في الأنباء أن أردوغان يرتب لحل الأزمة السودانية عبر وساطة جديدة، وفقاً لما أوردته وكالة سونا الرسمية. ولكن السؤال هو هل هذا السعي يأتي في سياق الدور التركي الجديد المأذون في التأثير على نزاعات الشرق الأوسط، والقرن الأفريقي؟ على كل حال فإن تورط تركيا في ما جرى في سوريا، واتباع ذلك بتوسطها بين الصومال وإثيوبيا، ربما يفتح شهية الرئيس التركي لكسب جولات تاثير أكثر في نزاعات المنطقتين.

فالشرق الأوسط، والقرن الأفريقي، يمثلان لدول الإقليم منافذ سياسية، وممرات تجارية، ونقاط أمنية، لا بد أن تهتبل تركيا، وغيرها، فرص التوتر فيهما. وقد حاولت انقرا في الماضي أن تجد لها حضوراً في شواطيء البحر الأحمر مستندةً على الضغط على السودان ليستجيب. وبرغم فشلها السابق في هذا المنحى فإن نجاح استخدام ذينك الكرتين العسكري والدبلوماسي قد يشجع أردوغان للتجريب السياسي في السودان أيضا عبر ذات الدول التي اتفقت معه على ذهاب الأسد الشبل. إن خطوة اردوغان السريعة لحل النزاع الإثيوبي والصومالي، ومشاركته في أسرع سقوط لدولة حديثة في أيدي متمرديها، ينبغي أن تفتح أعين البرهان وعقله لاستبصار، وقراءة، هذه التحولات الجديدة التي فاجأت المراقبين السياسيين، وواضعي الاستراتيجيات في الإقليمين، على الأقل. وما يزال التكهن بمصير سوريا - وحول ما إذا كانت تستقر بدواعشها الجدد أم تتحول إلى التفكك او الاستقرار - الأمر الصعب التوقع. وهنا تجدنا واضعين في الاعتبار أن العالم كله ينتظر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب ليرى فعل سياساته تجاه الأزمة الاوكرانية، وتوتر الشرق الأوسط، والأزمات الأخرى التي من ضمنها حرب السودان. أمام هذه التحديات التي تحيط بسوريا نأمل ان تنتهي حرب السودان عبر مجهودات اردوغان، أو غيره، حتى نتجاوز التحديات التي تتضاعف حول مصير وحدة البلاد بالمقارنة مع سوريا التي ما تزال بعد تغيير رئيسها بلداً موحداً حتى هذه اللحظة. لقد اتضح لنا أن سياسة البرهان تعتمد على المراوغة سواء في السلم والحرب. وهذا النهج السياسي سينجح مرات، ولكنه غير مأمون العواقب، وقد جربه البشير ولكن أودى إلى نهايته. وبشار الأسد نفسه كان قد راوغ المجتمع الدولي والعربي حتى نجح في العودة إلى الجامعة العربية. ولكن مراوغته قادته إلى مصير الطغاة الذين دائماً لا يلتفتون إلى الوراء للاعتبار من مراوغات المستبدين خلفهم. فالقذافي وزين العابدين وصدام وبن علي والبشير وعلي عبدالله صالح وبشار تحايلوا على الواقع بسياسات تلتف على المشروع الديمقراطي للدولة القطرية وبالتالي يسيطرون لمرحلة ثم تكون نهايتهم شنيعة، فضلاً عن تضييع زمن شعوبهم وضرب الإسفين المناطقي والإثني والمذهبي والأيديولوجي فيهم. على البرهان تقع مسؤولية كبيرة لإيقاف الحرب ولكنه يحتاج بقدر كبير إلى الاعتبار من مصائر أولئك الطغاة. وعلى الرغم من أن الحركة الأسلامية تحيط به من كل حدب وصوب حتى اخترقت مكتبه فإن لديه الفرصة في تغيير اتجاه الحرب. ذلك إذا أعاد الكرة إلى ملعب القوى المدنية العريضة، واستند إليها لتصحيح مسار سياسته التي قادت للأزمة الوطنية ثم خسر حلفاء الوثيقة الدستورية جميعاً في الوقوف بجانبه في زمن الحرب. نعتقد أنه ما تزال الفرص سانحة أمام البرهان بوصفه المسؤول الأول عن الجيش للإذاعان إلى رغبة السودانيين في إيقاف الحرب، وتجاوز مأساتهم الإنسانية في الداخل والخارج. أما ركوب الرأس في ظل توسع الحرب، وتورط دويلات إقليمية ودولية في زيادة نيرانها، فإنه لن يمنحه انتصاراً حاسماً يعيد به ترتيب الوضع العسكري ليحقق طموحه في الحكم منفرداً. ليس هناك ما يعضد وجود الأنظمة الديكتاتورية في منطقتنا بناءً على التاريخ القريب للزعامات القطرية التي ذهبت إلى مزبلة التاريخ عبر الثورات الداخلية أو تدخلات الخارج. ولكل هذا فإن البرهان بحاجة إلى التشبث بالمبادرة التركية للوصول إلى تسوية تفضي إلى إنهاء الحرب مخطوطة أولى نحو استعادة المرحلة الانتقالية التي اعقبت ثورة ديسمبر. وفي حال إصراره على المضي قدماً في تنفيذ مشروع المؤتمر الوطني، والجماعات الإسلاموية المتطرفة التي تسانده الآن للعودة إلى الحكم الاستبدادي، فإن مصيره سيكون شبيه بمن سبقوه في درب المراوغة، والتلاعب بالتناقضات في المشهد السياسي، والاحتكام إلى أدوات الاستبداد. المبادرة التركية للتوسط من أجل حل الأزمة السودانية ينبغي كذلك أن تشجع الأطراف المدنية للتواصل مع القيادة في انقرا، وتحقيق تحرك سياسي يدعمها لإجبار طرفي الحرب لإنهائها، وإتاحة الفرصة للمدنيين للإمساك بالعملية السياسية، ووضع خطة لإعادة بناء الوطن بدعم الأطراف الإقليمية، والدولية.

suanajok@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

ماهي المكاسب التي تنتظرها واشنطن من مفاوضات إنهاء الحرب في أوكرانيا ؟

 

 

تبذل إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب محاولات حثيثة من أجل تحقيق اختراق يقود إلى مفاوضات تنهي الحرب الروسية الأوكرانية على أمل أن يقود ذلك إلى مكاسب جيوستراتيجية كبيرة للولايات المتحدة التي تستعد لحشد مواردها لمواجهة النفوذ الصيني في آسيا، وسط عراقيل وتحديات تواجه هذه المبادرة التي لم تتخط حتى اليوم حدود الضغوط على كييف والتلويح بقبول موسكو هدنة جزئية مؤقتة مدتها 30 يوميا.

تحليل / أبو بكر عبدالله

حتى اليوم لم تتوفر أي صيغة جاهزة للصفقة المنتظر أن تقودها الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار في الحرب الروسية الأوكرانية، غير أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين تحدثت عن مسار يقترح خطتين هما الخطة (أ) التي تسعى إلى مبادرة البيت الأبيض لمفاوضات مع كل من أوكرانيا وروسيا لوقف إطلاق النار وفق خطة تستوعب شروط ومخاوف ومطالب الطرفين، ثم الخطة (ب) التي ستمثل المرحلة الثانية بجمع طرفي الصراع على طاولة مفاوضات مباشرة بمشاركة وسطاء دوليين سعيا إلى انهاء الحرب بشكل دائم على قاعدة احترام مصالح جميع الأطراف.
وعلى ضبابية هذه الخطة فقد جاءت تصريحات الرئيس ترامب لتزيل الغموض على فحوى المبادرة الأمريكية بعد أن أكد أن الحفاظ على وحدة أراضي أوكرانيا، وانضمامها لحلف شمال الأطلسي “الناتو” أمر مستحيل، ناهيك بإصداره أمرا تنفيذيا بتعليق المساعدات العسكرية والمعلومات الاستخباراتية المقدّمة لكييف، وتأكيده بأنه لن يعيدها إلا بعد قبول أوكرانيا بمشروعه للهدنة.
يمكن القول إن الإدارة الأمريكية لم تتجاوز حتى الآن المرحلة الأولى، حيث تمكنت تحت الضغط من انتزاع موافقة من الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي لهدنة مؤقتة مع روسيا مدتها 30 يوما تقضي بعدم استهداف منشآت الطاقة، فيما أفضت المباحثات الهاتفية التي جمعت الرئيسين بوتين وترامب إلى انتزاع موافقة روسية للهدنة المؤقتة من دون أن تحقق أي اختراق مهم في جدار الأزمة يقود إلى وقف عملي للنار وانهاء الحرب.
وتبدو الرؤية التي تتبناها إدارة ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، تركز على الحل التفاوضي السريع مع روسيا، في ظل تقديم تنازلات إقليمية أو سياسية من الجانب الأوكراني.
وما هو واضح حتى الآن هو وجود تباين بين ما تريده موسكو وما تريده واشنطن فالأولى تريد مواقفه موسكو على وقف مؤقت لإطلاق النار، في حين تطالب موسكو بوقف دائم للحرب يقوم على إزالة أسبابها.
شروط متبادلة
الشروط المعلنة من جانب روسيا وأوكرانيا لا تزال قائمة حتى اليوم، حيث تتمسك روسيا بشروط صارمة لا تقبل التنازل وفي المقدمة تمسكها بالأراضي الأوكرانية التي ضمتها اليها بموجب استفتاء شعبي، ومعها أراضي شبه جزيرة القرم التي سيطرت عليها عام 2014، ورفضها نشر أي قوات من دول “الناتو” في أوكرانيا وإلغاء ملف انضمام أوكرانيا إلى حلف “الناتو”.
وتذهب الشروط الروسية إلى انسحاب الجيش الأوكراني إلى خارج حدود الأقاليم الأربعة التي تسيطر عليها، والاعتراف بالسيادة الروسية عليها، والتعهد بأن تصبح أوكرانيا خالية من الجيوش الأجنبية وعدم امتلاكها للسلاح النووي.
وطبقا لتصريحات سابقة للرئيس بوتين فإن موسكو قد توافق على اقتراح وقف إطلاق النار إن أدى إلى سلام مستدام وإزالة كل أسباب الصراع، وهي إشارة واضحة إلى تمسك موسكو بانتزاع اعتراف كييف بالسيادة الروسية على الأقاليم الأربعة المسيطر عليها من جانب روسيا وبقاء كييف في وضع محايد وعدم انضمامها إلى حلف “الناتو”.
وبالنسبة لكييف فهي تتمسك بعودة أراضيها، كما تعتبر انضمامها إلى حلف “الناتو” خيارا استراتيجيا غير قابل للتغيير خصوصا وهو منصوص عليه في الدستور الأوكراني، بوصفه الضمانة الأكثر فعالية لأمن أوكرانيا مستقبلا.
ورغم تراجع الاتحاد الأوروبي وقيادة حلف الناتو والولايات المتحدة عن مساعيها لضم أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي، لا تزال أوكرانيا تتبنى رؤى مغايرة لتلك التي تتبناها واشنطن ودول أوروبية وذلك بدا واضحا من خلال التصريحات التي أطلقها مؤخرا وزير الخارجية الأوكراني والتي بدت متناقضة تماما مع ما أعلنه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته الذي سبق أن أعلن بأن مناقشة انضمام أوكرانيا إلى الحلف لم تعد قائمة.
يضاف إلى دوامة الشروط تلك التي أفصحت عنها الدول الأوروبية التي ساندت أوكرانيا بكل طاقاتها العسكرية والاقتصادية خلال السنوات الماضية، بعد الإعلانات المتضاربة التي تحدث عن قبول دول الاتحاد الرؤية الأمريكية بشروط نشر قوات للناتو في أوكرانيا، بالتزامن مع إعلانات أخرى تحدثت عن مواصلة دول أوروبا دعم أوكرانيا في حربها ماليا وعسكريا ومطالبة روسيا الانسحاب من الأراضي الأوكرانية كشرط لقبول وقف إطلاق النار وانهاء الحرب.
تحديات متوقعة
وفقا لخارطة الشروط التي يطرحها طرفا الصراع والأطراف الداعمة، فإن الكثير من التحديات تواجه إدارة ترامب في تحقيق اختراق بشأن هذا الملف، في ظل المطالب الروسية الصارمة والتي ترجح عدم موافقة موسكو على وقف إطلاق النار دون تنفيذها، وهي مسألة جوهرية بالنسبة لموسكو خصوصا وان الموافقة على انهاء الحرب دون الأخذ بالشروط الروسية قد يقود إلى تصاعد المعارضة الداخلية لنظام بوتين بصورة غير مسبوقة.
ولدى الروس مبرراتهم الوجيهة لذلك، والتي يتصدرها المكاسب التي حققتها موسكو خلال سنوات الحرب، في ضمها شبه جزيرة القرم والمقاطعات الأربع التي أعلنت ضمها إلى أراضيها (دونيتسك، لوغانسك، خيرسون، زابوريزجيا) منذ 2022، وهي مكاسب عسكرية لا يبدو أن موسكو بصدد التنازل عنها بعد أن حولت المقاطعات الأوكرانية إلى جمهوريات تتمتع بالحكم الذاتي تحت مظلة الاتحاد الروسي.
وهناك معطى آخر بالغ الأهمية بالنسبة لموسكو، وهو ضمانات تحييد أوكرانيا وعدم انضمامها إلى الحلف الأطلسي، وهذا الأمر ينظر اليه في روسيا على أنه هدف استراتيجي باعتباره يهدد الدولة الروسية كما يهدد المستقبل السياسي للرئيس بوتين، الذي طالما قدم هذه القضية بكونها صراعاً وجودياً لروسيا ضد “الناتو”.
ومن جانب آخر، فإن موسكو تبدو حريصة على ربط أي مفاوضات لإنهاء الحرب أو الهدنة برفع العقوبات الأمريكية والغربية، وهو شرط ترفضه واشنطن حتى الآن على الأقل كما ترفضه الدول الحليفة وتطالب لقائه انسحاب روسي كامل من الأراضي الأوكرانية.
وفقا لذلك فإن الراجح هو عدم موافقة موسكو على وقف لإطلاق نار دون شروط لأن ذلك سيعني عمليا، اعترافا بفشل أهداف عمليتها الخاصة التي كبدت روسيا خسائر هائلة، ناهيك عن ان قيامها بذلك سيشكل انتكاسة لمشروعها الاستراتيجي في ان تكون فاعلاً إقليمياً في عالم تريده أن يكون متعدد الأقطاب.
سيناريوهات بديلة
يمكن للرئيس ترامب ممارسة الضغوط على كييف من اجل القبول بأي صيغة من شأنها وقف النار وانهاء الحرب، غير أنه سيواجه صعوبات كبيرة في محاولاته الضغط على موسكو التي يطمح ترامب إلى بناء علاقات جديدة معها، ربما للتفرغ لملفات تبدو بالنسبة لترامب أكثر أهمية من أوكرانيا أو حلف الناتو.
والسبب في ذلك أن أوكرانيا تواجه معضلة معقدة، فهي وإن خضعت للضغوط الأمريكية وقبلت التنازل عن أراضيها لموسكو، فإنها ستواجه رفضا شعبيا داخليا مع وجود نسبة كبيرة من الأوكران الرافضين لفكرة التنازل عن الأراضي الأوكرانية لروسيا، ناهيك عن الموانع الدستورية، حيث يحرم دستور أوكرانيا التنازل عن أي أراض أوكرانية تحت أي ظروف.
وفقا لذلك فإن الخيارات أمام كييف تبدو ضيقة للغاية، إذ أن طول أمد الحرب مع روسيا من دون الدعم الأمريكي سيقود إلى استنزاف الموارد الأوكرانية بسرعة كبيرة، بما يؤدي في النهاية إلى قبولها بأي حل مطروح من دون شروط.
وتدرك كييف أن عدم قبولها الرؤية الأمريكية الآن، سيفقدها ميزات يمكن أن تحصل عليها من واشنطن على شاكلة الحصول على ضمانات أمنية أمريكية وترتيبات دفاعية كما سيفقدها تعويضات وبرامج إعمار كان يمكن ان تقودها واشنطن في حال موافقة كييف على خطة ترامب.
وخلافا للوضع في أوكرانيا فإن الإدارة الأمريكية تبدو مستعدة لتقديم تنازلات لروسيا بدلا من ممارسة الضغوط عليها، والمرجح أن يعرض الرئيس ترامب على موسكو تخفيف العقوبات على قطاعات روسية حيوية (مثل الطاقة) واستئناف التعاون في مجالات مثل الغاز والنفط، مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار، حتى لو لم تستعيد كييف كل أراضيها.
وفي حال فشلت المبادرة الأمريكية الحالية، وذهبت العلاقات مع روسيا إلى المزيد من التوتر فإن أكثر ما يمكن أن تفعله إدارة ترامب هو مواصلة الدعم العسكري المقدم لكييف وهو أمر قد تواجهه روسيا التي خبرت الحرب مع الغرب الجماعي خلال السنوات الماضية، لكنه سيلقي بتبعات ثقيلة على دول القارة الأوروبية التي سيذهب ترامب بلا شك إلى تحميلها تكاليف استمرار الحرب في أوكرانيا باعتبارها المستفيد الرئيسي من حماية أمن أوكرانيا.
مكاسب أمريكية
غداة المباحثات الهاتفية التي جرت بين الرئيسين ترامب وبوتين مؤخرا كان ملاحظا في بيان الإدارة الأمريكية تشديدها على ما سمته “المزايا الهائلة” لإقامة علاقة ثنائية أفضل بين الولايات المتحدة وروسيا تُفضي إلى اتفاقات اقتصادية ضخمة محتملة.
هذا الأمر فتح باب التساؤلات حول المصالح التي تتوقع أمريكا جنيها من تبني إدارة ترامب مبادرة وقف النار وانهاء الحرب في أوكرانيا، خصوصا وأن أي مبادرة من هذا النوع ستكون حتما جزءا من استراتيجية أوسع تضع المصالح الأمريكية في المقدمة وتجسد شعار ترامب “أمريكا أولا”.
ولم يعد خافيا ما تطمح اليه إدارة ترامب بإنهاء الصراع في أوكرانيا وبالمقام الأول تقليل الموارد المالية التي تتكبدها الخزينة الأمريكية لتمويل الجيش الأوكراني، ووقف استنزاف المخزونات العسكرية الأمريكية، وهي أمور ترى إدارة ترامب أنها ستساهم في توفير تمويلات مالية ضخمة يمكن استخدامها في خطط واشنطن الجديدة لتعزيز وجودها في المحيط الهادئ ومواجهة التوسع الصيني.
ومنذ وقت مبكر ترى الولايات المتحدة الصين التهديد الأكبر لحلفائها في آسيا مثل تايوان واليابان وكوريا الجنوبية وهي لذلك تسعى إلى تقليص الموارد التي توجهها لحماية أوروبا، وتوجيهها نحو آسيا، بما يتيح لها مواجهة التهديدات الصينية، فضلا عن طموحاتها بإقامة تحالفات جديدة من اجل احتواء النفوذ الصيني في آسيا.
صار من الواضح أن لدى واشنطن اليوم أهدافا استراتيجية كبيرة تسعى إدارة ترامب إلى تحقيقها من خلال هذه المبادرة وفي المقدمة تفكيك التحالفات الاستراتيجية بين روسيا والصين وإيران، أو على الأقل تقليل تماسكها، وكذلك مواجهة التهديد الذي تشكله منظمة بريكس” للاقتصاد الأمريكي بعد الإفصاح عن عملة بديلة للدولار الأمريكي بين دول مجموعة “بريكس”.
ولا تخفي واشنطن مخاوفها من المخاطر الجسيمة التي يشكلها التحالف الروسي الصيني خصوصا وهو قام على مبدأ رئيسي وهو مواجهة الهيمنة الأمريكية عبر التعاون العسكري والاقتصادي والتكنولوجي.
والحال كذلك مع الشراكة الروسية الإيرانية التي تضمنت التعاون العسكري والدعم السياسي في الملفات الإقليمية وتبادل الموارد من الأسلحة الدفاعية والهجومية.
حيال ذلك تأمل إدارة ترامب أن يقود وقف الحرب في أوكرانيا إلى المساهمة في تنفيذ سياساته الرامية إلى تفكيك التحالفات الاستراتيجية مع الصين، وتحميل الأوروبيين مسؤولية حماية أمنهم بما يسمح للولايات المتحدة بتحويل مواردها نحو آسيا.
مكاسب جيوستراتيجية
تبدي إدارة ترامب اليوم حماسة منقطعة النظير حيال التقارب مع موسكو من اجل تحقيق مكاسب جيوستراتيجية كبيرة عجزت الإدارة السابقة عن تحقيقها وفي المقدمة إنهاء التحالف الروسي الصيني والإيراني الروسي.
أداتها لتحقيق ذلك هي إنهاء العزلة الدولية المفروضة على موسكو وتخفيف العقوبات الدولية عليها، حيث أن عودة روسيا إلى النظام الدولي سيقود إلى تباعد بينها وإيران، في حين أن إعادة روسيا إلى المنظومة الاقتصادية الغربية، بالسماح لها بتصدير النفط والغاز الروسي إلى أوروبا سيقود إلى تقليل اعتماد موسكو على الصين كشريك اقتصادي وحيد وقد يضعف تحالفها مع الصين.
ولأبعد من ذلك فإن إدارة ترامب تسعى إلى حصول تحسن بالاقتصاد الروسي يعيد موسكو إلى المنافسة في سوق السلاح إلى دول الشرق الأوسط، عوض التعاون مع إيران في سباق تسلح ترى واشنطن أنه قد يقوض المصالح الأمريكية في المنطقة.
وبالمقابل فإن واشنطن تسعى إلى إحياء التنافس الخفي بين روسيا والصين على النفوذ في آسيا الوسطى والقطب الشمالي ولذلك تسارع إدارة ترامب لإنجاح مفاوضات وقف النار وانهاء الحرب في أوكرانيا لتكون بوابة لعلاقات جديدة مع روسيا، تفتح الطريق لاستئناف الحوار الاستراتيجي مع روسيا، ولا سيما في مفاوضات الحد من الأسلحة النووية ودفع روسيا لتبني مواقف أكثر تعاونا مع الغرب بما يتيح لأمريكا والغرب منع إيران من امتلاك الأسلحة النووية.

 

مقالات مشابهة

  • ماذا قال حزب الإصلاح في ذكرى تأسيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية وماهي الرسائل السياسية التي بعثها إليهم ؟
  • نتنياهو يعلق على تمرير الميزانية.. فماذا يعني ذلك لمستقبله السياسي؟
  • ستاندرد آند بورز: عدم اليقين السياسي يهدد الليرة التركية
  • الحرب على لبنان غير مستبعدة… والتصعيد السياسي يخدم حزب الله
  • خلى بالك.. الخلع وفقا للقانون يعتبر فسخا لا طلاقا ويحسب من عدد مرات الطلاق
  • ماهي المكاسب التي تنتظرها واشنطن من مفاوضات إنهاء الحرب في أوكرانيا ؟
  • وزير الخارجية: يجب التركيز على الحلول التي تضمن بقاء السودان موحدا ومستقرا
  • غردون العالم
  • مصطفى بكري: أتمنى أن تسمو القوى السياسية بالسودان على الخلافات وترد للجيش اعتباره
  • البرهان فى القصر الرئاسى.. وماذا بعد؟!