الجزيرة:
2025-04-17@16:49:40 GMT

كيف تحولت السجون بالدولة الحديثة من وسيلة إلى عقاب؟

تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT

وحسب ما قاله أستاذ علم الاجتماع إسماعيل الناشف لبرنامج "العمارة والإنسان" الذي تناول "عمارة السجون"، فإن مفهوم العقاب قديما كان مشهدا يراه الجميع من خلال إحضار المجرم إلى ساحة مركزية وتعذيبه جسديا أمام الجميع.

لكن هذه الفكرة تغيرت مع سيطرة النظام الرأسمالي، الذي يحاول -كما يقول الناشف- إعداد أشخاص يمكنهم الانخراط في سوق العمل بشكل منضبط، واعتمد بشكل أساسي على تطوير ثلاث منظومات أساسية هي: العائلة، والعمل، والسجن.

وقد تحدث للبرنامج عن فكرة السجن التي قال إنها نبعت من رغبة الدولة أو النظام في تعزيز فكرة الرقابة من خلال السيطرة.

رقابة الجدران

لذلك، فقد تطور تصميم السجون بهدف إلحاق أكبر قدر ممكن من العقوبة بنفسية المجرم من خلال الجدران، كما قال المفكر والمصلح الاجتماعي الإنجليزي جيرمي بنثام (1748-1832).

اللافت أن هذا المصلح الاجتماعي بنثام كان صاحب واحدة من أكثر أفكار دهاء في فلسفة السجون، حيث صمم سجن بانوبتيكون الذي تحوّل لاحقا إلى متحف.

ففي سجن بانوبتيكون الذي صمم بشكل دائري، كانت غرف المساجين كلها تطل على ساحة مركزية، وضع بنثام وسطها برج مراقبة مضاءً طيلة الوقت بحيث لا يتمكن السجناء من رؤية الحارس الموجود بداخله.

إعلان

وبهذه الطريقة، تحولت الرقابة إلى فعل ذاتي يقوم به المسجون نفسه لأن خشيته من الحارس -غير الموجود أساسا في برج المراقبة- منعته من التفكير في القيام بأي عمل مخالف.

وبحسب الناشف، فقد كان البناء هو البطل في هذا السجن الذي صممه بنثام، لأن برج المراقبة كان هو الشيء الذي تم إخضاع السجناء به، وجعلهم يراقبون أنفسهم بأنفسهم.

تغيّر معنى العقاب

ويعتبر سجن بنثام هذا دليلا على التحوّل من فكرة التعذيب العلني للمجرم الذي كان سائدا في العصور الوسطى، إلى فكرة العزل وتنفيذ العقاب بعيدا عن أعين الجماهير والتي اعتمدتها الدولة الحديثة، كما يقول الناشف.

وبناء على ذلك، فقد تغير شكل الرقابة داخل السجون عما كان عليه في السابق، وهو ما طبقته الدولة في مختلف المؤسسات بما فيها المدارس التي يتم تصميمها على نحو يعزز فكرة المراقبة لدى الطلاب.

فمع عجز الدول عن مراقبة كافة مواطنيها وحاجتها الماسة لمراقبة الناس من أجل إخضاعهم، كان لزاما عليها أن تجد فلسفة تتجاوز من خلال هذه العقبة، وكانت فكرة الإيهام التي ابتكرها بنثام في سجنه هي الحل السحري بالنسبة لها.

وقد تجاوز بانوبتيكون كونه سجنا إلى كونه فكرة تم تكرارها بطرق مختلفة منها على سبيل المثال ترسيخ فكرة أن مكالمات الهاتف مراقبة لحظة بلحظة رغم أنها قد لا تكون كذلك، كما يقول البرنامج.

مجموعة من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال (غيتي) الحبس الانفرادي

لكن السجون بشكلها المجرد كمبانٍ وجدران ومعاملة ظلت واحدة من أكثر العلامات تعبيرا عن شكل الدولة، وقد قال الكاتب والفيلسوف الروسي الكبير فيودور ديستويفسكي في روايته الشهيرة "مذكرات من بيت الموتى" إن درجة تحضر أي مجتمع يمكن معرفتها بمجرد الدخول إلى سجونها.

ولم يكن حديث ديستويفسكي مجرد خيال كاتب، لكنه كان نتاج تجرية حقيقية عاشها الرجل عندما تم وضعه لمدة 8 أشهر في أحد سجون سيبيريا الباردة بتهمة الانتماء لجماعة فكرية مخالفة للدولة، وهناك كتب روايته سالفة الذكر.

إعلان

وداخل هذ السجن، عاش الكاتب الروسي الكبير تجربة الحبس الانفرادي التي ابتكرها الإصلاحيون المتدينون بحجة منح السجين فترة للاختلاء بنفسه والاعتراف بذنبه، لكن هذا النوع من الحبس لا يعدو كونه درجة أكثر قسوة من التعذيب.

ففي هذا الحبس، يمارس السجانون ما يسمى بالصمت العقابي ضد السجين الذي لا يجد من يتحدث معه حتى إنهم يحاولون ارتداء أحذية لا تصدر صوتا خلال الحركة حتى يمنعوه من أي نوع من أنواع الاستئناس.

وعندما أراد ديستويفسكي وصف هذا الشعور، قال إنها مرحلة تتحطم فيها الروح بين الجدران انتظارا للإعدام أو للعفو، وإن السجون تمتص الإنسان وتخذله.

ولم يكن ديستويفسكي وحده الذي تحدث عن السجون، فقد وصف الرئيس البوسني السابق علي عزت بيغوفيتش الحبس الانفرادي بأنه "محدودية في المكان وفائض في الزمان". وهي حالة قد تصل بالإنسان إلى مرحلة الهلاوس والانفصام عن الواقع، كما يؤكد الطبيب النفسي همام يحيى.

16/12/2024

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات من خلال

إقرأ أيضاً:

إعلام: الاتحاد الأوروبي يتخلى عن فكرة حظر واردات الغاز الطبيعي المسال الروسي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

ذكر مسؤولون أوروبيون أن الاتحاد الأوروبي تخلى عن فكرة فرض حظر على استيراد الغاز الطبيعي المسال الروسي بسبب معارضة بعض الحكومات والوضع غير المؤكد بشأن مصادر بديلة.

وجاء في تقرير نشرته وكالة "رويترز": "تخلى المسؤولون الأوروبيون عن فكرة فرض حظر على استيراد الغاز الطبيعي المسال الروسي في حزم العقوبات القادمة، بسبب مقاومة بعض الحكومات وعدم اليقين بشأن البدائل المتاحة".

وبدلا من ذلك، تعتزم المفوضية الأوروبية وضع خطة جديدة لإنهاء الاعتماد على الطاقة الروسية بحلول عام 2027. ومن المتوقع الإعلان عن هذه الخطة مطلع مايو، لكن التفاصيل لا تزال قليلة، وفق الوكالة.

ومن المرجح أن تقترح المفوضية الأوروبية الحزمة العقابية السابعة عشرة ضد روسيا بحلول يونيو، لكن العمل على هذه الإجراءات يسير ببطء، حسبما أفاد مسؤولون.

كما أشارت الوكالة إلى أن المسؤولين الأوروبيين يرون في رغبة الولايات المتحدة بيع المزيد من الغاز للاتحاد الأوروبي أداة محتملة للتفاوض بغية إقناع واشنطن بخفض الرسوم الجمركية، لكن مطالب الجانب الأمريكي لا تزال غير واضحة.

وصرّح أحد المصادر لوكالة "رويترز" بأن المفوضية الأوروبية لا تريد المخاطرة بفقدان الغاز المسال الروسي بسبب القيود، وبالتالي التخلي عن فرص التفاوض. بالإضافة إلى ذلك، يخشى الاتحاد الأوروبي من الوقوع في الاعتماد على الولايات المتحدة، ثالث أكبر مورد للغاز إليه.

وقد أكدت روسيا مرارا قدرتها على تحمل ضغوط العقوبات التي بدأت الدول غير الصديقة في فرضها قبل عدة سنوات وتواصل تشديدها. بينما ظهرت في الغرب نفسه آراء متكررة تشكك في فعالية هذه الإجراءات.

وكان الرئيس فلاديمير بوتين قد صرح سابقا أن سياسة احتواء روسيا وإضعافها تمثل استراتيجية طويلة الأمد لدى خصومها، وأن العقوبات وجهت ضربة قوية للاقتصاد العالمي بأكمله. وأوضح أن الهدف الأساسي للغرب هو أن يتدهور مستوى معيشة الملايين من الناس.

مقالات مشابهة

  • برلماني: قناة السويس تحولت من ممر ملاحى لمركز لوجيستى جاذب للاستثمار
  • مسعود بارزاني للاعبي نادي دهوك: النجاح وسيلة لتعريف العالم بقضية كوردستان
  • خلال جلسة مجلس الوزراء.. ما الذي طرحه وزراء القوات بشأن السلاح؟
  • عمل مسرحي على خشبة ثقافي السويداء يطرح فكرة الإرادة الحرة للإنسان
  • إعلام: الاتحاد الأوروبي يتخلى عن فكرة حظر واردات الغاز الطبيعي المسال الروسي
  • أطباء بلا حدود: غزة تحولت إلى مقبرة
  • «المجالس».. وسيلة وأداة تجسدان روح المبادرة
  • إلغاء بند الحبس وتحديد أجر العامل.. «جبران» يكشف تفاصيل قانون العمل الجديد (فيديو)
  • محافظ المنيا الأسبق: العولمة تحاول هدم الإنسان من خلال التكنولوجيا الحديثة
  • كيف تحولت القهوة في الأردن من ملاذ يومي إلى رمز لغلاء المعيشة؟