جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-16@05:22:04 GMT

الأحياء التخليقية.. نماذج بشرية

تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT

الأحياء التخليقية.. نماذج بشرية

 

أ. د. حيدر أحمد اللواتي **

 

يطرحُ بعض المُراقبين تحديات اجتماعية من المُتوقع أن تُوَاجِه البشرية جرّاء السماح بتطبيق تقنيات الأحياء التخليقية على البشر؛ إذ يُشيرون إلى مشكلة عدم تكافؤ الفرص؛ لأنَّ الأفراد في الدول المُتقدِّمة والمُتمكِّنة اقتصاديًا سيحصلون على فرص كبيرة لإجراء هذه التغييرات، بينما سيُحرم الأفراد في الدول الفقيرة من ذلك؛ وسيؤدِّي ذلك إلى فوارق جِينِيَّة على المستوى البشري؛ فهناك بشر لديهم جينات قوية وأكثر قدرة على التأقلم مع البيئة ومقاومةً للأمراض، بينما هناك آخرون لا يملكون مثل هذه الجينات المُتطوِّرة، وسيؤدي ذلك إلى أبشع صور الاستغلال!

ومما يزيد من فرص حدوث هذا النوع من الفوارق الجينية أنَّ عددًا من الدول الغنية كالسويد والنرويج والدنمارك، قد تسمح باستخدام هذه التقنيات وتنتشر في مجتمعاتها بشكل أسرع؛ وذلك لانعدام القيود الدينية تقريبًا في تلك المجتمعات الغنية.

ولا بُد من الإشارة إلى أنَّ عمليات اختيار الأجنة بناءً على الخارطة الجينية للجنين، أصبح معمولًا به في عدد من الدول، ويُوَفِّرُه عددٌ من الشركات المُتخصِّصة في مجال قراءة الخارطة الجينية؛ فعملية التخصيب الصناعي في العادة تؤدي إلى تخصيب عدد من البويضات، وبالتالي ومن خلال قراءة الخارطة الوراثية لتلك الأجنة المُتكوِّنة، يتم اختيار الجنين الأصلح، والذي يتميز بخارطة جينية أفضل.

ولا يقتصر الأمر على هذا النوع من البحوث العلمية؛ بل هناك من البشر من جرت "هندسته جِينِيًّا"، لكن هذه العمليات ما زالت محدودة من حيث أعدادها، ولا يُعرَف آثار هذه العمليات، فمثلًا هناك تقنية تُعرف بتقنية الآباء الثلاثة، وقد تمت هذه العملية بنجاح في عام 2016، لزوجيْن أردنيين؛ إذ كانت الزوجة مُصابة باضطراب وراثي يُعرِّض الجنين لاحتمال الإصابة بمرض مُعين بنسبة عالية جدًا، ولحماية الجنين من الإصابة بهذا المرض الوراثي تم أخذ النواة من بويضة الأم المصابة بالمرض الوراثي، ونقَلها إلى بويضة امرأة سليمة سبق نزع نواتها، وبذلك غدت هذه البويضة تحملُ صفاتٍ من امرأتين مختلفتين، وبعد ذلك تمَّ استخدام هذه البويضة في التلقيح الصناعي، وقد تمَّت العملية بنجاح في المكسيك؛ وذلك لأنها لم يكن مسموحاً بها في الولايات المتحدة.

وكما هو واضح فإنَّ نسبة من الجينات- وإن كانت بسيطة للغاية والتي تُقدَّر بأنها أقل من 0.1%- جاءت من الأم المُتبرِّعة بالبويضة، ولذا تُطلق على هذه التقنية "تقنية الآباء الثلاثة"، وقد استُخدِمَت بنجاح أيضًا في بريطانيا عام 2023.

لكنَّ الحدث الأكثر خطورةً وإثارة كان في الصين، وذلك عام 2018، عندما أعلن الطبيب الصيني ولادة أول طفلتين تم هندسة خارطتهما الجِينِيَّة، وذلك بهدف حمايتهما من مرض "الآيدز" الذي كان الأب مُصابًا به، وقد أدّى هذا الإعلان إلى موجة من الشجب والاستنكار، كما تم حبس الطبيب لمدة 3 سنوات لإقدامه على عمليات غير مُرخَّص لها، لكنَّ الطفلتين وُلِدَتَا وهُمَا بكامل صحتهما، وتُعدان أول طفلتين تعرضتا لهندسة جينية وتغيير جيني كبير نسبيًا.

وتُشير بعض الدراسات إلى أن الجينات التي تم هندستها تؤثِّر أيضًا على القدرات الدماغية لهما؛ إذ تقوم بتحسين ذاكرتهما، وترفع مستوى الذكاء عند الطفلتين، وما زالت الطفلتان على قيد الحياة وتعيشان مع أسرتيهما.

إنَّ طبيعة هذه التقنيات أنها تنتشر، بغض النظر عن الحواجز الموضوعة أمامها. وعلى الرغم من المحاولات التي بذلتها الدول المختلفة لمنع انتشار السلاح النووي، إلّا أن هذه المحاولات لم تنجح، وانتشرت هذه الأسلحة. وكذلك الحال مع الأسلحة البيُولوجية والكيميائية، ولذا فإن الوقوف أمام أمواج التقنيات التي تغزو عالمنا لا يُجدي نفعًا في غالب الأحيان.

ومن هُنا، يرى البعض أن اختراع التقنيات وتطويرها لم يَعُد التحدي الذي يواجه البشرية، إنما التحدي يكمُن في السيطرة على التقنيات، بحيث تظل في مجالات مُعيَّنة تُفيد المجتمعات البشرية ولا تضرُّها، وهذا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بثقافة المجتمعات التي تُطوِّر التقنيات والمبادئ والقيم التي تُؤمِن بها، ومن هُنا فإن التقنيات التي يتم إنتاجها في الغرب إنما هي نتاج الثقافة والقيم الغربية، لكنها تؤثر بشكل كبير جدًا على سلوكنا وعلى طريقة تفكيرنا، بحيث غدت أجيالنا اليوم نتاج هذه التقنيات سلوكًا وتفكيرًا، بقدر كَوْنِ هذه التقنيات منتجات لعقول البشر التي انتجتها.

وأخيرًا.. من الخطأ النظر إلى هذه البحوث العلمية على أنها تَرَفٌ فكريٌ؛ بل هي بحوث سيكون لها بالغ الأثر علينا في المستقبل القريب، ولربما ستغدو جزءًا من الاستراتيجية الأمنية لبعض الدول؛ إذ بدلًا من استخدام الآلة الحربية للتخلص من الأعداء، فإنَّ التقنية الحيوية قد تُوفِّر بديلًا طبيعيًا ودون الحاجة إلى خوض حروب طاحنة، ولذا رُبما نشهد في هذا القرن نهاية الانسان بنسخته الحالية؛ لتُنتَج منه نسخةٌ مُطوَرةُ من فصيل "الإنسانيات"، لكن هذه المرة بانتخابٍ بشريٍ وبأجندة سياسية لا بانتخاب الطبيعة!

* سلسة من المقالات عن تاريخ علوم الحياة وحاضرها وفلسفتها والتقنيات القائمة عليها

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

سلطنة عُمان تحتضن  قمة «أنوكسيرا» العالمية لتقنيات التعلُّم الذكي.. و"التربية والتعليم" تستشرف آفاق "ما وراء التقنيات"  

 

◄ الكندي: المؤتمر يُتيح لوزارة التربية فرصة استعراض الحلول المبتكرة في التعليم

◄ تدشين منصة "تمكين" لتعزيز المهارات الرقمية للشباب بشراكة مع "عُمانتل"

◄ علاء بيت فاضل: "عُمانتل" تؤمن بدور الاستثمار في المعرفة الرقمية في بناء مستقبل مُستدام

◄ إعلان نتائج مسابقة "المُعلم المُبتكر" وإبراز النماذج المُلهمة في تقنيات التعليم

 

 

الرؤية- ريم الحامدية

تصوير/ راشد الكندي

 

رعى سعادة الأستاذ الدكتور عبدالله بن خميس أمبوسعيدي وكيل وزارة التربية والتعليم للتعليم، اليوم الإثنين، انطلاق "قمة أنوكسيرا" العالمية "عُمان 2025"؛ الحدث الأكبر من نوعه في المنطقة لتكنولوجيا التعليم والتدريب، وذلك لأول مرة في سلطنة عُمان وبشراكة استراتيجية مع كلاسيرا، المنصة العالمية الرائدة في التعلم الذكي.

وجمعت "قمة أنوكسيرا" نخبة من قادة الصناعة وشركات تكنولوجيا التعليم من جميع أنحاء العالم، إلى جانب العديد من الشركات العالمية والمنظمات والهيئات الدولية، بما في ذلك إنتل، مايكروسوفت، الألكسو، عُمانتل، إم.إتش.دي (محسن حيدر درويش)، وشركة التقنية العالمية للمعلومات وغيرهم من المؤسسات العالمية والمحلية، والتي تتكاتف معا لرسم ملامح مستقبل التعليم في عصر التكنولوجيا المتسارع.


 

وقال الدكتور سلطان بن محمد الكندي المكلف بأعمال مدير عام التعليم المهني والتقني بوزارة التربية والتعليم في سلطنة عُمان: "تسعد وزارة التربية والتعليم في سلطنة عُمان بالمشاركة في قمة أنوكسيرا العالمية، التي تمثل منصة مُهمة لتعزيز التعاون مع شركائنا في قطاع التعليم والتكنولوجيا. إن هذه المشاركة تتيح لنا استعراض الحلول المبتكرة التي تساهم في تطوير النظام التعليمي في السلطنة، وتعزيز المهارات الرقمية، حيث تساهم في تحسين جودة التعليم، وتساعد في بناء مستقبل مشرق للأجيال القادمة."


 

وتحت عنوان "ما وراء التقنيات.. اكتشف التعلم اللامحدود"، انطلقت فعاليات الحدث العالمي الرائد في مجال تقنيات التعليم والتدريب، حيث تنعقد هذه النسخة من قمة أنوكسيرا العالمية لأول مرة في سلطنة عُمان، بعد سلسلة نجاحات سابقة امتدت لأكثر من ست سنوات حول العالم، وجمعت نخبة من الخبراء والمبتكرين وصناع القرار في مجال التعليم والتكنولوجيا، بالإضافة إلى ممثلي الجهات الراعية والشركاء الاستراتيجيين، لتؤكد التزامها بدفع عجلة التطوير في قطاعات التعليم والتدريب عبر إطلاق مشاريع مبتكرة واستعراض أحدث التقنيات.

من جهته، أعرب المهندس محمد المدني، الرئيس التنفيذي لشركة كلاسيرا، عن فخره واعتزازه بالمشاركة ورعاية قمة أنوكسيرا عُمان 2025، معتبرًا الحدث نقطة تحول في مسار التعلم الرقمي بالمنطقة.


 

وأضاف المدني: 'إن شراكتنا مع وزارة التربية والتعليم في عُمان تمثل نموذجًا عالميًا للتعاون في تطوير التعليم الذكي، مما يمكّن الأجيال القادمة من تحقيق طموحاتها في ظل رؤية عُمان 2040.'"

وعكست قمة أنوكسيرا العالمية 2025 التزام سلطنة عُمان بدفع عجلة التطور التعليمي والتكنولوجي، مؤكدة على دورها الرائد في تحقيق التنمية المستدامة، وبناء مجتمع معرفي مبتكر، تماشياً مع رؤية عُمان 2040، ومن خلال المشاريع والأفكار التي تم طرحها خلال فعاليات القمة.

كما شهد الحدث العالمي تدشين مشروع "تمكين"، المنصة الاحترافية الطموحة التي تهدف إلى تعزيز المهارات الرقمية وإثراء المحتوى العربي الموثوق في الفضاء الرقمي، ويمثل المشروع ثمرة شراكة استراتيجية بين شركة عُمانتل، وكلاسيرا  وآلمنتور، في إطار جهود مشتركة لسد الفجوة الرقمية وتعزيز مكانة اللغة العربية كأداة لنقل المعرفة وبناء مستقبل مشرق.

وتهدف منصة "تمكين" إلى تمكين الناطقين باللغة العربية من الوصول إلى مصادر تعليمية وتدريبية عالية الجودة في مجالات وقطاعات مختلفة. كما تنسجم أهداف المشروع بسلاسة مع رؤية السلطنة 2040، التي تسعى لتعزيز المعرفة والمهارات وجعل عُمان من بين الدول الأكثر تقدمًا في العالم.


 

وقال المهندس علاء الدين بن عبد الله بيت فاضل الرئيس التنفيذي التجاري في عُمانتل: "نؤمن في عُمانتل بأن الاستثمار في المعرفة الرقمية هو أساس بناء مستقبل مستدام. ومن خلال شراكتنا في مشروع 'تمكين'، نسعى لتعزيز المحتوى العربي الرقمي وتقديم فرص تعليمية مبتكرة تعكس غنى وثراء اللغة العربية، لنمكّن الأجيال القادمة من استخدامها كأداة للابتكار والتطور، بما يتماشى مع رؤية عُمان 2040."

كما شهدت القمة العالمية إعلان نتائج مسابقة "المعلم المبتكر 2024"، التي أطلقتها كلاسيرا لحلول التعليم الذكي وشركة إنتل العالمية للاحتفال بالمعلِّمين الذين يسخِّرون التقنيات التكنولوجية لتصميم نماذج محفِّزة وإبداعية، وعبر هذه المسابقة، تم تسليط الضوء على نماذج ملهمة تُظهر كيف يمكن للتكنولوجيا أن تُحدث تحولًا جذريًا في تجارب التعلم.

وأعرب لويجي بيسينا مدير برامج واستراتيجيات التعليم العالمي بشركة إنتل، عن سعادته بمشاركة إنتل في قمة أنوكسيرا العالمية في نسخة مسقط ورعايتها لجوائز «المُعَلِّم المُبْتَكِر»، وقال: «إن شراكتنا مع كلاسيرا تهدف إلى دعم المعلمين الموهوبين وتشجيعهم على استخدام التكنولوجيا وتصميم تجربة تعليمية غنية تُلهم الطلاب وتُحفزهم على التعلم.»


 

وتأتي قمة أنوكسيرا العالمية في نسختها بسلطنة عُمان 2025 كجزء من الجهود المتواصلة لتحقيق رؤية السلطنة 2040، التي تهدف إلى بناء مجتمع معرفي متقدم قادر على مواكبة التطورات التكنولوجية العالمية، كما تؤكد التزام السلطنة بتمكين الأجيال القادمة بأحدث الأدوات والمعارف، والسير بخطى ثابتة نحو ريادة المستقبل التعليمي الرقمي على مستوى المنطقة.

مقالات مشابهة

  • هل ستنخفض ساعات العمل في تركيا؟ اليك تفاصيل النظام الجديد
  • بالصور..نماذج استرشادية شاملة لطلاب الشهادة الإعدادية في مادة الدراسات الاجتماعية
  • معرض الفولاذ والصلب 2025 بالشارقة يستعرض دور التقنيات الناشئة في تسريع التحول الرقمي
  • الذكاء الاصطناعي يسعى إلى فهم العالم
  • تخصصات مستشفى بداية وأهم التقنيات الحديثة التي تستخدمها
  • عامل تطوان يباغت شركات الأشغال في الأحياء بزيارات ميدانية
  • وزير الطاقة: بدأنا في العمل على توطين التقنيات الحديثة .. فيديو
  • سلطنة عُمان تحتضن  قمة «أنوكسيرا» العالمية لتقنيات التعلُّم الذكي.. و"التربية والتعليم" تستشرف آفاق "ما وراء التقنيات"  
  • أمير حائل يستقبل الرئيس التنفيذي لشركة دمج التقنيات الذكية للصناعة
  • محافظ الجيزة: إقامة 18 سوقا للسلع الأساسية تغطي جميع الأحياء والمراكز