أنور الخنجري
alkhanjarianwar@gmail.com

اقترنت الأهمية الدينية والاجتماعية والحضارية للمساجد في سلطنة عُمان بحضورها المتميز في الحياة اليومية للمسلمين وهي دلالة واضحة لتعايش مختلف فئات المجتمع من مختلف المذاهب الإسلامية السمحة المقيمة على هذه الأرض الطيبة، ولا يختلف ذلك عمومًا عن ما هو قائم في مدينة مطرح العريقة التي تضم عددا من المساجد القديمة التي تعتبر مساجد أثرية لم يكتب لها التدوين اللائق أو التوثيق اللازم لحفظ تاريخها؛ إذ اقترن بعضها بمشاهد بعيدة كل البعد عن دورها الديني والاجتماعي، وأثير حولها الكثير من اللغط والتهميش، كما هو الحال مع المسجد الأحمر، الذي يطلق عليه أيضا مسمى مسجد التُرك، ومسجد العقبة، ومسجد سيد سراج، كما كان يعرف سابقا، حسب الفترات المتعاقبة حتى عرف مؤخرا بجامع الإمام عزان بن قيس.


الحقيقة أنَّ هذا المسجد الذي يعود تاريخه لأكثر من 500 سنة، ويقع في الطرف الشمالي الغربي لمدينة مطرح القديمة في منطقة كانت تعرف بـ"جبروه"، والآن هو ضمن إحرامات شركة المطاحن العُمانية، وكان اسمه حتى وقت قريب كما نتذكره هو مسجد/ مزار سيد سراج، (سي تشراج) باللغة البلوشية السائدة في المنطقة حينذاك. وتعود تلك التسمية أساسا إلى مشاهدة أحد المتعبدين ليلًا؛ حيث يقوم هذا الناسك بإشعال سراج يضيء نوره جنبات المسجد الواقع في منطقة مظلمة من أطراف المدينة خلف المزارع التي كانت قائمة هناك. 
مسجد سيد سراج هذا كانت وما زالت تدور حوله الكثير من الحكايات العجيبة الغريبة؛ حيث كانت الجموع تفد إليه سابقًا لتقديم النذور والتبرُّك؛ اعتقادًا بوجود قبر أحد الأولياء الصالحين فيه، وهذه العادة كانت منتشرة سابقًا في المنطقة؛ حيث هناك العديد من العوائل كانت تؤمن بهذه المعتقدات البالية وتقدم مثل هذه النذور لبعض الأضرحة مثل ضريح "شهباز كلندر" مثلًا في حي الزاهية المجاور، و"الخضر" في الطرف الشمالي لقرية أربق المندثرة، وضريح سيد محمد شريف في حلة الصاغة، وضريح الشيخ فرج في حارة الهناء، وهي مقامات لأولياء الله الصالحين كما كان يُعتقد لدى بعض السكان المحليين.
وتشير بعض المصادر إلى أن هذا المسجد وفناءه الواسع قد استُخدم خلال فترة بداية العشرينيات مُصلى للعيدين. كما يتداول عنه أيضًا أنه حين بدأ العمل لبناء صوامع شركة المطاحن العُمانية في بداية السبعينيات حاولت معدات الشركة المنفذة تسوية الأرض وهدم هذا المسجد الأثري، إلّا أن ذلك استحال على المعدة، وكانت في كل مرة تحاول الاقتراب من المسجد يتعطل فيها شيء ما؛ الأمر الذي أدى في النهاية إلى إلغاء فكرة الهدم، وإبقاء المسجد كما هو. غير أن مساحته قد استغلت لاحقًا كمخازن لحفظ معدات الشركة، خاصة وأن المسجد في تلك الفترة كان مهجورًا، وبناؤه كان أطلالًا. 
وفي هذه الحادثة يشير أحد المصادر الموثوقة عن تدخل أحد الأعيان وكان رئيسًا لبلدية مطرح في حينها لمنع هذا الاستغلال المشين لمثل هذه الأماكن المقدسة، وفي النهاية التزمت الشركة بالأمر وقامت بدورها بترميم المسجد وتهيئته لإقامة شعائر الصلاة للعاملين، وبقي هكذا إلى يومنا هذا.
تاريخيًا يُعتقد أن بناء هذا المسجد يعود إلى حقبة الدولة العثمانية خلال محاولتها بسط نفوذها على السواحل الجنوبية الشرقية لشبه الجزيرة العربية، ومن أجل ذلك شنت الدولة العثمانية عددًا من الحملات الحربية البحرية ضد القوات البرتغالية في مسقط، وكانت آخرها مواجهة بحرية وقعت بالقرب من جزيرة الفحل في عام 1553م بين السفن العثمانية بقيادة القائد البحري العثماني تونسي الأصل سيدي علي بيك بن حسين ريس، والأسطول البرتغالي، انتهت بانتصار الأخير؛ الأمر الذي حدا ببقايا الجنود الأتراك الناجين من هذه الحملات اللجوء إلى اليابسة والاستقرار في هذا الموقع، الذي بنوا فيه مسجدًا لهم باستخدام المواد المحلية من حجارة وطين وصاروج أحمر اللون، متوفر في البيئة المحلية، وهكذا أطلق عليه السكان المحليون اسم "المسجد الأحمر" نسبة إلى لونه الأحمر القاني، والبعض أسماه أيضًا مسجد التُرك نسبة للذين قاموا ببنائه، كما أُطلق عليه أيضاً مسمى "مسجد العقبة" لوقوعه بالقرب من عقبة "خرافش" (ممر جبلي ضيق يصل مدينة مطرح بدارسيت). 
على العموم.. هذه بعض التكهنات التي تناقلتها الأجيال حيال تاريخ هذا المسجد والأساطير التي تدور حوله، إلّا أننا لم نتمكن حتى الآن من استقصاء مصادر مكتوبة تؤكد حقيقة تاريخ هذا المسجد ومن قام ببنائه، رغم اعتقاد البعض بأن الإمام عزان بن قيس قد دُفِن فيه إلّا أن ذلك بعيد عن الحقيقة؛ فقبر الإمام موجود في مقبرة حارة الشمال المجاورة، وقد حُسم ذلك الأمر قبل سنوات عديدة، بعد تحديد موقعه من قبل العالمين ببواطن المنطقة، وما جرى فيها من أحداث.
يضُم المسجد الكثير من العناصر المعمارية والأثرية المُهمة، ويتألف من عدة أقسام؛ أهمها المحراب الذي جاء بالشكل المخروطي، وغرفة الصلاة التي تبلغ مساحتها حوالي 48 مترًا مربعًا، إضافة إلى صحن المسجد وفنائه الخارجي بمساحة حوالي 132 مترًا مربعًا، والذي اندثر معظم أجزائه. كما إن المسجد لا يحتوي على مئذنة أو صومعة تُحدِّد هويته، وهو الأمر الذي كان سائدًا في المساجد إبّان صدر الدعوة الإسلامية. 
وختامًا.. هذه محاولة واجتهاد شخصي مُتواضَع لتدوين ما توصَّلنا إليه من معلومة عن هذا المسجد الصغير في حجمه الكبير في فحواه، ويا حبَّذا لو اهتمت الجهات المعنية والباحثين المتخصصين بإجراء المزيد من البحث والتحقيق عن هذا المسجد والجوامع القديمة الأخرى في مدينة مطرح العريقة.
 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: هذا المسجد مسجد ا

إقرأ أيضاً:

«أبوظبي الدولي للكتاب» يطلق إصدار «أم كلثوم.. من الميلاد إلى الأسطورة»

أبوظبي (الاتحاد)
على أنغام أشهر أغنيات المطربة المصرية الراحلة أم كلثوم، وكلمات عمالقة الشعر العربي وألحان كبار الموسيقيين الذين واكبوا رحلتها الفنية، استعاد جمهور معرض أبوظبي الدولي للكتاب، عبق الطرب الأصيل في أمسية فنية وثقافية خاصة، احتضنتها منصة «المجتمع»، ضمن فعاليات النسخة ال34 من المعرض.
جاءت الأمسية بمناسبة إطلاق كتاب «أم كلثوم.. من الميلاد إلى الأسطورة»، للكاتب والصحافي حسن عبد الموجود، وسط تفاعل كبير من الحضور الذين عاشوا لحظات من الحنين والدهشة، مع سيرة واحد من أعظم الأصوات التي طبعت الوجدان العربي على مدار عقود.
وشهدت الأمسية مشاركة الفنانة والباحثة الدكتورة فيروز كراوية، التي أدت بصوتها مجموعة من روائع أم كلثوم، فأعادت إحياء المشاعر والذكريات بأداء راقٍ ومؤثر، بينما تحدّث المؤلف حسن عبد الموجود عن خصوصية هذه التجربة، مشيداً بتعاون مركز أبوظبي للغة العربية ودار ديوان للنشر في إصدار طبعات فاخرة من الكتاب، احتفاءً بالمكانة الرمزية لأم كلثوم في المشهد الثقافي العربي.
من جهته، أشار أحمد القرملاوي، الشريك المؤسس والمدير التنفيذي لدار ديوان للنشر، إلى أهمية هذا العمل التوثيقي الذي يعيد تقديم أم كلثوم بوصفها أيقونةً فنية وإنسانية مؤثرة في التاريخ المصري والعربي، متوقفاً عند الصعوبات التي واجهها فريق العمل خلال جمع المادة الأرشيفية والتوثيقية، وكيف استطاعوا تجاوزها لتقديم عمل يليق بهذه القامة الاستثنائية.
ويوثق الكتاب سيرة «كوكب الشرق» بأسلوب أدبي حميمي، منذ نشأتها في قرية "طماي الزهايرة" بمحافظة الدقهلية، إلى صعودها الاستثنائي الذي قادها إلى قصور الزعماء والملوك، ومكانتها في قلب الجمهور العربي من الخليج إلى المحيط.
يتضمّن العمل خمسين حكاية من حياة أم كلثوم، تصحب القارئ في رحلة إنسانية وفنية مصحوبة بمجموعة نادرة من الصور الأرشيفية التي تُعرض للمرة الأولى، لتشكّل بانوراما كاملة عن الفنانة التي تخطّت حدود الزمان والمكان.
كما يتناول الكاتب الجانب الشخصي، والإنساني من حياة أم كلثوم: مشاعرها، وأمومتها، ومراحلها العمرية المختلفة، والتحديات التي خاضتها بإصرار وصبر، لتصنع من نفسها أسطورة فنية عربية استثنائية لا تزال حاضرة في الوجدان، على الرغم من مرور خمسين عاماً على رحيلها.
ويؤكد المؤلف أن هذا العمل لا يسعى فقط لتوثيق سيرة أم كلثوم، بل للاحتفاء بها رمزا ثقافياً حيّاً، ومصدر إلهام لا ينضب لفهم علاقة الفن بالهوية، والصوت بالحضور، والمرأة بالإرادة. 

أخبار ذات صلة «أبوظبي للإعلام».. مشاركة فاعلة ومتميزة في «أبوظبي للكتاب» جناح «تريندز» في «أبوظبي للكتاب» يناقش الثقافة والذكاء الاصطناعي ويطلق كتابين

مقالات مشابهة

  • باحث: 7 أكتوبر كانت الفرصة التي انتظرها الإخوان لإحياء "الربيع العربي"
  • مصدر أمني بالسويداء لـ سانا: إننا نحذر كل الأطراف التي تحاول المساس بالاتفاق الذي أكد على ضرورة ترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة، ومدينة السويداء على وجه الخصوص
  • عاصفة زاكورة تكشف غياب الحزم والصرامة في منع زراعة “الدلاح” التي تستنزف الفرشة المائية
  • مسلمو فيتنام.. أقلية جذورها تاريخية وشعارها التسامح
  • في 5 محافظات | الأوقاف تفتتح اليوم 6 مساجد ضمن خطتها لإعمار بيوت الله
  • «أبوظبي الدولي للكتاب» يطلق إصدار «أم كلثوم.. من الميلاد إلى الأسطورة»
  • ميديا بارت: الجانب المظلم من لا مبالاة الدولة بقتل مسلم داخل مسجد
  • تأملات قرآنية
  • السلطات بالخرطوم تشرع في إزالة ونظافة أكبر البؤر التي كانت تستخدمها المليشيا للمسروقات والظواهر السالبة
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله