سلطنة عمان .. إنجاز الدبلوماسية المرنة
تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT
مسقط لم تتردد عن القيام بدورها ومسؤولياتها في التخفيف من الصدامات وتبريد سخونة المواجهات في المنطقة رغم ان العمانيين يعيشون قلقاً سياسياً واضحاً جراء التطورات الدرامية للحرب والصراع والمواجهات الدامية التي عصفت بالمنطقة بعد الحرب اليمنية السعودية الاماراتية التي اجتاحت المنطقة العربية من بوابة اليمن وفتحت الباب على مصراعيه امام تبعات ومشكلات لا حدود لها ولا يمكن السيطرة عليها.
ومرد هذا القلق ان الصراعات المسلحة وادارة المعارك قد وصلت إلى البوابة الغربية العمانية بالقرب من المهرة وحضرموت , مع ما يعني ذلك من فرض أوضاع هشة من استقرار مخاتل بإمكانه ان يتحول إلى فوضى واضطراب قد تتضرر منه سلطنة عمان ومحافظا تها المجاورة للمهرة ..
وغير مستبعد ان يصل اثرها السلبي الى كل منطقة في الخليج لا سيما وان هذه المنطقة تسمى برميل البارود الخامل رغم كل هذه التحديات والتهديدات لم تتردد مسقط عن القيام بدورها ومسؤولياتها في التخفيف من هذه الصدامات وتبريد سخونة المواجهات بعمل إنساني حكيم وبجهد دبلوماسي واضح هدفه تحدد في ايجاد مساحات واسعة ومناسبة لالتقاء الفرقاء والخصوم والأعداء .. فمثلاً تجد في مسقط تواجداً لقيادات من انصار الله وفي ذات الوقت تتواجد عناصر حكومة معين عبد الملك , ولا تمانع مسقط من تواجد عناصر الانتقالي وفي مسقط تلحظ الدور الأمريكي المساهم في الاشكالية اليمنية إلى جانب الدور البريطاني .. وفي مسقط لا يخفى الدور الاماراتي ولا الدور القطري ولا الدور السعودي..
وبحسب المشاهد والمعايش ووفق المعطيات الراهنة فان الجميع قد احتوتهم مسقط والجميع يسهم في صورة مكثفة لا يجاد حلول ومقاربات للمشكلة في اليمن والسعودية والامارات .. وهذه مقدرة عجيبة لا يقدر عليها إلا كفؤ وقيادة اختبرتها المراحل وشهدت لها بالكفاءة والمرونة والذكاء والمقدرة على تحويل المؤشرات إلى نجاحات ملموسة ..
الدور العماني اعتمد الصبر الاستراتيجي واستند إلى ثقله الدبلوماسي وصلاته الواسعة والعديدة مع النطاقات الإقليمية والدولية .. ومن الواضح ان الجميع يحرصون على أن يكون النجاح مواكباً للدور العماني ويحرصون كذلك ان يكون كل جهد يبذل معززاً للرؤية العمانية.. باعتبارها النموذج الذي يجب ان يحظى بالدعم وتشكل نقطة التقاء يعود اليها المتصارعون ومراكز النفوذ الدولي ..
على اعتبار ان دور واشنطن رغم اهميته إلا انه يفقد الحيادية وينظر إليه بعين الشك وذات النظرة ترى الدور البريطاني والدور الفرنسي ..
ولهذا فان الدور العماني ينبغي ان يحاط بعناية خاصة وبإسناد متعدد وهذا مطلب دولي واقليمي يضاف إلى ذلك ان العمانيين طوال تاريخهم امتازوا بالمرونة وبالحيادية الجادة وهي دبلوماسية مرنه وذكية سعت وتسعى دوماً الى الابتعاد عن اية خطوات مريبة أو تحيد عن المعلن والحقيقة التي تقوم عليها الدبلوماسية العمانية طوال العقود والسنوات الماضية وقد اكتسبت نجاحاً لافتاً وحظيت بتقدير واسع دولياً واقليميا ولم تترك ندوباً في علاقات دول المنطقة , بل اتبعت اسلوباً مرضياً للجميع
وللأمانة رأت صنعاء والى جانبها عواصم داعمة لها ان العمانيين لا تنقصهم الجدية ولا يعوزهم الوضوح وتمكنوا من ان يكونوا مخففي صدمات حالت دون انهيار كامل للهدن التي بدأت تؤسس لمرحلة استقرار وسلام يعود بالنفع على دول المنطقة كلها وليس اليمن وحدها.. وفي الإجمال تصاعدت الخطوات العمانية الرامية لا رساء السلام والاستقرار في هذه المنطقة التي اشتعل فيها الصراع واتسع فيها التدمير .. وهي للأمانة خطوات مدروسة حققت نجاحات عديدة , حتى عندما تتوقف تلك الجهود لا تذهب إلى أي انهيارات غير محسوبة ..
وهناك مؤشرات جلية بدأت تضع محددات لمفاوضات قادمة في هذا الملف اليمني , السعودي .. وعملية إزاحة العثرات متواصلة وهناك آمال عديدة ان ترى لقاءات قادمة بدعم ورعاية عمانية ربما تكون قادرة على إذابة الجمود والبرود الذي يبدو انه طغى خلال الفترة الماضية وهنا مكمن قوة مسقط التي لا تريد أن تؤمن بالفشل في عملها الدبلوماسي وانما تحرص على كثافة الجهد والعمل والنشاط والمحاولات المتعددة حتى تصل إلى تفاهمات بناءة ورؤى ومقاربات تصب لصالح المنطقة والسلام فيها.
المهم ان المفاوضات القادمة تكون حاضرة لإيجاد حلول وتبتعد عن المراوغات أو الذهاب إلى تفاصيل الشعب اليمني في غنى عنها .. وأول القضايا ايقاف العدوان ورفع الحصار وصرف المرتبات لموظفي الدولة مدنيين وعسكريين وايجاد حلول ايجابية للملف الإنساني .. لان أي مراوحة في هذا المضمار لا يسهم في إيجاد حلول سلمية لهذا الملف المشتعل .. وهذا أمر مأمول من القيادة العمانية ومن الدبلوماسية المرنة والذكية .
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
إقرأ أيضاً:
منظومة الطفولة المبكرة .. استثمار اجتماعي لمستقبل الأجيال
- خدمات تنمية الطفولة المبكرة تقدم في مكان جغرافي واحد بطريقة تكاملية
- تجويد الخدمات الرعائية والصحية والتعليمية بمعايير ومنهجيات معتمدة دوليا
- التحاق 8706 أطفال بـ355 حضانة حتى منتصف العام الحالي
تركز استراتيجية وزارة التنمية الاجتماعية على وضع تنمية الطفولة المبكرة المتكاملة كأولوية على الأجندة الوطنية من خلال تأسيس مراكز تنمية الطفولة المبكرة في جمعيات المرأة العمانية ومؤسسات المجتمع الأخرى للتأكد من النمو الذهني لأطفال سلطنة عُمان بشكل متساو في سنوات العمر الأولى، وتحسين مخرجات الصحة والتعليم والسلوك، وإدراكا لأهمية مرحلة الطفولة المبكرة في تكوين شخصية الطفل والأثر الذي تتركه برامج التنمية على نمو الطفل ومستقبل الأجيال القادمة، وتعمل سلطنة عمان من خلال خططها الخمسية للتنمية على وضع البرامج والمشاريع والأنشطة المتعلقة بتلبية احتياجات فئة الأطفال باعتبارها حقوقا ينبغي تنفيذها من قبل الدولة والأسرة معا، وقد اضطلعت وزارة التنمية الاجتماعية بالتعاون مع الجهات الأخرى بأدوار أساسية في مجال تربية الطفل بالإضافة إلى الدور الأساسي في حماية وتنمية الأسرة.
وتولي استراتيجية العمل الاجتماعي (2016-2025) التي تنفذها الوزارة مزيدا من الاهتمام بتنمية الأسرة والمجتمع، معتبرة تنمية الطفولة المبكرة المتكاملة أولوية وطنية مدعومة بالتزام حكومي وموارد خاصة وآليات للتنسيق عبر القطاعات، ويتم العمل على مشروع مراكز تنمية الطفولة المبكرة المتكاملة بهدف تقديم خدمات الطفولة المبكرة في مكان جغرافي واحد بطريقة تكاملية بين مختلف القطاعات، بما يحقق تجويد الخدمات الرعائية والصحية والتعليمية المقدمة للأطفال بمعايير ومنهجيات معتمدة دوليا، وتسهم في رفع الوعي العام بأهمية تنمية الطفولة المبكرة، وتحقيق مفاهيم التدخل المبكر، إلى جانب دعم الذكاءات المتعددة في المراحل المبكرة، ويستهدف المشروع توسيع الفئات المستفيدة من هذه الخدمات بما يدعم فئة الأطفال كافة وبالأخص الأطفال من ذوي الدخل المحدود؛ وفقا لتوزيعها اللامركزي في مختلف المحافظات.
الرقي بالخدمات
وقد أولت سلطنة عمان اهتماما كبيرا بتنمية الطفولة المبكرة في مختلف القطاعات المرتبطة بهذه الفئة المهمة من المجتمع خاصة ما يتعلق بالجوانب الاجتماعية والصحية والتعليمية والثقافية إيمانا منها بأهمية الاستثمار في هذه الفئة من المجتمع التي ستكون مستقبلا إحدى الدعائم الأساسية لبنائه، وقد تم إصدار التشريعات والقوانين وإعداد الخطط والسياسات الرامية إلى الرقي بجودة الخدمات المقدمة في هذا المجال.
وقد كفلت التشريعات والقوانين المعمول بها في سلطنة عمان إتاحة التعليم وإلزاميته لجميع الأطفال حتى إتمام مرحلة التعليم الأساسي كما أولت اهتماما بمرحلة التعليم ما قبل الأساسي ويعتبر قانون الطفل الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 2014/22 إنجازا رائدا يضاف إلى رصيد سلطنة عمان في مجال رعايتها واهتمامها بالطفل، وقد تضمن القانون 13 فصلا، و79 مادة تحدد إطارا قانونيا لحقوق الطفل وتلقي الضوء على ضرورة توفير الظروف المناسبة لتنشئة الأطفال وإعطائهم الأولوية في جميع القرارات والإجراءات، حيث أكدت المادة 30 من الحقوق الاجتماعية "أن للطفل دون سن التعليم ما قبل الأساسي الحق في الانتفاع بخدمات دور الحضانة التي هو مؤهل للالتحاق بها" واضطلعت وزارة التنمية الاجتماعية بالتعاون مع الجهات الأخرى بأدوار أساسية في جانب تربية الطفل بالإضافة إلى الدور الأساسي في حماية وتنمية الأسرة. وعليه عملت على تأسيس دائرة شؤون الطفل في المديرية العامة لشؤون المرأة والطفل عام 1985م. وفي عام 1986م تم تأسيس أول حضانة في سلطنة عمان.
وفي هذا السياق أثمر إعداد استراتيجية العمل الاجتماعي والاستراتيجية الوطنية للطفولة إلى تطوير آلية العمل الاجتماعي بعد مسيرة (45 عاما) من عمل هذه الوزارة لمواكبة الثورة التكنولوجية والمعلومات المتسارعة، ولمواجهة التحديات والتطورات الدولية، فقد أكدت الاستراتيجيتان على أهمية الأسرة في صدارة العمل الاجتماعي، وعلى أن الأطفال هم أمل المستقبل، ولذا فإن تعزيز دور الأسرة والحفاظ على تماسكها والعمل على رعاية الأطفال ورفاهيتهم وإعدادهم للمستقبل يحتلان الأولوية في التوجهات الاستراتيجية للحكومة، وفي الخطط التنموية والبرامج التي تنفذها الوزارات والجهات ذات العلاقة ومنها وزارة التنمية الاجتماعية وهذا الأمر حتم على وزارة التنمية الاجتماعية وشركائها، إعادة تقييم ومراجعة برامجها الموجهة للأسرة والطفل. ومن هنا جاء تنفيذ مشروع النهوض بأوضاع دور الحضانة الذي يتم تنفيذه بالشراكة مع برنامج الخليج العربي للتنمية (أجفند).
ويعد تنفيذ مشروع النهوض بأوضاع دور الحضانة، من أبرز المشاريع والبرامج المنفذة في مجال رعاية الطفولة وإعداد دليل المعايير الوطنية لدور الحضانة وتصنيفها في سلطنة عُمان، والتدريب على دليل المعايير الوطنية لدور الحضانة بمشاركة 57 مشاركا من وزارة التنمية الاجتماعية و337 مشاركا من ممثلي دور الحضانة، والتدريب على دليل الرعاية الصحية مستهدفا العاملات بمؤسسات دور الحضانة من مشرفات ومربيات الأطفال. كما تم إعداد تصور عام حول مراكز تنمية الطفولة المبكرة وتنفيذ حلقات العمل التخصصية متعددة القطاعات وتنفيذ الزيارات الاستطلاعية للمدارس الأجنبية، ومناقشة التقرير الوطني عن حقوق الطفل أمام اللجنة الدولية المختصة واستلام الملاحظات ومناقشتها مع الجهات المختصة في سلطنة عمان، وتنفيذ البرنامج التدريبي حول اتفاقية حقوق الطفل والبرتوكولين الاختياريين الملحقين بها بمشاركة أصحاب الفضيلة القضاة، وأعضاء الادعاء العام والمسؤولين وأصحاب العلاقة بمجال متابعة تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل، ولجان حماية الطفل ومندوبي الحماية.
توسع كمي ونوعي
وإدراكا من سلطنة عمان بأهمية مرحلة الطفولة المبكرة في تكوين شخصية الطفل والإنسان. وللأثر الذي تتركه برامج التنمية على نماء الطفل ومستقبل الأجيال القادمة، فقد عملت الجهات على وضع برامج ومشاريع تستهدف الأطفال وهناك توسع كمي ونوعي في إنشاء دور الحضانة، حيث نظمت اللائحة التنظيمية التي صدرت بموجب القرار الوزاري رقم 19 / 80 شروط وإجراءات إنشاء دور الحضانة، وتقدم "دور الحضانة" وهي مؤسسات اجتماعية تشرف عليها الوزارة خدمات اجتماعية وتربوية وثقافية للأطفال من سن ستة أشهر إلى ثلاث سنوات ونصف، ويتم متابعة هذه الحضانات من قبل الوزارة؛ للتأكد من التزامها باللوائح والقوانين المنظمة لذلك وتصحيح مسارها في حال الإخلال بعملها، وقد بلغ عدد الحضانات حتى نهاية النصف الأول لعام 2024م 355 حضانة، وعدد الأطفال الملتحقين بها 8706 أطفال منهم 4650 ذكورا و4056 إناثا.
وكان من جملة الاهتمام بقطاع الطفولة في السلطنة تطوير دور الحضانة وتحسين جودتها بوضع معايير وطنية شاملة تنظم عملها وترخيصها، وتمهد لتصنيفها. فدور الحضانة - بوصفها إحدى أهم مؤسسات تنشئة الطفل في سلطنة عمان - تعد مكانا يخصص لاستقبال الأطفال في سن مبكرة، وتقديم خدمات الرعاية والعناية بهم، وتلبية احتياجاتهم، وتعمل على تطوير نموهم وتعلمهم. ونتيجة لذلك فقد تم العمل على تطوير معايير وطنية شاملة لدور الحضانة تضمن جودة ما تقوم به تلك المؤسسات من خدمات، ويعكس توجهات إدارة مؤسسات دور الحضانة ومساعدتها على النهوض بدورها، وتوفير أفضل الفرص التربوية والصحية والاجتماعية لتنشئة ورعاية الأطفال الصغار وابتدأ مشروع النهوض بأوضاع دور الحضانة بإعداد الدراسة التقييمية حول أوضاع دور الحضانة في سلطنة عمان بهدف الوقوف على أوضاعها واحتياجاتها، ومدى فاعليتها ومطابقتها للمعايير المنصوص عليها في اللائحة الخاصة بإنشاء دور الحضانة وانسجامها مع المعايير التنظيمية. وبعد إنجاز الدراسة، بدأت الخطوة التالية من البرنامج وهي وضع دليل المعايير الوطنية لدور الحضانة وتصنيفها في سلطنة عمان بهدف إرشاد المعنيين والقائمين والمختصين في هذه الدور على المعايير التي ينبغي ضمان توافرها في دور الحضانة في سلطنة عمان وتأمل وزارة التنمية الاجتماعية أن تسهم هذه المعايير في تجويد أوضاع مؤسسات دور الحضانة القائمة، وبالتالي وضع أسس لجودة المؤسسات التي سيتم إنشاؤها لاحقا، بهدف إرساء مخرجات تربوية واعدة تساعد مؤسسة الأسرة في تنشئة الأبناء تنشئة صالحة. ويتم تصنيف الحضانات بناء على مدى التزامها بهذه المعايير إلى خمس فئات رئيسية حيث إن توافر معايير وطنية لجودة دور الحضانة سيتيح الفرص لمساعدة دور الحضانة على معرفة الجوانب التي تساعد في تطويرها وتصويب أوضاعها، وبالتالي العمل على الوفاء بالالتزام بتلك المعايير.
وتمنح وزارة التنمية الاجتماعية الفرصة لاتخاذ القرار اللازم تجاه تلك الحضانات سواء في الاستمرار بتقديم الخدمة أو متابعة تطويرها، أو سحب الترخيص منها. وبالتالي إلغاؤها، كما أن وجود تلك المعايير من شأنه أن يمنح الأسر مساحة واسعة لاختيار دار الحضانة التي تلائم أطفالهم وتحقق احتياجاتهم.