«الثامن من ديسمبر 2024»، كان يومًا استثنائيًّا في تاريخ سوريا، بعد فرار «الأسد»، وسقوط النظام سريعًا، ثم دخول قوات المعارضة المسلحة إلى دمشق، إيذانًا ببدء «عهد جديد»، وإعلان وفاة حُكم «البعث» الذي استمر لأكثر من نصف قرن.
من حقّ الشعب السوري أن يعيش نشوة الفرح ولذة الانتصار، بعد عقود دامية ومريرة، لكن الحذر واجب ومطلوب خلال الفترة المقبلة، حتى يتعافى ويبرأ من مخلَّفات الماضي الأليم، وألا يطمئن أو يثق في أيِّ طرفٍ إقليمي أو دولي، قبل أن تنجلي ملامح الواقع الجديد.
ورغم أن انهيار وسقوط النظام بهذا الشكل الغامض والمفاجئ والسريع، لم يكن متوقَّعًا على هذا النحو «الهوليوودي»، إلا أنه طرح أكثر من علامة استفهام، أهمها: هل كان «تحرير الشام» جزءًا من صراع الدول الكبرى، أم «شاميًّا» وطنيًا خالصًا.. وكيف استطاع هؤلاء المقاتلون ـ الذين كانوا حتى وقت قريب مجرد فصائل متناحرة ـ أن يحققوا ذلك «النصر المبين» في غضون أيام؟
لاشك أن أي مخلص غيور على دينه وعروبته، يرجو لسوريا أن تجتاز محنتها وآلامها، فيكفي هذا الشعب الأصيل ما عاناه من كوابيس جماعية وتجربة قاسية لعقود طويلة، أن يحيا حياة كريمة، تليق بأصالته وعراقته، والتعافي من أمراض وجائحات استمرت لأكثر من نصف قرن.
مع سقوط النظام، وفرار «الأسد»، نرجو أن يطوي السوريون صفحات من الألم والدمار، وألا يجدوا أنفسهم أمام مشهد معقد، تتداخل فيه أبعادٌ داخلية وإقليمية ودولية بشكلٍ فج، قد يؤدي إلى اتساع تشظِّي الوطن جغرافيًّا وديمغرافيًّا، واتساع نزيف الخسائر، بشريًّا واقتصاديًّا.
يجب على السوريين استغلال تلك الفرصة التاريخية لإعادة وطنهم إلى مكانته التي يستحقها، من خلال التعلم من تراكمات وأخطاء الماضي، وعدم الاعتماد على «الوصاية» الخارجية، التي تفقدهم استقلالية القرار السياسي والاقتصادي، حتى لا يكون الأمر مجرد استبدال «تبعية» بأخرى.
نتصور أن السوريين الآن أمام فرصة تاريخية حقيقية، لطي صفحة الماضي، وبدء صفحة جديدة، عنوانها توحيد الصفوف وإعادة اللُّحمة الوطنية وتجاوز الانقسامات الطائفية والإثنية، وطرح رؤية واقعية للمستقبل، لتجنب الفراغ السياسي، أو "بعث" الدولة العميقة والثورة المضادة.
نتصور أن التحدي الأكبر يكمن في إعادة الإعمار وبناء سوريا من تحت الركام، وذلك بالطبع يتطلب تعاونًا دوليًّا صادقًا، والتزامًا بتقديم الدعم الإنساني والإغاثي الفوري، بعيدًا عن أي أجندات سياسية.. وقبلها وجود إرادة داخلية قوية لدى السوريين أنفسهم.
أخيرًا.. إن سقوط النظام وفرار «الأسد» ليس كلمة النهاية، بل إنها بداية فصل جديد مليء بالآمال والمخاطر، يتطلب قراءة دقيقة ومتأنيّة، بعيدًا عن التناقضات الأيديولوجية والسياسية والطائفية، فالحفاظ على سوريا موحدة ومستقرة، لا يقتصر على كونه واجبًا وطنيًّا، بل ضرورة إنسانية وأخلاقية وإسلامية وعروبية.
فصل الخطاب:
يقول المفكر الجزائري «مالك بن نبي»: «لا يمكننا أن نصنع التاريخ بتقليد خُطا الآخرين في سائر الدروب التي طرقوها».
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أحمد الشرع سقوط النظام السوري فرار بشار الاسد سوريا الجديدة محمود زاهر سجن صيدنايا
إقرأ أيضاً:
سوريا من الحضن العربي إلى الأحضان التركية والصهيونية
القاضي/ علي يحيى عبدالمغني
أنفقت السعوديّة ودول الخليج خلال عقد من الزمن عشرات ومئات المليارات من الدولارات لتدمير سورية، ونقل إليها الأتراك والأمريكيون الجماعات والعناصر التكفيرية من كافة دول العالم لإسقاط النظام السوري، إلا أنه صمد في وجه هذه المؤامرة الدولية، وتمكّنت سوريا بمساعدة الحلفاء من جُلِّ المحافظات السورية التي وصلت إليها هذه الجماعاتُ التكفيرية.
دفعت إيران وحزب الله أثمانًا باهظة في هذه الحرب الكونية، التي استمرت عشر سنوات تقريبًا، إلا أن النظامَ السوريَّ للأسف لم يستغل هذا النصر الذي تحقّق، ويثبت وجوده ووجود حلفائه على الأرض، ويعيد إعمار ما دمّـرته الحرب، وظن أنه في مأمنٍ من عودتها مجدّدًا.
بتخطيطٍ أمريكي وصهيوني مع النظام التركي، غيَّرت السعوديّة ودول الخليج طريقة تعاملها مع النظام السوري، وبدأ “ابن زايد وابن سلمان” يغازلان “بشار الأسد” باستضافته في الرياض وأبو ظبي، وفتح سفارتيهما في دمشق، وإعادة سورية إلى الجامعة العربية، وإقناعه بضرورة تخليه عن حلفائه، لإعادته إلى الحضن العربي، مقابل إعادة إعمار سوريا وفك الحصار المفروض عليها، وكذلك فعل النظام التركي عن طريق روسيا، وانخدع بهذه الوعود الكاذبة.
وقع الأسد في المصيدة، فبدأ يضايق حلفاءه الذين حافظوا على بقائه، ويقلص وجودهم في سوريا، فأخرج سفير صنعاء من السفارة اليمنية وسلّمها للأطراف الموالية للإمارات والسعوديّة، وزوّدهما بمعلوماتٍ دقيقة ومفصلة عن تواجد إيران وحزب الله وبعض القيادات الفلسطينية في سوريا ولبنان.
وحتى تعود سوريا إلى الحضن العربي وَكما كانت دولةً مدنية علمانية بعيدة عن الصراعات الإقليمية والدولية خالية من وجود محور المقاومة؛ قدمت السعوديّة والإمارات والأتراك المعلوماتِ التي وصلتها من المخابرات السورية عن تواجد إيران وحزب الله وبعضِ القيادات الفلسطينية في كافة المحافظات السورية للإدارة الأمريكية وحكومة الكيان اللتين تكفلتا بإخراج سوريا من محور المقاومة وإعادتها إلى الحضن العربي.
خلال العدوان “الصهيوأمريكي” على قطاع غزة ولبنان تلقت إيرانُ وحزبُ الله ضرباتٍ موجعةً في سوريا، كشفت ظهر الأسد وأظهرت عورته وقلّمت مخالبَه، وما أن توقف العدوان الصهيوني على لبنان حتى بدأ الإرهاب التركي الخليجي يجتاح المدن والبلدات السورية التي تساقطت كالفراش، واحدةً تلو الأُخرى حتى وصلت الجماعات المسلحة إلى العاصمة دمشق خلال أَيَّـام معدودة دون أن يطلق الجيش السوري طلقة واحدة لإيقاف هذا الاجتياح المدروس والمعد مسبقًا.
وجد الأسد نفسه وحيدًا في ميدان المعركة، وفريسة سهلة للحيوانات التركية والأمريكية، ولم يكن أمامه سوى اللجوء إلى الدب الروسي الذي أخذ نصيبَه من الكعكة، وأثبت حُسن نواياه للأمريكي في سوريا ليعوِّضَه عنها في أوكرانيا، وبذلك خسر الدبُّ والأسدُ وجودَهما في دمشق واللاذقية وغيرهما.
سقطت سوريا من الأحضان العربية إلى الأحضان الصهيونية والتركية، التي باتت اللاعب الوحيد فيها، والمستفيد الأول من تدميرها، وبات الأسد جثةً هامدةً في المتحف الروسي، والقطط والفئران تنبش ضريحَ والده، والعصابات الصهيونية على بُعد عشرين كم من دمشق العاصمة، وفي الختام الأسد استسلم للقطط، والعرب سلّموا سوريا لأيادٍ أمينةٍ تركية وصهيونية.
* أمين عام مجلس الشورى