السؤال الأصعب حول وقف الحرب في السودان
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
تعريف وفهم طبيعة حرب الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023 كمدخل لبحث كيفية إيقافها، إضافة إلى تعريف الآليات والوسائل المناسبة والممكنة لوقف القتال، ناقشناهما في مقالاتنا السابقة، وهما من ضمن الأسئلة الصعبة التي تشكل جوهر الرؤية المطلوبة كأساس للتفاوض حول وقف الحرب، مع التأكيد على أن صياغة هذه الرؤية هي من صميم عمل القوى المدنية والسياسية السودانية.
ولكن لعل من أهم هذه الأسئلة الصعبة وأشدها صعوبة، ما هو متعلق بمستقبل قيادة القوات المسلحة والخيارات المتاحة لأدوارها بعد توقف الحرب في السودان، وحول إصلاح وتطوير وتحديث القوات المسلحة السودانية والقوات النظامية الأخرى بما يحقق قوميتها ومهنيتها واحتكارها للعمل العسكري والنظامي في البلاد، وبما يتماشى مع المعايير الديمقراطية وتحت إشراف مدني، وضرورة تناول كل ذلك مقرونا بالتقرير في مستقبل قوات الدعم السريع وقوات الحركات والميليشيات المسلحة الأخرى، واستكشاف الخيارات الممكنة أمام هذه القوات على أساس خضوعها لمبدأ بناء الجيش القومي والمهني الواحد في البلاد، وبناء المؤسسات النظامية الأخرى بذات الطبيعة وخضوعا لذات المبدأ، رفضا لتعددية المؤسسات النظامية في البلاد. وهذا ما سنتناوله في مقال اليوم.
بالطبع، فإن وقف إطلاق النار وإنهاء العدائيات يتطلب وجود طرفي الاقتتال، الجيش والدعم السريع، على مائدة التفاوض، في منبر جدة أو أي منبر آخر يتم التوافق عليه، لا بهدف النقاش على أساس ما يقدمه الخبراء الإقليميون والدوليون من الآليات الفنية لوقف إطلاق النار وإعادة نشر القوات فحسب، وإنما أيضا بهدف التفاوض على أساس الرؤية الوطنية التي تتضمن خيارات الإجابات على الأسئلة الصعبة المشار إليها، والتي تقدمها القوى المدنية والسياسية السودانية كمشروع رئيسي لوقف إطلاق النار الدائم. وبالنسبة للسؤال حول مستقبل الطرفين العسكريين، فأعتقد من الضروري البدء بنقاش المسؤولية القانونية حيال الحرب باعتبارها جريمة مركبة من عدة جرائم في حق الوطن والمواطن، تستوجب محاسبة كل من أشعلها وزكى نيرانها، وكل من ارتكب أو ساهم في ارتكاب الانتهاكات الفظيعة التي مورست خلالها. وفي هذا الصدد، فإن ضربة البداية هي تشكيل لجنة تحقيق محلية أو إقليمية أو دولية أو مختلطة، تتقصى وتحقق في كل تفاصيل هذه الجريمة المركبة، بما في ذلك المذابح التي جرت في دارفور، والتوصية بتقديم المتهمين إلى العدالة على ذات النسق الذي تم مع قادة الصرب في حرب البلقان. أما أي حديث عن العفو أو العدالة الانتقالية فيظل محكوما بالقانون الدولي الذي ينص على إنصاف الضحايا وعدم الإفلات من العقاب في جرائم الحرب. ثم بعد ذلك يأتي الحديث عن مستقبل ودور كل من قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
أهم هذه الأسئلة وأشدها صعوبة، ما هو متعلق بمستقبل قيادة القوات المسلحة والخيارات المتاحة لأدوارها بعد توقف الحرب في السودان، وحول إصلاح وتطوير وتحديث القوات المسلحة السودانية
بالنسبة للقوات المسلحة، فإن الخيارات متعددة وتتراوح ما بين الإعفاء واستراتيجية الخروج، والمساهمة في الحل عبر «مجلس الدفاع والأمن» أو «مجلس الأمن القومي» برئاسة رئيس السلطة المدنية، رئيس مجلس الوزراء، والذي يتأسس وفق قانون يحدد مهامه وصلاحياته التي من ضمنها إعداد سياسات الأمن القومي وتنسيق السياسات الأمنية في البلاد بما يخدم وحدة السودان وسلامة وأمن أراضيه، كما يشرف على عمليات الدمج والتسريح، وعلى الترتيبات الأمنية والعسكرية المتفق عليها مع الحركات المسلحة، ويخطط وينفذ برامج بناء وتطوير وتحديث القوات المسلحة السودانية وقوات الشرطة والأمن، والإيفاء باحتياجاتها وتأمين مواردها. أما بالنسبة لقوات الدعم السريع، فأعتقد لا مجال سوى حلها وإلغاء قانونها، والتطبيق الفوري لإجراءات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج بالنسبة لأفرادها ما دون المستويات القيادية، بحيث يتم استيعاب هولاء الأفراد في القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى ومؤسسات الخدمة المدنية، ولكن وفقا لقانون وشروط الالتحاق بالقوات المسلحة أو القوات النظامية الأخرى، وكذلك قوانين وشروط الالتحاق بالخدمة المدنية. كما يتم البدء في تنفيذ الترتيبات الأمنية الشاملة بالنسبة لحركات الكفاح المسلح الأخرى، وانتقالها إلى الحياة المدنية، بما في ذلك تحول من يرغب منها إلى تنظيمات سياسية. وبالنسبة للاستثمارات والموارد الاقتصادية التابعة للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، فتتم تبعيتها للسلطة التنفيذية المدنية، وتستثمر لصالح إعمار ما دمرته الحرب ولتعويض ضحايا الحرب والمتضررين منها، ولتطوير وتحديث القوات المسلحة السودانية والقوات النظامية الأخرى.
هذه مجرد أفكار أولية في معرض الإجابة على أكثر أسئلة الرؤية صعوبة، قابلة للنقض والتطوير، ولا شك أن هناك العديد من الخيارات الأخرى يمكن طرحها على طاولة التفاوض، ولكن بالضرورة أن تحكمها بوصلة البحث عن مخرج يحقق وقف القتال، وكذلك ضرورة أن تحكم هذه الخيارات المتعلقة بمستقبل ودور كل من قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، نقطتان جوهريتان: النقطة الأولى هي ارتباط هذه الخيارات مقرونة بالمساءلة والمحاسبة القانونية على ارتكاب جريمة الحرب، أما النقطة الثانية فهي لا خيارات بدون مقابل.
وبالتأكيد، فإن المسألة مرتبطة بعملية الإصلاح العسكري والأمني، وهذا ما يمكن تناوله بالتفصيل في مقال آخر، ولكن تحضرنا هنا بعض المبادئ التي تحكم هذه العملية:
أولا، هدفها الرئيسي تصالح القطاع الأمني والعسكري مع القوى المدنية واستعادة الثقة المفقودة بينهما. ثانيا، ليس مجرد التفكيك والإحلال، وإنما تطوير وتحديث القطاع حتى يتماشى مع مفاهيم التحول المدني.
ثانيا، لا تتم بضربة واحدة وخلال فترة زمنية قصيرة، وإنما هي سلسلة عمليات مركبة تُبتدر خلال الفترة الانتقالية، لكن استكمالها واعتماد نتائجها تقوم به المؤسسات المنتخبة.
ثالثا، ترتبط بالإصلاح الشامل لكل مؤسسات الدولة الأخرى.
رابعا، هي ليست مجرد قرارات أو إجراءات سياسية أو إدارية أو فنية، ولا تخضع للمزايدات السياسية والإعلامية وإنما تستند إلى مفاهيم علمية متوافق عليها دوليا، وتستهدي بالتجارب الناجحة التي تمت في البلدان الأخرى.
خامسا، تنفيذها من داخل المؤسسات العسكرية والأمنية وبواسطة منسوبيها، على أن تخضع إلى رقابة المؤسسات المدنية من حكومة ومجلس تشريعي.
نقلا عن القدس العربي
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المسلحة السودانیة وقوات القوات النظامیة الأخرى الدعم السریع فی البلاد وقف الحرب
إقرأ أيضاً:
مرور عامان: تقرير خاص عن الحرب السودانية وتداعياتها الإنسانية
منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، غرق السودان في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث. ووفقًا لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة، تجاوز عدد القتلى المدنيين 24,000 شخص حتى الآن، مع نزوح أكثر من 5.7 ملايين شخص داخليًا وخارجيًا (الأمم المتحدة - نوفمبر 2024). ولم يقتصر عدد الضحايا
خاص – سودانايل
مقدمة
منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، غرق السودان في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث. ووفقًا لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة، تجاوز عدد القتلى المدنيين 24,000 شخص حتى الآن، مع نزوح أكثر من 5.7 ملايين شخص داخليًا وخارجيًا (الأمم المتحدة - نوفمبر 2024). ولم يقتصر عدد الضحايا على القتل الناتج عن تبادل النيران العشوائية، بل تصاعدت الانتهاكات في الآونة الأخيرة لتشمل القتل العمد، واستهداف الأفراد على أساس قبلي وهوياتي، وهو ما يزيد من تعقيد النزاع وتأجيجه.
انتهاكات جسيمة تستهدف الهوية
تشير تقارير حقوقية، منها ما صدر عن منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إلى أن عمليات القتل العمد بحق المدنيين والأسرى تستند غالبًا إلى خلفياتهم الإثنية أو القبلية، مما يُنذر بتفاقم الانقسامات العرقية وتعميق جراح المجتمع السوداني. وذكرت منظمة العفو الدولية أن عددًا كبيرًا من حوادث القتل موثقة على أنها جرائم حرب، حيث تُرتكب دون أي مراعاة للقوانين الدولية الإنسانية (العفو الدولية - ديسمبر 2024).
أبعاد الكارثة الإنسانية
يتجاوز النزاع القتل المباشر ليشمل تداعيات إنسانية كارثية. ووفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، يعاني أكثر من 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في السودان، مع تحذيرات من مجاعة واسعة النطاق إذا استمرت الحرب دون تدخل دولي فاعل (برنامج الأغذية العالمي - نوفمبر 2024). وفي الوقت نفسه، وثق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) حالات اغتصاب وعنف جنسي متزايدة، مع تسجيل أكثر من 200 حالة مؤكدة في المناطق المتأثرة بالنزاع منذ بداية الصراع.
انتهاكات قوات الدعم السريع واستهداف المدنيين على أسس عرقية وقبلية
على الجانب الآخر من النزاع، ارتكبت قوات الدعم السريع انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، اتسمت بالقتل الممنهج والاستهداف المباشر على أسس عرقية وقبلية وجنسية. ووفقًا لتقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، فإن قوات الدعم السريع استهدفت بشكل منهجي مجموعات سكانية تنتمي إلى قبائل محددة، حيث تم توثيق عمليات قتل واغتصاب ونهب في المناطق التي تسيطر عليها هذه القوات (العفو الدولية، نوفمبر 2024؛ هيومن رايتس ووتش، ديسمبر 2024).
استهداف النساء والفتيات
تشير تقارير صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن العنف الجنسي ضد النساء والفتيات قد أصبح سلاحًا حربياً تستخدمه قوات الدعم السريع لترهيب المجتمعات المحلية وإجبارها على النزوح. وتم توثيق أكثر من 200 حالة اغتصاب في المناطق التي سيطرت عليها القوات، مع توثيق شهادات مباشرة من الناجيات تؤكد أن هذه الجرائم كانت موجهة ضد فئات عرقية معينة. (UNFPA، ديسمبر 2024)
استهداف القرى والأحياء السكنية
في المناطق الريفية تحديدًا، قامت قوات الدعم السريع بحملات عنف شديدة استهدفت القرى التابعة لقبائل معينة، حيث تم تدمير المنازل ونهب الممتلكات وقتل المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال. وفي بعض الحالات، تم إجبار الناجين على النزوح تحت تهديد السلاح، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وارتفاع أعداد النازحين داخليًا إلى أكثر من 5.7 ملايين شخص (مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHA، نوفمبر 2024)
انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في ود مدني بعد دخول الجيش السوداني
في أعقاب دخول الجيش السوداني إلى مدينة ود مدني بولاية الجزيرة الأسبوع الماضي، تواترت تقارير عن ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بحق المدنيين. وأفادت منظمة العفو الدولية باندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في ود مدني، مما أثار مخاوف جديدة على سلامة المدنيين (العفو الدولية، ديسمبر 2024).
من جانبه، أعرب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، عن قلقه البالغ إزاء التقارير المتعددة التي تفيد بوقوع تجاوزات واسعة النطاق وارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في ود مدني خلال الأيام الأخيرة من القتال. وأشار إلى أن الحالة الإنسانية في ولاية الجزيرة، التي تستضيف ما يقرب من نصف مليون نازح داخليًا، "رهيبة ومروّعة" (مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ديسمبر 2024).
في هذا السياق، ندد الجيش السوداني بما وصفه بـ "التجاوزات الفردية" التي حدثت في بعض مناطق ولاية الجزيرة عقب استعادة مدينة ود مدني، مؤكدًا التزامه بالقانون الدولي الإنساني وحرصه على محاسبة كل من يثبت تورطه في أي تجاوزات (الجزيرة نت، يناير 2025).
هذه التطورات تسلط الضوء على التحديات المستمرة التي تواجه المدنيين في مناطق النزاع، وتؤكد الحاجة الملحة لحماية حقوق الإنسان وضمان المساءلة عن أي انتهاكات تُرتكب.
أدوار الكتائب والمليشيات المرتبطة بحزب المؤتمر الوطني المنحل
تشير التقارير الميدانية إلى أن العديد من هذه الانتهاكات تُرتكب على يد كتائب ومليشيات مسلحة، في الغالب ذات توجهات إسلامية أو تدّعي تبنيها لقيم الإسلام، مع انتمائها إلى قيادات الحزب الحاكم المحلول، حزب المؤتمر الوطني. من بين هذه الكتائب، تبرز كتائب البراء المعروفة، التي تنشط في مناطق النزاع وتتحمل مسؤولية انتهاكات جسيمة ضد المدنيين. تعمل هذه الكتائب غالبًا تحت مظلة دعم بعض قادة الجيش السوداني أو على الأقل تحت مرأى ومسمع من القيادات العسكرية دون اتخاذ إجراءات واضحة لردعها أو محاسبتها. وقد أعربت منظمات حقوقية دولية عن قلقها من أن هذه الكتائب، واللتي تسهم في تأجيج النزاع عبر ممارساتها التي تنتهك حقوق الإنسان، وتفاقم الانقسامات العرقية والسياسية في البلاد (العفو الدولية، ديسمبر 2024؛ هيومن رايتس ووتش، نوفمبر 2024).
توثيق الانتهاكات عبر وسائل التواصل الاجتماعي
في سياق توثيق هذه الجرائم، نشر عشرات الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تُظهر بوضوح انتهاكات جسيمة تُنسب إلى كتائب البراء وغيرها من المليشيات المشابهة. تُظهر هذه الفيديوهات عمليات قتل متعمد وتعذيب للمدنيين ونهب للممتلكات في المناطق التي شهدت نزاعًا مسلحًا. وقد أثارت هذه المقاطع موجة من الإدانات الدولية والمحلية، حيث تمثل دليلًا مباشرًا على الانتهاكات التي تُرتكب بجرأة وعلانية. ورغم ذلك، لا تزال هذه الجرائم تُرتكب دون محاسبة جدية أو تدخل دولي فاعل لوقف هذه الممارسات التي تهدد الأمن والاستقرار في السودان.
القتل العرقي وتداعياته على السودان
تقوم هذه الجرائم على أساس القتل العرقي والممنهج، مما يشير إلى نقل الحرب إلى مربعات جهوية وعرقية وإثنية خطيرة. وما حدث مؤخرًا في ولاية الجزيرة يمثل دليلًا موثقًا لهذه الانتهاكات، حيث تعرضت مجموعات معينة للاستهداف على أسس إثنية واضحة. هذا التصعيد يهدد بنقل البلاد إلى مرحلة الحرب العرقية، وهي مرحلة قد تطول نتيجة التعدد القبلي الكبير والتنوع الثقافي في السودان.
في ظل هذه الظروف، فإن عدم تدخل السلطات بشكل حاسم يُعد إشارة ضمنية إلى مباركة هذه الجرائم، خاصة في ظل الصمت أو التأييد غير المباشر من رئاسة الدولة ممثلة في مجلس السيادة الانتقالي. هذا الوضع يضع السودان أمام سيناريوهات خطيرة، حيث تتعمق الانقسامات العرقية وتُزرع بذور حروب أهلية طويلة الأمد، ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الانتهاكات ومعالجة جذور الصراع.
مسؤولية القيادات وتفاقم الانقسامات
تعتمد قوات الدعم السريع في عملياتها على قيادات ميدانية تنتمي إلى شبكات قبلية متداخلة، ما يجعل من الصعب فصل الممارسات الفردية عن التوجهات العامة التي تُنفذ بتوجيه أو بغطاء ضمني من القيادة العليا. وقد أدت هذه الانتهاكات إلى زيادة الانقسامات العرقية وتأجيج الصراعات داخل المجتمعات المحلية، مما يُنذر بتفكك النسيج الاجتماعي في السودان.
تداعيات مستمرة وخطر الحرب الممتدة
إن استمرار هذه الممارسات من قبل قوات الدعم السريع، إلى جانب الانتهاكات الموثقة التي ترتكبها القوات المسلحة السودانية والمليشيات المتحالفة معها، يعمّق الانقسامات العرقية والقبلية في البلاد. ومع غياب أي مساءلة دولية أو محلية جادة، تتزايد المخاوف من أن تتحول هذه الحرب إلى صراعات طويلة الأمد على أسس عرقية، مما يجعل التوصل إلى أي حل سياسي شامل أكثر تعقيدًا.
تصاعد الضغوط الدولية: عقوبات أمريكية تطال حميدتي والبرهان
في تطور لافت، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قائد قوات الدعم السريع السودانية، محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، في 7 يناير 2025، متهمة إياه بارتكاب جرائم إبادة جماعية خلال الصراع المسلح مع الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من السودانيين (فرانس 24، 7 يناير 2025).
وفي 16 يناير 2025، أعلنت الحكومة السودانية رفضها للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، معتبرة إياها استخفافًا بالشعب السوداني (سودان تربيون، 16 يناير 2025).
هذه الإجراءات تعكس تصاعد الضغوط الدولية على القيادات العسكرية السودانية بسبب الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في البلاد.
دور الإعلام في مواجهة الحرب ومخاطر الانزلاق العرقي
في خضم الأزمة السودانية المتفاقمة، يلعب الإعلام دورًا محوريًا في توجيه الرأي العام نحو نبذ خطاب الكراهية ومواجهة الانتهاكات التي ترتكبها الأطراف المتنازعة. تقع على عاتق الإعلاميين والصحفيين مسؤولية كبيرة في تسليط الضوء على هذه الجرائم، وتحديدًا الانتهاكات ذات الطابع العرقي أو القبلي، والتي قد تؤدي إلى تقسيم المجتمع السوداني وإشعال فتيل حرب لا تبقي ولا تذر.
مناشدات للإعلاميين والنشطاء
يجب على الإعلاميين والنشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة الناشطين المؤثرين الذين يمتلكون أعدادًا كبيرة من المتابعين، الالتزام بخطاب يدعو إلى التهدئة وتجنب تأجيج الصراعات القبلية. هؤلاء الناشطون، بمنصاتهم الواسعة الانتشار، لديهم القدرة على تغيير مسار الخطاب العام من التحريض إلى تعزيز قيم التعايش السلمي ونبذ العنف.
دور الصحفيين ووسائل الإعلام
من جهة أخرى، يجب على الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، سواء عبر الصحف الإلكترونية أو القنوات الإعلامية التقليدية، الإقليمية منها، والدولية التطرق إلى هذه الانتهاكات بموضوعية ومصداقية. على الإعلام أن يكشف الحقيقة ويوثق الجرائم التي تُرتكب، مع التركيز على الأبعاد الإنسانية لهذه الكارثة. يجب أن يكون الإعلام صوتًا للضحايا، وأداة للضغط على الأطراف المتنازعة والمجتمع الدولي للعمل على وقف هذه الحرب.
حماية النسيج الاجتماعي
الإعلام مسؤول أيضًا عن التذكير بأهمية حماية النسيج الاجتماعي للسودان، وضرورة عدم السماح بتحويل النزاع إلى صراع قائم على العرق أو الجنس أو القبيلة. عليه أن يواجه محاولات بعض الأطراف التي تسعى لتأجيج الفتنة القبلية لتحقيق مكاسب قصيرة المدى على حساب وحدة السودان ومستقبله.
هذا الدور الإعلامي الحساس يجعل من الصحفيين والإعلاميين شركاء أساسيين في مجابهة هذه الحرب اللعينة، ومنعها من التدهور إلى صراعات قبلية طويلة الأمد، قد تستنزف السودان لعقود قادمة.
الخاتمة
في ظل هذه الأزمات المتفاقمة، يتطلب الوضع في السودان تحركًا جماعيًا من كافة الأطراف، بدءًا من القيادات السياسية والعسكرية إلى المجتمع المدني والإعلام. لا يمكن للسودان أن يتحمل استمرار هذا النزاع الذي يهدد مستقبل أجياله ويُدمر نسيجه الاجتماعي. إن الحل الوحيد يكمن في وقف فوري لإطلاق النار، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، والالتزام بتسوية سياسية شاملة تضمن تحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان.
على الإعلام، كسلطة رابعة، أن يستمر في نقل الحقيقة بموضوعية وشجاعة، وأن يكون صوتًا للضحايا ومنبرًا للمصالحة الوطنية. فلا يمكن تحقيق السلام دون مواجهة حقيقية للجرائم والتحديات، ودون خطاب إعلامي يوحد السودانيين بدلًا من تقسيمهم.
فهرس المراجع
العفو الدولية: تقرير حول انتهاكات حقوق الإنسان في السودان، ديسمبر 2024
هيومن رايتس ووتش: تقارير موثقة عن الانتهاكات الجسيمة من قبل الأطراف المتنازعة، نوفمبر وديسمبر 2024
مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA): تقارير حول أعداد الضحايا والنازحين، 2024
صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA): تقرير عن العنف الجنسي ضد النساء والفتيات في مناطق النزاع، ديسمبر 2024
برنامج الأغذية العالمي: تقرير عن أزمة انعدام الأمن الغذائي في السودان، نوفمبر 2024
فرانس 24: إعلان العقوبات الأمريكية على قائد قوات الدعم السريع، 7 يناير 2025
سودان تربيون: تقرير حول العقوبات الأمريكية على عبد الفتاح البرهان، 16 يناير 2025
مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: تقارير النزوح الداخلي والخارجي في السودان، 2024
تصريحات مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك: حول الانتهاكات في ولاية الجزيرة، ديسمبر 2024
الجزيرة نت: تغطية للتصريحات والتطورات السياسية في السودان، يناير 2025