ماهر الأسد.. إمبراطور الكبتاغون وصانع الموت في سوريا
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
ماهر الأسد الرجل الثاني في سوريا والأكثر قوة ونفوذا، وصاحب السيرة الدموية في البلاد، والرجل الخفي وظل الرئيس المخلوع بشار الأسد، امتلك القوة العسكرية الكبيرة والمال، فكان شديد التأثير في بلاده.
أعاد ماهر وبشار سيرة والدهما وعمهما، حافظ ورفعت الأسد، فالأول منهما كان الرئيس الممسك بالشأن السياسي والعسكري في البلاد، أما الثاني فكان حامي النظام في الظل، ومبيد المعارضة.
كان ماهر امتدادا لعمه رفعت الذي أنشأ الفرقة الرابعة، لكن قيادتها آلت من بعده لابن أخيه، الذي تسلمها من بعده ليكمل مسيرته في سحق وإبادة السوريين إبان ثورتهم، وفوق ذلك سيطر على تجارة مخدر الكبتاغون، وقدرت مصادر بريطانية بأن أرباح هذه التجارة سنويا كانت في حدود 50 مليار دولار.
وُلد ماهر الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 1967، وهو أصغر أبناء الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد (بشرى وباسل وبشار ومجد وماهر).
ظل بعيدا عن الأضواء، وتابع تعليمه الثانوي في أكاديمية الحرية قبل أن ينتقل إلى دراسة إدارة الأعمال بجامعة دمشق، وعقب تخرجه سار على خطى شقيقه باسل الأسد بالالتحاق بالجيش السوري، حيث بدأ مسيرته العسكرية التي ستجعله أحد الشخصيات المحورية في الدولة السورية.
وعندما وقع الحادث المروري الذي أودى بحياة أخيه باسل عام 1994، برز اسم ماهر كأحد المرشحين لخلافة والده، إلا أن هذا المسار تغير، حيث وقع الاختيار على بشار الشقيق الأوسط، ليصبح خليفة حافظ الأسد.
إعلانوقد اعتُبرت شخصية ماهر ونزعته الحادة السفاكة للدماء والعنف أحد العوامل التي أثرت في استبعاده لصالح بشار، الذي كان يُنظر إليه على أنه أكثر هدوءا وقبولا في الأوساط السياسية.
وفي تلك الأثناء بدأ ماهر في ترسيخ مكانته داخل المؤسسة العسكرية عبر توليه قيادة كتيبة في الحرس الجمهوري، مما أكسبه نفوذا كبيرا داخل الدائرة العسكرية.
وعقب وفاة والده حافظ الأسد عام 2000، صعد ماهر بسرعة في الرتب العسكرية، حيث رُقي من رتبة رائد إلى عقيد، ليصبح لاحقا قائدا للحرس الجمهوري، وهو تشكيل عسكري كان يضم حوالي 10 آلاف جندي معروف بولائه الشديد، والذي يُعتقد أن ارتباطه بإيرادات حقول النفط في منطقة دير الزور لعب دورا في ضمان استمرار هذا الولاء.
نفوذ وسطوة
في العام الذي تقلد فيه أخوه بشار الحكم، انتُخب ماهر عضوا في اللجنة المركزية لحزب البعث، حيث استخدم نفوذه للتأثير على أخيه بشار الأسد، خصوصا في الشهور الأولى من حكمه، وكان ماهر من أبرز الأصوات التي ساهمت في إنهاء فترة الانفتاح السياسي التي عُرفت بربيع دمشق، فقد عدَ هذا الانفتاح تهديدا لاستقرار النظام وبقائه.
كان نفوذه يزداد بمرور الأيام من خلال حسم بعض الصراعات، أحدها مع آصف شوكت صهره ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، حيث عارض ماهر زواج آصف من أخته بشرى، مما أدى إلى توترات شديدة بينهما.
كما بلغ الخلاف ذروته عندما ترددت شائعات عن إطلاق ماهر النار على آصف خلال مشادة، مما أدى إلى إصابة الأخير بجروح خطيرة، ورغم هذا، فقد قيل إن العلاقة بينهما تحسنت لاحقا، وشكل الثلاثي بشار وماهر وآصف النواة الأساسية للسلطة الاستبدادية في نظام الأسد آنذاك.
وفي عام 2005 ورد اسم ماهر الأسد وآصف شوكت في مسودة مُسربة لتقرير ميليس الذي حقق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، ووفقا لهذا التقرير فإن شاهد عيان سوري كان مقيما في لبنان أشار إلى أن ماهر إلى جانب آصف وشخصيات بارزة أخرى، كانوا جزءا من اجتماع قرار اغتيال الحريري، وذلك بعد أسابيع من صدور قرار مجلس الأمن رقم 1559 الذي دعا إلى انسحاب القوات السورية من لبنان.
إعلانوفي عام 2008 لعب ماهر دورا بارزا في قمع اضطرابات داخل سجن صيدنايا، حيث سيطر السجناء على الوضع واحتجزوا 1250 جنديا رهائن من أصل 1500، وخلال هذه الحملة، قُتل 25 سجينا من بين 10 آلاف كانوا محتجزين في السجن، بالإضافة إلى 30 من الجنود الرهائن.
وفي الفترة بين عامي 2016 و2017، ظهرت تقارير متضاربة حول رتبته العسكرية، حيث أُشيع أنه يحمل رتبة عميد، في حين أفادت مصادر أخرى بأنه قد رُقي إلى رتبة لواء، وبحلول أبريل/ نيسان 2018، أصبح ماهر قائدا للفرقة الرابعة المدرعة، وهي واحدة من أكثر الوحدات نفوذا في الجيش السوري، بعد أن كان يشغل منصب قائد الكتيبة 42 ضمن هذه الفرقة ثم قائدا للحرس الجمهوري، هذا المنصب عزز نفوذه العسكري والسياسي داخل النظام، مما جعله أحد الشخصيات الأكثر تأثيرا في سوريا.
الثورة السورية
منذ اندلاع الثورة السورية في 15 مارس/آذار 2011، لعبت القوات التابعة لماهر الأسد دورا دمويا في قمع الاحتجاجات باستخدام القوة المفرطة في مناطق مثل درعا وبانياس وحمص وإدلب.
وكان لتلك القوات تأثير مباشر في تحويل الاحتجاجات السلمية إلى مواجهات دموية، بل أشارت تقارير عديدة، بما في ذلك ما نشرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز، إلى وجود مقاطع فيديو تُظهر شخصا يُعتقد أنه ماهر الأسد يطلق النار بنفسه على متظاهرين عُزل في حي برزة بدمشق.
كما كشف جنود منشقون كانوا تحت قيادة ماهر أنهم تلقوا أوامر صريحة باستخدام القوة القاتلة ضد المتظاهرين، حيث روى أحد القناصين الذين تركوا صفوف الجيش أنهم خلال احتجاجات درعا تلقوا أوامر واضحة بالتصويب مباشرة نحو الرأس أو القلب، مع عدم وجود قيود على عدد القتلى، حيث كان المطلوب قتل أكبر عدد ممكن لإخماد المظاهرات بأي ثمن.
هذه الروايات تسلط الضوء على التكتيكات المميتة التي اتبعتها قوات ماهر الأسد بتكليف مباشر منه، والتي شكلت جزءا أساسيا من إستراتيجية النظام السوري في مواجهة الاحتجاجات منذ بدايتها، ولاحقا فرضت عليه عقوبات عربية ودولية لدوره في قمع المظاهرات.
تعزز نفوذ ماهر الأسد في أعقاب تفجير مبنى الأمن القومي السوري يوم 18 يوليو/تموز 2012، وهو الهجوم الذي أودى بحياة كبار قادة النظام، بينهم وزير الدفاع داود راجحة، ونائبه آصف شوكت، ورئيس خلية إدارة الأزمة حسن تركماني، وهشام بختيار رئيس مكتب الأمن القومي.
إعلانعقب الحادثة برز دور ماهر في قيادة العمليات العسكرية، حيث قادت الفرقة الرابعة المدرعة تحت قيادته هجوما شرسا خلال حصار استمر 4 أيام (18-22 يوليو/تموز 2012)، تمكنت فيه من اجتياح 3 مناطق رئيسية كانت تحت سيطرة المعارضة في دمشق، مما عزز مكانته كأحد أبرز أذرع النظام العسكرية.
وفي يوليو/تموز 2013، ذكرت تقارير من مواقع موالية للنظام أن ماهر الأسد كان يقود العمليات العسكرية في مناطق حلب وحمص، مما أشار إلى استمرار دوره العسكري رغم الشائعات التي أثيرت حول إصابته في انفجار في العام السابق.
لكن الشكوك حول حالته الصحية تلاشت عندما نشر مذيع لبناني صورة لماهر الأسد مع المطرب جورج وسوف في يونيو/حزيران 2014، مما أكد أن ماهر لا يزال على قيد الحياة، وأنه لم يتأثر بالشائعات التي دارت حوله، وقد استمر طوال السنوات العشر التالية في أداء مهام عمله الدموية بقهر الشعب السوري، والإشراف المباشر على تجارة مخدر الكبتاغون.
إمبراطور الكبتاغوناستُخدم مخدر الكبتاغون لأول مرة عام 1961 كعقار لعلاج التعب والاضطراب السلوكي، ثم سرعان ما أعطي للجنود لتمكينهم من البقاء مستيقظين لفترات طويلة لضمان تعزيز القوة والنشاط لديهم، ولكن بسبب ظهور أعراض خطيرة له أُعلن أنه مخدر خطير، وتوقفت الشركات عن إنتاجه منذ عام 1986.
في سبتمبر/أيلول الماضي 2024 كشف برنامج المتحري الذي يُعرض على منصة 360 التابعة للجزيرة في تحقيقه الاستقصائي عن تورط عائلة الأسد في تصنيع وتجارة وتوزيع مخدر الكبتاغون.
وكشف التحقيق عن أن ماهر وبشار الأسد وابن عمهما مضر رفعت الأسد هما الثلاثي الأهم والمسؤول المباشر عن تصنيع هذه المادة في مناطق مختلفة في سوريا، وكذلك تولي طرق توزيعها.
ووفقا لتسريبات صوتية لسيمان غنيجة وهو عنصر في المخابرات الجوية السورية وكان يعمل مرافقا لشحنات المخدرات، فقد كشف إحدى طرق هذه التجارة، حيث كان يبدأ من الحدود اللبنانية السورية حيث يوجد التصنيع، وينتهي في اللاذقية، ومن هناك ينطلق من ميناء المدينة "اليوغسلافي" الذي يُعد المنفذ الرئيسي لتهريب المخدرات بحرا إلى ليبيا واليونان وإيطاليا.
إعلانوقد كشف مدير برنامج سوريا في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية كرم الشعار أن الشريط الحدودي بين سوريا والأردن كان يضم أيضا عدة نقاط لإنتاج الكبتاغون، لكنها ذات طابع محلي، كما تناول تحول الإنتاج الضخم إلى اللاذقية، حيث تتركز مناطق التهريب البحرية، مما يتيح إنتاجا على نطاق أوسع.
وبحسب الشعار، فإن الإنتاج الكبير كان في مناطق التهريب البحرية، إضافة إلى مواقع في درعا جنوب سوريا وقرب الحدود العراقية.
كما أوضح أن عدة شركات مرتبطة بالفرقة الرابعة بقيادة ماهر ظهرت بعد عام 2011، ويسيطر عليها أشخاص مقربون من النظام وأجهزته الأمنية.
وأشار إلى أن مضر الأسد يمتلك شركات للنقل والشحن، مشددا على استحالة قيام أي نشاط مرتبط بالمخدرات دون موافقة الفرقة الرابعة الذي يرأسها ماهر الأسد، نظرا لتحكمها بمعظم الحواجز العسكرية، وهو ما يفسر دورها المحوري في تجارة المخدرات وربما حتى في الإنتاج.
ابتزاز بالمخدراتوقد كشف العديد من التقارير عن إغراق ماهر الأسد لبعض الدول بمخدر الكبتاغون منذ عام 2011، وكشف مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط في يوليو/تموز الماضي 2024 أن من أهدافه الحصول على التمويلات اللازمة لاستمرار آلة الحرب التي قادها بشار وماهر على الشعب ودفع رواتب الجنود وتمويل مصالح آل الأسد وثرائهم، إضافة إلى أنه استخدام هذه التجارة لابتزاز بعض الدول للحصول على مواقف سياسية مؤيدة لنظام الأسد.
وقد كشفت مصادر بريطانية أن تجارة الكبتاغون تدر على خزينة آل الأسد وعلى رأسهم ماهر حوالي 50 مليار دولار سنويا.
وعقب فرار بشار الأسد وأخيه ماهر، اكتشف السوريون العديد من معامل (مصانع) إنتاج الكبتاغون في دمشق وريفها وخاصة دوما، بل مناطق لتوزيع هذه المخدرات داخل دمشق نفسها، وأظهرت صور التقطتها وكالة الأناضول وجود ورشة لتعبئة المخدرات في الطابق السفلي لأحد المصانع، وتبين أن الحبوب المخدرة، التي كانت تُعد للشحن، مخبأة داخل لوحات كهربائية.
الفراربعد 13 عاما على الثورة السورية، وعقب انطلاق عملية ردع العدوان ونجاحها في السيطرة على البلاد خلال أيام، وفي 14 ديسمبر/ كانون الأول الجاري كشفت مصادر مطلعة للجزيرة عن مصير ماهر الأسد.
إعلانفبحسب معلومات نقلتها الجزيرة نت عن مصادر أمنية عراقية، فإن ماهر هرب إلى الأراضي العراقية، ويقيم قرب العاصمة بغداد تحت إشراف مباشر من ضباط تابعين للحرس الثوري الإيراني.
ووفق هذه المصادر فقد غادر ماهر دمشق فجر الأحد الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 برفقة ضباط إيرانيين، بعد أن سلكوا طرقا سرية في شمال شرق سوريا، كانت تُستخدم لتهريب الأسلحة والمخدرات، وهي مناطق خاضعة لسيطرة الفرقة الرابعة التي يرأسها ماهر، واستطاع في نهاية المطاف الوصول إلى العراق مخترقا الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الفرقة الرابعة مخدر الکبتاغون بشار الأسد ماهر الأسد یولیو تموز فی مناطق فی سوریا أن ماهر الذی ی
إقرأ أيضاً:
(وكالة).. بشار الأسد نقل أموالاً نقدية و “وثائق سرية” قبل هروبه إلى الإمارات
يمن مونيتور/ رويترز
كشفت رويترز في تقرير موسع أوردته اليوم الخميس، أن الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد نقل أمواله ومقتنياته إلى الإمارات على متن طائرة خاصة، مشيرة إلى أن الطائرة سيّرت أربع رحلات في الأيام الأخيرة لنظام الأسد آخرها من قاعدة روسية، وحملت على متنها وثائق وأقراصاً صلبة توضح خريطة إمبراطورية أعماله، فيما تسعى الحكومة السورية الجديدة لاستعادة الأصول المرتبطة بشبكة الرئيس الهارب.
وبينما كان أعداؤه يقتربون من دمشق، استخدم بشار الأسد الذي حكم سورية بقبضة من حديد لمدة 24 عاما طائرة خاصة لتهريب الأموال والمقتنيات الثمينة والوثائق السرية التي تخص شبكة الأعمال التي مكنته من جمع ثروته.
وبحسب سرد للعملية بنته رويترز على تصريحات من أكثر من عشرة مصادر، قام يسار إبراهيم المستشار الاقتصادي الأبرز للرئيس بترتيب استئجار الطائرة لنقل مقتنيات الأسد الثمينة وأقاربه ومساعديه وموظفين من القصر الرئاسي إلى الإمارات على متن أربع رحلات.
ووفقا لإشعارات العقوبات الأميركية وخبراء في الاقتصاد السوري ومصدر واحد من داخل شبكة أعمال الأسد فقد كان دور إبراهيم، الذي شغل منصب مدير المكتب المالي والاقتصادي للرئاسة، جوهريا في إنشاء شبكة من الكيانات التي استغلها الأسد للسيطرة على قطاعات واسعة من الاقتصاد السوري كما أنه كان في الكثير من الأحيان واجهة للرئيس السابق.
وفرضت الدول الغربية عقوبات على الأسد في أعقاب قمعه للاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية عام 2011، ثم فرضت عقوبات على إبراهيم لمساعدته للنظام. ووفقا لمراجعة أجرتها رويترز لسجلات تتبع الرحلات الجوية فقد نفذت الطائرة إمبراير ليغاسي 600 أربع رحلات متتالية إلى سورية خلال 48 ساعة قبل سقوط النظام. والطائرة التي تحمل الرقم التعريفي سي5-إس.كيه.واي مسجلة في غامبيا.
وغادرت الرحلة الرابعة في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول من قاعدة حميميم الجوية العسكرية التي تشغلها روسيا قرب اللاذقية على الساحل السوري على البحر المتوسط، حسبما أظهرت سجلات تتبع الرحلات الجوية وصورة للأقمار الصناعية ومصدر سابق في المخابرات الجوية كان على اطلاع مباشر على العملية.
وفر الأسد إلى روسيا في اليوم نفسه من القاعدة نفسها. ولم يسبق أن تناولت التقارير عملية إخراج أصول الأسد من سورية. وتحدثت رويترز مع 14 مصدرا سوريا مطلعا على الخطة بينهم موظفو مطارات وضباط سابقون في المخابرات والحرس الجمهوري وشخص من داخل شبكة أعمال الأسد.
سويسرا تشدّد إجراءات تجميد أصول الأسد
واطلعت الوكالة على محادثة عبر تطبيق واتساب بين معاونين لإبراهيم وبيانات لتتبع الرحلات الجوية وصور أقمار صناعية وسجلات ملكية شركات وطائرات في ثلاث قارات لتجميع روايتها عن كيفية قيام أقرب مساعد للأسد بتنسيق المرور الآمن للطائرة.
ونقلت الطائرة حقائب سوداء لا توجد عليها علامات وبها نقد لا يقل عن 500 ألف دولار، بالإضافة إلى وثائق وأجهزة كمبيوتر محمولة ومحركات أقراص صلبة تحتوي على معلومات مخابراتية مهمة عن “المجموعة”، وهو الاسم الرمزي الذي استخدمه الأسد ومعاونو إبراهيم للشبكة المعقدة من الكيانات الممتدة في قطاعات الاتصالات والخدمات المصرفية والعقارات والطاقة وغيرها من الأنشطة، وفقا لمصدر شبكة أعمال الأسد وضابط مخابرات جوية سابق ومحادثة الواتساب.
وظل مكان وجود الأسد خلال الأيام الأخيرة المضطربة لنظامه سرا حتى عن أقرب أفراد عائلته. وحصل الأسد على لجوء سياسي لاحقا في روسيا. ولم تتمكن رويترز من الوصول إليه أو إلى إبراهيم للحصول على تعليق. و
لم ترد وزارتا الخارجية الروسية والإماراتية على أسئلة حول العملية. وقال مسؤول كبير في حكومة الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع لرويترز إن الحكومة عازمة على استعادة أموال الشعب التي نُقلت للخارج قبل سقوط الأسد وذلك من أجل دعم الاقتصاد السوري الذي يعاني تحت وطأة العقوبات ونقص العملة.
وأكد المسؤول لرويترز أنه جرى تهريب أموال لخارج البلاد قبل سقوط حكم الأسد، لكنه لم يوضح كيف تم ذلك. وذكر أن السلطات تواصل العمل لتحديد وجهة هذه الأموال، فيما لم يتسن لرويترز التأكد بشكل مستقل مما إذا كان الأسد قد أشرف فعليا على عملية الهروب. وأكدت عدة مصادر مطلعة على العملية أنها لم تكن لتتم دون موافقة الرئيس المخلوع.
تجاهل وصول طائرة أموال الأسد إلى مطار دمشق
في السادس من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وبينما كان مسلحو المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام يزحفون نحو العاصمة، اقتربت طائرة إمبراير ذات الثلاثة عشر مقعداً من مطار دمشق الدولي.
ووفقاً لستة مصادر مطلعة على العملية فقد كان موجودا أكثر من 12 فرداً يرتدون الزي المموه للمخابرات الجوية السورية، والتي كانت أداة رئيسية للقمع السياسي في عهد الأسد، لحراسة قاعة الشرف، التي تمثل قسم كبار الزوار في المطار، وممر الوصول إليها. وأفاد أربعة من هذه المصادر بأنهم كانوا في الموقع.
وذكر ثلاثة ممن كانوا في الموقع أن عددا قليلا من السيارات المدنية ذات النوافذ المعتمة اقترب من المنطقة. وأوضح اثنان ممن كانوا في الموقع، وهما ضابط المخابرات السابق ومسؤول كبير في المطار، أن السيارات كانت تابعة للحرس الجمهوري وهي قوات نخبة تولت حماية الأسد والقصر الرئاسي.
وأشار قائد سابق كبير بالحرس الجمهوري إلى أن مشاركة الحرس تعني أن “بشار (الأسد) هو من أصدر الأوامر” المتعلقة بالعملية. وأضاف أن الحرس لم يكن يخضع إلا لقائده اللواء طلال مخلوف ابن عم الأسد، أو الأسد نفسه.
الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد: إمبراطورية نهبت اقتصاد سورية
وأبلغ مدير أمن المطار غدير علي موظفي المطار بأن أفرادا من المخابرات الجوية سيتعاملون مع الطائرة، بحسب محمد قيروط رئيس العمليات الأرضية بالخطوط الجوية السورية. ويروي قيروط أن علي قال له: “هذه الطائرة ستهبط وسنتعامل معها. أنت لم تر هذه الطائرة”.
وبحسب ثلاثة مسؤولين سوريين في المطار وضابط المخابرات السابق فإن علي، وهو ضابط كبير في المخابرات الجوية، كان يتلقى الأوامر مباشرة من القصر الرئاسي، بينما لم تتمكن رويترز من الوصول إلى علي للتعليق.
الساعات الأخيرة في رحلة الأسد
أظهرت بيانات فلايت رادار 24 أن الطائرة كانت تتجه في كل مرة إلى مطار البطين في أبوظبي، والذي يستخدمه كبار الشخصيات والمعروف بالحفاظ الصارم على الخصوصية. وفي البداية، غادرت الطائرة دبي في السادس من ديسمبر/كانون الأول وهبطت في دمشق قرب الثانية عشرة ظهرا بالتوقيت المحلي (التاسعة بتوقيت غرينتش). ثم توجهت إلى مطار البطين وعادت إلى دمشق بعد الساعة العاشرة مساء بقليل.
وقال واحد من خمسة مصادر عاملة بالمطار إن “السيارات كانت تتجه نحو الطائرة في كل مرة تهبط فيها، وتبقى هناك لفترة قصيرة ثم تغادر قبل إقلاعها مرة أخرى”.
وذكر علي لموظفي المخابرات الجوية أن موظفين من القصر الرئاسي وأقارب للأسد، بينهم شباب، كان من المقرر أن يستقلوا أول رحلتين غادرتا دمشق في السادس من ديسمبر، وقد حملتا أيضا أموالا نقدية، وفقا لضابط المخابرات السابق الذي كان في الموقع. ولم تتمكن رويترز من الوصول إلى القوائم الخاصة بالرحلات الأربع للتأكد من هوية ركاب الطائرة أو حمولتها. وأضاف المصدر أن الرحلة الثانية من دمشق نقلت أيضا لوحات وبعض المنحوتات الصغيرة.
وفي السابع من ديسمبر، عادت الطائرة إلى دمشق عند حوالي الساعة الرابعة عصرا ثم غادرت إلى البطين للمرة الثالثة بعد أكثر من ساعة، وهذه المرة محملة بحقائب من النقود فضلا عن محركات أقراص صلبة وأجهزة إلكترونية تحتوي على معلومات حول شبكة الأسد التجارية، وفقا لضابط المخابرات ومصدر شبكة أعمال الأسد. وأضاف المصدر أن المعلومات المخزنة تضمنت سجلات مالية ومحاضر اجتماعات وملكية شركات وعقارات وشراكات، بالإضافة إلى تفاصيل التحويلات النقدية والشركات والحسابات الخارجية. وفي هذه المرة، اقتربت سيارات تابعة لسفارة الإمارات في دمشق من منطقة كبار الزوار بالمطار قبل إقلاع الطائرة، بحسب ضابط المخابرات السابق، وهو ما يعني أن الإمارات كانت على علم بالعملية.
تحويل مسار الطائرة إلى القاعدة الروسية
وفي وقت مبكر من يوم الثامن من ديسمبر، كان الثوار قد وصلوا إلى دمشق مما دفع الأسد إلى الفرار إلى معقله الساحلي في اللاذقية، بالتنسيق مع القوات الروسية. وتوقف مطار دمشق عن العمل.
وبعد منتصف ليل ذلك اليوم بقليل، غادرت الطائرة مطار البطين للمرة الأخيرة. وبعد مرورها فوق مدينة حمص إلى الشمال من دمشق عند حوالي الساعة الثالثة فجرا بالتوقيت المحلي، اختفت الطائرة عن نطاق رصد الرحلات الجوية لنحو ست ساعات قبل أن تعود للظهور فوق حمص، وتوجهت مرة أخرى إلى أبوظبي وفقا لبيانات فلايت رادار 24.
وقال ضابط المخابرات السابق إنه في أثناء تلك الفترة، هبطت الطائرة في قاعدة حميميم بمحافظة اللاذقية. وأظهرت صورة أقمار صناعية التقطتها شركة بلانيت لابز عند الساعة 09:11 صباحا الطائرة على مدرج مطار حميميم. وتمكنت رويترز من التأكد من أن طائرة إمبراير الظاهرة في الصورة هي الطائرة صاحبة الرمز سي5-إس.كيه.واي بناء على حجمها وشكلها وبيانات تتبع الرحلات الجوية. وتُظهر بيانات تتبع الرحلات الجوية أن هذه الطائرة كانت الطائرة الخاصة الوحيدة التي حلقت من سورية وإليها في الفترة بين السادس والثامن من ديسمبر.
وكان على متن الرحلة المغادرة من حميميم أحمد خليل خليل وهو مساعد مقرب من إبراهيم وناشط في شبكة الأسد، وفقا لضابط المخابرات الجوية ومصدر شبكة إمبراطورية أعمال الأسد ومحادثة الواتساب. ويخضع خليل لعقوبات غربية لدعمه النظام السابق من خلال إدارة العديد من الشركات في سورية وقيادتها. ووفقاً لمصدر شبكة أعمال الأسد ورسائل الواتساب فقد وصل إلى القاعدة الروسية في سيارة مدرعة تابعة للسفارة الإماراتية وكان يحمل 500 ألف دولار نقدا. وبحسب المصادر ذاتها فقد سحب خليل المبلغ قبل يومين من حساب في (بنك سورية الدولي الإسلامي).
وذكر مصدر شبكة أعمال الأسد أن الحساب يخص شركة البرج للاستثمار ومقرها دمشق. ووفقا لموقع (سيريا ريبورت) وهو منصة إلكترونية تحتوي على قاعدة بيانات للشركات جمعها خبراء في الشأن السوري وتنقل عن سجلات سورية رسمية تعود لعام 2018 فإن إبراهيم يملك 50% من الشركة.
ولم يرد خليل على طلب للتعليق أُرسل عبر حسابه على فيسبوك. كما لم يرد بنك سورية الدولي الإسلامي وشركة البرج على رسائل البريد الإلكتروني التي طلبت التعليق.
وقال مصدر شبكة أعمال الأسد ومسؤول سابق في هيئة النقل الجوي السورية إن طائرة إمبراير كانت تعمل بموجب “عقد إيجار جاف” يوفر بموجبه المالك الطائرة لكنه لا يوفر الطاقم أو الطيار أو الصيانة أو العمليات الأرضية أو التأمين. ولم تتمكن رويترز من تحديد الجهة التي كانت تشغل الرحلات الجوية.
وأضاف هذا الشخص أن إبراهيم وصل إلى أبوظبي في 11 ديسمبر. كما رفض الرئيس السوري أحمد الشرع التعليق على هذه الطائرة في مقابلة مع رويترز.