المؤسسات السياسية تتداعَى في فرنسا
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
ارتدت مارين لوبان ثوب حِداد أسود في ذهابها للتصويت على حجب الثقة عن الحكومة الفرنسية برئاسة ميشال بارنييه. فعلت ذلك وكأنها ذاهبة إلى جنازة نظامٍ تزعم أنها تحترمه لكنها تعمل بلا كلل ولا ملل لتقويضه.
في الأثناء ومن منصة الضيوف في مبنى الجمعية الوطنية راقب جان - لوك ميلانشون زعيم حزب فرنسا الأبية اليساري أعضاء حزبه وهم يدلون بأصواتهم.
وهكذا تعاون أقصى اليمين وأقصى اليسار للإطاحة بحكومة بارنييه الوسطية بعدما يزيد قليلا على ثلاثة أشهر من تشكيلها وأدخلا فرنسا في المجهول.
هذه مرحلة جديدة في الأزمة ابتدرتها الانتخابات التشريعية المبكرة في الصيف الماضي والتي فشلت في المجيء بأغلبية برلمانية. الأزمة الآن عميقة إلى حد أن الرئيس إيمانويل ماكرون توجَّب عليه الإصرار في خطاب حازم ومتلفز على أنه لن يستقيل.
هل هذا هو الشفق الذي يُؤذِن بمغيب شمس الجمهورية الخامسة في فرنسا؟ لقد أسسها الجنرال شارل ديجول (1890-1970) بدستور مُصمَّم خصِّيصا لها في عام 1958 بقصد بسط الاستقرار بعد عقود من الحكم البرلماني الفوضوي. أقامت جمهورية ديجول توازنا بين البرلمان من جهة وبين رئيس الدولة الذي كرِّست في يده سلطات واسعة من جهة أخرى. وأصبح نظام الحكم في فرنسا رئاسيا بدرجة أكبر بعد أن أفضَى استفتاء أُجرِي في عام 1962 إلى انتخاب رئيس الدولة بالاقتراع العام وليس بالمجمع الانتخابي. لكن لسوء الحظ هذا الترتيب الذي تمت صياغته بعناية لم يعد فاعلا كما يبدو. (الاقتراع العام يحق فيه التصويت لكل مواطن بالغ. أما انتخاب الرئيس بواسطة المجمع الانتخابي كما في الولايات المتحدة فيتم بطريقة غير مباشرة عبر مجموعة من الأشخاص أو الناخبين الذين اختيارهم لهذا الغرض - المترجم.)
سياسي الوسط جان- لويس بورلانج صاحب خبرة ومراقب حصيف للتاريخ السياسي. يقول بورلانج والذي ترك البرلمان في الصيف الماضي «نحن ندخل مرحلة جديدة في هذا التوازن المؤسَّسَاتي». لفترة طويلة كان هنالك توافق أو انسجام بين الأغلبية الرئاسية والأغلبية البرلمانية مما سمح لليسار واليمين بالتناوب على الحكم بطريقة منتظمة. ثم بدأ ما سُمِّي «عهد التعايش» في أواخر الثمانينيات عندما جاءت الانتخابات بأغلبيات متعارضة للبرلمان والرئاسة. تمكن الرئيسان فرانسوا ميتران وجاك شيراك من ترتيب الأمور ببعض النجاح من خلال ممارسة الحكم مع رؤساء وزارة من الأحزاب المعارضة.
نجح هذا التعايش (بين رئيس من حزب ورئيس وزراء من حزب آخر- المترجم) لأنه كان مدفوعا بواسطة الأحزاب الرئيسية ممثلة في حزب يمين الوسط «الاتحاد من أجل حركة شعبية» الذي كان يقوده شيراك والحزب الاشتراكي بقيادة ميتران. فهما كانا يتشاطران نفس الرؤية للنظام السياسي. لكن انهار هذان الحزبان عندما شق ماكرون طريقه إلى المشهد السياسي وفاز بفترته الرئاسية الأولى في عام 2017. ازدهر حزب مارين لوبان المتطرف التجمع الوطني وسط أنقاض النظام الحزبي الرئيسي فيما اتخذ حزب ميلانشون المسار الراديكالي.
هزم ماكرون رئيسة حزب التجمع الوطني لوبان ليفوز بفترة رئاسية ثانية في أبريل 2022. لكن أغلبيته تقلصت ودخل عدد كبير من نواب التجمع الوطني البرلمان بعد الانتخابات التشريعية التي أعقبت ذلك. ويعتقد بورلانج أن تلك هي اللحظة التي كان ينبغي لماكرون أن يفسح فيها مجالا أكبر للبرلمان ولرئيس الوزراء ويعيد بذلك التوازن للعلاقة بين الإليزيه (القصر الرئاسي) وبين الفرع التشريعي للحكم.
في الأثناء تغير النسيج السكاني والثقافي للمجتمع الفرنسي، فالقضايا التي كانت بالكاد توجد في الساحة عند ولادة الجمهورية الخامسة كالهجرة والعولمة والتكامل الأوروبي زعزعت المشهد السياسي. وحول أوروبا تحدت حركات جديدة التوافق الديموقراطي الليبرالي.
كانت النتيجة برلمانا ثلاثيا تشكل في انتخابات هذا الصيف من ثلاث كتل متساوية تقريبا من اليسار والوسط وأقصى اليمين وبدون أغلبية، هذه الكتل البرلمانية والتي تتحدى اثنتان منها القواعد التي ترتكز عليها التسوية الحالية تكره بعضها البعض وتبدو غير قادرة على التعاون فيما عدا لإسقاط الحكومة. كل هذا يشير إلى خلل وظيفي في نظام الحكم.
هذا هو السبب في أن إجبار ماكرون على الانسحاب قد لا يحل أي مشكلة، فبما أن الدستور لا يسمح بإجراء انتخابات جديدة قبل يوليو، في العام القادم لن يكون لدى الرئيس الجديد (إذا استقال ماكرون) أغلبية برلمانية ليحكم معها.
هنالك عيب آخر في النظام، فعلى الرغم من التصريحات المغالية بأن الانتخابات المبكرة شهدت انتقالا للسلطة من قصر الإليزيه إلى قصر بوربون حيث تعقد الجمعية الوطنية جلساتها إلا أن عددا كبيرا جدا من كبار الساسة من اليسار واليمين والوسط تحركهم في الواقع رغبتهم في خوض الانتخابات الرئاسية التالية في عام 2027، فالحلبة تحتشد بالطامحين.
لكل هذا تعتقد قلة من الخبراء أن الوقت حان لدفن الجمهورية الخامسة. أما ماكرون فهو يقامر باعتقاده أن روح الوحدة والتعاون القوية التي مكنت كاتدرائية روتردام من النهوض من رماد الحريق ربما تُلهِم الساسةَ مجددا وتجعل اختيار لوبان ارتداء ثوب الحداد يبدو سابقا لأوانه.
سيلفي كوفمان مديرة تحرير صحيفة لوموند الفرنسية
الترجمة عن الفاينانشال تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی عام
إقرأ أيضاً:
خلال لقائه سفيرة فرنسا.. العرادة يدعو المجتمع الدولي إلى تصحيح مسار العملية السياسية في اليمن
بحث عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء سلطان العرادة، مع سفيرة جمهورية فرنسا لدى اليمن، كاترين قرم كمون، المستجدات السياسية والاقتصادية والأوضاع الإنسانية في اليمن.
وذكرت وكالة سبأ الحكومية، أن العرادة شدد على ضرورة تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته تجاه تلك التهديدات للملاحة البحرية، والتحرك العاجل والحازم لردع تلك التهديدات، واتخاذ كافة الإجراءات والتدابير الضرورية اللازمة لإنهاء دعم جماعة الحوثي من قبل أطراف إقليمية وتجفيف مصادر تمويلها.
وأشار العرادة إلى مخاطر تصعيد جماعة الحوثي المتواصل في البحرين الأحمر والعربي، وتأثيرات ممارساتها وأعمالها العدائية في واحد من أهم الممرات المائية في العالم على أمن الملاحة الدولية، وانعكاس ذلك على الاقتصاد العالمي.
وثمن العرادة، دعم الحكومة الفرنسية المستمر للحكومة على الصعيد السياسي والاقتصادي وفي الجوانب الإنسانية والتنموية، بالإضافة إلى مواقفها الداعمة للجهود الرامية لحل الأزمة اليمنية وتعزيز الأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة.
ودعا عضو مجلس القيادة الحكومة الفرنسية وكل الشركاء الإقليميين والدوليين إلى تصحيح مسار العملية السياسية في اليمن والكشف عن الأطراف المحلية والإقليمية المعرقلة لعملية السلام في اليمن، واتخاذ الإجراءات الرادعة بحقها لضمان تحقيق سلام شامل وعادل ومستدام ينهي الأزمة اليمنية.
وجدد التزام مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية بدعم أي جهود تسعى لتحقيق سلام حقيقي في اليمن انطلاقا من المرجعيات الأساسية الثلاث، بما ينهي انقلاب جماعة الحوثي ويحقق تطلعات اليمنيين وينهي معاناتهم المستمرة منذ بداية هذا الانقلاب المدعوم من النظام الإيراني.
بدوره، أعربت سفير جمهورية فرنسا كاترين قرم كمون التزام بلادها بدعم الحكومة اليمنية ومساندة الجهود الدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، مؤكدة موقف فرنسا الرافض لأي تصعيد يعرقل مساعي السلام في اليمن والوصول إلى تسوية سلمية شاملة.