تفاعلات كونية عنيفة تفسّر لغز نشأة المجرات الإهليلجية
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
يعد معرفة كيفية تكوّن المجرات الإهليلجية العملاقة أحد أهم الألغاز الكونية التي تحيّر الفلكيين، وذلك على عكس المجرات الحلزونية مثل مجرتنا درب التبانة، التي تحتوي على كميات كبيرة من الغاز والغبار الكوني، مما يسمح لها بتكوين النجوم بشكل مستمر ضمن أقراص دوارة.
تتميز المجرات الإهليلجية بحجمها الكبير وشكلها البيضاوي ثلاثي الأبعاد، وقد تشكلت منذ البداية بهذه الهيئة نتيجة تفاعلات واندماجات كونية عنيفة، خلافا لبعض المعتقدات القديمة التي افترضت أنها بدأت كأقراص مسطحة ثم تغيرت.
وتكشف دراسة جديدة نشرت في دورية "نيتشر" عن أصل تكون هذا النمط من المجرات باستخدام مصفوف مرصد أتاكاما المليمتري الكبير "مرصد ألما"، ومن خلال تحليل توزيع الغبار الكوني في أكثر من 100 مجرة بعيدة، اكتشف الباحثون أن تكوّن النجوم في هذه المجرات المعمّرة لم يكن يحدث في هياكل مسطحة تشبه الأقراص كما كان يُعتقد سابقا، بل يتجمع الغبار والغاز في نوى مدمجة بفعل تدفقات الغاز البارد واندماجات المجرات.
وتشير النتائج إلى أن المجرات الإهليلجية العملاقة تشكلت في غضون فترات قصيرة من نشاط مكثف لتكوين النجوم، على عكس التطور التدريجي الذي يحدث في المجرات الحلزونية.
جرى تحقيق هذا الإنجاز بفضل تقنية جديدة طُبقت على بيانات مرصد ألما، الذي يعمل بتقنية التداخل الموجي، حيث تجمع الإشارات من عدة هوائيات لتكوين صور دقيقة للمجرات البعيدة. ولأن البيانات ليست صورا بصرية مباشرة بل إشارات معقدة، فإن معالجتها تتطلب تقنيات متقدمة مقارنة بالصور البصرية التقليدية.
إعلانوباستخدام المحاكاة الكونية الحاسوبية، تمكن الباحثون من تفسير هذه البيانات وفهم الآليات الفيزيائية التي أدت إلى تجمع الغبار والغاز في مراكز هذه المجرات. وأظهرت التحليلات أن التدفقات الباردة للغاز من المجرات المحيطة، بالإضافة إلى التفاعلات والاندماجات بين المجرات، تعمل معا على دفع الغبار والغاز نحو نوى مكثفة، وهي عملية شائعة في الكون المبكر، مما يفسر التكوّن السريع للمجرات الإهليلجية.
كما ستوفر الملاحظات المستقبلية باستخدام تلسكوبي جيمس ويب الفضائي ويوكليد خرائط تفصيلية لتوزيع النجوم في أسلاف المجرات الإهليلجية، في حين سيتيح التلسكوب الأوروبي العملاق تفاصيل غير مسبوقة حول تكوين النجوم وهيكل المجرات البعيدة، وهو ما سيساعد على تأكيد الاستنتاجات التي توصل إليها البحث.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
نجوم النعائم
لطالما كان للنجوم حضور قوي في الثقافة العربية، ولا تزال الكثير منها تحمل أسماء عربية حتى اليوم، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى في سورة الأنعام: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»، وارتبط العرب بالنجوم بشكل وثيق، فأطلقوا عليها أسماء ووصفوها بدقة، ولم يقتصر تأثيرها على علم الفلك وحسب، بل امتد أيضًا إلى الشعر والأدب، حيث تغنّى بها الشعراء وحيكت حولها الأساطير، مستخدمينها لرسم صور خيالية تربط بين النجوم وتوضح مواقعها في السماء ضمن حكايات وقصص مشوقة.
واليوم أيضا لن نتحدث عن نجم مفرد، بل سنتحدث عن مجموعة من النجوم وقد أطلق عليها العرب اسم نجوم النعائم، وقسموها إلى النعائم الشمالية وهي أربعة نجوم تشكل جزءًا من «إبريق الشاي» الشهير في كوكبة القوس، والنعائم الجنوبية وهي أربعة نجوم في الكوكبة نفسها، وفقًا للمعاجم اللغوية ف«النَّعائِم» هو جمع لكلمة «نَعامة»، ويشير إلى مجموعة من النجوم التي تشكل منزلة من منازل القمر، تُصور على هيئة النعامة، وقد كانت النعامة أحد الحيوانات التي تعيش في الصحراء العربية، وقد وصفها الشعراء في معلقاتهم وقصائدهم، فلا غرابة حين يقومون بتسمية النجوم المتناثرة في السماء بقطعان النعام.
وفقًا للتقويم الفلكي العربي، تُعتبر «النعايم»، المنزلة الرابعة من منازل فصل الشتاء، وتبدأ في 15 يناير وتستمر لمدة 13 يومًا خلال هذه الفترة، يكون الطقس شديد البرودة، خاصة في الليل والصباح الباكر، وقد اعتمد العرب القدماء على منازل القمر والنجوم، بما في ذلك «النعائم» لتحديد مواعيد الزراعة والأنشطة الفلاحية، خلال هذه الفترة، وكان المزارعون يجهزون أراضيهم للزراعة، حيث تُزرع خلالها الكثير من المحاصيل، كما استخدم المغاربة «المنازل» لتحديد مواعيد الزراعة، وحصاد المحاصيل، وغرس الأشجار، وجني الغلات، بالإضافة إلى تحديد مواسم الصيد البري وقنص الطيور.
ولأن «النعائم»، تشير إلى مجموعة من النجوم وليس نجمًا واحدًا، فإن خصائصها الفلكية التي أثبتتها الدراسات الحديثة تشير إلى أنها تختلف من نجم لآخر من حيث القطر ودرجة الحرارة، والبعد عن الأرض، ولكن تتراوح أحجام النجوم بين حوالي 5% من حجم الشمس إلى حوالي عشرة أضعاف قطر الشمس، أما درجات الحرارة السطحية للنجوم، فتتراوح بين 3,500 درجة كلفن للنجوم الحمراء الصغيرة إلى 30,000 درجة كلفن أو أكثر للنجوم الزرقاء الكبيرة.
وإذا أتينا إلى الشعر العربي وورود هذه النجوم فيه فنجدها في كل العصور الأدبية في الشعر العربي، كما نجد لها شواهد في المنظومات والقصائد العمانية، فنجد مثلا الشاعر العماني سليمان النبهاني يصف قوم ويمدحهم بأنهم وصلوا في العلو والرفعة مكانة لم تصل لها نجوم النعائم فقال:
همُ القوم سادوا كلَّ حيٍ وشيَّدوا مراتبَ لم تبلغ مداها النَّعائمُ
ليوثٌ صناديد غُيوث هواطل جبال منيفات بحار خضارمُ
كما أن البحار العماني أحمد بن ماجد ذكرها في منظوماته الفلكية فقال:
والقَلبُ والشولَةُ والنَعَائِم
وَبَعدَهَا البَلدَةُ تَطلُع دائِم
ثُمَّ السعُودُ الأَربَعَة والفَرغُ
يا طال ما فُصِّل عليها الشُّرعُ
حتى أننا نجد أبو طالب بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر النعائم في مقطوعة شعرية وهو يصف أن بني هاشم بلغوا في المجد مكان نجوم النعائم، وذلك بفضل محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول:
لَقَدْ حَلَّ مَجْدُ بَني هاشمٍ
مَكانَ النَّعائِمِ وَالنَّثْرَةْ
وَخَيْرُ بَنِي هاشمٍ أَحْمَدٌ
رَسولُ الْإِلَهِ عَلَى فَتْرَةْ
ونجد الشاعر الجاهلي عامر بن الظرب العدواني يذكر النعائم في إحدى قصائده ويقرنها مع نجم النسر فيقول:
سَمَوْا فِي الْمَعالِي رُتْبَةً فَوْقَ رُتْبَةٍ
أَحَلَّتْهُمُ حَيْثُ النَّعائِمُ والنَّسرُ
أَضاءَتْ لَهُمْ أَحْسابُهُمْ فَتَضاءَلَتْ
لِنُورِهِمُ الشمْسُ الْمُنِيرَةُ وَالْبَدْرُ
في حين نجد أن الشاعر الأموي أبو طالب المأموني يذكر نجوم النعائم مقرونة بنجم السهى فيقول:
سيخلف جفني مخلفات الغمائم
على ما مضى من عمري المتقادم
بأرض رواق العز فيها مطنب
على هاشم فوق السهى والنعائم
ونرى الشاعر العباسي أبو العلاء المعري في لزومياته يذكر هذه النجوم في معرض مدح أحدهم ويذكر الصوم أيضا فيقول:
وَرِثتَ هُدى التَذكارِ مِن قَبلَ جُرهُمٍ
أَوانَ تَرَقَّت في السماءِ النَعائِمُ
وَما زِلتَ لِلدَينِ القَديمِ دِعامَةً
إِذا قَلِقَت مِن حامِليهِ الدَعائِمُ
وَلَو كُنتَ لي ما أُرهِفَت لَكَ مُديَةٌ
وَلا رامَ إِفطاراً بِأَكلِكَ صائِمُ
وإذا أتينا إلى الشاعر العباسي الشريف المرتضى نجده يشبه النوق وهي تمشي في الليل مثل نجوم النعائم التي تنتثر في السماء فيقول:
ركبوا قلائصَ كالنّعائمِ خرّقَتْ
عنها الظّلامَ بوَخْدِها تَخرِيقا
يَقطَعن أجوازَ الفَلا كمعابِلٍ
يمرُقن عن جَفْنِ القِسيِّ مُروقا