تعرف على معنى “الرحمن” “الرحيم” في اللغة
تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT
الرحمةُ هي الرقِّة والتعطّف، والاسْمان مُشْتقان مِنَ الرحمة على وجه المُبالغة، و”رحمن” أشد مبالغةً من”رحيم”، لأنّ بناء فُعْلان؛ أشد مُبالغةً من فعيل، ونظيرهما نديمٌ وندمان. وفي كلام ابن جرير؛ ما يُفْهم منه حكاية الاتفاق على هذا .
واتفق أكثر العلماء على أنَّ اسم”الرحمن” عربيٌ لفظه، أما إنْكار كفار قريش يوم الحُدَيبية؛ لمَّا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليّ رضي الله عنه:”اكتبْ (بسم الله الرحمن الرحيم)”، فقال سهيلٌ: أما” الرحمن” فوالله ما أدري ما هي؟ ولكن اكتبْ: باسْمكَ اللهم، كما كنتَ تكتبُ .
فالظاهر أنه إنكار جُحودٍ؛ وعنادٍ وتعنّت. ومما يدلُّ على أنهم كانوا يعرفون هذا الاسْم؛ قوله تعالى حكاية عنهم: (وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم) (الزخرف: 20).
وقد ردّ ابن جرير الطبري بشدِّة على مَنْ قال: إنّ العربَ كانت لا تَعرف”الرحمن” فقال: وقد زعم أهل الغباء: أنّ العربَ كانت لا تعرف الرحمن اهـ. وبيّن أنّ ذلك كان جُحوداً. اسم الله “الرحمن” و “الرحيم” في القرآن الكريم: ذُكر“الرحمن” في القرآن سبعاً وخمسين مرة، منها: قوله تعالى: (وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (البقرة: 163). وقوله سبحانه: (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً) (مريم: 93). وقوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه: 5). وقوله: (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً) (الفرقان: 26). وأما اسمه“الرحيم” فقد ذكر مائةً وأربعَ عشرة مرة؛ منها: قوله تعالى: (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة: 54). وقوله: (إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (البقرة: 143). وقوله سبحانه: (إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وهو كثيرٌ في الكتاب، انظر مثلاً (البقرة:173،182، 199).
وقوله تعالى: (يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (آل عمران: 129). وقوله سبحانه: (فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (المائدة: 39). وقوله تعالى: (وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) (هود: 90) وقوله: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) تردّدت مراراً في الشعراء. وقوله: (إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) (الطور: 28). وقوله: (رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) (الإسراء: 66).
معنى “الرحمن” و”الرحيم” في حق الله تبارك وتعالى: الاسْمان : مُشتقان من الرَّحمة؛ و”الرَّحْمن” أشدّ مبالغة من”الرحيم”. ولكنْ ما الفرقُ بينهما؟ هناك قولان في الفرق بين هذين الاسْمين: الأول: أنّ اسم”الرحمن”: هو ذو الرَّحمة الشَّاملة؛ لجميعِ الخَلائق في الدنيا؛ وللمُؤمنين في الآخرة. و”الرحيم”: هو ذُو الرَّحمة للمؤمنين يوم القيامة، واسْتدلوا بقوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً) (الفرقان: 59). وقوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه: 5) فذكر الاسْتِواء.
باسْمه”الرحمن” ليعمَّ جميعَ خَلقه برحمته. وقال: (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (الأحزاب: 43). فخصَّ المؤمنين باسْمه”الرحيم” . والقول الثاني: هو أنّ”الرَّحمن” دالٌ على صفةٍ ذاتية؛ و”الرحيم” دال على صفة فعلية. قال ابن القيم رحمه الله:”إنَّ”الرحمن” دالٌ على الصَّفة القائمة به سبحانه، و”الرحيم دالٌ على تعلّقها بالمَرْحوم، فكان الأول للوصف؛ والثاني للفعل. فالأول: دالٌ على أنَّ الرَّحمة صفته، والثاني: دالٌ على أنه يَرْحم خَلْقه برحمته. وإذا أردت فهم هذا؛ فتأمَّل قوله: (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (الأحزاب: 43) (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 117)، ولم يجئ قطُّ”رحمنٌ بهم”؛ فعُلم أنّ”رحمن” هو المَوصوف بالرَّحمة؛ و”رحيم” هو الراحم برحمته. وهذه نُكتةٌ لا تَكاد تَجدها في كتابٍ، وإنْ تنفّست عندها مِرْآة قَلْبك؛ لم ينْجلِ لك صُورتها” اهـ و”الرحمن” من الأسماء التي منع الله من التسمية بها، كما قال: (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى) .
فعاد به الاسم الذي لا يشركه فيه غيره وهو”الله”. وأما”الرحيم” فإنه تعالى وصف به نبيه صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: (حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 128). فيقال: رجل رحيم. ولا يقال: رحمن. قال ابن كثير:”والحاصل أن من أسمائه تعالى ما يسمى به غيره ومنها ما لا يسمى به غيره، كاسم من الرحيم، لأنَّ التسمية أولاً تكون بأشرف الأسماء؛ فلهذا ابتدأ بالأخصّ فالأخص.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: قوله تعالى ع ل ى ال على أن من الر
إقرأ أيضاً:
مظاهر تحريف الأديان
من المظاهر التي اعترت الأديان الكتابية التي سبقت ظهور الإسلام أنها تعرضت للتحريف والتزييف والتلاعب بنصوصها وبتأويلها بحسب رغبة ومصلحة أحبارها وقساوستها؛ فجاء الإسلام لنسخها وتصحيح المُحرّف من أحكام شرعية أنزلها الله تعالى على أنبيائه عليهم السلام جميعًا، وأتباعهم عبثوا بها وحرّفوها عن موضعها ليشتروا بها عرض من الدنيا بأثمان قليلة؛ فجاء وصفهم في القرآن الكريم في قوله تعالى: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا}، فالذين هادوا هم الذين أوتوا نصيبا من الكتاب، ويقصد بهم الكتابيون دون غيرهم من الديانات غير الكتابية، التي هي خارج نطاق التناول هنا، وليس مقام الحديث عنها.
ومظاهر التحريف التي قام بها أتباع هذه الكتب تمثلت في تحريف نصوص الكتب، وما جاء فيها من أحكام من خلال تحريف معاني الكلم أو تغييرها عن مواضعها؛ لتتغير أو تنقلب معانيها ودلالتها، التي تتناسب مع أهوائهم ورغباتهم وتحقق مصالحهم. قال تعالى: {يحرفون الكلم عن مواضعه} قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قوله: “يحرفون الكلم عن مواضعه” أي: يتناولونه على غير تأويله، ويفسرونه بغير مراد الله عز وجل قصدا منهم وافتراء.
وقال الإمام الرازي، رحمه الله، في كيفية التحريف وجوه:
أحدها: أنهم كانوا يبدلون اللفظ بلفظ آخر.
والثاني: أن المراد بالتحريف إلقاء الشبه الباطلة والتأويلات الفاسدة، وصرف اللفظ من معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه الحيل اللفظية، كما يفعله أهل البدعة في زماننا هذا، بالآيات المخالفة لمذاهبهم، وهذا هو الأصح.
والثالث: أنهم كانوا يدخلون على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويسألونه عن أمر فيخبرهم ليأخذوا به، فإذا خرجوا من عنده حرفوا كلامه. وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في “إغاثة اللهفان”: قد اختلف في التوراة التي بأيديهم، هل هي مبدلة أم التبديل وقع في التأويل دون التنزيل؟ على ثلاثة أقوال:
قالت طائفة: كلها أو أكثرها مبدل، وقالت طائفة من أئمة الحديث والفقه والكلام: إنما وقع التبديل في التأويل.
قال البخاري، رحمه الله، في صحيحه: يحرفون: يزيلون، وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله، ولكنهم يتأولونه على غير تأويله، وهو ما اختاره الرازي أيضا.
وجاء في الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿من الذين هادوا﴾ أَيْ: قومٌ ﴿يحرِّفون الكلم عن مواضعه﴾ أَيْ: يُغيِّرون صفة محمَّد صلى الله عليه وسلم وزمانه ونبوَّته في كتابهم ﴿ويقولون سمعنا﴾ قولك ﴿وعصينا﴾ أمرك ﴿وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ ﴾ كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: أسمع ويقولون في أنفسهم: لا سمعت ﴿وراعنا ليًّا بألسنتهم﴾ أَيْ: ويقولون راعنا ويوجِّهونها إلى شتم محمَّد عليه السَّلام بالرُّعونة وذكرنا أنَّ هذا كان سبًّا بلُغتهم ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ مكان قولهم: سمعنا وعصينا وقالوا ﴿واسمع وانظرنا﴾ أَيْ: انظر إلينا بدل قولهم: راعنا ﴿لكان خيرًا لهم﴾ عند الله ﴿ولكن لَعَنَهُمُ الله بكفرهم﴾ فلذلك لا يقولون ما هو خيرٌ لهم ﴿فلا يؤمنون إلاَّ قليلًا﴾ أَيْ: إيمانًا قليلًا وهو قولهم: اللَّهُ ربُّنا والجنَّةُ حقٌّ والنَّارُ حقٌّ، وهذا القليل ليس بشيءٍ مع كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وليس بمدحٍ لهم.
إن تحريف الكلم عن مواضعه آفة يقوم بها الأدعياء والجهلة وأصحاب المنافع الدنيوية منذ وجودها إلى يومنا هذا، ويتخذ التحريف ثلاثة مظاهر:
التدخل في الوحي الإلهي بالحذف والزيادة، اتباعا للهوي أو غلوًا في الدين بالتأويلات الفاسدة والتفاسير الباطلة لما ورد من نصوص الشرعية بدون برهان ولا دليل، بل هو تحريف للكلم عن المعاني لأجل التحريف لأغراض متعمدة ذكرناها في بداية الحديث عن التحريف.
تعطيل العمل بطائفة من الأوامر والنواهي، تعطيل العمل ببعض الكتاب، وتوارث هذا العطل من جيل إلى جيل حتى تنشأ خلوف قاصرة تظن ما أهمل قد نسخ وباد! كما حدث مع علماء قوم نوح – قبل أن يبعث – الذين جعلوا لهم تماثيل ومع مرور الزمن جاءت أجيال فعبدتهم من دون الله.
يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: ومن حسن حظنا –نحن المسلمين– إنّ كتابنا محفوظ بعناية الله، فالأصل الذي نحتكم إليه قائم دائم، ومن حسن حظنا أن الإجماع منعقد على أركان الإسلام والأجهزة الرئيسية، التي تتفرع عنها شعبة وقوانينه هنا وهناك.
وهذا في أصل الدين، ولكن وجدت وتوجد نوابت وإن لم تحرف النصوص لحفظ الله لها {إنا نزلنا الذكر وإنا له حافظون}، ولكن حرفت معانيها وتوسعت في تأويلها وإخراجها عن دلالتها ووظفتها لنيل عرض الدنيا أو رضا سلطان، وهذه الصورة من التحريف والتزييف يجب معرفتها وفضحها والتحذير منها حتى لا تسقط الأمة في هذا المستنقع الذي كفره الله وحذر منه، ولعنه قال تعالى: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا}
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.