"فايننشال تايمز": من دمشق إلى موسكو.. الأسد هرب 250 مليون دولار جواً في سلسلة رحلات سريّة
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية عن قيام الرئيس السوري السابق بشار الأسد بإرسال 21 طائرة محمّلة بحوالي 250 مليون دولار نقدًا إلى روسيا على مدار عامين، في مسعى للالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة على نظامه بسبب الحرب الأهلية السورية.
ووفقًا للصحيفة، نفذ البنك المركزي السوري سلسلة رحلات جوية سرّية بين آذار/ مارس 2018 و أيلول/ سبتمبر 2019، شملت تحويل ما يقرب من طنين من الأوراق النقدية، منها 100 دولار و500 يورو، إلى مطار فنوكوفو في موسكو.
وتشير السجلات التي اطلعت عليها "فايننشال تايمز" إلى أن التحويلات النقدية من البنك المركزي السوري إلى البنوك الروسية لم تُسجّل منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، مما يعكس أهمية الفترة التي شهدت هذه التحويلات.
وأفادت الصحيفة بأن الأموال المرسلة تم إيداعها في بنك "المؤسسة المالية الروسية" (RFK) في موسكو، وهو بنك تسيطر عليه شركة تصدير الأسلحة الروسية "روس أوبورون إكسبورت"، التي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات في آذار/ مارس الماضي بتهمة تسهيل "تحويلات مالية غير مشروعة" بملايين الدولارات لصالح النظام السوري.
أشارت "فايننشال تايمز" إلى أنه بالرغم من "النقص الحاد في العملات الأجنبية" داخل سوريا، أصر نظام الأسد على تنفيذ هذه العمليات، وسط مساعٍ لحماية ثروة عائلته وضمان "مكاسب غير مشروعة" لعناصر النظام ودائرته المقربة.
وقد استخدمت عائلة الأسد خلال الفترة نفسها "شبكة معقدة من الشركات وترتيبات القروض" لشراء ما لا يقل عن 20 شقة فاخرة في العاصمة الروسية موسكو منذ عام 2013، وفق ما أوردته الصحيفة، في محاولة لتأمين ثروتها خارج سوريا.
وقال ديفيد شينكر، الدبلوماسي الأمريكي الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بين 2019 و2021، إن الأسد كان يعلم أن "نهايته قد تكون سيئة" إذا فقد السلطة، لذا قام بنقل أموال النظام بشكل مستمر إلى خارج البلاد. وأوضح أن الهدف من هذه التحويلات كان "ضمان حياة كريمة للنظام ودائرته المقربة" وتأمين المكاسب التي حصلوا عليها بشكل غير قانوني.
في الوقت نفسه، شهدت سوريا تحركات لافتة للقوات الروسية، حيث أعلنت وزارة الخارجية الروسية أنها قامت بإجلاء جزئي لدبلوماسييها من دمشق، إلى جانب دبلوماسيين من حلفائها في بيلاروس وكوريا الشمالية وجمهورية أبخازيا الانفصالية في جورجيا.
وأفادت الصحيفة بأن روسيا سحبت أكثر من 400 من قواتها من دمشق إلى قاعدة حميميم العسكرية الواقعة على الساحل السوري. ووفقًا للتقرير، فإن المحادثات جارية حول احتمال سحب المزيد من القوات الروسية من البلاد، وسط حالة من الغموض بشأن مستقبل الوجود العسكري الروسي في سوريا.
Relatedسوريا ما بعد الأسد.. تصريحات أردوغان تثير البلبلة فهل تتحول البلاد إلى محمية تركية؟ بشار الأسد: لم أغادر الوطن وبقيت في دمشق حتى 8 ديسمبرهل آن أوان "إسرائيل الكبرى"؟ حافظ الأسد أراد السباحة يوما في طبريا فاحتل نتنياهو أعلى قمم جبل الشيخومنذ اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، اعتُبرت روسيا شريان الحياة الأساسي لنظام الأسد، اذ قدّمت دعماً عسكريًا مباشرًا ساهم في تغيير موازين القوى لصالح النظام في وجه قوات المعارضة. وخلال الفترة التي نُفذت فيها التحويلات النقدية، لعبت المساعدات الروسية دورًا حاسمًا في استقرار النظام ضد خصومه الداخليين والخارجيين.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية بعد أيام من رحيل الأسد.. الاتحاد الأوروبي يبحث تطبيع العلاقات مع هيئة تحرير الشام وإسقاط العقوبات هجرة الأطباء السوريين وعودتهم إلى وطنهم بعد انهيار الأسد: أزمة تهدد المستشفيات الألمانية سلام دونه تحديات أم هدوء ما قبل العاصفة؟ كيف بدت دمشق في الأسبوع الأول على سقوط الأسد؟ موسكوسوريابشار الأسدالولايات المتحدة الأمريكيةبنوك- قطاع مصرفيالحرب في سورياالمصدر: euronews
كلمات دلالية: سوريا بشار الأسد هيئة تحرير الشام روسيا إسرائيل دمشق سوريا بشار الأسد هيئة تحرير الشام روسيا إسرائيل دمشق موسكو سوريا بشار الأسد الولايات المتحدة الأمريكية الحرب في سوريا سوريا بشار الأسد هيئة تحرير الشام روسيا إسرائيل دمشق سرقة داعش إعصار قطاع غزة عيد الميلاد ضحايا فایننشال تایمز یعرض الآن Next بشار الأسد
إقرأ أيضاً:
النظام العالمي ينهار أمام أعيننا
ترجمة: أحمد شافعي -
بعد أسبوع ابتدأ بأسوأ اضطراب مالي في التاريخ الحديث وانتهى بأخطر تصعيد حتى الآن في الصراع الصيني الأمريكي، حان الأوان للتمييز بين التحولات لكبيرة والزلزال. إذا لم يتغير شيء، فإن العقد الحالي من هذا القرن سوف يبقى في الذاكرة باعتباره عقد الشيطان، وقد استعمل المؤرخون هذا المصطلح في وصف ثلاثينيات القرن العشرين من قبل. لن يسمه فقط موت سبعة ملايين إنسان بسبب وباء كوفيد 19 وارتفاع الفقر والتفاوت في العالم، ولكن سوف يسمه أيضًا تمزيق أوكرانيا، وإحراق غزة، وأهوال إفريقيا وغزة التي لا تكاد تلتفت إليها الأخبار، وكل عنصر من هذه يشهد على إزاحة عنيفة للنظام العالمي القائم على القواعد لصالح نظام قائم على القوة.
فها هو أمام أعيننا يتعرض كل عمود من أعمدة النظام القديم للهجوم، فلا يقتصر الأمر على التجارة الحرة إنما يمتد إلى سيادة القانون والأهمية التي طالما أوليناها لحقوق الإنسان والديمقراطية وحق الشعوب في تقرير المصير، والتعاون متعدد الأطراف بين الأمم بما في ذلك من مسؤوليات إنسانية وبيئية كنا نقبلها ذات يوم بوصفنا مواطنين عالميين.
تحولات القوة هي بالطبع مادة التاريخ. وفي غضون قرنين، شهدنا قيام وانهيار أربعة أنظمة عالمية.
الأولان منها ـ أي توازن القوى الذي نشأ بعد هزيمة نابليون في مطلع القرن التاسع عشر ونظام معاهدة فرساي في ما بعد 1918 المولود بعد انهيار أربع إمبراطوريات حاكمة ـ انتهيا بكارثة الحربين العالميتين.
ثم جاء تنظيم ما بعد 1945 بقيادة الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وبعد عام 1990 الذي شهد تفكك الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو، جاء ما أطلق عليه الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب «النظام العالمي الجديد».
والآن، إذ يتحول ميزان القوى الاقتصادي شرقًا، ويترسخ مذهب تجاري جديد، فإن ما كان يسمى بإجماع واشنطن لم يعد يلقى دعمًا في أي مكان، ولا في واشنطن نفسها. فالملايين الآن يرفضون العولمة إذ يرون أنها كانت «متاحة للجميع» ولم تكن منصفة للجميع. فما هي بالتجارة المفتوحة لكنها العكس، أي قيودًا على التجارة باتت الآن تروج باعتبارها مسار أمة إلى الرخاء.
لقد كانت حيلة الرئيس ترامب التكتيكية تتمثل في استغلال التحولات العميقة التي كانت ماضية بالفعل في إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للعالم: أولا، الفجوة المتسعة بين فوائد العولمة وبين ما حققته في حياة الناس اليومية، فأصبح ترامب أبرز مناهضي العولمة في العالم. كما أنه رأى كيف يمكن أن يستفيد بحملات التواصل الاجتماعي المتواصلة عبر هواتف الناس، فيحيي نظرية «الرجل العظيم» التاريخية فقد أظهر له بوتين وشي وأردوغان وكيم يونج أون قدرة القادة الشعبويين، وإن كانوا طغاة، على تحديد الأجندات.
غير أن تقلبات ترامب الهائلة تنذر بخطر أكبر. إذ يبدو أن شعار «دع الفوضى تسُد ولا تكبح جماحها» هو السائد، ورغم وجود أمل مستمر في أن يظهر عما قريب حكمٌ أشبه بالطبيعي، فلم يعد هذا الأمل أساسًا منطقيًا للتخطيط المستقبلي لأحد. فبدلا من ذلك، مع مخاطرة الولايات المتحدة والصين بتسريع وتيرة المواجهة بينهما إلى مستويات جديدة، يصبح هذا هو السؤال المطروح: هل نتجه نحو مستقبل فيه «عالم واحد ونظامان»، أم أننا ببساطة نتجه نحو الفوضى العارمة التي وسمت تاريخ أغلب القرون السابقة؟ وهل ثمة فرصة الآن لبناء نظام عالمي مستقر ومستدام؟
الواضح بعد الأحداث الأخيرة هو استحالة استعادة النظام العالمي الرابع. فنحن لا نعيش في عصر تتزايد فيه الحمائية فحسب، بل ننتقل من عالم أحادي القطب كانت الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة الوحيدة فيه، إلى عالم يضم مراكز صنع قرار أكثر تنوعًا. ولكن لأننا أيضًا في عالم أكثر ترابطًا، فنحن أكثر عرضة للأزمات ـ
من الأوبئة وحالات الطوارئ المناخية إلى العدوى المالية. ويزداد الأمر سوءًا لأن الدول قادرة، كما رأينا هذا الأسبوع، على تحويل هذا الترابط إلى سلاح تستغله لصالحها مثلما تستغل نقاط الاختناق التي ينشئها. فلو أننا راغبون في الوصول إلى ما يشبه نظاما قائما على القيم، فسوف يكون لزاما علينا في مرحلة ما أن نتفق على ميثاق عالمي محدَّث لمستقبلنا المشترك، ميثاق يقوم على ميثاق الأطلسي لعام 1941 وميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 ولكنه مصمم لقرن مختلف تمامًا.
ومثلما قال وليم بيفريدج آنذاك: «إن اللحظة الثورية في تاريخ العالم هي لحظة الثورات، لا لحظة الترقيع». على مدار الأيام القليلة الماضية، صدرت دعوات إلى التعاون متعدد الأطراف من قادة إسبانيا والبرازيل وجنوب إفريقيا، وهم رؤساء هذا العام لثلاثة مؤتمرات عالمية: المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، ومؤتمر الأمم المتحدة الثلاثين لتغير المناخ، ومجموعة العشرين. وكتب رئيس الوزراء الماليزي ورئيسا كولومبيا وجنوب إفريقيا: «علينا الآن، مجتمعين، أن نتحد لتطبيق القانون الدولي. والخيار واضح: إما أن نعمل معا من أجل تطبيق القانون الدولي أو نخاطر بانهياره».
ينبغي أن تتعهد جميع الدول المؤمنة بالتعاون الدولي بأن يقدم هذا الجيل، من خلال تعددية جديدة، حلولًا عالمية لما أصبح الآن مشاكل عالمية حتمية لا يمكن حلها من خلال عمل الدول القومية بمفردها أو من خلال اتفاقيات ثنائية فحسب. ثانيا، وباعتبارها لبنات أساسية في هذا المستقبل، ينبغي أن ينخرط تحالف الراغبين هذا على الفور في تعاون عملي بشأن القضايا الملحة التي لا يمكن حلها من خلال الدول القومية ـ
من قبيل الأمن العالمي، والمناخ، والصحة، والاحتياجات الإنسانية، بالإضافة إلى تدفق التجارة. وينبغي العمل على تحديث المؤسسات الدولية المعنية بهذه القضايا.
وثالثا، ينبغي أن نسعى إلى بناء جسور للتواصل مع المشككين من أمثال ترامب، وذلك بالاتفاق معه على ضرورة المعاملة بالمثل وتقاسم الأعباء بشكل عادل بين الدول، ولأن هذا العالم مثقل بالديون، فعلينا أن نقترح سبلا مبتكرة وعادلة لجمع الموارد اللازمة لتحويل هذه الالتزامات إلى أفعال.
ومن خلال معالجة إخفاقات عصر العولمة المفرطة، يمكننا جميعا أن نسعى جاهدين من أجل عالم لا يكون مفتوحا للتجارة وحدها، وإنما يشمل جميع من تخلفوا عن الركب.
قبل مائتي عام، في أوقات مماثلة بالغة الأهمية، دعا زعيم بريطاني إلى «إيجاد عالم جديد يعيد التوازن إلى العالم القديم»، والدرس المستفاد من التاريخ هو أن أي نظام جديد قابل للدوام يجب أن يقوم على أساس المبادئ الراسخة، لا على رمال المصلحة المتحركة والتفسير الضيق للمصالح الوطنية.
لقد كان جوهر ميثاق الأطلسي، إعلان التعاون الدولي المستوحى من روزفلت، يتمثل في مجموعة مبادئ تشيد بالحريات الأساسية ـ ضد استخدام القوة والحمائية، ومن أجل تقرير مصير الدول والعقود الاجتماعية الوطنية التي من شأنها سد الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وحتى لو لم يكن ترامب مناصرًا لأي من هذه الأهداف حتى الآن، فإننا لم نفقد كل شيء بعد: فوفقا لتحالف القيادة العالمية الأمريكية، يعارض 82% من الأمريكيين الانعزالية، معتقدين أن الولايات المتحدة تكون أقوى عندما «تنخرط في العالم».
وفي حين أنه لم يعد بإمكان الولايات المتحدة قيادة عالم أحادي القطب بالإملاء على الآخرين، فإن بوسعها أن تقود عالمًا متعدد الأقطاب من خلال الإقناع.
والمؤسف أنه، على الرغم من جهود كير ستارمر الشجاعة، لا يمكن لأحد الآن ضمان عدم تفتيت أوكرانيا - ومواردها - بما يشجع الطغاة في كل مكان. ولكن بوسعنا توجيه البوصلة الأخلاقية التي سترشدنا وتجعلنا أكثر استعدادًا للتحديات المقبلة.
وإننا نبقى معرضين لخطر تكرار الانزلاق إلى الفوضى العالمية في ثلاثينيات القرن العشرين، ولكن من خلال العمل المشترك بين الدول، يمكننا أن نخلق لحظة مماثلة لتلك التي شهدتها أربعينيات القرن العشرين عندما نبدأ في المهمة الجبارة المتمثلة في بناء النظام العالمي الخامس في العصر الحديث.
جوردون براون شغل منصب رئيس وزراء المملكة المتحدة من 2007 إلى 2010.