يمانيون ـ تقرير

في عمق المعاناة، تمتد غزة كالمعتقل الكبير، حيث تُمارس الآلة الصهيونية أبشع جرائم الإبادة الجماعية على مرأى ومسمع العالم. قنابل العدو تتساقط بلا هوادة، وقصف متواصل يقض مضاجع الأبرياء، وعمليات مداهمة واعتقالات لا تتوقف لحظة. تئن شوارع المخيمات تحت وطأة المجازر التي تُرتكب بين الفينة والأخرى، بينما تباد مئات الأسر بدون رقيب أو حسيب.

في هذا الضياع المظلم، تعكس الأجواء الشتائية القاسية صورة الوطن الذي يصارع البقاء؛ الأطفال والنساء والمسنون يعانون من قسوة الطقس وصعوبة الحياة. وحده الألم هو من يستمر، ولكن هناك جانب آخر لهذا الواقع المر، إذ تتزايد الاعتداءات على نقاط وشاحنات نقل المساعدات الإنسانية، حيث يتعرض السائقون للسرقة والابتزاز والتهديد من قِبَل قطاع طرق ولصوص يرسلهم العدو، ما يجعل الحصول على العون الغذائي والدوائي أشبه بمعجزة.

في هذا السياق البائس من فقدان الأمل في عالم فقد الإحساس بكل معاني ودلالات المسؤولية ليلوذ إلى الصمت، تُسرد حكايات تراجيديا الجوع في سجن كبير اسمه غزة لسجان متوحش اسمه الكيان المؤقت، لتعكس الصمود أمام قسوة الظروف، وتظهر العزيمة التي تتحدى المحن. إن هذه الدراما التراجيدية المتشابكة بين الألم والأمل، تجسد واقعًا متناقضًا لا ينفصل عن حياة الفلسطينيين في قطاع غزة، الذين يواصلون الكفاح من أجل البقاء في مواجهة ظلم بلا حدود.

 

ماذا في المعتقل الكبير (غزة)؟

تحت سماء مشحونة بالغيوم الثقيلة، تسود أجواء من الكآبة بين أنقاض مخيم جباليا، حيث تتجلى مأساة الإنسان بكافة أبعادها، فغزة تبدو كالمعتقل الكبير الذي يسجن فيه الأمل، والأرواح يصطدم حلمها بالواقع المرير.

في كل صباح، يخرج هؤلاء الآباء، متسلحين بالإرادة والأمل، نحو الأراضي المفتوحة شرق المخيم. هناك، حيث يكمن الأمل الوحيد في الحصول على القليل من نبات “الخبيزة”، الذي أصبح سلاحهم في مواجهة الجوع القاتل. لكنهم مدركون تمامًا أن هذه المغامرة ليست خالية من المخاطر، فالجنود المجهزين بكل وسائل القتل يترصدونهم، في انتظار أي حركة مشبوهة.

مع كل خطوة يخطوها الأب، يخالج قلبه خوف مقلق؛ هل سيرى عائلته مجددًا، أو سيلتحق بركب الشهداء في تلك المنطقة المنكوبة؟ لكن الجوع ليس خيارًا، ومواجهة الموت من أجل إطعام الأحبة تبدو هي الخيار الوحيد. ويعود الأب إلى خيمته، حيث تجمع العائلة حول موقد يشعل فيه الحطب، لتبدأ عملية طهي “الخبيزة”، ليس فقط كوجبة، بل كرمز للأمل والمقاومة في زمن اليأس.

تتجلى العلاقة الإنسانية في هذه اللحظات البسيطة؛ أطفال يلتفون حول أمهاتهم، ينظرون إلى تلك الأكلة الشعبية البسيطة وكأنها كنز لا يُقدّر بثمن. يبتسمون رغم كل شيء، ومازال هناك جزء من براءتهم غير ملوث بالواقع المر، لكن قلوب الأمهات محروقة، فهن يتساءلن مع أنفسهن كل يوم: “كيف يُمكننا إطعامكم في الأيام القادمة؟“

 

سنبقى أحياءً لنروي قصة مقاومتنا للأجيال القادمة

تبدو أسواق المدينة أشبه بالأعجاز الخاوية، حيث تختفي مواد الغذاء من الرفوف والأسعار تحلق بعيدًا بعيداً في ظل انقطاع مصادر الرزق، إلا أن “الخبيزة” ما زالت تنمو في جوانب خلواته أراض الأمل، تُجسد صمود الشعب الفلسطيني في وجه آلة القتل المتوحشة. تمتزج رائحة الحب والصبر بكل ما يتداول في أركان المخيمات، بينما تنبعث من زوايا الإعياء الطاقة المتبقية في الإنسان الفلسطيني الذي لا يُقهر.

ومع شدة البرودة التي تخيم على غزة، تزداد معاناة الأسر، فالأطفال والمسنون يتحملون قسوة الشتاء القارص، مع انعدام وسائل التدفئة، وبينما تسقط الثلوج خارج الخيمة، تتدافع الأفكار في أذهان الأمهات: كيف ستجعل هؤلاء الأطفال يشعرون بدفء الأمن؟.

ومع ضيق ذات اليد، يتحول أصدقاء الجوع إلى أسرة واحدة، تتوزع حصص الألم بالتزامن مع صرخات الإرادة من خلف الجدران المنهارة: “لن نموت جوعًا، سنبقى أحياءً لنروي قصة مقاومتنا للأجيال القادمة.”

هكذا، تصبح قصة الجوع في غزة تراجيديا تحتوي على ألم الإنسان ونجاحه في البقاء، إذ يظل الشعب الفلسطيني عنوانًا للصمود والمقاومة في وجه الاستبداد، وأُسر تواصل النضال بكل الوسائل الممكنة. وفي النهاية، تبقى “الخبيزة” أكثر من مجرد غذاء؛ فهي رمز الأرواح الحرة التي ترفض أن تفقد الأمل في ظل الظلام الذي يحيط بها.

 

مواجهة الموت.. لحظات من الألم والأمل في غزة

ماجد، رجل في الأربعين من عمره، يشق طريقه عبر زقاق المخيم، عينيه مليئة بالتعب، وقلبه مثقل بالألم. كل صباحٍ، يقف على عتبته، مستمعًا إلى أصوات أطفاله الناعمة، الذين يتجمعون مع أقرانهم، حالمين بما قد تحمل لهم الايدي من أرغفة لسد جوعهم. لكن، مع كل لحظة تمر، يتلاشى الأمل شيئًا فشيئًا.

الظروف القاسية عكست صورة قاتمة عن الحياة في شمال غزة، فكل عائلة تعاني مثل الأخرى، الغالبية تحت وقع المجاعة التي تضرب المنطقة بلا هوادة. منذ انطلاق الحرب في السابع من أكتوبر الماضي، تحوّلت الحياة إلى كابوس مستمر نتيجة سياسات الاحتلال، التي تقضي بمنع إدخال الطعام حتى للعينات القليلة.

تدور في أذهان الكثيرين الأرقام المروعة؛ ثمانية حالات وفاة في منطقة الشمال بسبب المجاعة وسوء التغذية كما ذكر إسماعيل الثوابتة. يتذكر ماجد واحدة من تلك الحالات، والتي لم تكن سوى جاره، أبو سامي، الذي توفي بعد أيام من المعاناة بسبب الجوع، تاركًا وراءه عائلة ممزقة.

يقول ماجد: “لا أستطيع استيعاب كيف يمكن للعالم أن يشاهد كل هذا ويسكت”. الضحايا هنا هم من الأطفال وكبار السن، ومن لا حول لهم ولا قوة، ما يجعل الوضع أكثر مأساوية. لا يقتصر الأمر على الجوع فقط، بل هناك حوالي 60 ألف سيدة حامل لا يجدن الرعاية الصحية اللازمة، والذي قد يؤدي إلى جيل بلا ملامح مستقبلية.

في ظل هذه الأوضاع، ترددت أنباء الصعوبات التي تواجهها الأسر. رائد النمس، المتحدث الرسمي لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، أشار إلى حالات الوفاة الناتجة عن الجوع، مؤكدًا على الارتفاع الملحوظ في إصابات فقر الدم بين الأطفال وكبار السن. يشير إلى أن العائلات تضطر إلى تناول غذاء فاسد يسبب التسمم بسبب انعدام الخيارات النظيفة، ووضع المستعمرات الإسرائيلية التي تعترض القوافل الغذائية.

ومع كل ذلك، يبقى ماجد يبحث عن أي فرصة لتمكين أسرته من تجاوز هذه المحنة. يجذب الأطفال، ويقول لهم بلهجة مليئة بالأمل: “الأيام الصعبة ستنتهي، وسنجد الطعام قريبًا”. لكن قلبه في عمق المعاناة يستغيث: “كيف نأكل، ونحن لا نجد ما يباع في الأسواق حتى القليل من الحبوب التي تقدم للحيوانات؟“.

 

الأمل لا يكفي

في تلك اللحظات العصيبة، تنتشر قصص الصمود والأمل بين الجدران المتصدعة، قصص عن أطفال لا يزالون يحلمون بسماع هذه الكلمات: “الغد أفضل”. لكن، الواقع يؤكد أن الأمل لا يكفي وحده، وأن الحاجة إلى الغذاء والدواء باتت أكثر إلحاحًا مع كل دقيقة تمر. يتأمل ماجد في وجوه أطفاله، فيعتصر في دواخله الصراع المحتدم ما بين الأمل واليأس.

مع شدة الألم، يتذكر ماجد الأيام التي كان فيها أطفال الحي يتشاركون الضحك على ألعابهم البسيطة، بينما الآن، الحياة لم تعد قادرة على إخفاء القسوة المفروضة عليهم. يبقى الحلم حيًا، لكنه كبيت من زجاج متهشم يوشك على الانهيار بتأثير الواقع.

في غزة، الحكايات تتكرّر، والمآسي لا تعود إلى الوراء بل تتزايد في التعداد، ومع كل حالة وفاة جديدة، تزيد الجراح عمقًا، لكن الأمل يبقى نابتًا في قلوب الغزاويين، يرفض الزوال مهما طالت يد وطأة التوحش الصهيوني والمجاعة. وفي خضم كل هذا، يبقى ماجد وأمثاله، ومن زوايا الظلام، يقفون في صفوف المقاومة، في إصرار أذهل العالم يتطلعون إلى غدٍ يحمل بوارق الأمل كاملة في حتمية الانتصار.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: التی ت

إقرأ أيضاً:

أوس أوس يشارك جمهوره كواليس البقاء للأصيع

شارك الفنان محمد أسامة الشهير بـ"أوس أوس"، جمهوره، مقطع فيديو من كواليس مسرحية "البقاء للاصيع" والتي عرُضت، مؤخرا، ضمن مسرحيات موسم الرياض بالمملكة العربية السعودية.


 

ونشر "أوس أوس" مقطع الفيديو يجمعه بالفنان هشام ماجد وشيكو وأحمد فتحي ومحمد أوتاكا، عبر "إنستجرام"، معلقًا:"فاضل واحدفاضل واحد، مسرحية البقاء للأصلع".


 

برومو مسرحية البقاء للأصلع 

وظهر في البرومو الرسمي لمسرحية " البقاء للاصيع" عدد من أبطال المسرحية، وهم: هشام ماجد، شيكو، محمد أوتاكا، أوس أوس، أمامسفح الأهرامات يعلنون الذهاب في بعثة إلى الفضاء بعد دمار كوكب الأرض بسبب نيزك، وسط العديد من المواقف الكوميدية، ويشاركببطولة المسرحية كل من أحمد فتحي، مي كساب، تأليف كريم سامي وأحمد عبدالوهاب ومروه أنور وكامبا ومن إنتاج صلاح الجهينيومحمد نصار، إخراج محمد أوتاكا.

مقالات مشابهة

  • باسم سمرة ينضم لأبطال فيلم البرشامة بطولة هشام ماجد وريهام عبد الغفور
  • من داخل الجيم.. أسماء جلال تستعرض رشاقتها
  • محمد سامي يكشف عن النجم الحقيقي لـ «إش إش» | فيديو
  • أكلات توقف عنها قبل أيام الصيام
  • الأمم المتحدة: “وضع مروع ومحزن”، 638 ألف شخص يواجهون الجوع الكارثي في السودان .. هناك أدلة معقولة على ظروف المجاعة في خمس مناطق على الأقل في السودان
  • أوس أوس يشارك جمهوره كواليس البقاء للأصيع
  • الأمم المتحدة: 638 ألف شخص يواجهون الجوع الكارثي في السودان
  • الفاشر تحت وطأة القتال، نزوح عكسي ومعاناة لا تنتهي
  • اعلام العدو:جنديان صهيونيان يفران من هولندا خشية الاعتقال
  • 40 أمر اعتقال إداري صهيوني بحق فلسطينيين من الضفة