في ظل الضغط العسكري الذي يتحدّث عنه "نتنياهو" والنصر المطلق والتبشير بفتوحاته في الشرق الأوسط وإعادة بنائه على الطريقة الإسرائيلية المطلقة دون شريك ودون أي اعتبار لأحد، وزد على ذلك مبشّرات من حوله من مجانين ائتلافه الحاكم: ضمّ الضفة وفرض الغطرسة والمزيد المزيد من الاستيطان وتدنيس الأقصى وكلّ الحرمات، والمجازر تتواصل على مدار الساعات الأربع والعشرين يوميّا وتدمير كلّ ماله صلة في الحياة والبقاء في قطاع غزّة، نأتي على وضع الضفة التي تنتظر الكارثة وفتح الجبهة الموعودة من قبل ماكينة الإجرام الصهيونية، فلم يبق عليهم بعد لبنان وسوريا وغزّة سوى الضفّة وأن يُشبعوا غريزتهم المتعطّشة للدماء من مكان بقي على وحشهم أن ينفذ مخالبه فيه.
أمام هذا المشهد الدرامي الأسود المتدحرج ليس لنا إلا أن نستقبله بأن يضرب بعضنا بعضا وأن نحرف البوصلة ونعفي الاحتلال من مهمته القادمة، لعلّه يرأف بنا أو أن يكتفي بما نقوم به نيابة عنه. لن تتورّع الأم المدّعية من الموافقة على تقطيع من ادّعت أنّه ابنها وستطوي الأمّ الحقيقية على ألمها وتموت حسرة وكمدا على تقطيع ولدها، ففلسطين ومن ينتمي انتماء صادقا لفلسطين لن يخطو خطوة واحدة نحو كل ما قد يؤدي إلى سفك الدم الفلسطيني.
عندما يكون الشعب الفلسطيني في أشدّ الحاجة والضرورة للاصطفاف خلف برنامج وطني موحّد مشتبك مع المحتل في سياق مواجهة توحّشه المسعور في الضفة الغربية عدا عن جرائمه في غزّة، نجد السير بالاتجاه المعاكس في جنين
عندما يكون الشعب الفلسطيني في أشدّ الحاجة والضرورة للاصطفاف خلف برنامج وطني موحّد مشتبك مع المحتل في سياق مواجهة توحّشه المسعور في الضفة الغربية عدا عن جرائمه في غزّة، نجد السير بالاتجاه المعاكس في جنين. إن يشتبك الفلسطيني مع الفلسطيني، وكلّ من يغذّي أو يسوّغ هذا التوجه هو ناعق بوم أو هو خير من يعبّر عن إرادة الاحتلال فينا.
لقد تجلّى في لبنان في أكثر من محطة من محطاته السياسية، انسجام وتكامل أدوار هذا الثلاثي (الشعب والدولة والمقاومة) وأدى إلى ثمار سياسيّة جيّدة وقدرة على تجنّب البلد مخاطر شديدة وتفويت الفرصة على إمعان الاحتلال في عدوانه، وظهر ذلك جليّا في الجولة الأخيرة من الصراع. لماذا لا يستفيد الفلسطينيون من هذه التجربة؟ هناك مشكلة كبيرة فيمن تنحرف بوصلته ولا يرى تحديات الاحتلال، ولا يستطيع أن يخرج من التناقض الداخلي إلى التناقض الخارجي.
ثمّة نقطة جوهرية لا بدّ من التركيز عليها: لو كان الاحتلال يعطي فرصة للذين ما زالوا يأملون بخيار التسوية أو مجرّد بارقة أمل لوجدنا من يبرّر وقف سلاح المقاومة وإعطاء فرصة لهذه التسوية، أمّا وأن الاحتلال قد دفن كلّ إمكانية للتسوية ولا يوجد لا في برامج أحزاب الائتلاف السياسية فكرة حلّ الدولتين ولا في ما تبطن السياسة الإسرائيلية وما تعلن، بل إنّ كل التحليلات وأقوال المختصين بالشأن الإسرائيلي يشرحون بكلّ وضوح مخططات الضم للضفّة والمزيد من الاستيطان وفرض وقائع تنقض أي احتمالية لوجود كيان فلسطيني يحظى بقبول إسرائيلي به؛ فعلامَ إذا نقتتل ونحرف البوصلة ومصيرنا عند الإسرائيلي بات أسود بكلّ وضوح؟
ولا مبرّر للقوى الفاعلة الفلسطينية من أن تبقى متفرجة دون أيّ فعل أمام هذا المشهد المأساوي في جنين، جنين البطولة والتضحية، جنين المعمّدة بدماء الشهداء، جنين الشوكة في حلق الاحتلال، جنين التي شكّلت مساندة فاعلة لغزّة ووقفت تصرخ بالنار والاشتباك الملتهب ردّا على مجازر غزّة، جنين البطولة كانت القلعة الشامخة التي قاتلت فيها كلّ الفصائل الفلسطينية كتفا الى كتف في وجه السفاح شارون؛ تتحوّل بكل بساطة وفي توقيت صعب إلى أن تُستهدف بهذا الشكل الفظيع.. هذا من شأنه أن ينتج تداعيات خطيرة تشمل الضفّة قاطبة إن لم يتداعى شرفاء هذا الوطن لوضع حدّ لهذا المشهد الذي يدمي كلّ قلب حرّ يحمل همّ فلسطين.
جنين ومخيمها ستبقى نموذجا للبطولة والفداء والإرادة الحرّة ولن يكسرها أحد. هؤلاء المقاتلون اليوم هم أبناء من قاتلوا شارون عام 2002، الرحم الحرّ الذي ينجب الأحرار ولن يتوقّف أبدا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الضفة الاحتلال الفلسطيني جنين المقاومة فلسطين الاحتلال جنين المقاومة الضفة مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
الاحتلال يدفع بتعزيزات إلى جنين ويهجّر 200 عائلة من مخيم طولكرم
دفعت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتعزيزات عسكرية من حاجز الجَلَمة إلى مخيم جنين في الضفة الغربية، في ظل تواصل حصار المدينة والمخيم لليوم الـ56 على التوالي.
وقالت مصادر للجزيرة إن قوة من جيش الاحتلال اقتحمت المخيم من دوار العود مع تواصل إغلاق المداخل كافة بالسواتر الترابية، إضافة إلى إحراق وهدم منازل فلسطينيين داخل المخيم.
كما شنت قوات الاحتلال حملات دهم واعتقالات شملت عدة مدن وقرى الليلة الماضية وأسفرت عن اعتقال عدد من الفلسطينيين، بينهم أسرى سابقون.
وجنوب مدينة الخليل، اقتحمت قوات الاحتلال مدينة بيت لحم ومخيم الدهيشة ومنطقة وادي السمن ومدينتي دورا ويطا، واعتقلت عددا من الفلسطينيين، بينهم طفل.
وأفادت مصادر فلسطينية بأن القوات الإسرائيلية اقتحمت مدينة رام الله ومخيم الجلزون للاجئين وبلدتي المزرعة الغربية وجِفْنا وقرية نِعلِين وسط الضفة، واعتقلت عددا من الفلسطينيين.
في غضون ذلك، أجبرت قوات الاحتلال نحو 200 عائلة فلسطينية على النزوح من مخيم طولكرم والأحياء المجاورة له خلال اليومين الماضيين.
وأبلغت قوات الاحتلال العائلات المتبقية في حارة "قَاقون" بضرورة مغادرة منازلها في المخيم، بينما اعتدت على مواطنين آخرين في حارة "أبو الفول" في أثناء محاولتهم العودة إلى منازلهم لأخذ بعض المستلزمات الضرورية.
إعلانوأفادت مصادر فلسطينية بأن الاحتلال أجبر -أمس الأحد- من تبقى من سكان حارة "مربعة حنون" في المخيم على إخلاء منازلهم بالقوة.
كما أطلق جنود الاحتلال الرصاص الحي، وقنابل الصوت، على فلسطينيين بينهم نساء وأطفال، بعد أن حاولوا دخول المخيم الليلة الماضية، حيث واصل تهديداته للسكان بالعقاب في حال العودة إلى منازلهم أو الاقتراب منها.
اقتحاماتوقد اقتحمت دوريات راجلة تابعة لحرس الحدود الإسرائيلي مخيم شِعفاط للاجئين بمدينة القدس المحتلة، وشنت حملة دهم وتفتيش على عدة منازل، إضافة لاقتحام بلدة قفين شمال مدينة طولكرم، وبلدة يعبد جنوبي مدينة جنين واعتقال عدد من سكانها قبل أن تنسحب منها.
وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية بأن قوات الاحتلال اعتقلت 3 فلسطينيين من بيت لحم، و3 آخرين من طولكرم، كما اعتقلت تلك القوات فتيين اثنين وشابا آخر من رام الله، وذلك عقب دهم منازلهم وتفتيشها.
وتصاعدت الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة خلال الأشهر الأخيرة، حيث كثفت قوات الاحتلال عمليات الاقتحام والاعتقالات وإطلاق النار العشوائي في مختلف المدن والبلدات الفلسطينية.
ومنذ أسابيع، يشن الجيش الإسرائيلي عدوانا واسعا على مخيمات جنين وطولكرم وطوباس، مما أسفر عن عشرات الشهداء وتهجير نحو 40 ألفا من الأهالي من المخيمات، وتدمير بنيتها التحتية إلى حد كبير.