ابتكرت لنفسي طقوس خاصة لإنجاز مهام صحافية لصالح قناة فضائية خارجية، (عضم) المادة فيها (الفيديو) في منطقة يسيطر عليها الدعم السريع بل تقع في حوزته تماماً، وبالتالي التصوير عبر الهاتف يحيلك إلى هدف مباح للقنص أو الإعتقال بذريعة (مستخبر) ولاحقاً ربما تفقد حياتك بهذه التهمة.
كنت أرتدي ثياب بمقاسات كبيرة يطلق عليها عند الشباب (عيسى موسى) لا أعرف إستدلالات هذه التسمية لكنهم يطلقونها على من يرتدي ثباب أكبر منه – أحرص على الإنتعال بالسفنجة بحثت عن ماركة (أبو حمامة) ولم أجدها – أنزع الساعة حتى لا تدل على أنني أعمل بالتواقيت والأزمان لأن الساعة عند العسكريين تشير إلى (الضبط والربط) ويكون أمرها جلل عندما تكون (ساعة الصفر) – ألبس (ترينق) أسفل البنطال أخنقه بشريط كهرباء أسود مع أعلى (عضم الشيطان) ثم ألقي عليه الهاتف ولا أخرجه إلا عند لحظة تصوير الهدف عبر فتحة مع (الساق) – كنت أخرج من (الحِلة) على هيئة (عوير) نحتت سيور السفنجة رقم سبعة أو ثمانية على ظهر قدميه مع العرق والغبار – (أقرأ الرقم صحيح على هذا النحو من حيث تراني) – ذات مرة شعرت بخطورة الموقف فجلست مع بائعة شاي دون تحية قبل أن أطلبها باغتتني بكوب شاي أظنها أسرت في نفسها (المؤمن مصاب).
أنجزت كثير من المهام بتلك الهيئة، بفضل الله عبرت متاهات ومذالق عديدة في الإرتكازات، أظن أن (عيسى موسى) كان هو العامل الحاسم في تلك اللحظات المفصلية لأن الصحافة نفسها كانت عندهم جريمة كبرى.
ذات يوم كُلفت بتغطية المرافق الطبية المتوقفة عن الخدمة، في منطقة أبو سعد، هذه المرة تخليت عن طقوسي المبتكرة وقلت (دا إستوهام مني ساي)، ارتديت أخر ما اشتريته من أزياء قبل الحرب مع الساعة – وصلت محطة الركشات توهطت داخل واحدة، كحلني سائقها ثم قال (يا حبيبنا إذا واصل الشقلة يا ترجع تغير هدومك دي يا تشوف ركشة تانية، لأن شكلك دا شكل ضابط ياخوي نحن عندنا وليدات ما تجهجهنا معاك بجغمونا في أول إرتكاز بسببك) –
تفهمت موقفه وتجاوزته إلى أخرى، وصلت مقصودي وأنجزت مهمتي، أخفيت هاتفي – أول إرتكاز وأنا عائد اختارني جندي يبدو دون العشرين أنزلني من الركشة منتصف الزلط وبمجرد استجوابي أسرع إلينا جندي أخر يشعل سيجارة برنجي، نفخ دخانها إلى أعلى حتى كادت نظارته السوداء أن تسقط خلف رأسه، وهو يتفرسني – قال لزميله (الوهمي دا خلي كدي شوف سواق الركشة دا شكلو ما شكل أبلداي عليك الله ويقصد عسكري جيش)، فإنصرفا عني وهما يرددان أنزل أنزل يازول-
عدت إلى المنزل وبحثت أسفل الدولاب عن مزيد من الأقمصة بمقاس الناموسية وبناطلين الزمن الجميل أو إختصاراً (عيسى موسى).
محمد أزهري
15/8/2023
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
إفطارهم فى الجنة.. أبو الفضل عيسى.. بطل خلدته التضحية فى ذاكرة الوطن
يظل اسم الشهيد البطل أبو الفضل محمد عيسى عالقًا في ذاكرة الوطن، ويذكرنا أن البطولة لا تقتصر على ساحات المعارك الكبرى، بل تمتد إلى اللحظات الصامتة التي يختار فيها الأبطال أن يهبوا حياتهم فداءً لوطنهم.
كان أبو الفضل، ابن قرية "شطورة" في شمال محافظة سوهاج، رمزًا للتضحية والفداء، وملحمة من الشجاعة في زمن لا يعرف إلا سطوة المجهول.
في كل صباح، كان يودع زوجته وأبناءه الأربعة – أسماء، وصفاء، إيمان، وزمزم – متجهًا إلى عمله في كمين "سلامون" قرب مدينة طما، حيث لا يعلم أن هذا الصباح سيكون آخر لقاء له مع أحبائه. كان رجلًا لا يطلب شيئًا من الدنيا سوى خدمة وطنه، يزرع الابتسامة في وجوه جيرانه وأصدقائه، ويأخذ همومهم في قلبه دون أن يشعرهم بذلك.
كان الشهيد أبو الفضل خير مثال على الشرطي الذي يعيش من أجل الناس، ينقضّ على التحديات بكل قوة، لا يتردد في الدفاع عن بلاده بكل ما أوتي من إيمان وعزم. وفي إحدى تلك الأيام التي لا تُنسى من تسعينات القرن الماضي، تعرض كمين "سلامون" لهجوم غادر من إرهابيين لا يعرفون سوى الدماء والخراب. لكن أبو الفضل، بكل شجاعة، ثبت في مكانه وواجه الموت، رافعًا راية التضحية والفداء. وبينما كانت ضربات الرصاص تتساقط من حوله، سقط شهيدًا، ليُسجل اسمه في سجل الشرف في قلب كل مصري.
ومرّت السنوات، ولكن روح أبو الفضل لا تزال حية في قلوب من عرفوه، لا ينسى أبناء قريته تضحياته، ولا يزال اسم الشهيد غائبًا عن شوارع قريته أو منشآتها الحكومية.
ورغم الدعوات المستمرة من أهالي "شطورة" لتكريمه، يظل حلمهم قائماً: أن يُطلق اسم الشهيد على إحدى المنشآت الحكومية، سواء كانت مدرسة أو مسجدًا أو حتى موقعًا شرطياً، ليبقى اسمه حيًا في ذاكرة الوطن، ويظل شاهدًا على أن هناك دائمًا أبطالٌ يختارون الموت على الحياة من أجل أن يظل الوطن شامخًا، وأن تظل رايته مرفوعة.
أبو الفضل محمد عيسى ليس مجرد اسم، بل هو رمز للأبطال الذين لا يطلبون شيئًا سوى أن يظل الوطن بخير.
في قلب هذا الوطن الذي لا ينسى أبنائه، يظل شهداء الشرطة رمزًا للتضحية والفداء، ويختصرون في أرواحهم أسمى معاني البذل والإيثار، رغم غيابهم عن أحضان أسرهم في شهر رمضان، يبقى عطاؤهم حاضرًا في قلوب المصريين، فالوطن لا ينسى من بذل روحه في سبيل أمنه واستقراره.
هم الذين أفنوا حياتهم في حماية الشعب، وسطروا بدمائهم صفحات من الشجاعة والإصرار على مواجهة الإرهاب، هم الذين لم يترددوا لحظة في الوقوف أمام كل من يهدد وطنهم، وواجهوا الموت بابتسامة، مع العلم أن حياتهم ليست سوى جزء صغير من معركة أكبر ضد الظلام.
في رمضان، حين يلتف الجميع حول موائد الإفطار في دفء الأسرة، كان شهداء الشرطة يجلسون في مكان أسمى، مكان لا تدركه أعيننا، ولكنه مكان لا يعادل في قيمته كل الدنيا؛ فإفطارهم اليوم سيكون مع النبين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.
مع غيابهم عن المائدة الرمضانية في بيوتهم، يظل الشعب المصري يذكرهم في صلواته ودعواته، تظل أسماؤهم محفورة في ذاكرة الوطن، وتظل أرواحهم تسكن بيننا، تعطينا الأمل والقوة لنستمر في مواجهة التحديات.
إن الشهداء هم الذين حفظوا لنا الأمان في عز الشدائد، وهم الذين سيظلون نجومًا مضيئة في سماء وطننا، فلهم منا الدعاء في كل لحظة، وأن يظل الوطن في حفظ الله وأمانه.
مشاركة