تغطوا وارتهنوا الفكرة القومية وشوهوها من أجل أن يستمروا في السلطة وجعلوها تساوي الدكتاتورية حتى لم يعد لهذه المقاربة مستقبل.
قومية عبد بالناصر غير قوميّة حافظ الأسد غير قومية القذافي. ولكل من هؤلاء الزعماء توابع في بلاد عربية أخرى، منهم الناصري والبعثي العراقي والبعثي السوري والقذافي. وجميع أولئك لديهم قاسم مشترك هو عداوة جماعة سياسية اسمها الإخوان المسلمون، تلك التي عانت الويلات في كل دويلة من تلك الدويلات.
اجتثت جماهير الثورة السورية نظام الأسد الذي مسخ كل شيء. حتى النظام الجمهوري مسخه بالتوريث، وحول الجمهورية إلى ملك وراثي عَضوض. ولم يكن السوريون وحدهم ضحايا نظام الأسد، فلقد كشفت الثورة بعد هروب بشار أنه كان يعتقل داخل سراديبه الدموية الفلسطيني واللبناني والأردني والسوداني والتركي وغيرهم. لقد حققوا الوحدة العربية في معتقلاتهم داخل سراديبهم المعتمة وامتنعوا عن تحقيقها فوق الأرض وتحت الشمس.
متلازمة القومية والاستبداد
زعماء الأنظمة القومية العربية، كانوا أقرب لشخصيات بسيكوباتية لا يلذ لها الحكم ولا تسوغ السلطة إلا فوق الجماجم والدماء على وقع آهات المقهورين وأنين المعذبين. فهم جميعهم، لا يظهرون أي اهتمام بمشاعر الناس أو احتياجاتهم، ويستخدمون الكذب والتلاعب لتحقيق أهدافهم، وأهدافُهم كلها شخصية، إلى جانب ما يظهرون من سلوك عدواني وما يرتكبون من جرائم لم تعد تخفى على أحد. ومع كل ذلك فهم لا يشعرون بالندم أو الأسف على أفعالهم المؤذية. ولا يعرفون الاعتذار.
الدول القومية العربية كانت هي الجيل الجديد من الاحتلال، غير أن الاحتلال الأجنبي استُبدل به احتلال محلي. الاحتلالان جامعهما الاستبداد واحتلال المستبدين لا يقل ظلما وظلاما. وحكامها كانوا عقبة نموذجية حالت دون استرد الأمة مناعتها بعد أن ضربتها القوى الكولونيالية في مقتل.
القوميون العرب هم أكثر فصيل “سياسي” حكم في البلاد العربية. دول كثيرة في العالَم نشأت في مرحلة انقلاباتهم ومضت في تقدمها وصارت قبلة للصناعة والمال والأعمال ولاحترام الإنسان، وبقيت الدول التي حكمها عساكر القومية العربية في ذيل الأمم. الأمم الأخرى تناطح بمنجزاتها السحاب أما هؤلاء فمنغَمسون في حفر الأقبية لتذويب البشر.
نُظُم الحكم القومية العربية كانت متلازمة مع الاستبداد فلم تكن أكثر من نظم للإبادة الجماعية. لقد حكم هؤلاء باسم العروبة ولكنّهم أبادوا العرب بسلاح لا يحسنون مسك أداة سواه فما فعلوا غير القتل به.
الآن ما الذي بقي للقوميين العرب بعد أن سقط آخر “قلاع” الاستبداد التي كانوا يتحصنون بها لاجل البقاء؟ لم يكن لهم أكثر من الوشاية بالإخوان مهمّة، فلمن سيحملون وشاياتهم بعد أن دخل النور إلى سراديب السجون؟.
لقد جاءتهم الثورات العربية بحرية كان يمكن أن يستلهموا منها هوية سياسية يعتصمون بها. فأيدوها بداية ولما وصلت إلى نظام الأسد الاستبدادي رفسوها وارتدوا إلى ولائهم لأنظمة الانقلابات المجرمة، وأيدوا الانقلاب على الشعب.
متلازمة القومية ومعاداة “الاسلام السياسي”
انصاعت الأنظمة القومية لدعوة الغرب بإخراج الدين من معادلتهم السياسية. وفي غمرة الانبهار بأفكار الحداثة الغاوية راح يتداعى المثقَّفون المنتصرون.
الغرب الذي طالبهم بإبعاد الدين عن السياسه هو نفسه من جعل لليهود وطنا في فلسطين على أسس دينية تاريخية!.
لقد ربح الغرب المعركة ضد العرب بمساعدة القوميين حين أقنعهم بأن خلط الإسلام بالسياسة يولد الإرهاب آليا. ورمى جماعات الإسلام السياسي عن قوس واحدة. وعلم أتباعه أن خلطة الدين بالسياسة لا تكون إلا انفجارية تفجيرية، إرهابية. وفي هذا تزييف خطير نرى الأمة تعاني منه منذ أكثر من قرن من الزمان. وليس أدل على التزييف من جعل فلسطين وطنا قوميّا لليهود، واليهودية دين. صار من حقّ أي إنسان، يدين باليهودية في أية بقعة من بقاع الأرض، أن يكون له من وطن اليهود نصيب. بينما يمنع العرب من أن يخلطوا دينهم بالسياسة، وذلك من لعنات الحداثة.
الآن سقطت جميع تلك الأنظمة
ودخلت في حكم التاريخ الذي سيتولى أمرها ويكشف نقاط فروقها وقواعد نَظمِها. ولم يبق منها غير شعارات توحيدها فحولتها إلى مِزَق”.
لقد سقط آخر نظام كانوا يمجدونه وتبخر جيش كانوا ينعتونه بحامي الديار ولم يبقوا دون عمل طبعا، بل سيعودون لترديد اسطوانة مشاتمة الإخوان.
قوميوا الزمن الحداثي، أضاعوا القبلة والهوية. لقد شغلوا أنفسهم بملاحقة هوية لا تريد أن تكون لهم. لقد ولدت لهم الاستطاعة بالنص. وحين تركوه ليطلبوا الاستطاعة بمجلوبات الحداثة أضاعوا النص ولم يستطيعوا الحداثة.. فتاهو.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سجون القومية الاستبدادية محمود أبو هلال القومیة العربیة
إقرأ أيضاً:
يضم 17 نقطة.. لجنة الاتصال العربية بشأن سوريا تصدر بيانا بعد أول اجتماع منذ سقوط الأسد
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- أصدرت وزارة الخارجية الأردنية، السبت، بيانا ختاميا لاجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا، متضمنا 17 نقطة، أبرزها تأكيد المجتمعين على احترام إرادة وخيارات الشعب السوري، وضرورة وقف العمليات العسكرية، في أول اجتماع بعد سقوط نظام الرئيس السابق، بشار الأسد.
وتضم لجنة الاتصال الوزارية المعنية بسوريا كلا من المملكة الأردنية الهاشمية، والمملكة العربية السعودية، والجمهورية العراقية، والجمهورية اللبنانية، وجمهورية مصر العربية، وأمين عام جامعة الدول العربية، وبحضور وزراء خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، الرئيس الحالي للقمة العربية، ودولة قطر، حسبما أوردت وكالة الأنباء الأردنية "بترا".
وقال البيان إنه "بدعوة من وزير خارجية المملكة الأردنية الهاشمية اجتمع، السبت، 14 ديسمبر/كانون الأول 2024، في مدينة العقبة وزراء خارجية الدول الأعضاء في لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا، والمشكَلة بموجب القرار رقم 8914 الصادر عن الدورة غير العادية لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري".
وأضاف البيان: "بحث المجتمعون التطورات التي شهدتها سوريا على مدار الأسابيع الماضية".
وأكد المجتمعون على:
1- الوقوف إلى جانب الشعب السوري الشقيق، وتقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة الدقيقة، واحترام إرادته وخياراته.
2- دعم عملية انتقالية سلمية سياسية سورية-سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية السورية، وبما فيها المرأة والشباب والمجتمع المدني بعدالة، وترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية، ووفق مبادئ قرار مجلس الأمن رقم 2254 وأهدافه وآلياته، بما في ذلك تشكيل هيئة حكم انتقالية جامعة بتوافق سوري، والبدء بتنفيذ الخطوات التي حددها القرار للانتقال من المرحلة الانتقالية إلى نظام سياسي جديد، يلبي طموحات الشعب السوري بكل مكوناته، عبر انتخابات حرة ونزيهة، تشرف عليها الأمم المتحدة، استنادا إلى دستور جديد يقره السوريون، وضمن تواقيت محددة وفق الآليات التي اعتمدها القرار.
3- دعم دور المبعوث الأممي إلى سوريا، والطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تزويده كل الإمكانات اللازمة وبدء العمل على إنشاء بعثة أممية لمساعدة سوريا لدعم العملية الانتقالية في سوريا ورعايتها ومساعدة الشعب السوري الشقيق في إنجاز عملية سياسية يقودها السوريون وفق القرار 2254.
4- أن هذه المرحلة الدقيقة تستوجب حواراً وطنياً شاملاً، وتكاتف الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه وقواه السياسية والاجتماعية لبناء سوريا الحرة الآمنة المستقرة الموحدة التي يستحقها الشعب السوري، بعد سنوات طويلة من المعاناة والتضحيات.
5- ضرورة الوقف الفوري لجميع العمليات العسكرية.
6- ضرورة احترام حقوق الشعب السوري بكل مكوناته، ومن دون أي تمييز على أساس العرق أو المذهب أو الدين، وضمان العدالة والمساواة لجميع المواطنين.
7- ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية وتعزيز قدرتها على القيام بأدوارها في خدمة الشعب السوري، وحماية سوريا من الانزلاق نحو الفوضى، والعمل الفوري على تمكين جهاز شرطي لحماية المواطنين وممتلكاتهم ومقدرات الدولة السورية.
8- الالتزام بتعزيز جهود مكافحة الإرهاب والتعاون في محاربته في ضوء أنه يشكل خطراً على سوريا وعلى أمن المنطقة والعالم، ويشكل دحره أولوية جامعة.
9- التضامن المطلق مع الجمهورية العربية السورية الشقيقة في حماية وحدتها وسلامتها الإقليمية وسيادتها وأمنها واستقرارها وسلامة مواطنيها.
10- توفير الدعم الإنساني الذي يحتاجه الشعب السوري، وبما في ذلك من خلال التعاون مع منظمات الأمم المتحدة المعنية.
11- تهيئة الظروف الأمنية والحياتية والسياسية للعودة الطوعية للاجئين السوريين إلى وطنهم وتقديم كل العون اللازم لذلك، وبالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة المعنية
12- تحقيق المصالحة الوطنية ومبادئ العدالة الانتقالية وفق المعايير القانونية والإنسانية ومن دون انتقامية، وحقن دماء الشعب السوري الشقيق الذي يستحق أن تنتهي معاناته.
13- إدانة توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة مع سوريا وسلسلة المواقع المجاورة لها في جبل الشيخ ومحافظتي القنيطرة وريف دمشق، ورفضه احتلالا غاشما وخرقا للقانون الدولي، ولاتفاق فك الاشتباك المبرم بين سوريا وإسرائيل في العام 1974، والمطالبة بانسحاب القوات الإسرائيلية، وإدانة الغارات الإسرائيلية على المناطق والمنشئات الأخرى في سوريا، والتأكيد على أن هضبة الجولان أرض سورية عربية محتلة يجب إنهاء احتلالها، ومطالبة مجلس الأمن اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف هذه الاختراقات.
14- أن أمن سوريا واستقرارها ركيزة للأمن والاستقرار في المنطقة، وسنقف مع شعبها الشقيق في عملية إعادة بنائها دولة عربية موحدة، مستقلة، مستقرة آمنة لكل مواطنيها، لا مكان فيها للإرهاب أو التطرف، ولا خرق لسيادتها أو اعتداء على وحدة أراضيها من أي جهة كانت.
15- أن التعامل مع الواقع الجديد في سوريا سيرتكز إلى مدى انسجامه مع المبادئ والمرتكزات أعلاه، وبما يضمن تحقيق الهدف المشترك في تلبية حقوق الشعب السوري وتطلعاته.
16- التنسيق مع بقية الدول العربية لعقد اجتماع لمجلس الجامعة لتقديم تقرير اللجنة حول اجتماعها هذا إليه.
17- التواصل مع الشركاء في المجتمع الدولي لبلورة موقف جامع يسند سوريا في جهودها بناء المستقبل الذي يستحقه الشعب السوري الشقيق، وبما ينسجم مع الأسس المُتفق عليها أعلاه، ووفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.