عربي21:
2025-01-16@19:46:16 GMT

الاستبداد وخراب العمران

تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT

تابعت أخيرا أكثر من فيديو يتكلم فيه شاب سوري اسمه مازن حمادة (تقبله الله تعالى في الشاهدين)، يصف أساليب التعذيب في سجون النظام السوري، كان يحاول منع دموعه من أن تكشف ضعفه الإنساني، ولكنه انفجر فجأة حتى لكأن دموعه تهطل من كل وجهه الذي احمر حتى اسودّ.

أجدني ضعيفا جدا أمام مشاهد الحزن وحالات التألم، أحزن للإنسان وأحزن لكل ذي كبد رطبة، ولا أحب متابعة مشاهد الدمار والتهجير والتقتيل، ولا أتحمل مشاهد الجرحى، ولا أقدر على سماع صرخات الأطفال ولا رؤية دموعهم سواء زمن الحرب أو حتى وهم بين أحضان أمهاتهم وآبائهم في بيوتهم الآمنة.



تذكرت شهادة سامي براهم، أحد ضحايا التعذيب في تونس، تكلم أمام هيئة الحقيقة والكرامة، وهو يتحدث بشجاعة وصراحة عن كيفيات تعذيبه، كان متماسكا وباشّا في سخرية واعية، حتى غلبته اللحظة الإنسانية فبكى لحظتها رئيس حزب العمال الشيوعي التونسي حمة الهمامي أمام عدسات المصورين، وباتت ليلتها صفحات الفيسبوك باكية حزينة لهول ما روى واحد من ضحايا محنة الإسلاميين في تونس.

في البلدان المتخلفة، ما من نظام سياسي إلا و"يُسمح" له بالتورط في القمع وحتى القتل كي يُقطَع حبلُ الود بينه وبين شعب"ـه" حتى لا يستقوي ذات يوم بالشعب إذا فكّر في الاشتغال على سيادة وطنية أو حاول الاستعصاء بوجه أوامر تلك القوى الخارجية، وحتى يسهل إسقاطه حين تبلغ حالة الغضب الشعبي ذروتها، فتكون تلك الجهات بمنأى عن ردة فعل الشعوب فلا تنظر إليها على أنها شريك في الإجرام والظلم والتعذيب
قرأت العديد من الروايات لمساجين دوّنوا تجاربهم، قرأت لتونسيين وأولهم الروائي سمير ساسي، قرأت لأيمن العتوم عن عالم السجون، قرأت قبلها عن أهوال السجن في مصر، استمعت لبوراوي مخلوف في اجتماع شعبي بالمنستير في سنة 2011 يروي ما حصل معه من "تفنن" في التعذيب ثم انفجر باكيا، كل تلك الروايات والشهادات تكشف عن بشاعة أنظمة سياسية متخلفة ومتوحشة، أنظمة لا يمتلك قادتها لا قيما ولا فكرا ولا عاطفة، إنهم باختصار حرّاسٌ شداد غلاظ يخدمون مصالح من يضمنون بقاءهم إلى حين، حتى وإن تخفّوا وراء عناوين "مقدسة" دينية أو ثورية أو وطنية، إنهم كثيرا ما نفّروا عموم الناس من جاذبية دين أو ثورة أو وطن أو ديمقراطية حين جعلوا "المقدسات" مصدر أذى لمظلومين ومقهورين.

في البلدان المتخلفة، ما من نظام سياسي إلا و"يُسمح" له بالتورط في القمع وحتى القتل كي يُقطَع حبلُ الود بينه وبين شعب"ـه" حتى لا يستقوي ذات يوم بالشعب إذا فكّر في الاشتغال على سيادة وطنية أو حاول الاستعصاء بوجه أوامر تلك القوى الخارجية، وحتى يسهل إسقاطه حين تبلغ حالة الغضب الشعبي ذروتها، فتكون تلك الجهات بمنأى عن ردة فعل الشعوب فلا تنظر إليها على أنها شريك في الإجرام والظلم والتعذيب.

الأنظمة السياسية الظالمة، ليست فقط مجرمة بحق مساجين ومظلومين ومُفقَّرين، وإنما هي خائنة، لأنها تضعف الروح الوطنية في المظلومين ولأنها تتسبب في تدخل خارجي في الشأن الوطني، ولأنها تُوقِع بين المواطنين خصومة وفتنة وعداوات حين تستعمل بعضهم ضد بعض.

المواقف من تلك الأنظمة الظالمة ليست مواقف تحددها فقط الأفكار والتقديرات السياسية أو التقييمات الحقوقية، وإنما تحددها أيضا الحالات النفسية والمصالح الشخصية. فبعض المستفيدين من أنظمة ظالمة لا تعنيهم عذابات شركائهم في الوطن، بل كثيرا ما يتحالفون ضدهم ويزيدون في معاناتهم وفي شعورهم بالظلم،

وحين يجتمع ظلم سلطة مع ظلم المستفيدين من تلك السلطة، ضد فئات من الشعب بعضهم مصنفون معارضين وبعضهم مصنفون مُفقّرين، فإننا لا نستغرب بعدها رؤية ردود فعل هي من إنتاج تلك البيئة الداكنة؛ حيث لا حرية ولا عدالة ولا ديمقراطية ولا احترام للكرامة الإنسانية.

لا يمكننا مطالبةُ المقهورين بأن يكونوا هادئين ولطيفين ومتسامحين، لا يمكن أن نعيب عليهم انفعالاتهم وفورانهم، بل وإبداء شماتتهم في مرض أو في موت أو في سقوط أو في كل سوء مآل ينتهي إليه ظالموهم ومناصرو ظالميهم.

يقول المراقبون الذين لم يؤذَوا كثيرا إن الأجدى هو تحوّل تلك العواطف الغضبية إلى وعي وإلى أسئلة وإلى عزم على منع تكرار المأساة تحت مسمّيات جديدة، والأجدى هو صرف طاقة الغضب في عملية بناء وترميم وتأسيس دون نسيان ما حصل لمنع عودته، ودون تضييع كثير وقت في لعن الظلمة وشتم العُمْيِ ونحت مفردات لقاموس جديد في السباب والشتائم.

لا يفكر المقهورون في سيادة وطنية ولا يدعون لأي سلطة ظالمة بالنجاح والسداد ومزيد القوة؛ إنما يودّون ضعفها وفشلها وسقوطها. تلك طبيعة الظواهر في عالم الناس، فلا يكفي أن نُدين أو أن نبارك، إنما علينا أولا فهم ما يحدث ولماذا يحدث وما الذي قد يترتب عما يحدث، وما الذي نستطيع منع حصوله من أجل أن نحوّل كل طارئ إلى فرصة جديدة لمستقبل أجمل وإنسان أرفع مكانة وأعلى همة وأوفر حظا
"الظلم مؤذن بخراب العمران"، هذه المقولة نرددها جميعا، دون أن نقف على هول ذاك "الخراب" المحتمل، إنه خراب الوشائج الاجتماعية وخراب الروح الوطنية وخراب السلم الأهلي وخراب القلوب والأنفس والأرواح حين تُستفرَغ من المودة والرحمة والتسامح لتحل محلها الثارات والأحقاد، وتلك مقدمات الخراب بل إنها هول الخراب، خراب العمران البشري.

الثورات قد تبدأ رُؤيةً وبرنامجا وتخطيطا، وقد تبدأ لحظاتٍ عاطفية تكون فيها الطاقة الغضبيّة أقوى من أدوات السلطة القمعية، فتنهار تلك السلطة الظالمة غير مأسوف عليها، ويفرح الناس كما لو أنهم في يوم انبعاث بعد موات، موات الخوف والحزن والقهر.. لا يفكر المقهورون في سيادة وطنية ولا يدعون لأي سلطة ظالمة بالنجاح والسداد ومزيد القوة؛ إنما يودّون ضعفها وفشلها وسقوطها. تلك طبيعة الظواهر في عالم الناس، فلا يكفي أن نُدين أو أن نبارك، إنما علينا أولا فهم ما يحدث ولماذا يحدث وما الذي قد يترتب عما يحدث، وما الذي نستطيع منع حصوله من أجل أن نحوّل كل طارئ إلى فرصة جديدة لمستقبل أجمل وإنسان أرفع مكانة وأعلى همة وأوفر حظا.

علينا جميعا أن نفكر في كيف نفرح دون أن يتسلل إلى فرحنا من يحاول تكييفه لجعله حالة غفلة يتسلل منها هو إلى مستقبلنا، وليكون هو المستفيد من كل أحزاننا وأشواقنا، يقتحم علينا جغرافيتنا ويتدخل في نظامنا السياسي وفي تشريعاتنا ودساتيرنا ويبسط يده على ثرواتنا ويغذّي بيننا الأحقاد والصراع، فننتهي كما صِبية غير بالغين ورثوا ثروة فأساؤوا تقييمها وأساؤوا تنميتها فشبع المتربصون، وضرب الفدائيون كفا بكف.

والعاقلُ من يستفيد من دروس التاريخ.

x.com/bahriarfaoui1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التعذيب ثورة استبداد تعذيب ثورة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وما الذی ما یحدث

إقرأ أيضاً:

وزارة الصحة تطلق حملة وطنية للتلقيح ضد الحصبة تحت شعار حماية الأطفال أولوية وطنية

أعلنت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية عن إطلاق حملة وطنية للتوعية بمخاطر مرض الحصبة، المعروف محلياً بـ”بوحمرون”، في إطار الجهود الرامية إلى تعزيز الوقاية من هذا المرض المعدي الذي يهدد صحة الأطفال بشكل خاص.

وتهدف الحملة إلى زيادة الوعي بأهمية التلقيح كوسيلة فعّالة وآمنة لحماية الأجيال الصاعدة والحد من انتشار المرض.

وتتضمن الحملة بث مواد إعلامية متنوعة، من بينها كبسولات توعوية باللغتين العربية والأمازيغية، تروي تجارب ثلاثة أجيال مغربية مع الأوبئة والأمراض المعدية التي شهدها المغرب في الماضي، مما يبرز أهمية التطعيم في الحد من تفشي الأمراض.

ووفقاً للوزارة، فإن الحملة تهدف إلى تحسيس المواطنين بمخاطر الحصبة، خاصة مع تسجيل ارتفاع في الحالات على الصعيد العالمي خلال السنوات الأخيرة، وتعزيز ثقافة التلقيح لدى الأسر المغربية كخطوة وقائية أساسية، ومحاربة الشائعات والمعلومات المضللة التي تشكك في فعالية وأمان اللقاحات.

ويعد داء الحصبة من أكثر الأمراض المعدية التي قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة، تشمل الالتهاب الرئوي والتهاب الدماغ، خاصة لدى الأطفال دون سن الخامسة. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الحصبة تسببت في وفاة أكثر من 207,500 شخص حول العالم خلال عام 2022، ما يعكس الحاجة الملحة لتعزيز جهود التلقيح.

وفي المغرب، كانت الحملة الوطنية للتلقيح قد نجحت على مر العقود في تقليص نسب الإصابة بالأمراض المعدية بشكل كبير، إلا أن التردد بشأن اللقاحات، الناجم عن انتشار المعلومات المضللة، يهدد بتراجع المكتسبات الصحية.

ودعت الوزارة جميع الأسر إلى التأكد من استكمال جرعات التلقيح الخاصة بأطفالهم وفق البرنامج الوطني للتمنيع، المتوفر مجاناً في جميع المراكز الصحية بالمملكة.

كما شددت على أهمية الثقة في المصادر الرسمية للمعلومات الصحية والابتعاد عن الخطابات المشككة التي لا تستند إلى أساس علمي.

يُذكر أن هذه الحملة تأتي في سياق استراتيجي أوسع يهدف إلى تعزيز مناعة المجتمع ضد الأمراض المعدية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالصحة.

مقالات مشابهة

  • وزارة الثقافة تُنظم جلسات وطنية للسينما
  • «وحدة وطنية وحماية اجتماعية».. إشادات واسعة بجهود تعزيز حقوق الإنسان بعد 2013
  • نورا علي : وقف اطلاق النار فى غزة تتويج لملحمة وطنية خاضتها مصر
  • نهيان بن مبارك: التنمية المستدامة أولوية وطنية في الإمارات
  • النسخة الثانية لـ"مفكرو الإمارات" تنطلق 28 الجاري تحت شعار "أفكار وطنية خلاقة"
  • خطة وطنية جديدة لإعادة تأهيل مرضى الجذام وإدماجهم في المجتمع
  • إطلاق حملة وطنية لتوعية الطلبة بأضرار التبغ
  • "تلال العقارية" توقع اتفاقية شراكة مع الجمعية السعودية لعلوم العمران لتعزيز الثقافة العمرانية
  • وزارة الصحة تطلق حملة وطنية للتلقيح ضد الحصبة تحت شعار حماية الأطفال أولوية وطنية
  • «قطرة ماء تساوي حياة».. المنيا تشن حملة وطنية لترشيد الاستهلاك